مجتمع المعلومات, مفهوم أضحى شائع التداول بل أصبح من الأهداف المنشودة من طرف صناع القرار ببلادنا.وقد صاغ «دانييل بيل" فكرة عن المجتمع ما بعد الصناعي( مجتمع المعلومات), اذ صنفه إلى ثلاثة كيانات : اجتماعية, سياسية, ثقافية. فالكيان الاجتماعي تشتمل على النواحي الاقتصادية و التكنولوجية و نظم العمل, والكيان السياسي يعنى بتوزيع السلطات, أما الكيان الثقافي فيهتم بالمعاني و الرموز. وكل هده الكيانات تحكمها محاور. فالبناء الاجتماعي يحكمه المحور الاقتصادي و الكيان السياسي يحكمه محور المشاركة و الكيان الثقافي يحكمه محور إبراز الذات و الهوية.
و على ضوء هدا التصور تتغير أدوار الأفراد في المجتمع, كما تظهر أنماط جديدة للسلوك و تنشأ علاقة تنافسية بين الكيان الاجتماعي و الكيان السياسي مادام مجتمع المعلومات قائم على تطور البناء الاجتماعي و بروز الجوانب المعرفية مما يسحب البساط من تحت أرجل النخبة السياسية. وكل هدا من شأنه تكريس النزعة الفردانية.
إذن يبدو أن مجتمع المعلومات يتمحور حول عملية المعرفة كضابط اجتماعي و كموجه لعمليات الإبداع و التغيير مع إعطاء الأولوية للتوجه المستقبلي القائم على البحث العلمي و الوعي الفردي لمتطلبات الغد و تنمية روح الابتكار.
فأين نجن من كل هدا؟ وما هو دور المعلومات في اتخاذ القرار عندنا, ومن ثمة الوصول إلى مرحلة التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي من خلال استفادة مجتمعنا من الشبكات المعلوماتية؟ وأين مجتمعنا في مجال إدارة و تدبير التكنولوجيا كأحد الجوانب الأساسية في نجاح الجهات و المؤسسات التي توظف التقنيات المعلوماتية؟ وهل مجتمع المعلومات حقيقة قائمة الآن في المجتمع المغربي؟
فما يمكن قوله في هدا الصدد هو أن المجتمع المغربي مازال لم يصل بعد إلى ما يمكن نعته بالظاهرة المعلوماتية و دلك لعدم تغلغل انتشار أدواتها بشكل منظم في مختلف قطاعات المجتمع سواء المؤسسات أو على مستوى فئات المجتمع.علاوة على أن المغرب لا يزال يعتمد على استيراد جميع مكونات التقنيات المعلوماتية و عدم وجود صناعة معلوماتية بالمعنى الإنتاجي ببلادنا.
ولا يخفى على أحد أن الثقافة تؤدي دورا هاما في عملية مواكبة التطور الحاصل في مجال ألمعلوماتي لأن هناك ارتباط بين درجة انتشار تكنولوجيا المعلومات و حدوث تبعات و تأثيرات ثقافية في طرق التفكير و الأداء العلمي. وهكذا في ظل استخدام الحاسوب يمكن إعادة الاعتبار لقيمة إدارة الوقت, كما يمكن استعمال البريد الالكتروني للتخاطب و التواصل. لكن انتشار نمط الثقافة المعلوماتية يحتاج أصلا إلى عوامل مساعدة مثل مستوى التعليم و مضمونه, كما يحتاج إلى مستوى معين من الدخل يضمن درجة حد أدنى معينة من القوة الشرائية.
شهد العالم ثورة معلوماتية و اتصالية شاملة دخل معها عصر ما بعد الثورة الصناعية. ولقد ارتبطت الأقمار الصناعية بالحواسب لتشكيل شبكة الانترنيت التي بدأ العمل بها مند 1975 في وزارة الدفاع الأمريكية(البانتاغون) ثم أدخلت إلى الميادين الأكاديمية و الاقتصادية وغدت الآن مصدرا للتجارة و الربح. وبفضل ما وفرت هذه الثورة يتم اختراق الدول و الجماعات عبر العالم بواسطة الإعلام الفضائي. وهكذا تراجعت الحدود و الاعتبارات الجغرافية أمام تدفق المعلومات عبر شبكة الاتصالات حتى أصبحنا نسمع عن دبلوماسية الأقمار الصناعية.
وفي هدا الإطار لوحظ تراجعا مهولا لسيادة الدولة في مجال الإعلام’ بحيث لم يعد من الممكن حاليا إخفاء أي خبر ولو محلي عن الرأي العام اذ لو عارضت الحكومة نشره.
إلا أن المستفيد الأكبر من ثورة الاتصالات و المعلومات تظل بالدرجة الأولى الشركات العابرة للقارات حيث ساعدتها للتفاعل مع مختلف الأسواق في أية لحظة. كما ساهمت هذه الثورة لتحقيق اختراقات واسعة النطاق لثقافات و حضارات الشعوب. كما ساهمت هده الثورة في تعميق الهوة بين التقدم و التخلف و زادت من تفاقم هدا البون الشاسع أصلا بين البلدان الصناعية الكبرى و الدول النامية إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
إذا كان الاختلاف حق فالحوار و التواصل ضرورة أكيدة
أكثر من جهة أضحت تنادي بفتح الحوار الجدي و المسؤول للنظر في مجمل من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ومن المعلوم أن الحوار و التواصل يحتجان إلى ثقافة الحوار و هي ثقافة ظلت غائبة على امتداد عقود, الشيء الذي عاق إثراء الخبرة لدى الأجيال – ثقافيا و حضاريا و سياسيا اجتماعيا – و كان الحوار, لو أسس فعلا و فعليا, من شأنه أن يساعد على اٍتساع آفاق النظر و التأمل و استبصار مستقبل البلاد, و لكان من شأنه جعل الأجيال يمتلكون القدرة على التعاطي للشأن الإنساني الخاص و العام في مختلف المجلات و بفعالية كبيرة و ثقة أكبر في المستقبل.
ولعل السبب الأكبر في ذلك يعود إلى الحساسية العالية إزاء فتح الملفات الكبرى, فكانت مقتضيات ترك الوضع على ما هو عليه تدفع إلى إبعاد و تهميش الحوار و تجاهله أحيانا بالمطلق. إلا أن تجاهل الحوار أدى إلى نتائج وخيمة على مجمل التجربة ماعدا في حدود ضيقة لا تتناسب مع المجهودات المبذولة و مع ضخامة الانتظارات التي دامت ما يناهز نصف قرن.
و بفعل غياب الحوار كانت الحسابات المتصلة بأشخاص هي السائدة عوض الحسابات المتصلة بالشأن العام و المؤسسات و الأفكار و البرامج و المناهج. و بالطبع هذا النمط الأول من الحسابات لا يحتاج لحوار خلافا للنمط الثاني من الحسابات, فذلك النمط كان يتعامل بعقلية "هذا معي و هذا ضدي" و لا وسط بين الأمرين.
و ها نحن اليوم نعاين تلك الحقيقة التي ظلت مغيبة – عمدا أو جهلا, وعيا أو بدون وعي- وهي القائلة إذا كان الاختلاف حق فالحوار و التواصل ضرورة أكيدة و مؤكدة.