في هذه الآونة.. تسطر شعوبنا مواقف حاسمة في تاريخ أمتنا العربية الإسلامية.. حيث تستعيد الشعوب، في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرهم، سلطتها المسلوبة. ونراها تأخذ زمام أمرها بيدها لا بيد طغاتها ومستبديها. فالشعوب هي مصدر السلطات.. تختار من تشاء، ليسير أمور البلاد، وتحاسبه وتعزله إذا ما قصر وخالف وظلم وطغي وفسد وافسد. ومما لا شك فيه أن الطغيان والاستبداد عائلة كريهة، غير كريمة. وهما بلاء وخيم عانت منه البشرية عبر حقبها المتتالية حيث يثبت التاريخ أن عدد الطغاة والمستبدين فاق عدد الحكام الراشدين الصالحين. هي سُنة ماضية ليميز الله الخبيث من الطيب، ويتضح من هو مع الخير والحق والعدل والكرامة والحرية ومن يقف مع تلك العائلة البغيضة. فما هي السمات العامة لتلك العائلة، وما هي سيكولوجية هؤلاء الطغاة والمستبدين الذين جروا، عبر التاريخ، ومازالوا يجرون القتل والدمار والفساد والويلات والخراب علي العباد والبلاد؟.
وفي هذه الثورات العربية الراهنة والأحداث المتلاحقة ثارت الشعوب العربية علي الطغاة والمستبدين، الذين طغوا واستبدوا عقودا من الزمن، حتى بلغ السيل الزبي.. فقيل الكلمات الحاسمة: كفي، الشعب يريد إسقاط النظام.. أرحل، أرحل. لكنهم يأبون الرحيل إلا علي أشلاء الشعوب، (التي يدعون النهوض بتسيير أمورها)، وإراقة حمامات من الدماء، وترك عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمعتقلين، وإتباع سياسية " ألأرض المحروقة" أو "سياسة نيرون"، أو"أنا أو الفوضى"/ الطوفان المدمر الساحق الماحق.
(طغي) فلان: أسرف في الظلم، و(الطاغية): الجبار، والأحمق المتكبر، والصاعقة، و( الطاغية): من تولي أمراً/ حكماً فطغي وظلم وتجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذا لمآربه ومطامعه. أما (المستبد): رب الأسرة/ كبير العائلة/ سيد المنزل/ السيد علي عبيده، فهو من يتفرد برأيه ويستقل به. وهو "الحكم المطلق" الذي يمثل سلطة الأب علي أبنائه القُصّر، غير البالغين. وثمة خلط مقصود يخرج المفهوم الأخلاقي من النِطاق الأسري إلى عالم السياسة. فرق بين "قوامة" الأب علي أسرته، و"سلطة الحاكم" التي تحتمل المعارضة والمحاسبة والعزل والإقصاء.
كان أرسطو من بين الأوائل الذين قاموا بتطوير مصطلح المستبد وقابل بينه وبين الطغيان ، وقال أنهما وسيلتان لحكم الرعايا كالعبيد . فالاستبداد عنده يعني خضوع المواطنين للحاكم بإرادتهم ، فقط لأنهم خلقوا عبيداً . بينما الطغيان يقتصر على اغتصاب السلطة في المدينة ، ويقوم بها شخص مستخدماً مجموعة من الجنود المرتزقة ، لينغمس الطاغية في إشباع شهواته دونما اكتراث بقانون أو بعرف ، مقيماً سلطته على القهر ، وليس أسهل عنده من سفك الدماء، وقتل الناس.
السمات العامة للطغيان والاستبداد
ــ يقترب الطاغية من "التأليه"، مرهباً الناس بالتعالي وبالتعاظم وتوحد الدولة فيه، وأنه مصدر الإلهام، ويذل الشعب بالقهر وبالقوة وبسلب أموالهم. يقول الله تعالي:"وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" (القصص: 38). يذكر "عبد الرحمن الكواكبي" في "طبائع الاستبداد" أنه :" ما من مستبد إلا ويتخذ صفة قدسية يشارك بها الله ، أو تعطيه مقاماً ذا علاقة بالله تعالي. ففي حين يذكر الشعب شهدائه في ثورة تونس ومصر هاتفين:"المجد للشهداء"، وتصدح أم كلثوم ببيت الشعر:
" أنا الشعب أنا الشعب لا يعرف المستحيلاً... ولا يرتضي بالخلود بديلا.
