قراءة في كتاب "المعرفة والسلطة" للأنتروبولوجي الأمريكي ديل أف إيكلمان ـ عبد المجيد الهلالي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Soft Air of Abstractionمقدمة
 عرفت الدراسات الأنجلو ساكسونية حول المغرب انتعاشا ملحوظاً خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، حيث حل بالمغرب جيل من الباحثين ضمن موجة الدراسات المقارنة والمناطقية التي كان المغرب مجالا خصبا لأبحاثها، وأخرجت باحثين كبارا، كوليام زارتمان بكتبه عن النظام السياسي بالمغرب والنخبة والاقتصاد السياسي، وإرنست كلنر بكتابيه عن أولياء الأطلس والمجتمع المسلم ، وبول رابنوا بكتابه عن الهيمنة الرمزية، وهنري مونسن بكتابه عن السلطة والدين بالمغرب، وجون واتربوري بكتابه عن الملكية والنخبة السياسية بالمغرب، فضلا عن باحثين آخرين أتاح لهم المغرب فرصة تعميق وتطوير أبحاثهم مثل عالم الإنتروبولوجيا الثقافية كليفورد جيرتز، أو عالم السياسة جون إنتلس بكتابه عن الثقافة والثقافة المضادة بالمغرب، ومارك تسلر بدراساته عن التعددية والملكية في المغرب.


      وفي هذا الاطار، أصدر الباحث الأنتروبولوجي الأمريكي ديل إيف إيكلمان دراسة هامة حول المغرب سنة 1976 بعنوان: الاسلام في المغرب، كما أصدر كتابا آخر سنة 1985 بعنوان "المعرفة والسلطة في المغرب صورة من حياة مثقف من البادية في القرن 20"، وهو الكتاب الذي نتناوله بالدراسة والتحليل في هذا العرض المبسط ؛ والذي سنحاول فيه قراءة المؤلّف قرءة نقدية، والكشف عن الجوانب الايجابية السلبية فيه، وقبل ذلك التعرف على مضمون الكتاب ، ومناقشة المنهج المستعمل؛ هل هو هجين أم رصين؟ بالاضافة الى ضبط الجديد الذي جاء به الكتاب والخلاصات التي توصل لها ، وكذا الجوانب التي أغفلها.  
وقبل الشروع في هذه الخطوات المنهجية أشير إلى أن هذه القراءة تهم نسخة الترجمة العربية الصادرة سنة 2000 التي أنجزها الأستاذ محمد أعفيف.

