والريح تعصف والثلج يتساقط من حولي
جلست في كوخي الشعري المتواضع
ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية
ورحت أنتظر
***
يا رب...
ساعدني على قول الحق
ومواجهة الواقع
وتحمّل العطش
والجوع
والحرمان
جزر أمنية – محمد الماغوط
أظافري لا تخدش
أسناني لا تأكل
صوتي لا يسمع
دموعي لا تنهمر
أليست هذه بطالة مقنعة؟
***
الكل يقلع وأنا مازلت في المطار.
***
كل جراحي اعتراها القدم، وأصابها الإهمال
لم تعد دماؤها قانية
ولا آلامها مبرحة
الليل والأزهار ـ شعر : محمد الماغوط
كان بيتنا غاية في الاصفرار
يموتُ فيه المساء
ينام على أنين القطارات البعيده
وفي وسطه
تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العاريه
تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع
حتى العصافير الحنونه
لا تغرد على شبابيكنا
ولا تقفز في باحة الدار .
وكنت أحبكِ يا ليلى
أكثر من الله والشوارع الطويله
جفاف النهر ـ شعر : محمد الماغوط
صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريري
أسير بلا نجومٍ ولا زوارق
وحيد وذو عينين بليدتين
ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة
وذات لحن جريح لا يتبدَّل
أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى
كأميرٍ أشقر الحاجبين
يطأ الحقول والبشريه ..
. . .
وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي
أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر
القتل ـ شعر : محمد الماغوط
ضع قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
الجريمةُ تضرب باب القفص
والخوفُ يصدحُ كالكروان
ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح
وها نحن نتقدم
كالسيف الذي يخترقُ الجمجمه .
. . .
أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام القصور والكنائس
أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس
المأساةُ تنحني كالراهبه
والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .
غوطالرجل الميت ـ شعر : محمد الماغوط
أيتها الجسورُ المحطّمة في قلبي
أيتها الوحولُ الصافيةُ كعيون الأطفال
كنا ثلاثه
نخترق المدينةَ كالسرطان
نجلسُ بين الحقول ، ونسعلُ أمام البواخر
لا وطنَ لنا ولا سياط
نبحثُ عن جريمةٍ وامرأة تحت نور النجوم
وأقدامُنا تخبُّ في الرمال
تفتحُ مجاريرَ من الدم
نحن الشبيبة الساقطه
والرماح المكسورة خارج الوطن
تبغ وشوراع ـ شعر : محمد الماغوط
شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي
كشلالٍ من العصافير
يلهو على وساداتٍ غريبه
يخونني يا ليلى
فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن
سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله
حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم
شبابي باردٌ كالوحل
عتيقٌ كالطفوله
طفولتي يا ليلى .. ألا تذكرينها
كنت مهرجاً ..
سرير تحت المطر ـ شعر : محمد الماغوط
الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب
والضجرُ خريفٌ بين النهدين
أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي
من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين
من خلال النسيم البارد
أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .
ظالمٌ أنت يا حبيبي
وعيناك سريران تحت المطر
ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر
ضعني أغنيةً في قلبك
ونسراً حول نهديك
جناح الكآبة ـ شعر : محمد الماغوط
مخذولٌ أنا لا أهل ولا حبيبه
أتسكعُ كالضباب المتلاشي
كمدينةٍ تحترقُ في الليل
والحنين يلسع منكبيّ الهزيلين
كالرياح الجميله ، والغبار الأعمى
فالطريقُ طويله
والغابةُ تبتعدُ كالرمح .
. . .
مدّي ذراعيك يا أمي
أيتها العجوزُ البعيدةُ ذات القميص الرمادي
دعيني ألمس حزامك المصدَّف
رجل على الرصيف ـ شعر : محمد الماغوط
نُصفُهُ نجوم
ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه
ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذه
شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،
قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .
. . .
كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار
ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي
وداع الموج ـ شعر : محمد الماغوط
في المرافئ المزدحمة ، يلهثُ الموج
في قعر السفينة يتوهجُ الخمر
وتُضاء النوافذ ،
والزبد الحريري يرنو إلى الأقدام المتعبه
ويتناثر على الحقائب الجميله
هنا بيتي ، وهناك سروتي وطفلي .
ابتعدي أيتها السفنُ الهرمه ،
يا قبوراً من الأجاص والبغايا
عودي إلى الصحراء المموجه
والقصور التي تفتح شبابيكها للسياط
الخطوات الذهبية ـ شعر : محمد الماغوط
قابلةٌ للموتِ تلك الجباه السكَريه
قابلة لأن تنشد وتبتسم
تلك الشفاه الأكثر ليونه من العنبِ الخمري .
من رغوة النبيذ المتأججِ على خاصرة عذراء
قصتُها تبدأ الليله
أو صباحَ غد
حيث الغيومُ الشتائيةُ الحزينه
تحمل لي رائحة أهلي وسريري
والسهرات المضيئه بين أشجار الصنوبر .
. . .
آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً
الشتاء الضائع ـ شعر : محمد الماغوط
بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر
ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر
هجرتُه يا ليلى
وتركتُ طفولتي القصيره
تذبلُ في الطرقات الخاويه
كسحابةٍ من الوردِ والغبار
غداً يتساقط الشتاء في قلبي
وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبيه
وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي
وأنا أرقبُ البهجة الحبيبه
تغادرُ أشعاري إلى الأبد
حريق الكلمات ـ شعر : محمد الماغوط
سئمتك أيها الشعر ، أيها الجيفةُ الخالده
لبنان يحترق
يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء
وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه
أحتكُّ بها في الحافله
عن رجلٍ عربي الملامح ، أصرعه في مكانٍ ما .
بلادي تنهار
ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل
وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل
وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها .
يا ربة الشعر
الغرباء ـ شعر : محمد الماغوط
قبورنا معتمةٌ على الرابيه
والليل يتساقطُ في الوادي
يسيرُ بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعالُ الغابات
وحفيفُ العجلات المحطّمه
والأنين التائهُ بين الصخور
ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجريه .
أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره
المسافر ـ شعر : محمد الماغوط
بلا أمل ..
وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره
سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما ..
بقع الحبر
وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج
وصمت الشهور الطويله
والناموس الذي يمصُّ دمي
هي أشيائي الحزينه
سأرحلُ عنها بعيداً .. بعيداً
وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان
بعيداً عن المرأة العاهره