"جيل دولوز" يتحدّث عن الفلسفة: محادثة مع جيل دولوز - جانات كولومبال - ترجمة : عبد الوهاب البراهمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ج. كولومبال :- قمت بنشر كتابين، " الاختلاف والمعاودة" و" سبينوزا ومشكل التعبير" . وكتابا جديدا أيضا : " منطق الحسّ"الذي سيظهر حتما قريبا جدا. من يتكلّم في هذا الكتب؟
- ج. دولوز:

حينما نكتب في كلّ مرّة، فنحن نجعل شخصا ما يتكلّم، ونجعل شكلا ما أوّلا يتكلّم. من يتكلّم مثلا، في العالم القديم، هم أفراد. إنّ العالم القديم كلّه مؤسس على شكل الفردية؛ فالفرد يقوم فيه جنبا إلى جنب مع الكائن ( نراه جيدا في موقع الإله بوصفه كائنا مُفَرّدا للغاية). وفي العالم الرومنطيقي، تتكلّم شخصيات، وهذا جدّ مختلف: فالشخص محدّد في هذا العالم بوصفه موجودا مع التمثّل. لقد كانت قيما جديدة للغة والحياة. إنّ التلقائية اليوم، قد تفلت عن الفرد مثلما تفلت عن الشخص؛ لا بموجب قوى مجهولة فحسب. لقد احتفظوا بنا طويلا داخل تناوب؛ إماّ آن تكونوا أفرادا وشخصيات، أو تلتحقون بعمق مجهول غير متميّز. نكتشف مع ذلك عالم فرديات ماقبل فردية، لا شخصيّة.  فرديات لا تردّ لا إلى أفراد ولا إلى شخصيات، ولا إلى عمق بلا تمّيز. إنها فرديات متحرّكة، مقتحمة وسائرة، تمرّ من واحد إلى آخر، تقوم بالاقتحام، وتشكّل فوضويات بارزة، تقيم في فضاء متنقّل. يوجد فرق كبير بين تقسيم فضاء ثابت بين أفراد مستقرين وفق حواجز أو أسيجة، وتوزيع فرديات في فضاء مفتوح بلا سياج ولا ملكية. يتحدّث الشاعر فارلونغيتي عن الشخص المفرد الرابع : هو الذي نستطيع محاولة جعله تتكلّم.

    ج.ك- هل تعتبر هكذا إذن الفلاسفة الذين تؤوّلهم، بوصفهم فرديات في فضاء مفتوح؟ لقد وددت غالبا إلى حدّ الآن التقريب بين الإضاءة التي تسلطها عليها وما يمنحه مُخرج معاصر لنصّ مكتوب. بيد أنه في كتاب " الاختلاف والمعاودة" كانت العلاقة منزاحة، فلم تَعُدْ مؤوّلا بل مبدعا.

 هل تستقيم المقارنة دائما؟ أم هل أن دور الفلسفة مختلف؟ هل هو " هذا الإلصاق" collageالذي ترجوه والذي يعيد تجديد المشهد أو أيضا " الاقتباس " المدمج في النصّ؟

- ج. دولوز:

  نعم، للفلاسفة غالبا مشكل عويص مع تاريخ الفلسفة . تاريخ الفلسفة مرعب، لن ننفذ منه بسهولة. فاستبداله كما قلت بعملية إخراج، هو ربما طريقة حسنة لحلّ المشكل. فالإخراج، يعني أنّ النص المكتوب ستقع إنارته بقيم أخرى، بقيم غير نصيّة ( أو على الأقلّ في معنى مألوف) : الاستعاضة عن تاريخ الفلسفة بمسرح للفلسفة، هو أمر ممكن. تقول إنني بحثتُ، فيما يخصّ الاختلاف، عن تقنية أخرى، أقرب لعملية " الإلصاق" collage منها إلى المسرح. ضرب من تقنية الإلصاق أو حتى خلق مسلسل للعباقرة ( مع تكرار بشيء من الاختلاف)مثلما نرى في " الفنّ  الشعبي أو الجماهيري" ( بوب آرت). لكن تقول بانّي في هذه النقطة، لم أنجح تماما. أعتقد أني اذهب أبعد من ذلك في كتابي عن " منطق الحسّ". 