نري الطاغية "ملك ملوك أفريقيا" يقول: "أنا مجد لكم، ولقارتكم الإفريقية واللاتينية، ولشعوب العالم ..".
ــ الطاغية مغتصب للحكم بطريق غير مشروع، يتحكم بشؤون البلاد بإرادته المنفردة ويحكم بهواه ويعلم انه غاصب ومعتدٍ، فيضع كعب رجله في أفواه الملايين لسدها عن النطق بالحق. وإذا ما مسك بزمام السلطة، وطالت مدة تحكمه، وازدادت طبيعة الطغيان والاستبداد تأصلاً فيه.
- يتمسك "الطاغية" بمظهر ديمقراطي لتسويغ سلطته ولإعطاء نظامه "شرعية" بمقتضاها يحكم ويتحكم.
-لا يعترف بقانون أو دستور للبلاد ، فإرادته هي القانون والدستور وما يقوله واجب التنفيذ وما على الناس الا السمع والطاعة. "يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون، أي عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين"(جون لوك). فالمحور الأساس لتحديد مركزه السياسي ، والقانوني، هو الاعتراف بسلطاته المطلقة وبتمركز جميع السلطات بيده. القوانين هي ما يأمر بها ، وهي بطبيعة الحال دائماً متناقضة ومخالفة بعضها البعض لأنها فقط تُبنى على انفعالاته الوقتية المتقلبة حتى وإن مست حياة الآخرين الذين ليس لهم إلا الإذعان لها.
- ينفرد بخاصية أنه فوق القانون، (الطاغية لا يُسأل ، بل يسأل غيره). فلا يخضع لمحاسبة ولا لمساءلة ولا لرقابة وإن كانت هذه الخاصية ، أي مسألة الحاكم، هي الحد الفاصل للتفرقة بين الحكم الديمقراطي والحكم المستبد ، حيث يحاسب الحاكم لأنه لا يعلو على القانون. بقول "أفلاطون" :"من يقتل الناس ظلما وعدواناً، ويذق بلسان وفم متوحشين دماء أهله، ويشردهم، ويقتلهم، فمن المحتم أن ينتهي به المطاف الى أن يصبح طاغية، ويتحول إلى ذئب"(راجع أ.د. "إمام عبد الفتاح أمام":كتاب "الطاغية"، سلسة عالم المعرفة العدد 183، الكويت).
- يري الزعيم أن إرادته هي إرادة الشعب، فهو من يتحسس مطالب الأمة ومن ثم يقول أنه يصدر قوانينه وقراراته وفقاً لها. وكما أن الشعب على حق، فالقائد دائما على حق، ولكي يثبت ذلك، يلجأ إلى الاستفتاء ليخرج من قبعته أرنبا اسمه "الديمقراطية".
- يوحي الزعيم إلي من حوله "زخرف القول غرورا "أن الأمور في أحسن أحوالها، وأن كل شيء تحت السيطرة؛ فلا يسجلون إلا الانتصارات ولا يظهرون إلا عظمة القائد الذي لايخطيء. وأما المصائب فلا يتم الإخبار عنها إلا بعد أن لا يبق بدٌ من الإعلان عنها. وعندما تغرق السفينة تهرب الجرذان.
- تسخير وسائل الإعلام من اجل الإثارة والترغيب والترهيب وتطويع وتخدير الجماهير لإرادة القائد.
- يلجأ الطغاة عادة، وخصوصاً أولئك الذين يرفعون شعارات ثورية ووطنية ليضحكوا على عقول الناس، الى تدمير روح المواطنين وتفريق جمعهم، وزرع الشك بينهم ، وجعلهم عاجزين عن القيام بأي شيء ، وتعويد الناس الخسة والضِعة ، والعيش بمهانة، كي يعتادوا الذلة والهوان.
