إن الحديث عن المجال، وطريقة تنظيمه،كان محط اهتمام الباحثين والدارسين ـ الأوربيين خصوصا ـ كوبير مونطاني ، وجاك بيرك ،كما أن هناك باحثين مغاربة اعتنوا بهذا الموضوع، وأولوه اهتماما بالغا في كتبهم ، وبحوثهم العلمية والجامعية أمثال الباحث الاجتماعي بول با سكون ، ولقد أكد هولاء جميعا أن المغرب ينقسم في تنطيمه ونظامه السياسي والاجتماعي الى منطقتي نفوذ المخزن والقبائل الاولى تعرف باسم بلاد المخزن والثانية تحت اسم بلاد السيبة أي هناك مجالين متعارضين الاول هو المجال التابع للمخزن والثاني هي البلاد الخارجة عنه.
من الدراسات التي نهجت هذا النهج الانقسامي ما [كتبه ميشو بيلير عن جوانب من تاريخ المغرب عموما وروبير مونطاني عن الاطلس الكبير ، وجنوب المغرب،وشاتوليي عن قبائل الشمال والجنوب والكونونيل جوستار ، المراقب المدني بمدينة تزنيت والذي عرفه سكان سوس باسم القبطان الشلح عن جنوب المغرب ، وعلى نسق هذه الدراسات كان ماكتبه بعد ذلك جاك بيرك عن قبائل سكساوة ، وارنيست كلينير عن صلحاء الاطلس المتوسط.....]
أعمال الدورة الأولى للجامعة الصيفية باكادير ـ الثقافة الشعبية ـ الوحدة في التنوع ] 1980 ص:120 ـ 121 .
ومن بين هؤلاء المؤرخين والدارسين من يرى أن حدود هذا المجال أوذاك يطابق الحدود اللغوية ، ويطابق تنظيمه الداخلي والذي يعكس التقاليد الأمازيغية العريقة في حين يرى طرف آخر من هؤلاء الباحثين أن تحديد المجال في المجتمعات القبلية يجب ان ينطلق من تكوين الاسرة وآلية تطورها وعلاقات الاسر داخل القرية أو (الدوار) و في نطاق الفخذ ( تاقبيلت)وكذلك في (القبيلة) ثم ما يرتبط بين القبائل المجاورة من اعراف وتنظيمات تقليدية ، وبالتالي ابراز الوحدات التي تتقاسم السلطة داخل القبيلة وموقف المخزن ـ مع الاشارة ـ الى آثار الاستعمار ازاء تلك العلاقات.
ولهذا فإنه لفهم ، واستيعاب المجال وحدوده داخل المنظومة القبيلة(سوس نموذجا)لابد ان نستعين في تحليلنا بالمفاهيم المركزية التي تؤسس النظام المجتمعي القبلي وهي:
وهي الأسرة الصغيرة والمكونة من رب الأسرة وزوجته أو زوجاته ، وابنائه،وأحفاده وكلهم يعيشون حياة جماعية ، ويتقاسمون فيما بينهم بيتا واحدا، يتسع لإيواء كل أفراد الأسرة ، الذين يتعاونون فيما بينهم ، فيساهم كل واحد منهم في استثمار وتنمية كل ممتلكات الأسرة، ورعايتها حسب قدرته ومهارته،وامكانياته،وبذلك يشكلون وحدة اقتصادية للإنتاج والاستهلاك ثم يؤدون وظائف أساسية في تدبير واستغلال الميراث العائلي ..وهكذا يقوم النظام الاجتماعي لدى قبائل سوس والاطلس الصغيرـ وحتى الكبير ـ على أساس قاعدة الأسرة ،كخلية أساسية ويعطى للأب في نطاق هذه الأسرة كامل السلط خارج البيت ،وكامل الصلاحيات بصفة عامة ،وللأم سلطة كاملة داخل بيتها، تقوم بسائر شؤونها، وتهتم برعاية الأبناء وتربيتهم ومع ذلك فهي تساعد الرجل في جميع أعماله الفلاحية والرعوية والتجارية ، وتقوم بمفردها بتلك الأعمال عند غياب الزوج ، ولذلك يفرض لها من التركة ما يسمى "بالسعاية" او" الجراية" وهي مسألة مألوفة تناولتها كتب النوازل الفقهية عن البوادي وهذا ما ينفي بعض جوانب الهيمنة الأبوية .وفي هذه الأسرة الأبوية يتم الزواج بصفة مبكرة ويكون عادة بين ا!