المحور الأول: التعريف بالكتاب ومؤلفه :
1-التعريف بالكتاب:
كتاب "المعرفة والسلطة في المغرب"، عبارة عن سيرة اجتماعية لقاضي من البادية المغربية، قام بها الباحث الأمريكي ديل إيف إيكلمان بعد زيارته للمغرب سنة 1968 فأصدر الكتاب سنة 1985 باللغة الإنجليزية، وعنوانه هو "المعرفة والسلطة في المغرب" كعنوان بارز بخط مضغوط على غلاف الكتاب، ويلحقه عنوان فرعي بخط خفيف نسبيا "صورة من حياة مثقف من البادية في القرن العشرين".
وقد تمت ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية من طرف الأستاذ محمد أعفيف الذي نقل "المعرفة والسلطة" إلى العربية نقل تعريب لا نقل ترجمة للمعاني والحروف، فكان  في وسع القارئ العربي أن ينعم بجزالة اللفظ ورشاقة العبارة مع متانة الجملة العربية، مما أعطى للكتاب رونقا خاصا في الأوساط الثقافية المغربية والعربية، خاصة بعد نشره ضمن منشورات طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، بتعاون مع مؤسسة عبور، وطبعه من طرف مطبعة نوركرافيكس طنجة ومطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء سنة 2000.
وتثير الصورة التي اختارها إيكلمان لكتابه فضول القارئ بشكل يختلف عن كثير من أغلفة الكتب، إلى درجة اعتبارها إحدى وثائق الكتاب والمندرجة ضمن العنصر الخاص "بتحصيل المعرفة والدولة" في الصفحة 4 وهي صورة لسلطان الطلبة بفاس سنة 1925 حصل عليها المؤلف من مجلة هيسبيريس ونشرها بإذن منها. وعلى ظهر الكتاب نجد كلمات رائعة وبأسلوب راقي بقلم الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي، مقتطفة من المقدمة التي أنجزها للكتاب، وأسفل هذه الكلمات نجد تعريفا مبسطا بصاحب الكتاب وبعض إنجازاته.
يتكون كتاب المعرفة والسلطة في المغرب من 302 صفحة، بالإضافة إلى التقديم الذي أنجزه الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي ويقع في ثمان صفحات، والتمهيد الذي كتبه إيكلمان بالرباط في غشت من سنة 1999 ويقع في خمس صفحات.
وقد تناول كتابه في مقدمة وسبعة فصول على الشكل الآتي:
مقدمة: وتتضمن عنوانين هما: تحصيل المعرفة والدولة ثم المثقفون السياق والأسلوب. من الصفحة واحد إلى الصفحة 22.
الفصل الأول: بعنوان "السيرة بصفتها وثيقة إجتماعية" من الصفحة 23 إلى الصفحة 61.
الفصل الثاني: بعنوان" البدايات" من الصفحة 62 إلى الصفحة 94.
الفصل الثالث: بعنوان" التعليم الأصيل بالمغرب" من الصفحة 95 إلى 120.
الفصل الرابع: بعنوان "جامع ابن يوسف: لمحة عن التعليم العالي" من الصفحة 121
               إلى الصفحة 178.
الفصل الخامس: بعنوان "عالم المثقف القروي" من الصفحة 179 إلى 221.
الفصل السادس: بعنوان" السياسة والدين" من الصفحة 222 إلى 262
الفصل السابع: بعنوان "التحول الكبير" من الصفحة 263 إلى 295.
ومن الملاحظ أن معظم فصول الكتاب متوازنة إذا استثنينا الفصل الرابع الذي يقع في حوالي 60 صفحة.
لقد نظم المؤلف في آخر الكتاب مسرد لأهم الأعلام والمواضيع الواردة في الكتاب محددا الصفحات التي ورد فيها كل علم بارز أو موضوع ذا أهمية، وهو ما يساعد على الرجوع إلى المواضيع والأعلام بسهولة ويسر أثناء قراءة أو تحليل مضمون الكتاب، وختم إيكلمان مؤلفه بتنظيم فهرس للموضوعات والصور والخرائط والجداول الواردة في البحث.
2-التعريف بمؤلف الكتاب:
ولد ديل اف إيكلمان بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1943، وتابع دراسته الابتدائية والثانوية ثم حصل على مجموعة من الشواهد العلمية الأكاديمية، وأهمها شهادة Ph.D في الأنتروبولوجيا من جامعة شيكاكو (1968-1972) حول موضوع الإسلام في المغرب(Moroccan Islam). وبالتالي فقد زار المغرب لإنجاز هذا البحث وعمره لايتجاوز 25 سنة، وقبل هذه الشهادة فقد حصل إيكلمان على شهادة A.B في الأنتروبولوجيا سنة 1964 من كلية دارتموث، ثم شهادة M.A في الدراسات الإسلامية سنة 1967 من جامعةMcgill ، كما حصل على مجموعة من الشواهد التقديرية من عدة كليات أخرى. ويشتغل ديل حاليا بجامعة دارتموث بالولايات المتحدة الأمريكية.
ومن جانب آخر يعد إيكلمان من الباحثين الذين اهتموا بدراسة العالم الإسلامي، فقد زار المغرب والأردن وعمان وتركيا وأندونيسيا والإمارات، وألف مجموعة من الكتب والمقالات ذات الطابع الأنتروبولوجي، محاولا الالتزام بالنزاهة والموضوعية في دراسة هذه المجتمعات الإسلامية، وفيما يلي نورد بعض أهم الكتب والمقالات التي نشرها إيكلمان:

