القلق,الخوف,الفزع,الهلع,الجزع , والرعب وربما الذعر أيضا, قد تكون أوصافا مختلفة لحالة واحدة تعكس تباينا في الشدة والمدة أو طغيانا لشعور على آخر في نفس السياق.
فالقلق هو الانزعاج وعدم الاستقرار والراحة ومن ذلك قول المتنبي
كريشة في مهب الريح ساقطة لا تستقر على حال من القلق
ومنه أيضا قول المعري
العين من ارق والشخص من قلق والقلب من أمل والنفس من حسد
والقلق.. التحفز, وكان الإمام علي قبل المبارزة يقول لصحبه "أقلقوا السيوف في الغمد" أي حركوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا إلى سلها ليسهل ذلك عند الحاجة إليها.
فإذا ما ازداد القلق واشتد أضحى ذلك خوفا يضطرب له القلب ويرف, ومنه قول ابن برد
فجاءت على خوف كأن فؤادها جناح السماني يرعوي ويحيد
فإذا ما ازداد الخوف اصبح ذلك فزعا وذعرا وهنا تزداد جرعة الخوف وحدته فلا يقوى الشخص على المواجهة ويؤثر الابتعاد والتجنب وربما الهرب طلبا للسلامة والطمأنينة وسعيا للنجدة والغوث فيكون الشخص فزعا فازعا أي خائفا طالبا للفزعة والنصرة , فالفازع المستغيث.... والفازع المغيث, ومن ذلك قوله عليه السلام في الأنصار"إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع"وبها معنيين أي عند شدة الخوف, وعندما يستجار بكم لدرء ذلك, ومنها قوله في الإمام علي"فإذا فزع فزع إلى ضرس حديد" أي إذا استغيث به كأنما لجيء إلى ضرس .
ومن الفزع أيضا قول العرب فزعت لمجيء فلان إذا تأهبت له متحولا من حال إلى حال كما ينتقل النائم من النوم إلى اليقظة وفي ذلك قول الشريف الرضي
وأهب من طيب المنام تفزعا فزع اللديغ نبا عن الإغفاء
وهي هنا بمعنى الخوف والذعر والابتعاد والانتقال من حال إلى حال.
ومن ذلك أيضا قول المتنبي
طوى الجزيرة حتى جاءني نبأ فزعت به بآمالي إلى الكذب
وهنا الفزع... الالتجاء.
وإذا ما طال الفزع دون رجاء تحول جزعا وهو ترافق الفزع والخوف مع الحزن وانعدام الصبر , وقد جاء في الذكر الحكيم"إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا".
وإما الهلع ففيه الخوف وفيه الفزع وفية الجزع وفيه الحرص وقيل هو أسوأ الجزع وأفحشه
وفي الحديث الشريف " من شر ما أعطي المرء شح هالع وجبن خالع".
وحين هم شبة بن عقال أن يقبل يد هشام بن عبد الملك نهره قائلا : مهلا يا شبة فإن العرب لا تفعل هذا إلا هلوعا و إن العجم لم تفعله إلا خضوعا.
و أما الرعب فهو وقوع الخوف والفزع في النفوس وفي ذلك قوله عليه السلام "نصرت بالرعب مسيرة شهر" .
يبقى أن نقول أن الخوف والقلق وربما الفزع, هي مشاعر طبيعية بل وضرورية لإدامة الحياة ,والابتعاد عن الأخطار المحدقة , فلولا القلق لما استعد شخص لامتحان ولولا الخوف والتنبه لما احترز شخص عند عبور الشارع , ولذلك في كثير من الأحيان يكون القلق صنو الإنجاز ومترافقا مع الإبداع وقد كان سارتر يرى في التجربة الوجودية في الانتقال من الوجود" بذاته" ل الوجود "لذاته" وتحقق كينونة الفرد تجربة انفعالية قوامها القلق المنتج.