لاقرباء من نفس الاسرة ونفس القرية ويفسر هذا الاجراء بالرغبة في رفع الكلفة الاقتصادية والاجتماعية في الاعراس اكثر من تفسيره بالتعصب للعشيرة..ويكتفي الرجل عموما بزوجة واحدة ، ويكاد الطلاق يكون نادرا بين هؤلاء، ويعتبر عدم الطلاق مما يصان به العرض، ونظرا لكون الاسرة تعتبر الابناء وسيلة من وسائل الانتاج واستخدامهم كمساهمين في اشغال الزراعة والرعي واداة لتقوية نفوذ الاسرة فان عملية التكاثر والانجاب مرغوب فيها ..لكن هذا التكاثر لايخرج المجتمع القروي على التوازن الديمغرافي المطلوب وذلك نتيجة ما يتعرض له هذا المجتمع من مجاعات وكوارث تزخر بها كتب التاريخ وهذا ما يعمل باستمرار على حصول توازن بين الكم البشري والكم الاقتصادي في اطار بيئة انتاج القلة التقليدي...
عمر افا (اعمال الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية)باكادير1980 ص:122 ـ 123 .
ان الأسرة التقليدية هي وحدة انتاج ، ووحدة ملكية ، ووحدة لإعادة الانتاج الاقتصادي والبيولوجي والرمزي وتتميز بالتراتب تحت سلطة زعيم الأسرة ، وتنتظم الأسرة بكيفية تسمح بضمان اعادة الانتاج ونقل التراث (الاسري الاقتصادي والرمزي والاجتماعي والثقافي) ويتحقق داخل هذه الاسرة من هذا النوع الوحدة بين ملكية تراث منتج واستعمال هذا التراث عبر ممارسات الانتاج وممارسات اعادة الانتاج والطقوس العلمية المرتبطة بهما والعلاقات التي تنتج عنها.
ولقد اشار عدد من الباحثين وخصوصا باسكون والراضي والمرنيسي الى الطابع البطريكي للاسرة ووقفوا عند هذا الحد ، دون ان ياخذ بعين الاعتبار الشروط التاريخية والاجتماعية لتكوين هذا المفهوم
2 ـ ايخس ـ العظم
عندما نتجاوز تكون الاسرة كخلية اساسية في واقعها البسيط تطرح اسئلة كثيرة من قبيل هل ان هذه الاسرة تشكل وحدة بالغة في نطاق علاقات المجتمع البدوية ام انها تدخل وتنصهر في اطار مجتمعي كبير؟؟ان الاسرة بشكلها البسيط لاتظهر اهميتها الامستوى تكتل عشيري داخل (القرية)او(الموضع)او (تاقبلت)ثم(القبيلة)وهذا لاينفي ما يبرز من تطور داخل المجتمع القروي السوسي وغير السوسي والذي يقضي بظهور اسرة كبيرة لها اهمية تؤثر في ما يجري من علاقات في هذا المجتمع والاختيار المرجح والذي ذهب اليه ايضا روبير مونطاني هو ان الاسرة الكبيرة (اخسان _ العظام) تشكل قرية (ادوار) او مدشرا تتقاسم فيه هذه الاسر الترواث الطبيعية الواقعة بمجالها الترابي وفق اعراف متوارتة ومدونة في الشعور واللا شعور الجمعي لهذه الساكنة وهذه الاعراف تعرف تحت اسم (ازرف).