أ-الكتب:
-سنة 1976 أصدر كتاب « Moroccan Islam »
-سنة 1981 كتاب « The Middle east an Anthropological Approch »
-سنة 1985 أصدر كتاب « Knowledge and power in morocco »
-سنة 1993 « Russia’s muslim frontiers : New directions in cross-cultural Analysis »
-سنة 1996: « Muslim politics (with James piscatori)
-في سنة 1999 أصدر كتاب « New media and the muslim world »
ب-المقالات:
في سنة 1992 أصدر مقالة تحت عنوان "التعليم الجماهيري والخيال الديني" وقد نشرت مترجمة في مجلة المستقبل العربي.
-وفي سنة 2002 أصدر مقال: « The Religions public sphere in early muslim » in the public sphere in muslim societies.
وعموما توحي هذه الأعمال وغزارتها على القيمة العلمية لهذا الباحث الذي يتقن العمل الميداني ويمتلك قدرة كبيرة على التواصل وطرح الأسئلة في وقتها ويتجنب الأسئلة المحرجة، كيف لا وهو الأنتروبولوجي المتمكن من تخصصه بعد عدة تجارب وأبحاث، وبالتالي فقد لقيت مؤلفاته إقبالا واسعا في مختلف الأوساط العربية والإسلامية.

                 المحور الثاني: الإطار التاريخي للكتاب

1- تاريخ أحداث الكتاب
يسلط كتاب المعرفة والسلطة الضوء على مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، وهي مرحلة العشرينيات من القرن العشرين، حيث يقف على الكيفية التي تكونت بها النخبة الثقافية التقليدية بالمغرب، وامتدادها على المستوى السياسي والاجتماعي والديني.
وهكذا، فقد درس إيكلمان تطورات التعليم الأصيل بالمغرب، والصلات التي تربط حملته بالمجتمع المغربي وذلك منذ بداية عهد الحماية في مطلع القرن 20 إلى زمننا الحاضر. وقد تتبع تطور النظام التعليمي والقضائي والديني في علاقته بالمجتمع المغربي، من خلال سيرة ذاتية للقاضي عبدالرحمان المنصوري، موضحا التغيرات التي تحصل في هذه الأنظمة من بداية القرن إلى نهايته، ومعتمدا على تحقيب "ما قبل الاستقلال" و "ما بعد الاستقلال".

2- تاريخ كتابة أحداث الكتاب
شرع إيكلمان في هذا البحث الأنتروبولوجي منذ سنة 1968، واستمر فيه إلى ما بعد مغادرة الباحث للتراب المغربي خلال السبعينيات، مستغلا عودته إلى المغرب عدة مرات، في أصياف 1972 و 1973 و1976 و1978 و1981 و1984 للعمل مع الحاج عبدالرحمان، واستجواب علماء آخرين وغيرهم ممن زاملهم في جامع ابن يوسف. ورغم أن إيكلمان فاتح القاضي في أمر الكتابة عن حياته منذ 1969 فإن فكرة الكتابة لم تبرز إلا في نهاية مقامه الأول في المغرب، بعدما اقتنع أن وضع الحوارات التي أجراها معه في الهوامش الخاصة بالبحث الأصلي عن أبي الجعد مسألة غير كافية. وعموما فإن الإطار العام للبحث والكتابة المتعلقة بكتاب المعرفة والسلطة يمكن حصرها ما بين 1968 إلى 1985.