ج.ك - تشدّني، بشكل مخصوص، صداقتك مع الكتّاب الذين تَحَدُّثنا عنهم. وأحيانا يبدو لي هذا الاستقبال جدّ لطيف: حينما تغض الطرف عن السمات المحافظة لفكر برجسون مثلا . وتكون قاسيا على العكس، بالنسبة إلى هيجل. فلماذا هذا الرفض؟ 

 - ج. دولوز:

  إذا لم نعجب بشيء و لم نحبّ شيئا، فليس لنا أيّ مبرّر للكتابة عنه. فسبينوزا ونيتشه هما فيلسوفان قوتهما النقدية والتدميرية لا تضاهى، لكن هذه القوّة تنبع دوما من إقرار ومن غبطة، من طقس الإثبات والفرح، من مقتضى الحياة ضد أولئك الذين يبترونها ويقتلونها. إنها الفلسفة ذاتها بالنسبة إليّ. تسألني عن فيلسوفين آخرين.  بفضل المعايير السابقة تحديدا، للإخراج  أو الإلصاق، فإنه يبدو لي من الجائز أن نثير من فلسفة محافظة في مجموعها بعض الخصوصيات التي ليست كذلك:  هكذا الأمر بالنسبة إلى البرجسونية وصورتها عن الحياة، والحرية أو المرض النفسي. لماذا لا أقوم بنفس الشيء بالنسبة إلى هيجل ؟ لا بدّ أن يلعب أحدهم دور الخائن. فمشروع " شحن" الحياة، وإثقالها بكلّ الأعباء، ومصالحتها مع الدولة والدين، وان نسجّل فيها الموت، والمشروع المرعب لإخضاعها للسلبيّ ومشروع الإستياء والوعي البائس تتجسّد فلسفيا في هيجل. فقد ألهم تلقائيا،  بجدلية السلبي والتناقض كلّ لغات الخيانة، سواء من اليمين أو اليسار ( اللاهوت والروحانية والتكنوقراطية واليروقراطية ...).

ج. ك - لقد قادك هذا الكره للسلبي لبيان الفرق والتناقض بوصفهما خصمين . يجعلك التقابل المتوازي  للمتناقضات في الجدلية الهيجلية، من غير شكّ على حقّ، لكن هل هي العلاقة نفسها بالنسبة إلى ماركس؟  لماذا لا تتحدث عنه إلا تلميحا؟، فكم هو ثريّ، هذا التحليل الذي تقوم به في خصوص العلاقة نزاع - فروقات بالنسبة إلى فرويد بإسقاط قناع التناظرات الخاطئة: صادية - مازوشية، غريزة الموت والاندفاع- ألا يمكننا أن نجعل منها تناظرات متكافئة في خصوص ماركس؟

-ج. دولوز:

معك حقّ، لكن هذا التحرر لماركس تجاه هيجل، وهذا التملك الجديد لماركس، وهذا الاكتشاف للميكانيزمات التفاضلية والتقريرية لدى ماركس، أليس هذا ما اشتغل عليه ألتوسير بامتياز؟ على أيّ حال  نكتشف من تحث الآراء الخاطئة والتقابلات الخاطئة، أنظمة ناسفة أكثر، ومجموعات لاتناظرية في اختلال ( مثلا الأصنام الاقتصادية والتحليل نفسية).

ج.ك - سؤال أخير ( في علاقة بـ " المسكوت عنه " عن ماركس): أرى بالطبع الرابط بين فلسفتك واللعب. وأتصوّر علاقتها بالرفض. لكن هل يمكن أن يكون لها بعد سياسيّ وتساهم في ممارسة ثوريّة؟

- ج. دولوز"

هذا سؤال مزعج، لا أعرف.  أولا توجد علاقات صداقة أو حبّ لا تنتظر الثورة، ولا تشير إليها مسبقا، بالرغم من كونها ثورية لحسابها: ليست في ذاتها قوّة رفض خاصة بالحياة الشعرية، البيتنيكس إذن. إنّها بوذية زان بدل الماركسية، لكن توجد لدى زان أشياء ناجعة، مثلما هو لدى البينتيكس، أشياء ناسفة. أماّ بالنسبة إلى العلاقات الاجتماعية، فلنفترض بأنّ للفلسفة كمَهَّمة في تلك مرحلة أو في ذلك العصر، جعل مثل هذه السلطة تتكلّم: جعل الفرد في العالم القديم، والشخص في العالم الرومنطيقي، أو بالأحرى الفرديات في العالم الحديث، جعلها تتكلّم. لكنها موجودة وأنتجها تاريخ معين، وهي مرتبطة بذاتها بالعلاقات الاجتماعية. حسنا! الثورة، ستكون تحوّلَ هذه العلاقات المطابقة لتطوّر تلك السلطة ( الفرد البورجوازي إذن  في الثورة" التقليدية" عام 1789). إنّ المشكل الراهن للثورة، لثورة دون بيروقراطية، سيكون مشكل العلاقات الجديدة حيث تدخل الفرديات  والأقلية النشيطة، في الفضاء المتنقّل  دون خاصيّة ولا سياج."

أقوال جمعتها جانات كولومبال " الكانزان الدبية عدد 68 ،1،15 مارس 1969 ص18-19. ( من كتاب " الجزيرة القاحلة" نصوص ومحادثات 1953-1974  نشر مينوي - إعداد دافيد لابوجاد).