ويرى روبير مونطاني ان هذه التجمعات السكانية تتشكل من 20 (عشرون)الى30 (ثلاثون) كانونا في اربعة (04) او خمسة(05) دواويير وفي بعض الاحيان تصل الى عشرة(10)او اثناعشر(12)دوارا ويمونون (تاقبيلت) او فرقة ، ومن مجموع (تاقبيلت) تتشكل (القبيلة) والفرق بينهما ان (تاقبيلت) هي جزئية تستمد شخصيتها من وحدة الرقعة المسكونة ، والمجال المستغل ، وغالبا ما نجد اهل تاقبيلت يدعون انهم ينتسبون الى نسب واحد اما (القبيلة) فهي وحدة كبيرة تحمل اسما واحدا ، وتملك ارضا معينة نجنمع على عدد من التقاليد والاعراف في المواسم ولها مؤسسات سياسية وتقليدية
3ـ لجمعت
انه مجلس ممثلي الاسرة الكبيرة او الفرقة وهذا المجلس يقرر في الشؤون المحلية عبر ممثلي هذه الاسر الكبيرة الذين يشكلون مؤسسة" انتخابية"تسمى ايت ربعين ويسمون"انفلاس" ويجتمع هذا المجلس عند احد الاعضاء الذي يتوفر على اقامة مناسبة لاجتماع "القيادة المحلية"وقد يجتمع" انفلاس" في مسجد الدوار او في الزاوية او في موقع لائق تحت ظلال اشجار الزيتون او الاركان او اللوز.
لقد كانت( القبائل تنتخب هيئة تنفيذية تسهر على تطبيق تلك الاعراف وهي هيئة متنقلة بين القبائل للفصل في القضايا ، وتدعى "اينفلاس"او " ايت ربعين" وتخول لهم السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وحسب الاكواري فان العمل بهذه الاعراف امتد حتى فترة قيام السلطان مولاي الحسن عام1299 ه ـ 1882 برحلته الاولى الى سوس .
عمر افا. المرجع السابق .ص:128
ان مؤسسة "لجمعت"هذه تقوم باتخاذ القرارات الأساسية في حين ان " امغار" لايقوم الابدور التنفيذ للقرارات الصادرة عن مجتمع " اينفلاس" بل هناك قبائل اخرى تكون فيه المساواة تامة بين جميع الاعضاء حتى ان سلطة الرئيس او الزعيم او الكبير ، كما هو الحال في منطقتي ادا وتنان ، واداولتيت.
4 ـ القبيلة
يرى ارنست كلنير ان النظام السياسي والاجتماعي للقبيلة هو نظام انقسامي ،ويعني ذلك ان كل قبيلة تنقسم الى فروع،وتنقسم هذه بدورها الى اجزاء الى ان تصل الى مستوى الوحدات العائلية وتتعادل الاجزاء في كل مستوى من مستويات الانقسام فلا وجود بينها لأي تقسيم للعمل ذي طبيعة اقتصادية او سياسية ،كما انه لاتوجد داخل الاجزاء او فيما بينها اية مؤسسات او زمر سياسية متخصصة ،وهكذا تبدو بنية القبيلة ،اذا ما نظرنا اليها ككل ،شبيهة ببنية الشجرة ،تنقسم وتتفرع الى فروع مثل الاغصان دون ان يكون هناك جدع رئيسي ، لأن جميع الفروع متساوية ،ومن وجهة نظر الفرد او الوحدة العائلية يشكل كل منهما مركزالعدد من الدوائر المتحدة المركز: العشيرة داخل القرية ، والقرية داخل جماعة القرى المكونة للعشيرة المحلية ،والعشيرة المحلية داخل العشيرة الاوسع وهذه داخل القبيلة).
الانتربولوجيا والتاريخ ـ حالة المغرب العربي ـ سلسلة دار توبقال للنشر ط 1 ـ 1988 .