- الدولة كالفرد، والدولة التي يحكمها طاغية، لا يمكن ان تكون حرة، بل مستذلة مستعبدة.
- يسخر موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته الحسية.
ـ يعمد الطاغية إلي منع الاجتماعات، أو التجمع لأغراض ثقافية، وحظر التعليم أو الإعلام الحر أو جعله لوناً من الدعاية للحاكم، وحجب كل ما يثور النفوس او يبث الثقة والشجاعة بهم. اتخاذ كافة السبل لتغريب المواطنين، وجعلهم يشعرون بأنهم غرباء بأوطانهم ، أي قطع الحبل السري بين المواطن ووطنه. يرى المواطن خيرات وطنه تذهب لغيره، ويرى المفسدين يتبخترون بسياراتهم الفارهة وينعمون بالعيش بالقصور والأراضي والمزارع، وعندما يرى كيف أن المفسد وعائلته يعالجون لأتفه الأسباب على نفقة أبناء المجتمع، في حين لا يجد المواطن ثمن حبة الدواء، ويشعر بالغربة عندما لا يجد عدلاً ينصفه ولا من يرجع له حقوقه. إجبار المواطنين على الخسة والضعة والهوان والمذلة، وإكثار (البصاصة) والجواسيس والعيون السرية . يعتمد الطاغية على إغراء المواطنين كي يشي بعضهم علي البعض، فتنعدم الثقة ويدب الخلاف، وهذا يعني بث النميمة والشقاق. إفقار الرعية كي ينشغلوا وراء قوت يومهم، فلا يجدوا الوقت للتأمر عليه.
سيكولوجية الطغاة والمستبدين
- جمعت هذه الشخصيات صفات مشتركة مكنت علماء النفس والاجتماع من تصنيفهم تحت بند“ الشخصية البارانوية الملوثة بسمات سيكوباتية ونرجسية". عاش الشخص “البارانوي" في الغالب طفولة مضطربة تتسم بصعوبة إقامة علاقة ثقة دافئة مع أحد الأبوين أو كليهما، وفي معظم الأحيان تتسم الأم بالسيطرة والقسوة والتلذذ بمعاناة الآخرين. وفي أحيان أخرى تكون الأم عنيفة ومسيطرة والوالد ضعيف ومستسلم وفي هذا الجو الأسرى المضطرب الخالي من الحب والثقة يتعلم الطفل أنه لا أمان ولا ثقة ولا حب، وأن العالم المحيط به يتسم بالعدوانية والقسوة ولا مكان فيه إلا للقوى المسيطر المستبد.
- يتعلم الطفل/ الطاغية أن التعاون مع الآخرين غير مجدٍ ولا يعطى ثقته لأحد ومن هنا تنشأ جذور استبداده برأيه واستخفافه بكل من عداه فهو وحده الذي يملك الحقيقة المطلقة. وهذا الشخص حين يكبر يكون بالغ الحساسية لأية كلمة أو إشارة تصدر من الآخرين(حتى ولو بدون قصد) ويعطيها تفسيرات كثيرة تدور كلها حول رغبة الآخرين في مضايقته وإيذائه والحط من شأنه، فهو لا يعرف النوايا الحسنة، بل إن كل شئ بالنسبة له يحمل نوايا عدوانية شريرة من الآخرين.
- يحتقر العواطف مثل الحب والتسامح والرحمة والتعاطف ويعتبرها نوعاً من الضعف في الشخصية، وتصبح القيم السائدة عنده: القوة والتفوق والتملك والانفراد بكل شئ، ويصبح الصراع عنده بديلاً عن الحب في كل علاقاته بالآخرين حتى أقرب الناس إليه.