المحور الثالث: الأفكار العامة للكتاب

يتناول الكتاب موضوع المعرفة والسلطة في المغرب عبر مقدمة وسبعة فصول:
-التقديم: وقد أنجزه الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي وفيه حاول إبراز الطابع التشويقي للكتاب، وكونه يتناول أمور مجهولة حتى بالنسبة للمغاربة أنفسهم وينفي بعض الأفكار الكولونيالية المروجة من قبيل نفي الازدواجية المزعومة (إسلام المدن/إسلام البوادي) وكذا فكرة مهادنة سكان البوادي لأعوان سلطات الحماية.
-التمهيد: وقد أنجزه إيكلمان نفسه بتاريخ غشت 1999 وفيه وضع السياق العام الذي جاءت ضمنه هذه الدراسة وقيمتها العلمية كما شرح الظروف العامة التي طبعت نشر هذا العمل.
-مقدمة الكتاب: وفيها أبرز وضعية العلماء بالمغرب خلال القرن 19 واهتمام السلاطين بالعلماء والطلبة باعتبارهم من مصادر المشروعية في الحكم السياسي، ثم انتقل إلى الحديث عن الأسلوب المعرفي المعتمد في جامع القرويين وجامع ابن يوسف محاولا ربطه بالمجتمع التقليدي الذي نعته بالمعقد التركيب والمتمايز داخليا،غير أن ما يثير الانتباه هو الاحتفالات المعروفة بسلطان الطلبة وما تحمله من دلالات جعلت سلطات الحماية تتضايق منها، ويسترسل الكاتب متناولا مثقف البادية وتفاعلاته الاجتماعية، وناقش الموضوع من وجهة نظر جرامشي الذي يعتبر مثقف البادية بالضرورة مثقف عضوي، والعروي الذي يقسم المثقفين العرب المعاصرين إلى 3 أقسام ومنهم رجال الدين (الشيخ) أو المثقفون الدينيون.
-الفصل الأول: حيث أكد على أهمية دراسة المجتمعات المركبة إعتمادا على دراسة سير الأفراد ويضرب أمثلة ببعض الكتاب مثل جاك بيرك الذي كتب عن الحسن اليوسي ثم يعرج على طبيعة السرد المعتمد في الكتاب الذي يقاسمه مع الحاج عبدالرحمان مبينا ظروف إجراء البحث والصعوبات التي واجهها، ونصح بعض العلماء المغاربة له بالابتعاد عما ينوي القيام به من أبحاث حول هذا الموضوع، لكن إيكلمان لم يكترث بكلامهم هذا وبدأ يحضر في جلسات المحكمة الشرعية في بداية 1969 قائلا "واظبت منذ شهر يناير 1969 على الحضور بانتظام في جلسات المحكمة الشرعية التي كانت تعقد يوم الخميس الذي هو يوم السوق الأسبوعي لأبي الجعد". وبعد التوصيف الدقيق لجلسات المحاكمات ينتقل إلى مستوى آخر محاولا تتبع كيف كان المتقاضون يتعاملون داخل المحكمة الشرعية واصفا حماسهم وشارحا كيفية إعداد الدعاوى القضائية ولغة التقاضي التي كانت باللهجة العامية ، غير أن منطوق الحكم كان بالعربية الفصحى. وفي عنوان سماه بوثائق الزاوية الشرقاوية يوضح المؤلف الصراعات بين فرعي الزاوية في أبي الجعد وزيارته لمقر هذه الزاوية وحصوله على بعض وثائقها الذي وصل إلى حوالي 600 وثيقة متعلقة بالقرن 19 و20م، فساعده عبدالرحمان على فك رموزها متوصلا إلى تكوين فكرة عن الاقتصاد القروي اعتمادا على هذه الوثائق، ومع توالي الأيام ازدادت الحميمية بين القاضي والأنتروبولوجي وبدأت مواقف هذا الأخير تتغير - عكس ما كان يظن من قبل – حول بعض القضايا كوضعية المرأة ومسألة التدين والتعليم بالمغرب..
-الفصل الثاني: وقد افتتحه بنص يتحدث عن منطقة بزو يعود للحسن الوزان ثم وضح جغرافية المنطقة ووضعها الاقتصادي والعمراني والإداري والتفاوت الطبقي ولغة القوم الأمازيغية. كما فصل في الوسط العائلي وأصول عبدالرحمان وفروعه ونسبه متتبعا طفولته وتأثره بأبيه الذي كان من أتباع الطريقة الكتانية، وكذا بأخيه أحمد في المسيرة الدراسية التقليدية من حفظ لكلام الله وألفية بن مالك...وخلص إلى أن ما اكتسبه عبدالرحمان من المعرفة في هذه الفترة لم يؤهله لفهم ما تعنيه تلك النصوص.
-الفصل الثالث: وفيه أبرز كون التعليم الأصيل بالمغرب يعتمد على الذاكرة في تلقي المعرفة بشهادة ابن خلدون وبروفنصال وبراون وبيرك...عكس المشارقة خاصة الإيرانيين، حيث الجدل والحوار هو أساس التعليم العالي. لكن إيكلمان يعتبر ذلك شائعات وافتراضات، فالتعليم بالمغرب به تنوع في الأساليب التي تختلف باختلاف السياقات الثقافية والعصور التاريخية، وحاول شرح السياق الاجتماعي للتعليم الديني بالمغرب ومميزاته التي تحافظ على استمراريته وتقديره من الانضباط الصارم وانعدام الشرح الصريح، وتوقف عند دور حفظ القرآن ودلالات السنوات التي يقضيها الأطفال في سبيل حمل كتاب الله.