وقام العديد من الباحثين المغاربة والاجانب بتتبع مكونات وعناصر البناء الاجتماعي والسياسي للقبيلة ،ووصلوا الى ان العامل الموحد لبنية القبيلة،يتمثل في مجموعة من العناصر المشتركة ، كالملكية المشتركة للأرض ، واستغلال المراعي ، وتقسيم المياه ، والدفاع عن حدود القبيلة،اضف الى ذلك وجود وحدة سلالية بين افرادها ...حتى ان الصراعات القائمة بين الافراد لاتنفي ابدا التماسك والتعاون في مستوى اعلى وبعبارة اخرى [ لاتمنع العداوة الموجودة بين عشيرتين داخل قبيلة واحدة تضامنهما ضد قبيلة اخرى هناك تقابل ومساواة في جميع المستويات وحتى لو بلغ افراد او جماعات قدرا من الغنى او من النفوذ قد يمنحهم تفوقا مؤقتا على الآخرين فان ذلك لايؤدي الى تراتب دائم او مقبول رمزيا لايمكن ان ترتب في مكان او مكانة اعلى او ادنى اجتماعيا سوى الاشخاص الطارئون على القبيلة ويشكل الصلحاء والحرفيون من السود او من اليهود حالات استثنائية بالنسبة لقاعدة التقابل والتساوي السائدة بين وداخل النسق التقليدي...]
الانتربولوجيا والتاريخ.ص47 .
وفي هذه القبيلة او تلك ينتخب الرؤساء وكبار القبيلة(امغورن) سنويا او خلال المدة المنصوص عليها عرفيا ، مما يثير الانتباه ان نظام الاقتراع يراعي ما يمكن ان يسمى بمبدأ ( الدور والتكامل) ويعمل هذاان المبدءان على النحو التالي: لنفترض ان قبيلة تتكون من ثلاث عشائر (أ) ـ (ب) ـ (ج) ففي كل سنة او مدة معلومة يكون الرئيس من احدى هذه العشائر لكن العشيرة التي ينتمي اليها الرئيس لاتشارك في"الاقتراع"او"الانتخاب".ولنفترض ان العشيرة (أ) هي التي اعطت الرئيس فان ذالك يعني ان العشيرتين(ب) و (ج) هما اللتان ستقومان" بانتخابه"او "اقتراعه" والنتيجة ان العشيرة الواحدة لايمكنها ان تمد القبيلة بالمرشحين والمصوتين في آن واحد.
ومن مزايا هذا النظام انه يقطع الطريق على الاستبداد وعلى الطموح السياسي المفرط ، لكن ضعفه يكمن في انعدام الاستمرارية وغياب جهاز للمحافظة على هذا الشكل من النظام.
المرجع السابق.ص:49 .
وكل هذه العوامل مجتمعة هي التي تكون اساس الوحدة ، وهي في تواترها تتلائم مع الظرفية الاجتماعية والاقتصادية ( التي يعيشها المجتمع القروي سواء على المستوى الداخلي كملكية الارض ، واستغلال المراعي ، وتقسيم المياه ، او على المستوى الخارجي ، كتهديد امن القبيلة بخطر ما ، بمعنى ان التفسير التاريخي لظاهرة ما لا ينبغي ان يقتصر على عامل دون الآخر..)
عمر أفا.المرجع السابق ص: 125 .
من خلال المفاهيم المجالية يتضح ان توزيع وتنظيم المجال يتسم بطابع انقسامي ، حيث ان كل قبيلة في سوس ، تنقسم الى فروع ، والفروع هي الأخرى تنقسم الى أجزاء ، والأجزاء بدورها تتفكك وتتجزأ الى أشكال خلايا حتى نصل الى مستوى الوحدات العائلية ، وبذلك تبدو بنية القبيلة ومعها بنية المجتمع القروي السوسي الى شبه شجرة بفروعها واغصانها حيث القبيلة شبيهة ببنية شجرة لها جدوع وجدور وكل جدر يتفرع مثل الاغصان دون ان يكون هناك جدع رئيسي لان جميع الفروع متساوية وفي ذلك يقول الأستاذ عبد الله حمودي:[ القبيلة مثلا تشتمل على سلالات ترتبط فيما بينها حسب بعض المبادىء ،ويكون مجموعها وحدة اجتماعية سياسية تتمتع بقدر من الاستقلالية ، تشكل كل وحدة من هذه السلالات قسمة اجتماعية تحت نسب يحدد بدون أي التباس نوعية العلاقات الموجودة سواء بين الفئات او بين الافراد وبذلك تنعدم امكانية وجود التزامات متناقضة..] ويضيف الباحث المغربي في نفس السياق مشيرا الى[ ان هذا المجتمع الانقسامي يقوم ممثلوه بوظائف اجتماعية متباينة من جهة ومتجانسة من جهة اخرى : تتولى العائلة الكبيرة استغلال الميراث العائلي وتشرف السلالات داخل القر!
