"أشعر بالقلق من أن ذلك النوع من السرعة الرهيبة للمعلومات يؤثر في الإدراك، يؤثر في قدرتنا على التفكير العميق، وما زلت أعتقد أن الجلوس وقراءة كتاب هو أفضل وسيلة لتعلم شيء ما، وأخشى أننا في طريقنا لفقدان ذلك"
(إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل)
يجلس شاب، لم يجتز بعد العشرين من عمره، في محاضرة علم الأدوية بكلية الصيدلة ليستمع إلى الأستاذ بينما يشرح تركيب بعض المواد المستخدمة في علاج التهابات المفاصل، وحركيتها في الجسم، لكن هاتفه الذكي، لسبب ما، يضيء في حقيبته دون صوت. تلفت تلك النبضة الضوئية انتباه صديقنا لوهلة، ثم يعود للدرس مرة أخرى، لكنه هذه المرة لن يتمكّن من التركيز بكامل قدرته، فجزء منه يود لو تمتد يداه لتعرف السبب في ذلك الإشعار.
هل هو لصديق يحدد موعد لعب الكرة الليلة؟ أم رسالة على واتساب من زميلة جميلة في مختبر الصيدلانيات؟ أو ربما قد علّق أحدهم على منشوره المثير للجدل الذي كان قد وضعه بالأمس على فيسبوك، هنا سوف تبدأ الذكريات بالانسياب في عقله لترسم سيناريو محتمل لكل خاطر يطرأ، في أثناء ذلك كله تكون قد مرّت ساعة كاملة من المحاضرة المعقّدة.
عصر التشتت
في تقرير صدر(1) قبل عدة أعوام، قام باستطلاع آراء أربعمئة مدرس بريطاني حول دور الهواتف الذكية في التأثير على انتباه الطلبة أثناء الدرس، جاءت النتائج لتقول إن 75% من المدرسين يرون أن هناك انخفاضا كبيرا في سعة انتباه الطلاب الصغار، وأظهر استقصاء(2) مشابه في العام نفسه لأكثر من 2000 معلم أميركي في المدارس الثانوية أن التقنيات الرقمية تخلق جيلا مشتت الانتباه، حيث اتفق ما يقرب من 90% من المدرسين أن الطالب لا يمكنه بسهولة أن يركّز في مهمة واحدة لفترة تتجاوز عشر دقائق، يلفت ذلك انتباهنا بدوره للتساؤل عن دور الإنترنت في حياتنا المعاصرة.
في حواره مع "ميدان" يقول "جوزيف فيرث"، الباحث بمركز "NICM" بجامعة سيدني الغربية وجامعة مانشستر: "المشكلة تبدأ حينما نتأمل الأمر من ناحية دور الانتباه في حياتنا"، لفهم الأمر تخيل أنك تعمل موظف تنظيم في وحدة التحكم بالمطار، وظيفتك هي مراقبة الطائرات، تلك الطائرة تتجهّز للهبوط، والأخرى تتجهّز للإقلاع، وهذه تقترب من الأخرى بحيث يجب أن تبدأ في إطلاق الإنذار البرتقالي، إذا حدث وفقدت انتباهك لوهلة عن أيٍّ من تلك الطائرات فقد تقع عواقب وخيمة، الآن تخيّل أن الواقع المحيط بك هو مجموعة ضخمة جدا من الطائرات، لا يمكن للدماغ البشري بسهولة أن يُركّز مع كل تلك الأعداد، لذلك عليه دائما أن ينتبه، بعناية شديدة، إلى أكثرها أهمية بحيث يمكن بسهولة أن يسيّر حياته.
