لعل التساؤل الأبرز الذي يدور بأذهان العديد هو لماذا أصبحت الميادين الرياضية مسرحا لأعمال العنف؟و هل ولى زمن شعارات الرياضة أخلاق أو لا تكون و الرياضة تحابب و تقارب؟ فهذه التساؤلات و غيرها مشروعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور الذي تلعبه الرياضة اجتماعيا. لكن التساؤل الأبرز الذي يمكن طرحه هو: هل يكون اللجوء إلى العنف أمرًا مقصودًا من اللاعب أو المشجع؟ أم أنه نتيجة وضعيات صعبة وجد الفاعل نفسه محشورًا فيها؟
لقد أصبحت الرياضة و خاصة كرة القدم تعني الكثير لدى العديد من المشجعين,فهي ذلك الوهم الجميل الذي ينتظره طوال الأسبوع,و هي الشيء المتجدد الذي يعرفه في خضم ما يعيشه من ضغوطات الحياة اليومية: العمل,العائلة,الدراسة...لتصبح الرياضة متنفسًا لكل ذلك. و إذا كان البعض يأخذ الرياضة على أنها وسيلة من وسائل الترفيه,فإنها تصل إلى حد الإدمان لدى الكثيرين أو لنقل أنها تحولت إلى أفيون الشعوب الجديد. عندها لا تصبح مباراة في كرة القدم تدور يوم الأحد أو أي يوم آخر بل أنها تتواصل لتصبح جزءًا من المعيش اليومي,فترى المحب يتابع التمارين خلال أيام الأسبوع و يلاحق الأخبار المتعلقة بفريقه المفضل,فيصبح متعايشا معه في البيت أو في العمل أو في مكان الدراسة.و ما نريد توضيحه هنا هو أن الفريق الذي نشجع يتحول إلى جزء منا و المساس به يعني المساس بشيء له من القدسية الشيء الكثير, حتى أن التحضير للذهاب إلى الملعب يكون عبارة طقوس واجبة استعدادًا لهذا الحدث.فالعاطفة هي التي تسير أفعال المشجعين تمامًا "كالصفعة التي توجهها الأم لابنها لأنه كان لا يحتمل,أو اللكمة الصادرة من لاعب فقد السيطرة على أعصابه أثناء مباراة كرة قدم. و في جميع هذه الحالات الفعل يعرف ليس بالرجوع إلى الهدف منه أو لنظام قيم بل بالعودة إلى ردة الفعل العاطفية للفاعل المحشور في وضعيات معينة."
و سنحاول هنا تحديد هذه الوضعيات التي تؤدي غالبًا إلى الانفجار. فمن المعروف أن الجمهور الرياضي أصبح فاعلا رئيسيا في النشاط الرياضي بصفته الاقتصادية كمستهلك,لذلك ترى النوادي تسعى بشتى الوسائل إلى استمالته و حثه على حضور المباريات حتى و إن كانت المخادعة وسيلة لذلك كإيهامه بالقدرة على حصد الألقاب الواحد تلو الآخر,و القول بأن النادي ملك للجمهور و مصلحته من مصلحتهم أي أنه جزءا منهم. وإذا أضفنا إلى ذلك بعض الخطابات الصحفية و التي تعتمد المبالغة كوصف مقابلة بأنها ثأرية أو مباراة الأمل الأخير و غير ذلك من الأوصاف و التي تجعل المشجع يأخذ المسألة على أنها مصيرية أو لنقل قضيته الشخصية,فتراه واقفا في الصفوف بحثا عن التذاكر وتحضير مستلزمات الاحتفال ليأتي اليوم الموعود و تجد الجماهير نفسها أمام منغصات ترى أنها تحول دونهم و دون وهمهم المنعش و الذي قدموا من أجله.
وبعيدا عن ذلك يصبح العنف لدى البعض وسيلة لإظهار الولاء و شدة التعلق بالفريق إلى أقصى حد. فهناك نوعان من المشجعين الأول يأتي للملعب ليشاهد المباريات و الثاني يأتي ليشاهده البقية من خلال أعمال العنف. و رغم ما تعرفه الميادين الرياضية في بلادنا من مصادمات عنيفة إلا أنها لا تندرج ضمن العنف المنظم كما يحدث في أوروبا مثلا من خلال مجموعات المشجعين على اختلاف تسمياتها مثل:« Ultra » حيث تعرف هذه تنظيما صارما و تحركها أفكار محددة "كالنازيين الجدد" فهي لا تأتي إلى الملاعب للفرجة بل لبث أفكارها خاصة العنصرية منها(كما هو حال جماهير Paris saint germain بفرنسا وجماهير Lazio Rome بإيطاليا),فهذه المجموعات من الجماهير تقوم على الأعمال العنيفة. و إن تمكنت بعض الدول من التصدي إلى هؤلاء من خلال إجراءات عقابية ووقائية ناجعة و مثالنا على ذلك "أنقلترا", فإن مجتمعات أخرى لازالت تتحمل أوزار مثل هؤلاء المتعصبين لعرق إنساني أو إيديولوجيا سياسية معينة من خلال نشاط رياضي ما, فالرياضة اليوم محط أنظار الملايين و محور اهتمام وسائل الإعلام الجماهيري كل ذلك يجعل مباراة في كرة القدم على سبيل المثال فرصة مثالية لهؤلاء للتعريف بأفكارهم. و بذلك أصبحت وظيفة الرياضة كعامل تماسك اجتماعي مهددة أمام هذه المخاطر و التي يمكن اعتبارها معوقات وظيفية "dysfonctionnement ".
أسامة بويحي
باحث في علم الاجتماع