الإسلام المستنير مصطلح شائع منذ عقدين من الزمان. ويشير إلى تيار فكرى يجمع بين الإسلام والعصر، الماضي والحاضر، وكما عرف باسم الأصالة والمعاصرة أو التراث والتجديد، ويقال عادة أنه لا يوجد إسلام مستنير وإسلام غير مستنير فالإسلام واحد. والواقع أن الإسلام المستنير تيار ثقافي يوجد في كل عصر عبر تاريخ الإسلام الطويل يشير إلى تفسير معين للنصوص، واختيار جماعي معين. فهو يشير إلى تيار اجتماعي في مقابل تيارات أخرى كما هو الحال في الفرق الكلامية معتزلة وأشاعرة، وفي المذاهب الفقهية ، والاتجاهات العقلية أو الاشراقية، والمذاهب الصوفية المعتدلة أو المغالية. وكلها تنتسب إلى الإسلام.
وهو قادر على أن يكون جسرا بين التيارات المتصارعة في عصرنا الحاضر وينهى القتال الدامي بين أنصار الدنيا وأنصار الدين، المتحررين والمحافظين. لأنه يدافع عن مصالح الناس، ويحاول نقل المجتمع كله من عصر إلى عصر، و يبدأ من تراث الأغلبية وهى المحافظة الدينية، ويلتحم معها لأنها الاتجاه الغالب على الناس، ويحقق مقاصد الشريعة.
والإسلام المستنير ليس غريبا على الإسلام فقد بدأ منذ نشأته الأولى. كان فهما مستنيرا لليهودية والمسيحية بعيدا عن عبادة الأحبار والرهبان وتعظيمهم واعتزازا بدور العقل في رفضه مظاهر الشرك والتعدد، وتأكيدا على المسئولية الفردية، واستحقاق الإنسان بصرف النظر عن انتسابه إلى جماعة أو انتظار مخلص، اعتمادا علـــــــــــى الفطرة الأولى، الطيبة الطاهرة بلا وزر، لا حيلة للإنسان فيه، يتوارثه عن غيره. السلطة فيه بيعة من الناس، والأمر شورى بينهم، والعدالة الاجتماعية سارية فيهم، ومن ثم أصبح الإسلام منذ نشأته دين العقل والحرية والفردية والطبيعة والإنسان والتقدم. وهو ما عرف في الغرب بعد ذلك بفلسفة التنوير.
وقد عبرت الاتجاهات الفكرية عبر تاريخ الإسلام الطويل عن هذه الروح. ففي علم التوحيد ظهر الاعتزال مؤكدا أصلى التوحيد والعدل أو أنه لا توحيد دون عدل، ولا عدل دون توحيد، ويشمل العدل أصلى الحرية والعقل، فلا عدل دون أن يكون الانسان حرا عاقلا. والحرية تأتى قبل العقل، ويتفرد بها عن غيره، ثم يأتي العقل سندا للحرية. والعقل قادر على الفهم والتأويل، فالعقل أساس النقل. والانسان باستحقاقه، آخرته مشروطة بعمله في دنياه، الثواب والعقاب طبقا للعمل الحسن أو القبيح، وأن صلة الحاكم بالمحكوم عقد اجتماعي يبايع فيه المحكوم الحاكم ويطيعه بشرط طاعة الحاكم لشروط العقد وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب على المحكوم قوله وواجب على الحاكم سماعه. وقد ظهر التنوير أيضا عند الحكماء، الفلسفة والدين شئ واحد متفقان في الهدف وهو الوصول إلى الحكمة وفي الوسيلة وهو العقل. لذلك وكذلك الأحاديث النبوية(أفلا تعقلون)كثيرا ما نصت الآيات على العقل "أول ما خلق الله خلق العقل ...".
والنظر أول الواجبات على المسلم، والنظر يتم بالعقل وهو شرط التكليف، فلا تكليف لصبى أو مجنون، وجود الله وخلق العالم، وخلود النفس، كل ذلك يثبت بالعقل. بل أن الصوفية جعلوا الذوق مرادفا للعقل، وسيلتان لغاية واحدة فالصوفي يشاهد ما يعقله الفيلسوف.