لكن بحسب الكثير من الدراسات في هذا النطاق، والتي أجراها(3) أيل أوبهاير من جامعة ستانفورد على مدى عقد كامل، فإن ما يفعله الإنترنت هو التركيز الدائم على لفت انتباهنا للكثير من الأشياء في الوقت نفسه، في الواقع فإن تلك الحالة لها اصطلاح يُعبّر عنها وهو ما يُسمى بـ "تعدد المهام الوسائطية" (media multi‐tasking)، وفي التجارب كان أداء هؤلاء الذين خضعوا لمهام إنترنت متعددة وثقيلة -في اختبارات الذكاء التالية لها- أقل بفارق واضح من هؤلاء الذين لم يخضعوا لمهام متعددة، بالتالي فإن ظن البعض بأن الإنترنت قد فتح الباب لأداء الكثير من المهام في الوقت نفسه خاطئ، لأن ذلك يأتي على حساب قدراتنا الإدراكية، خاصة أن التجارب قد أثبتت أن هذا الأثر قد يكون مزمنا، أي يمتد لفترة طويلة، وبالنسبة لشخص طبيعي يتفقّد هاتفه الذكي أكثر من 90 مرة في اليوم، في المتوسط العالمي، فإن ذلك بالأساس يعني "كل الوقت".
يُعلّق فيرث على تلك الفكرة قائلا في حديثه لـ"ميدان": "يمكن أن يتسبب التدفق غير المحدود للإشعارات والوسائط من عالم الإنترنت في إشراك بعض الأشخاص في شكل مفرط من الاهتمام المنقسم بين عدة مهام". يهتم فيرث، ورفاقه من عدة جامعات حول العالم، بدراسة أثر الإنترنت على أدمغتنا، وفي دراسة أخيرة(4) يشير إلى أن معدل تنقل الخاضعين للتجارب بين المهام على الأداة نفسها -حاسوب محمول- هو مرة كل 19 ثانية وبحد أقصى مرة كل دقيقة، يشير الباحثون في هذا النطاق إلى أن الأمر متعلّق بتوفر المكافآت المعلوماتية بصورة هائلة ما يجذبك للتنقل بينها بسهولة. في الواقع فإن الآلية التي تتطور بها هذه النوعية من الوسائط ترتبط من الأساس بقدراتها على لفت انتباه الزبائن، بمعنى أوضح: كلما كان التطبيق أو البرنامج أكثر لفتا للانتباه كانت فرصته للبقاء في عالم الإنترنت أكبر، أما تلك التطبيقات التي لا تتمكّن بسهولة من لفت الانتباه الخاص بالعملاء فمصيرها هو الاستبدال.
تأثير السيد غوغل
من جهة أخرى، فإن أدمغتنا -بوجود الإنترنت- قد تُغيّر من طرائق تعاملها مع المعلومات، خاصة من جانب التخزين. عند هذه النقطة، يمكن أن نتأمل دراسة مهمة صدرت(5) في دورية "ساينس" واسعة الشهرة قبل عدة سنوات تتحدث فيما يُسمى بـ "تأثير غوغل"، أو "فقدان الذاكرة الرقمي" (Digital Amnesia)، والذي يشير إلى تلك الحالة الغريبة التي ننسى فيها معلومة ما لكن تبقى في ذاكرتنا طريقة الوصول إليها، بمعنى أوضح: يمكن أن تنسى موضع مدينة محددة في ألمانيا أو آلية عمل جهاز ما، لكنك تعرف أنك سوف تجدها على هذه المنصة أو تلك، هنا لا يهتم دماغك كثيرا بتذكر المعلومة نفسها، بل بمكانها على الإنترنت.
هذا النوع من تحوّلات الذاكرة ليس جديدا، في الواقع يشير اصطلاح الذاكرة التبادلية(6) (Transactive memory) إلى الذاكرة الجماعية ضمن مجموعة من البشر، العائلة والأصدقاء على سبيل المثال، حيث يمكن لدماغك أن يستبدل حفظه للشخص الذي سيجد عنده المعلومة بحفظه للمعلومة نفسها طالما أن ذلك سيوفّر مساحة لحفظ معلومات أخرى، لكن هذا النوع من التحولات في الذاكرة -بحد تعبير فيرث في حديثه مع محرر "ميدان"- "يتصاعد يوما بعد يوم مع تطوّر قدرات منصات البحث وتوفير قدر لا نهائي من المعلومات بحيث بات يؤثر في آلية تعامل أدمغتنا مع المعارف"، والأكثر دعوة للتأمل أنه في حالة الإنترنت ليس عليك أن تحفظ حتّى وسيلة الوصول إلى المعلومة، لأنها دائما وسيلة واحدة، إنها "غوغل"، لذلك يمكن القول إن غوغل قد أصبح جزءا من ذاكرتنا، من دماغنا نفسه.