- الشخص البارانوي يسخر كل إمكاناته ويستغل إمكانات من حوله في سبيل الوصول إلى مركز يمكنه من السيطرة والتحكم والانتقام والتشفي، فهو دائماً شديد الحسد، شديد الغيرة، لا يطيق أن ينافسه أو يطاوله أحد. وهو يبالغ كثيراً في تقدير ذاته وقدراته ولديه شعور بالعظمة والأهمية والتفرد، وفي المقابل يحط كثيراً من قيمة الآخرين ويسفههم ويميل إلى لومهم وإلصاق الدوافع الشريرة بهم. وفي بداية مشوار هذا الشخص البارانوي (مشروع الطاغية) يكتشف أن صفاته السابق ذكرها تجعله معزولاً عن الناس، ويشكل هذا عائقاً في طريق طموحاته وأطماعه الواسعة، فيبدأ في اكتساب بعض السمات السيكوباتية النفعية حتى يصل إلى ما يريد، فيتعلم الكذب والخداع والتظاهر بالمودة والاحترام والصداقة، وربما يتوشح ببعض القيم الدينية والأخلاقية ذات القيمة الاجتماعية والإنسانية العالية بغرض خداع الناس، أو يبدو في صورة الضحية المظلوم.
- الشخصية البارانوية/ الزوراني Paranoid Personality شخصية متعالية متغطرسة ترى في الجميع أعداءً لها، وتتوقع النوايا السيئة والأفعال السيئة من الناس، لذلك فهي تتسم بسوء الظن وتلجأ إلى العدوان الاستباقي أو الوقائي وتبرر هذا العدوان بأنه لحماية نفسها أو غيرها من الإرهاب أو الأذى المتوقع من الغير (الأشرار دائما في نظرها)، وهذه الشخصية تحتقر الآخر وتسحقه إذا استطاعت وبالتالي فلن ترعى له حرمة أو كرامة ولن تأخذها الرحمة أو الشفقة بها لأنها تعتبر الجميع شياطين أو "جرذان"، أو حشرات صغيرة تستحق السحق والتعذيب والإذلال.
- بمرور الوقت يكتسب هذا الشخص/ الطاغية الصفات التالية: العجز عن الولاء الدائم للأشخاص أو المجموعات أو القيم الاجتماعية أو الدينية إلا بقدر ما تحقق له من مصالح ذاتية مرحلية، ثم سرعان ما ينبذ هذا الولاء ويدوسه بقدميه- . المبالغة في الأنانية فيسخر كل شئ لتضخيم ذاته. ـ التبلد في الشعور مما يمنحه قسوة حتى على أقرب الأقربين له. - عدم المسئولية، مما يدفعه لمغامرات خطرة العواقب. - انعدام الشعور بالذنب، وهذا يجعله يتمادى في قسوته إلى آخر الطريق. - القدرة على تقديم تبريرات ظاهرة الوجاهة والإقناع لما يقدم عليه من تصرفات.
- إذا اكتملت هذه التركيبة الشخصية للطاغية واستطاع أن يحتل موقعاً قياديا، غالباً بالغدر والخديعة، فعندئذ يندفع هو ومن وراءه نحو حلم القوة والسيطرة والتميز والعنصرية. يستطيع الطاغية بما يملكه من قدرات وأحياناً كاريزما شخصية أن يقنع أتباعه الذين يحلمون بالبطل الأسطوري بأنه هو ذاك البطل الذي جاء ليقود العالم. هكذا يبدؤون في تمجيده ويغالون في ذلك إلى حد تقديسه فيصنعون له التماثيل والصور ويضعونها في الميادين العامة وفي كل مكان. وهو في سبيل استمراره في لعبته يمنى من حوله ويعدهم بالمستقبل الباهر والجنة على الأرض ويبالغ في تصوير قدراته وانتصاراته فتصدقه الجماهير ويعيشون جميعاً في سكرة الوهم حتى يفيقوا في لحظة ما لابد آتية على انهيار كل شيء.
-الشخصية السيكوباتية / المستهينة بالمجتمع Dissocial Personality، شخصية مضادة للمجتمع لا تحترم قوانينه ولا قيمه ولا أعرافه، وهي شخصية عدوانية لا تعرف الإحساس بالذنب أو الندم ولا تتعلم من تجاربها السابقة ولا تعرف الشفقة أو الرحمة أو العدل أو الكرامة، وكل ما يهم هذه الشخصية هو تحقيق أكبر قدر من اللذة حتى لو كانت هذه اللذة مبنية على أكبر قدر من الألم الذي يصيب الآخرين.
