عاد إلى بيته في المساء بعد يوم عمل شاق، فتح الباب لتستقبله وحدته بثوبها الأسود المسترسل الذي يرتد صدى حفيفه في صمت المكان...تطلع حوله في تذمر و قد سئم النظر إلى وجهها المطموس الملامح و نظراتها الفارغة المتلهفة إليه... أقنعة معلقة على الحائط، مكتب في الزاوية المظلمة من المكان عليه حاسوب، أقلام و أوراق متناثرة، فنجان قهوة فارغ و سجائر سلبت منها الحياة مهملة في صحن الفنجان تزيد من وحشة المكان...إنه مسرحه الصغير حيث يؤدي كل ليلة أدواره بنجاح ليغيض وحدته و يثير غيرتها... ترى أي دور سيلعب هذا المساء؟ و بأي قناع؟.. أنقذه صوت أمعائه من تساؤلاته و هي تصرخ مطالبة إياه بالشفقة لحالها...دخل مسرعا إلى غرفته لينزع عنه ملابسه و يدخل إلى المطبخ..
عاد بعد ساعة و هو يحمل فنجان قهوة في يده و علبة سجائر ليستقر أمام الحاسوب و يرفع الستار...ليبدأ العرض.. متجاهلا وحدته التي تغازله بنظراتها لينضم إليها و يطفئ لهيب شوقها إليه، استلقت بإغراء على الأريكة المقابلة له كاشفة عن ساقيها، محاولة إغواءه، فنيران الغيرة تفتك بها كلما جلس أمام مرآة الزمن تلك..إنه ملكها و لن تسمح لأي امرأة أخرى أن تسلبها إياه... تأملته و هو يرتدي القناع تلو القناع، تارة يضحك و أخرى يقطب جبينه و دخان سجائره يحجب عنها الرؤية..رؤية بريق عينيه و هو يطعنها بخنجر خيانته و غدره..رؤية محاولاته المستمرة للخلاص منها...و هي مستكينة إلى حبه، وفية لعهده، نظراتها معلقة بعقارب الساعة كأنها طوق النجاة.. تنتظر أن يعيده سلطان النوم إليها لتدللـه و تهدهده حتى ينام كطفل خائف في أحضانها.. و يهجرها عند الصباح...ليتركها فريسة خوفها من أن لا يعود، و توجسها من عودته و قد فقد الإحساس بوجودها..فلا تملك حينها إلا أن تتلاشى خلف ستار فرحته و حسرتها... لكنها ستمكث في أعماقه مع الأمل في أن يعود إليها ذات يوم ….