لكن الأمر قد يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، على سبيل المثال كانت دراسة(7) قد قارنت بين مجموعتين من الناس، في الأولى طلب إليهم البحث عن معلومة ما عبر موسوعة ورقية، والثانية عبر الإنترنت، هنا جاءت النتائج أنه على الرغم من أن أفراد المجموعة الأولى كانوا أبطأ، فإنهم تذكّروا المعلومة بشكل أفضل في اختبارات تالية للبحث، بالتالي يقترح بعض العلماء أن الآليات الدماغية التي تُفعَّل أثناء تخزين معلومة من عالم الإنترنت تكون سطحية بشكل أكبر من تلك التي نستخدمها لتخزين معلومة من كتاب ورقي، لأن الأولى تلتفِت تلقائيا ناحية قدراتنا على تذكّر موضع المعلومة، شيئا فشيئا يصبح ذلك مزمنا.
إدمان الإنترنت
عند هذه النقطة، يمكن أن ننتقل إلى رأي آخر يعرضه ريتشارد هارفي، من جامعة سان فرانسيسكو، فينطلق بالأمر إلى سياق آخر تماما، حيث يرى أن آلة جذب الانتباه الإنترنتية لا تشتت انتباهنا فقط، بل بحد تعبير هارفي في حديثه مع محرر "ميدان": "تتمكّن من وضع أدمغتنا في حالة دائمة تشبه تقريبا تلك التي يضعنا فيها الإدمان"، إنه الشعور نفسه الذي يجتاحك حينما تسمع صوت الإشعارات في هاتفك القريب، تلك الرغبة التي تتملّكك في أن تمد يديك سريعا فتلتقط الهاتف لترى ما الذي يحدث.
في حديثه لـ"ميدان" يستكمل هارفي: "نحن البشر كائنات تواصلية، جُبلنا على حب الانتشار الاجتماعي بالضبط كما جُبلنا على حب الطعام"، ثم يضيف بعد قليل موضحا الفكرة: "وبالضبط كما نُصاب بالسمنة من فرط نهمنا للمأكولات، تلك التي لا حاجة إلينا بها من أجل حياة طبيعية، فنحن أيضا ننكفئ على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للغرض نفسه، الغريزة". لكن، بحسب هارفي، هناك مشكلة إضافية.
في التواصل الطبيعي نرى بعضنا بعضا ويراقب كلٌّ منا لغة الجسد الخاصة بالآخر، نسمع ونشم ونرى، أما على الإنترنت فإن ذلك لا يحدث، فقط كلمات مكتوبة، ما يجعل التعويض الاجتماعي الذي تُقدّمه وسائل التواصل ناقصا، من تلك النقطة ينطلق هارفي -في دراسة استقصائية(8) شملت 135 من طلاب جامعة سان فرانسيسكو- إلى نتيجة تقول إن الطلاب الذين استخدموا هواتفهم الذكية بكثرة قد طوّروا مستويات أعلى من الشعور بالعزلة والوحدة والاكتئاب والقلق، تلك المشاعر كانت نتيجة طبيعية لهذا الاستبدال القاصر، بالتالي فنحن على الإنترنت -وبين كل تلك الإشعارات والرسائل والتفاعلات حول كل شيء تقريبا- أكثر وحدة من ذي قبل، يا للمفارقة!