ية على قضايا توزيع الارض والماء اما المشاكل المرتبطة بالعلاقات الخارجية مثل ضبط الحدود والمراعي وتنظيم السوق ..... فهي من اختصاص القبيلة باعتبارها القسمة العليا والنهائية..]
عبد الله حمودي ـ الأنتبرولوجيا والتاريخ.سلسلة عالم المعرفة التاريخية.دار توبقال.ط 1 .ص:61و62 .
فمثلا عندما نريد ان نعطي مثالا عن تناغم وتجانس بنية قبيلة ما فيمكننا ان نستدل بكل القبائل السوسية التي لها نفس البناء العام وتحكمها نفس البنية العلائقية عموديا وافقيا فمثلا قبيلة(افسفاسن) وهي احدى قبائل ادا وتنان الثلاث التي تكون اتحادا فسما بينها وتتكون هذه القبيلة من عدة فخدات وجماعات ودور متفرقة تنحدر من ستة عظام كبرى(اخسان) وهي:
ـ أيت تيويلت وعدد كوانينهم 245 كانون(احصاء1924)
ـ أيت اوقصري وعدد كوانينهم340 كانون(احصاء1924)
ـ أيت وانكريم وعدد كوانينهم410 كانون(احصاء1924)
ـ أيت والما وعدد كوانينهم116 كانون(احصاء1924)
ـ أيت ووركا وعدد كوانينهم260 كانون(احصاء1924)
ـ امروتن وعدد كوانينهم190 كانون(احصاء1924)
وبذلك يبلغ مجموع سلكنة قبيلة افسفاسن حوالي 1610 كلنون حسب احصاء اجراه لاتيرون.
واذا كانت العديد من المناطق الجنوبية وفي سوس ـ خصوصا ـ تخضع لهذا النظام ، والتنظيم السياسي الاجتماعي دون الخصوصية الانقسامية فانه في العقود الأخيرة بدأت بعض المناطق تعرف انحلالا وتغيرا بل زلزالا مدمرالهذا النظام الاجتماعي حيث تحطمت قواعد التعامل الاقتصادي وتخربت ضوابط التعامل الاجتماعي وتلاشت كل قوانين العرف القبلي (ازرفان) امام قوة الراسمال الجديد القائم على الاحتكار والملكية الفردية فتسبب ذلك في تفكيك وتفكك العلاقات والقيم الاجتماعية القبلية ومن ذلك:
أـ انقراض نظام (تايسا) أي الرعاية وهو اسلوب جماعي تتمكن القرية بواسطته من انجاز رعاية الماشية ويتم الرعي بواسطة تناوب حسب عدد "كوانين"تلك القرية بعد وضع"عرف" مدون او مشهود عليه يساعد على حل مشاكل الرعي والرعاة وتعتبر الرعاية نوعا من تقسيم العمل في هذه المجتمعات التقليدية.
ب ـ تلاشي نظام( تيويزي)الدي يعتبر شكلا تعاونيا ذا مدلول اقتصادي اجتماعي يسعى الى خلق تكتل القوى الانتاجية من بين الاسر (اخسان) في كل قرية قصد انجاز مجموعة من الاعمال الجماعية لصالح كل اسرة في المجال الزراعي بالخصوص دون الاحتياج الى استعمال المال مقابل الاجور وتتم هذه الاعمال التعاونية بمشاركة كل افراد القرية وبدون ميز او تفضيل.