وفي زيادة القلق عن حده كما وكيفا و إزمانا يتحول من حافز إلى معرقل فالمتحفز يعمل, والخائف يضطرب عمله, والفزع يتجنب العمل, والجزع يجلس قانطا,ولو شبهنا ذلك بحالة طالب يستعد لامتحان ,فإذا كان متحفزا يقظا أجاب بانتباه وسرعة خاطر وإن كان خائفا تلعثم وإن كان فزعا تهرب من الامتحان وان كان جزعا لم يغادر بيته, متساويا بذلك مع من لم يستعد أساسا.
وكما يكون التهور تسرعا وإخفاقا ينجز الفشل تكون زيادة التحسب وسوسة واحتباسا تفشل الإنجاز.
وقد رسم علم النفس منحنا بيانيا yerksdotson curve بناء على التجربة العملية قورن الأداء فيه مقابل درجة التوتر , فلوحظ أن الأداء يتحسن مع ارتفاع التوتر إلى درجة معينة ومن ثم يبدأ بالتنازل إذا ما استمر التوتر بالتصاعد.
إما كيف يكون القلق مرضيا فذلك حين تزداد حدته ويطول أمده , فتضطرب حياة المرء ووظائفه الحيوية والاجتماعية ,النفسية منها والجسدية وقد وصف الشاعر أبو تمام ذلك بمنتهى الرقة والحساسية حين قال
هبي تري أرقا من تحته قلق يحدوهما كمد يحنو له الجسد
أما كيف يكون الخوف مرضيا فذلك حين يرافقه التجنب والتهرب وفي اللغة الإنجليزية يتحول الخوف fear إلى خوف مرضي phobiaحين يرافقه التجنب طلبا للراحة و الأمان , مما يعززه ويدفعه نحوا الإزمان ولذلك تكون المعادلة على نحو من
FEAR + AVOIDANCE = PHOBIA
خوف + تجنب = رهاب
وقد يتجه الخوف في هذه الحالة نحو شيء معين حيا كان أو جمادا كالكلاب أو الماء أو الجراثيم أو حتى المرض وقد يتجه نحو موقف معين كالخوف من الازدحام أو الوحدة أو مواجهة الناس كالخوف الاجتماعي أو الخوف من الأمكنة , كالأمكنة المرتفعة أو المغلقة أو المصاعد إلى آخر ما هناك من عشرات الأشياء والمواقف ولعل كلمة رهاب هي الأنسب لوصف الخوف المرضي الذي يكون مرضيا بحيلولته دون أداء الإنسان لوظائفه على نحو سليم ولمدة زمنية طويلة.
أما الفزع فيكون مرضيا حين يكون فزعا بدون تهديد حقيقي , أو من اعتقاد يكونه المرء تعسفا, تهويلا لعرض وتقليلا من القدرة على التحمل وهو أشبه بالذعر من الإنذار الكاذب.
تخيل أن أحدا يوجه نحوك فوهة مسدس ويهددك بالقتل ما الذي يحدث داخل دماغك وجهازك العصبي؟؟
أولا : تنقل صورة المسدس المصوب عبر الأحاسيس للدماغ حيث يتميز الشيء ويتحول الإحساس إلى إدراك.
ثانيا: يتم مقارنة مدخلات الأحاسيس مثل صورة المسدس ونبرة صوت الشخص وتقاسيم وجهه مع ما هو مخزن في الذاكرة حول ذلك , القتل, الموت .وبالتالي يعي أن هناك خطرا محدقا.
ثالثا: تتفاعل القشرة الدماغية مع الجهاز الحافي الذي يصل بين الدماغ والغدد الصماء والجهاز العصبي اللاإرادي ومن ثم تصدر الأوامر إلى أجهزة الجسم بالاستعداد للتعامل مع هذا الخطر هربا أو مواجهة , كرا أو فرا فيحصل التالي
1- تتسع حدقة العين .
2- تزيد سرعة ضربات القلب وقوة ضخه لتوفير الطاقة اللازمة.