-الفصل الرابع: حيث انتقل المؤلف إلى الحديث عن التعليم العالي المغربي الذي لم يكن على النمط الأوربي فتتبع مسيرة عبدالرحمان نحو مراكش التي قضى بها زهاء سبع سنوات بمدرسة اليوسفية مبرزا ما تميز به الطلبة القرويين من حلق رؤوسهم كمظهر لتبيان احترامهم لشيخهم، وقد تمكن الباحث من التوصل إلى تحديد مصادر تموين التعليم العالي الإسلامي خاصة من طرف السلطان (الذي كان يعطي كل عيد أضحى جلبابا هدية للطلبة) والأحباس ودعم أغنياء المدن والعلماء للطلبة، كما توصل إلى عدم وجود سلطة رسمية تحكم حياة الطلبة ولا مناهج مضبوطة.
لقد تطرق إيكلمان لمظاهر السلطة المعرفية لدى فقهاء اليوسفية فهم يقصدون تطعيم دروسهم بنصوص شعرية وحكم وسجع وغيرها من التقاليد البلاغية البعيدة كل البعد عن الحديث العادي لعامة الناس. هذا بالإضافة إلى السلطة الرمزية التي يحملها الاحتفال المعروف بسلطان الطلبة الذي كان يستغل من طرف الأغنياء، كما أن السلطة المعرفية للشيوخ جعلت أبناء الأسر الغنية تتملق لهم وتستدعيهم إلى منازلها وتقبيل أياديهم كلما صادفهم أحد على الطريق.
ويختم إيكلمان هذا الفصل بالقول بأن اكتساب المعرفة والعلاقات الشخصية كان يحقق بالنسبة للطلبة عبر ثلاثة عناصر أولها حلقات الدراسة (المساجد، والأضرحة والزوايا) وثانيها الاتراب/أقران الدراسة، وثالثها الشيوخ الذين يسلمون إجازات للطلبة بطلب منهم.
-الفصل الخامس: حيث فصل في ظروف عودة عبدالرحمان إلى مسقط رأسه حاملا معه قرار التعيين بعد نجاحه في المقابلة بالرباط، واشتغاله بمهمة القضاء. كما تتبع التطورات التي حصلت لديه حول فهمه للإسلام، فقد بدأت تصوراته للإسلام تعرف عدة تغيرات وهي تغيرات عكستها أيضا تجارب الكثير من العلماء المغاربة الآخرين. كما جنت أسرة المنصوري عدة منافع من سلطتها المعرفية العلمية وعلى رأس ذلك الاحترام الذي كانت تحظى به وسط المجتمع البزيوي، وكذا حل النزاعات خاصة ضد السلطات الفرنسية لصالح العائلة،ثم أسهب في شرح طبيعة النظام العقاري الذي كان سائدا في منطقة بزو من خلال إقامة مقارنة بينه وبين نظام التحفيظ العقاري المعروف بـ"تورنس" Tourrens الذي كان سائدا في باقي مناطق المغرب خلال فترة العشرينيات."
واختتم هذا الفصل بالحديث عن مسؤولية العالم التي تنبعث من وضعه الخاص المتميز بسبب معرفته بالنهج الصحيح، وارتكازها على المسؤولية الفردية ومكانته الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها مسؤولية مقيدة كذلك.
-    الفصل السادس: وفيه ينفتح الكتاب على الأحداث والظرفية العامة التي كان يعيشها المغرب خلال هذه الفترة، فوضح ملابسات الظهير البربري لسنة 1930 والصفة الدينية للاحتجاج ضده، وأصداء الحرب العالمية الثانية بالمغرب وتأثيرها الاقتصادي، وناقش منظور عبد الرحمان للوضع في أوربا الذي لم يكن واضحا بالشكل الكافي واصفا إياها "بالصداع في أوربا" كما وضح تطورات الأوضاع السياسية في المغرب بعد الحرب إلى نفي محمد الخامس ثم عودته سنة 1955 واستمرار جيش التحرير في نشر الفوضى "السيبة" لأنهم لم يكونوا تحت إمرة الملك.
-    وفي الفصل السابع والأخير يناقش إيكلمان التحول الكبير الذي حصل في المغرب بعد حصوله على الاستقلال مبتدئا باندثار التعليم الأصيل فأصبح التعليم الديني العالي بعد الاستقلال كنبتة اجتثت من تربتها. وأصبح في أزمة لم يشهدها من قبل، فقد ظهرت بدائل جديدة عن المسجد الجامعة والمدارس الحرة التي أصبحت تعرف نجاحا واضحا خاصة وأن الأعيان طمعوا في تأمين الشواهد والعمل لأبنائهم. وعموما فقد حصل تحول كبير في التعليم الديني بسبب الوجود الاستعماري وربما لم يسلم الناس عن وعي بوجود هذا التحول، على غرار الكثير من المثقفين المسلمين الذين يدعون بأن تجربة الاستعمار الفرنسي لم يكن لها سوى تأثير محدود على المعتقد والممارسات الإسلامية في حين أن الحال ليس كذلك بكل تأكيد من وجهة نظر سوسيولوجية. ورغم استمرار ما يسمى بالتعليم الأصيل الجديد فإنه لم يكن في الواقع انبعاثا حقيقيا للتعليم الديني القديم.
كانت هذه أهم النقاط الرئيسة التي تضمنها كتاب المعرفة والسلطة في المغرب. والتي ارتبطت ببدايات تشكل النظام القضائي والتشريعي والتعليمي بالمغرب. وكذا النماذج القديمة والجديدة المتنامية للحركات والوعي الإسلامي التي بدأت في البروز منذ هذا الوقت، وقد خرج المؤلف باستنتاجات تجعل القارئ يكتشف المفارقات بين مغرب الأمس ومغرب اليوم يفضل فيه القارئ العودة على التقدم، كل ذلك عن طريق الكآبة التي اصطدمت بالقاضي عبد الرحمان.