ج ـ أكدال لم يعد له ذلك الوجود السابق وهو نوع من الحماية او نظام الحراسة للاشجار المثمرة اذ يمنع جني ثمار الاشجار الا بعد اتمام نضجها وكل من خالف ذلك يغرم بغرامة تسمى(تانفكورت) لانه اخل بقوانين (اكدال).
د ـ تفكك البنية الشجرية للقرابة الدموية وللاسر الكبيرة بسبب تفكك الارث العائلي وتفكيك الارض والعقار والملكية الجماعية للارض والزواج الخارجي (خارج القبيلة).
ه ـ تلاشي دور المؤسسات الاجتماعية التقليدية (كالدوار) و (تاقبيلت) و (لجمعت) مع ظهور وتنامي مؤسسات سياسية جديدة قائمة على الفردانية والتلسلط والمخزنة (القواد ، البشوات ، الأمن المخزني..)
وهكذا فالمجال وتنظيمه في سوس وفي كل القرى والبوادي الجنوبية عرف زلزالا هادما اودى بالتنظيم التقليدي لاستغلال المجال فقبيل الحماية الفرنسية والاسبانية كانت منطقة سوس تعرف نمطا اتحاديا بين عدد من الفخدات _ الفرقات _ (تاقبلين)تترواح بين 03 و 12. وكلها تكون وحدة اعلى وهي (القبيلة) وتحمل اسما مشتركا وتملك ارضا معينة وتجتمع حول عدد من التقاليد والاعراف والمزارات ولها مؤسسات قانونية عرفية فمثلا اذا اخذنا قبيلة(اداولتيت) من الاطلس الصغير فهي تتالف من ثلاث (تقبيلين) وهي : تاقبيلت ن اداو سملال ـ تاقبيلت ن اداورسموك ـ تاقبيلت ن ادا وبعقيل .. ويسود الاعتقاد ان كل هذه الفخدات الكبرى الثلاث تجتمع حول جد اكبر مشترك هو (ولتيت) الذي قيل ان له ثلاث ابناء هم : (ارسموك ـ سملال ـ باعقيل).وان هذا الالتحام القبلي القائم على القرابة الدموية افرز الكثير من العلاقات المتلاحمة بين مكونات القبيلة غير انه بدخول الحماية الاوربية الفرنسية منها والاسبانية ظهرت معالم تنظيم مجالي مغاير اتسم بالازدواجية فكان من نتائج هذا الاحتلال تواجد عدة مجالات او بنيات مجالية مختلفة كاراضي المخزن واراضي الخواص واراضي ال!
حموع واراضي الزوايا...اما على مستوى التقطيع الاداري ـ السياسي ـ فهناك بلاد المخزن، وبلاد السيبة، اضافة الى الاراضي التابعة لبعض القواد المحليين، وبعد الاستقلال بدات هذه التنظيمات تتلاشى وخصوصا( نظام القبيلة) وفي المقابل تقوت سلطة المخزن وازدات هيمنته على الارض والعباد ليصل في فترة لاحقة الى وضع سياسة لاعداد التراب والتنظيم المجالي الحالي للمغرب، هذه التنظيمات المتعددة للمجال ، وهذه الاعراف والقوانين المتصادمة خلقت نماذج مختلفة بل متعارضة من الانظمة الاجتماعية كالنظام القبلي،والنظان المجتمعي المخزني، والنظام المجتمعي الرأسمالي، والامتداد الاقطاعي،ولقد لعب هذا الاخير دورا اساسيا في القضاء على اسس النظام القبلي ، بفعل هيمنته الاقتصادية ، وبواسطة ثقافته النقدية وفلسفته الليبرالية ولقد عبرت ثقافتنا القروية في سوس عن هذا الوضع المنهار وتكييفها مع الشروط الاقتصادية والاجتماعية الجديدتين فتعايشت في ظل هذا الوضع الجديد انماطا ثقافية وادبية وفلكلورية عديدة كا لاساطير والحكايات والخرافات والاحاجي والشعر والرقص الجماعي..
المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع العدد165و 166 يناير 1986 .