- يحمل الطاغية نفساً وضيعة فقيرة هزيلة خاوية، يستبد بها الرعب لأتفه الأسباب، وتراه يعاني الشكوى، والتذمر. يسعي لتعويض ذلك بالحصول علي الثروة، يجنيها بالإساءة والفساد والسرقة، دونما شبع. وكلما شعر بخواء لجاء إلى من حوله ليجد من يخضعهم لسلطانه، لأنه غير مكتفٍ بنفسه. فالمكتفي بنفسه لا يطغى، كونه يشعر بالاطمئنان وليس بحاجة إلى كثير دعم خارجي. إجمالاً.. يدخل الطاغية في دائرة مفرغة، ليصبح أشقي الناس، وإن بدا للناس غير ذلك.
- تنمي السلطة المطلقة ما لدي الطاغية من انحراف نفسي، ليصبح اشد الناس غدراً، وحسداً، وظلماً وفجوراً ، وليغوص في أحط الرذائل. لأنه أتعس الناس فهو يفيض على شعبه بما يعانيه من بؤس وذلة وفقر نفسي، وخبث ووضاعة وتهور.
- يندفع الطاغية نحو تحقيق الرغبات الهوجاء والصفات المنبوذة. تتملكه تلك الرغبات، وتبدو علي سلوكه وتصرفاته. فيتخذ من الجنوح والجنون مظلة لحراستها، ويقتل من نفسه كل اعتدال.
- حياة الطاغية سلسلة من أعياد اللذة، والمأدب والسرقات، وغيرها من الانحرافات. يعيش حياة بوهيمية بلا قيم وبلا مبادئ. يستبيح إراقة الدماء، وأكل الحرام، وارتكاب اي سلوك شائن ، لتسوغه قواه الداعية إلى الفوضى والاضطراب ، ويقود الدولة إلى مغامرات طائشة /أو دونية بادية.
- الطاغية لا يعرف الصداقة، ولا الإخلاص، ويغيب لديه الجانب الإنساني. فالناس كلهم يريدون الإطاحة به ، ولكن الأصدقاء وحدهم من يقدر على ذلك علناً. يسعي جاداً للقضاء على البارزين من الرجال، وأصحاب العقول النيرة أو تهجيرهم، واستئصال كل من حاول أن يرفع رأسه.
- يرافق الطاغية رفاق سوء، للسرقة والسلب واغتصاب أموال الشعب، فيحترفون الوشاية، والرشوة، وهذه أمور لا تذكر أمام جرائم الطاغية. تلكم الحاشية هي من تصنع الطاغية، خصوصاً إذا وجدوا بأعداد كبيرة. الشعوب إذن هي التي تصنع الطواغيت كما تصنع خلية النحل ملكتها من أصغر العاملات. كل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة هو تغذيتها برحيق خاص. وفي عالم البشر يمكن لأي مغامر من أمة مريضة أن يقفز على ظهر حصان عسكري إلى مركز الصدارة والتأله. كل ما يحتاجه أمران: عدم التورع عن سفك الدم وتجنيد الأتباع بغير حساب.
جملة القول: لما كانت علامات الخطر والإنذار واضحة في شخصية الطاغية، بل ويمكن التنبؤ بها في وقت مبكر اقترحت الجمعية العالمية للطب النفسي إجراء فحوص نفسية لمن يتولون مناصب قيادية على مستوى العالم تحت إشراف الأمم المتحدة بواسطة لجان علمية محايدة، لتجنيب العالم شرور مثل هذه الشخصيات المضطربة التي تدفع الإنسانية ثمناً غالباً جراء سلوكها وخاصة إذا طال السكوت عليها حتى يستفحل خطرها. لكن في ظل المطامع الدولية يسكت الساكتون، وينافق المنافقون، وخنع الخانعون، ويدفع الثمن البلاد والعباد. لكن بدا أن الطغاة أضعف مما كنا نتصور، فبين أيام وأسابيع معددوه تم استئصالهم وإلقائهم في مزبلة التاريخ.
بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه .. كاتب وأكاديمي.