الفيلسوف يعقل ما يشاهده الصوفي. وحكمة الإشراق الفلسفي منطق ذوقى. فالكشف له منطق وقضاياه وأقيسته. والفلسفة الإلهية حكمة تعبر عن الكون الذي يشعر به الصوفي بالعقل. أما الأصوليون فالعقل لديهم مصدر من مصادر التشريع يسمونه القياس، تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لتشابه بينهما في العلة. هو الاستحسان أوالاستصحاب أو أصل العقل. والأشياء على البراءة الأصلية قبل حكم الشرع أي أنها على حكم العقل. وطرق استنباط العلة، تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط كلها منطق يجمع بين العقل والتجربة في فهم النص والواقع. ومن لا منطق له لا ثقة بعمله. وأما الفقهاء، فالعقل لديهم أيضا أساس النقل كما عرضه ابن تيمية في "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول"، ومن قدح في العقل فقد قدح في النقل. ومن مبادئ المنطق الإسلامي، ما لا دليل عليه يجب نفيه، وقياس الأولى، وهى كلها أقيسة عقلية تقوم على البداهة والاتساق.
وقد استمر التنوير في النهضة العربية المعاصرة في كل التيارات الفكرية الإصلاحية والليبرالية والعلمية. تجلى ذلك عند الأفغاني ومحمد عبده مقتربين من الاعتزال القديم. العقل قادر على إدراك حسن الأشياء وقيمها، والإرادة مستقلة، لها حرية لن تجد لسنة الله)الاختيار، والطبيعة لها سننها، و"للكون نظامه" و ، والإسلام حركة في التاريخ، تدفعه نحو التقدم والكمال كما عرض(تبديلا محمد عبده في "رسالة التوحيد". الإسلام أساس قيام المدنية، العلم والحضارة، الطبيعة والمجتمع كما بين في نقاشه مع فرح أنطون. وغياب تحكيم العقل عند الكواكبي أحد أسباب الاستبداد. وقد أصبحت الليبرالية في عصر النهضة كما مثلها الطهطاوى وخلفاؤه: علي مبارك ، وأحمد لطفي السيد ، وطه حسين ، والعقاد تعادل التنوير بل وتقتصر عليه، ويقتصر هو عليها نظرا لوجود الطهطاوى في فرنسا في عصر التنوير ورواده وتحول التنوير إلى ثورة. فأدرك أن قاعدة الحسن والقبح العقليين هما ما سماه الغرب التنوير، وأن ابن خلدون هو مونتسكيو العرب، وأن مونتسكيو هو ابن خلدون فرنسا. فلا فرق بين "المقدمة" و"روح القوانين"، بين العمران والاندوستريا، بين الفكر والوطن "فليكن هذا الوطن مكانا لسعادتنا أجمعين. فنبنيه بالحرية والفكر والمصنع". وتعليم البنات لا يقل أهمية عن تعليم البنين. والإسلام مرتبط بالأوطان ارتباط الرسول بالحجاز.
وبالرغم من أن التيار العلمي الذى أسسه شبلي شميل، وفرح أنطون، ويعقوب صروف، وسلامة موسى، وإسماعيل مظهر يعتمد على التجربة أساسا، إلا أن التجربة نفسها تعتمد على العقل، والعقل أساس العلوم الرياضية والطبيعية على حد السواء لمعرفة نظام الكون. العقل والطبيعة صوتان، وصوت العقل هو صوت الطبيعة، ودراسة النفس ودراسة البدن لمعرفة أسرار الكون كما كان الحال عند الحكماء، الفلاسفة الأطباء. وما سماه فرح أنطون العلمانية هو في الحقيقة تأسيس مصالح الناس على العقل والعلم. والطبيعة كتاب مفتوح ينظر العقل فيها كما ينظر في الكتاب المدون.
والاسلام المستنير أساس النهضات العربية الحديثة منذ حركة عرابي 1881-1882 الذي كان تلميذا للأفغاني متأثرا بتعاليمه، وقد وقامت حركة 1919 على أفكار محمد عبده الذي صاغ مبادئ الحزب الوطني بعد أن وضع الأفغاني شعار "مصر للمصريين". ومن ثنايا الثورة المصرية الثانية تأسست الجامعات وقامت النظم البرلمانية، وتمت صياغة الدستور الذي يكفل الحريات العامة.
يستطيع الإسلام المستنير أن يحيى المشروع النهضوي العربي بعد أن بدأ يتفكك ويتضاءل وتبهت معالمه. ويتمثل ذلك في تحرير الأرض. و بناء المواطن المتحرر من صنوف القهر والعسف والطامح إلى تحقيق العدالة، و تحقيق وحدة الأمة بدلا من التفتت والتجزؤ والتناحر على الحدود والقضاء على الأوطان باسم الأقليات ، و الدفاع عن الهوية والأصالة ضد التغريب والتقليد ، و التنمية المستقلة للموارد الطبيعية والقوى البشرية ضد التبعية.