الضحالة المعاصرة
أما نيكولاس كار، في كتابه الذي لاقى شهرة وقت صدوره "The Shallows - What the Internet Is Doing to Our Brains" ووصل للمراحل النهائية في ترشيحات جائزة البوليتزر، فيمد الخطوط على استقامتها ليقول إن الأدوات التي نبتكرها نحن البشر -على مر تاريخنا- تؤثّر بشكل قوي على طبيعة تصرفاتنا. خذ الكتاب على سبيل المثال، تحديدا تلك اللحظة التي ابتكر فيها جوتنبرج أدوات الطباعة فأصبحت القراءة شائعة بين الناس شيئا فشيئا، ومعها أصبح التركيز على مهمة واحدة إحدى أكثر مهامنا التي نحترف أداءها.
يرى كار(9) أن البشر نشأوا بنمط حياة يتطلب أن يكونوا دائما جاهزين للتدخل السريع، بمعنى أنك قد تكون جالسا في الكهف لتأكل بنهم شديد لكن واقع الحياة، في فترة سحيقة جدا من ماضينا، تطلّب وقتها أن تصرف جزءا من تركيزك لمراقبة الأصوات المجاورة، فحفيف ضئيل يمكن أن يعني ثعبانا يقترب، وصوت انكسار عشبة صغيرة قد يعني أن أسدا يباغتك في هذه اللحظة، لكن القراءة فعلت العكس، جعلتنا أكثر قدرة على التركيز في مهامنا وكان ذلك أداة إضافية في تطور مجتمعاتنا البشرية.
أما الإنترنت، فهو يشبه القراءة في نقطة واحدة، وهي أثره الهائل على مجتمعنا بحيث يمكن القول بثقة شديدة إن شخصية الإنسان المعاصر تنبع من واقع وجوده في هذا العالم الرقمي وليس العكس، الإنترنت لا يحيط بنا فقط، ليس مجرد أداة نستخدمها، بل هو وسط يتخلّلنا فنتكيّف مع وجوده، لكن المشكلة -بحسب كار- هي أن الإنترنت، على العكس من القراءة، يعيدنا من جديد إلى تلك الحالة من التشتّت، بالتالي فإننا لا نصبح متشتّتين فقط بسبب الإنترنت، لكن الفكرة أن الإنترنت يضعنا كبشر في فضاء من التشتت. يتفق فيرث مع تلك النقطة حينما يقول في حديثه مع محرر "ميدان" إن "المشكلة ليست فقط أن ذلك التشتت لأدمغتنا يحدث بشكل لحظي أو خلال التفاعل المباشر مع الإنترنت، ولكن يبدو أن ذلك يقلل من قدراتهم على الحفاظ على التركيز على المدى الطويل".
لفهم الفكرة حاول أن تتخيّل حياتنا بدون وسائل مواصلات تذهب بها إلى العمل أو الأقارب والأصدقاء في مدينة مجاورة. ماذا لو حدث ذلك، ماذا لو اختفت كل وسائل المواصلات فجأة؟ بالطبع سوف تتوقف الحياة تماما وسنتمشّى في الطرقات فاغرين أفواهنا لأن لا شيء يتحرك، رغم أنه كانت قد مرت على البشر مئات وآلاف السنوات دون سيّارات، لكن الإنسان كائن متكيّف، ما إن تظهر تكنولوجيا جديدة حتّى يحتضنها، لا لتكون جزءا جانبيا من حياته، لكن لتصبح مصفاة يمرر من خلالها هذه الحياة بحيث تتطور بوجودها واعتمادا عليها، هكذا أيضا يمكن أن نتعامل مع الإنترنت، مزاياه هي مزايا لفضاء كامل نعيش بداخله، وعيوبه كذلك.
الفكرة نفسها تقريبا، لكن مع وجهة نظر مختلفة مائلة للتفلسف، يطرحها لوشيانو فلوريدي الفيلسوف البارز من جامعة أوكسفورد، حينما يقول(10): "رغم أن هناك فارقا واضحا بين أن تكون نابليون وأن تتصور أنك نابليون، فإن هويتنا -نحن البشر- ليست ثابتة بالمعنى المفهوم، يمكن القول إنها تتشكّل بطريقة جدلية بين ذواتنا الفعلية وصورتنا عن ذواتنا، تلك التي نبنيها من خلال تعليقات الآخرين على أفعالنا في عالم التواصل الاجتماعي"، من تلك الوجهة فالإنسان ليس كائنا اجتماعيا فقط لأنه يحب العيش في مجتمعات، بل لأن المجتمع يساعد في بناء هوّيته كذلك، ما هو عليه.