3- تزيد سرعة التنفس لازدياد الحاجة للأكسجين, مع توسع القصبات الهوائية.
4- يزداد تدفق الدم للعضلات.
5- التعرق.
يترافق ذلك مع شعور طاغ بالإحساس بالخوف أو الموت المحقق.
فإذا ما امتزجت هذه وتلك يستشعر المرء الأمر على النحو التالي
1-شعور بالدوار واضطراب البصر.
2-شعور بالاختناق والضيق,والخفقان.
3-شعور بالغثيان.
4-شعور بالضعف وعدم قدرة المفاصل على التحمل.
5-الارتعاش.
6- دفقات حارة أو قشعريرة.
هذا بالضبط ما ستشعر به إذا كان هناك خطر محدق كتصويب مسدس جاهز للإطلاق نحوك .
الآن
تخيل أن يحدث لك ذلك وأنت جالس في بيتك تداعب ابنك أو وأنت في العمل دون أن يكون حولك أي مصدر للخطر, لا شك أنها تجربة مرعبة وأن أول ما يتبادر لك انك على وشك الموت أو انك قد أصبت بنوبة قلبية, تنقل بسرعة للطوارئ في أي مستشفى وبعد عمل التخطيط و الفحوصات اللازمة يقول لك الطبيب أن كل شيء على ما يرام ! وان الأمر مجرد تعب وزعل هذا إن لم يلتبس عليه الأمر مثلك!
تعود للبيت مطمئنا إلا انه بعد فترة تصاب بنفس الأعراض فترعب مرة أخرى ,وقد تذهب لمستشفى آخر أو طبيب آخر بحثا عن جواب , وقد يبدأ بعض من أهل بيتك في الاعتقاد بأنك موهوم أو انك تخفي شيئا أو....الخ .
و إذا ما تكرر هذا الأمر بعد ذلك فإنك تبدأ في التحسب والتحوط المسبق , وتحاول ألا تكون وحدك قدر الإمكان وتحاول دائما أن تبحث عن صحبة آمنة ومكان يتيسر فيه الوصول للمساعدة وذلك خشية أن تنتابك الحالة على حين غرة ودون معين , ففي الجامع مثلا تحاول أن تكون على الطرف وقرب الباب وإذا ما ذهبت للتسوق تحاول أن تكون قريبا من الأماكن التي تتوافر فيها المساعدة وعلى الأغلب ألا تفعل ذلك منفردا, و إ ذا ما استمر هذا الأمر دون تفسير مقنع تنتابك المشاعر بأنك قد تجن أو تفقد السيطرة على نفسك وإذا ما كانت حدة النوبات شديدة فعلى الأغلب أن تعتقد انه من الأمن والأسلم ألا تغادر البيت إلا في حالات الضرورة القصوى فيضطرب عملك وتضطرب علاقاتك وتضطرب حياتك فتقعد "ملوما محسورا".
بالتفسير العلمي فإن ما أصابك في البداية نوبة فزع تبعها الخوف من نوبة الفزع ثم التجنب فتتحول النوبة إلى اضطراب الفزع ثم إلى الرهاب .
Panic attack تتكرر وتتحول إلى panic disorder ثم يرافقها الرهاب والتجنب أي الخوف من الخوف . Agoraphobia
أما لماذا يحدث ذلك فالأمر غير جلي حتى ألان وتتباين التفسيرات لذلك وهي إما تفسيرات بيولوجية أو سلوكية ومعرفية والأرجح أن الأمر فيه من هذا وذاك.
أما كيف يحدث ذلك فعلى الأغلب أن دفقات هرمون الأدرينالين adrenalin التي تحدث في العادة استجابة للتهديد تحدث في اضطرابات الفزع هكذا و دون ما تهديد مما يضعها في الخانة المرضية المحتاجة للتدبير والعلاج.
وإذا ما كانت الأسباب خليطا بيولوجيا وسلوكيا ومعرفيا فإن العلاج لا بد وأن يسعى لتصحيح هذه وتلك.
مستشفى الرشيد