والإسلام المستنير قادر على أن يكون خطابا موحدا لأنواع الخطاب السياسي القائم. فهو موجود في الخطاب الليبرالي منذ نشأته وتبنيه الإسلام المستنير كمصدر له بالإضافة إلى المصدر الغربي. وهو موجود في الخطاب القومي، فالقومية هي الحامل للإسلام، وإسلام الجزيرة العربية أولا كان شرط انطلاق الإسلام منها شرقا إلى فارس وغربا إلى بلاد الروم. والقومية لغة العرب، والإسلام ثقافتها. الإسلام المستنير إذن هو القاسم المشترك في الأيديولوجيات العربية المعاصرة والقادرة على التقريب بينها في برنامج عمل وطني مشترك.
والإسلام المستنير ثقافة الناس، النخبة والجماهير والطبقات المتوسطة. تستعمله النخبة لإعطائها شرعية التاريخ، وتستعمله الطبقات المتوسطة دفاعا عن القانون والنظام. وهو حي في الثقافة الشعبية التي تمتد إلى الناس بتصرفاتهم وقيمهم ومعاييرهم. هو أساس مشترك للجميع، يسهل الانتساب إليه والولاء له بعيدا عن الاختيارات الأيديولوجية المتنافرة والتنظيمات الحزبية المغلقة. وهو موجود في المدارس والجامعات والمساجد والصحف وأجهزة الإعلام دون حاجة إلى منبر مستقل وجهاز إعلامي جديد وهو الرابطة بين الحاكم والمحكوم، بين الحكومة والمعارضة. ممكن الاحتكام إليه حتى لو تباينت التفسيرات. لا يرفض الحاكم أن يكون الأمر بينه وبين المحكوم شورى، وأن يحكم بالعدل، وأن يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وأن يستمع إلى النصح، وأن يدافع عن الثغور وأن يعلم الناس، وأن ينمى موارد البلاد. ولا يرفض المحكوم أن يتم تحقيق مصالحه باسم ثقافته حتى يتوحد ماضيه في حاضره، وحاضره في ماضيه. فلا يثور على الحاضر باسم الماضي، ولا يثور على الماضي باسم الحاضر.
الإسلام المستنير إذن تيار ثقافي واختيار فكرى، وممارسة عملية لبناء الأوطان، وتغيير المجتمعات لما هو أفضل في إطار من الثقافة المشتركة والعمل الوطني الموحد، بعيدا عن التنازع والتناحر والقتال بين الأخوة الأعداء ففي أوقات التحديات الكبرى تتوحد الجهود.
وقد استمر التنوير في النهضة العربية المعاصرة في كل التيارات الفكرية الإصلاحية والليبرالية والعلمية. تجلى ذلك عند الأفغاني ومحمد عبده مقتربين من الاعتزال القديم. العقل قادر على إدراك حسن الأشياء وقيمها، والإرادة مستقلة، لها حرية لن تجد لسنة الله)الاختيار، والطبيعة لها سننها، و"للكون نظامه" و ، والإسلام حركة في التاريخ، تدفعه نحو التقدم والكمال كما عرض(تبديلا محمد عبده في "رسالة التوحيد". الإسلام أساس قيام المدنية، العلم والحضارة، الطبيعة والمجتمع كما بين في نقاشه مع فرح أنطون. وغياب تحكيم العقل عند الكواكبي أحد أسباب الاستبداد. وقد أصبحت الليبرالية في عصر النهضة كما مثلها الطهطاوى وخلفاؤه: علي مبارك ، وأحمد لطفي السيد ، وطه حسين ، والعقاد تعادل التنوير بل وتقتصر عليه، ويقتصر هو عليها نظرا لوجود الطهطاوى في فرنسا في عصر التنوير ورواده وتحول التنوير إلى ثورة. فأدرك أن قاعدة الحسن والقبح العقليين هما ما سماه الغرب التنوير، وأن ابن خلدون هو مونتسكيو العرب، وأن مونتسكيو هو ابن خلدون فرنسا. فلا فرق بين "المقدمة" و"روح القوانين"، بين العمران والاندوستريا، بين الفكر والوطن "فليكن هذا الوطن مكانا لسعادتنا أجمعين. فنبنيه بالحرية والفكر والمصنع". وتعليم البنات لا يقل أهمية عن تعليم البنين. والإسلام مرتبط بالأوطان ارتباط الرسول بالحجاز.