مَن يُشكّل مَن؟
يشبه الأمر تلك السفينة الشهيرة التي قرر أصحابها تغيير كل جزء فيها حينما يتعطل، سوف نغير اللوح الموجود باليسار في البداية، ثم اللوح في نهاية السفينة، ثم القماش في الأشرعة، شيئا فشيئا نكون قد غيّرنا كل هيكل السفينة، حينما نسأل: هل هي السفينة نفسها؟ فإن الإجابة ستكون "لا"، رغم أننا لم نشعر في أثناء عمليات تغيير القطع بذلك.
هذا هو الحال في مجتمع الإنترنت، إذ تتغير صورتنا عن ذواتنا بتسارع شديد يتناسب مع تسارع الحياة الرقمية المعاصرة، ثم نسأل بعد ذلك: مَن نحن؟ ومَن سوف نكون في المستقبل؟ وأيضا: مَن كنّا بالأساس؟ قد تبدو أسئلة كتلك مملة للوهلة الأولى، بالضبط كما هو ممل للجالس في مطعم ما أن يعرف عن تركيب الطعام اللذيذ في الطبق الذي يقع قبالته، هو يودّ فقط أن يأكل ولا حاجة إليه في معرفة نسب صوص البرتقال والبيض والدقيق واللحم وزيت الزيتون اللذيذ، لكن ما تفعله بينما تجلس على الأريكة الآن وتقرأ هذا الكلام في أثناء تبادلك الرسائل مع صديق على واتساب وتنقّلك بين صور فيسبوك من حين لآخر أو فقط بحثك عن الألبوم الجديد لعمرو دياب على غوغل، هو أنك تأكل دائما من طبق مختلف، يتغير في كل لحظة، لكن لأنك تشعر بلذة شديدة لا تسأل عن مكوناته.
في النهاية، فإن مزايا الوجود في تلك الحالة من التواصل الفائق هي لا شك كثيرة، لكن المشكلة أننا دأبنا على تصور أن التكنولوجيا دائما مفيدة، يرى الفيلسوف الفرنسي جاك إيلول أن تلك المشكلة هي السبب(11) في كل الكوارث التي تسببت بها التكنولوجيا، بداية من هيروشيما وناجازاكي وصولا إلى الأسلحة البيولوجية، ذلك لأننا من البداية لم نتعامل مع التكنولوجيا الحديثة كمغامرة يمكن أن تفشل، لم نأخذ حذرنا بما فيه الكفاية، ما أدّى إلى انزلاق الأرض من تحت أقدامنا، ووقعنا في فخ غرورنا البشري المعهود.
الفكرة إذن لا تتعلق فقط بالمزايا مقابل العيوب، كل شيء له مزايا وعيوب، والإنترنت كان مرحلة حتمية في تاريخنا لو تأملت الأمر قليلا، لكن الفكرة من الأساس تتعلق بضرورة تأمل ذواتنا داخل هذا العالم، ربما في مرحلة ما نحتاج إلى أن نسأل: هل نحن مَن يخلق التكنولوجيا؟ هل نحن مَن يتحكّم في ظهورها فيُشكّلها لتتناسب بدقة مع قيمنا البشرية وحاجتنا إلى التعلم المستمر والتواصل الفعّال بداية من سن صغيرة جدا؟ أم أن هناك حتمية تكنولوجية هي ما يُعيد تشكيلنا نحن البشر، هي ما يُغيّر أدمغتنا ويُثير انتباهنا وغرائزنا بصورة غير مسبوقة فنتكيّف مع التكنولوجيا ونتماهى مع متطلباتها؟ السؤال الرئيس إذن، والذي لا نمتلك بعد إجابة له هو: مَن يُشكّل مَن؟