وبالرغم من أن التيار العلمي الذى أسسه شبلي شميل، وفرح أنطون، ويعقوب صروف، وسلامة موسى، وإسماعيل مظهر يعتمد على التجربة أساسا، إلا أن التجربة نفسها تعتمد على العقل، والعقل أساس العلوم الرياضية والطبيعية على حد السواء لمعرفة نظام الكون. العقل والطبيعة صوتان، وصوت العقل هو صوت الطبيعة، ودراسة النفس ودراسة البدن لمعرفة أسرار الكون كما كان الحال عند الحكماء، الفلاسفة الأطباء. وما سماه فرح أنطون العلمانية هو في الحقيقة تأسيس مصالح الناس على العقل والعلم. والطبيعة كتاب مفتوح ينظر العقل فيها كما ينظر في الكتاب المدون.
والاسلام المستنير أساس النهضات العربية الحديثة منذ حركة عرابي 1881-1882 الذي كان تلميذا للأفغاني متأثرا بتعاليمه، وقد وقامت حركة 1919 على أفكار محمد عبده الذي صاغ مبادئ الحزب الوطني بعد أن وضع الأفغاني شعار "مصر للمصريين". ومن ثنايا الثورة المصرية الثانية تأسست الجامعات وقامت النظم البرلمانية، وتمت صياغة الدستور الذي يكفل الحريات العامة.
يستطيع الإسلام المستنير أن يحيى المشروع النهضوي العربي بعد أن بدأ يتفكك ويتضاءل وتبهت معالمه. ويتمثل ذلك في تحرير الأرض. و بناء المواطن المتحرر من صنوف القهر والعسف والطامح إلى تحقيق العدالة، و تحقيق وحدة الأمة بدلا من التفتت والتجزؤ والتناحر على الحدود والقضاء على الأوطان باسم الأقليات ، و الدفاع عن الهوية والأصالة ضد التغريب والتقليد ، و التنمية المستقلة للموارد الطبيعية والقوى البشرية ضد التبعية.
والإسلام المستنير قادر على أن يكون خطابا موحدا لأنواع الخطاب السياسي القائم. فهو موجود في الخطاب الليبرالي منذ نشأته وتبنيه الإسلام المستنير كمصدر له بالإضافة إلى المصدر الغربي. وهو موجود في الخطاب القومي، فالقومية هي الحامل للإسلام، وإسلام الجزيرة العربية أولا كان شرط انطلاق الإسلام منها شرقا إلى فارس وغربا إلى بلاد الروم. والقومية لغة العرب، والإسلام ثقافتها. الإسلام المستنير إذن هو القاسم المشترك في الأيديولوجيات العربية المعاصرة والقادرة على التقريب بينها في برنامج عمل وطني مشترك.
والإسلام المستنير ثقافة الناس، النخبة والجماهير والطبقات المتوسطة. تستعمله النخبة لإعطائها شرعية التاريخ، وتستعمله الطبقات المتوسطة دفاعا عن القانون والنظام. وهو حي في الثقافة الشعبية التي تمتد إلى الناس بتصرفاتهم وقيمهم ومعاييرهم. هو أساس مشترك للجميع، يسهل الانتساب إليه والولاء له بعيدا عن الاختيارات الأيديولوجية المتنافرة والتنظيمات الحزبية المغلقة. وهو موجود في المدارس والجامعات والمساجد والصحف وأجهزة الإعلام دون حاجة إلى منبر مستقل وجهاز إعلامي جديد وهو الرابطة بين الحاكم والمحكوم، بين الحكومة والمعارضة. ممكن الاحتكام إليه حتى لو تباينت التفسيرات. لا يرفض الحاكم أن يكون الأمر بينه وبين المحكوم شورى، وأن يحكم بالعدل، وأن يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وأن يستمع إلى النصح، وأن يدافع عن الثغور وأن يعلم الناس، وأن ينمى موارد البلاد. ولا يرفض المحكوم أن يتم تحقيق مصالحه باسم ثقافته حتى يتوحد ماضيه في حاضره، وحاضره في ماضيه. فلا يثور على الحاضر باسم الماضي، ولا يثور على الماضي باسم الحاضر.
الإسلام المستنير إذن تيار ثقافي واختيار فكرى، وممارسة عملية لبناء الأوطان، وتغيير المجتمعات لما هو أفضل في إطار من الثقافة المشتركة والعمل الوطني الموحد، بعيدا عن التنازع والتناحر والقتال بين الأخوة الأعداء ففي أوقات التحديات الكبرى تتوحد الجهود.