          المحور الرابع : محاولة في نقد الكتاب

1-    بعض الجوانب الايجابية والمنهجية في الكتاب
 
اعتمد إيكلمان في هذا الكتاب على استغلال السيرة الاجتماعية للقاضي عبد الرحمان المنصوري التي كتبها عن نفسه منذ 1976 بضمير الغائب وبطلب من إيكلمان، ووضع دراسة شاملة للمعرفة والسلطة بالمغرب، فقد لازم القاضي واستنطقه في حوارات مطولة، ومما يحمد لإيكلمان في هذا الصدد هو قدرته الكبيرة على التواصل وطرح الأسئلة في وقتها وتجنب الأسئلة المحرجة وذلك هو الانتروبولوجي المتمكن من مهنته، وقد استعان بقدراته الفائقة على تصوير الأحداث والوقائع وتقريبها إلى الأذهان، وهي ميزة ما كانت لتتأتى له لولا مخالطته اليومية للحاج عبد الرحمان إما كمستمع لما كان يسرده هذا الأخير على مسامعه من أحداث ووقائع وتجارب، أو كملاحظ ومعاين لما كان يجري في جلسات المحكمة في أبي الجعد. وفي بعض فقرات الكتاب نجد إيكلمان يتحرر من مهمة الانتروبولوجي القائمة على الملاحظة والتشخيص والفهم إلى طرق بعض الموضوعات الخاصة بمشكل القضاء فنجده يتحدث عن جيل القضاة الجدد وأن ثقافتهم محدودة وتقتصر على الكتيبات التي تعدها وزارة العدل باللغتين العربية والفرنسية، وبالتالي فالجيل الجديد لا يمتلك السلطة ولا المشروعية اللتين كانتا للجيل القديم.
وقد برع إيكلمان في توظيف الذاكرة الفردية والجماعية للتحقق من بعض الأحداث التاريخية، وأبرز مثال عن ذلك ما ورد في الصفحة 49-52، حيث يعالج مواضيع حساسة تتعلق بالمقاومة ضد الفرنسيين، في بلدة واد زم التي عرفت انتفاضة دامية في غشت 1955، التي قتل فيها 95 معمر فرنسي، وارتكبت فرنسا مجزرة راح ضحيتها 500 مغربي بواد زم والمناطق المجاورة، فاستغل إيكلمان دعوة غذاء لدى بعض الأعيان ليلتقي بقروي شارك في ذلك الحدث، فطرح عليه عدة أسئلة تتعلق بتفاصيل ما جرى، فتوصل إلى إبطال الرواية المعهودة للحدث، وشرع من جديد في رواية الحكاية، فاستخلص أن الغارة القبلية لم تكن منظمة محليا، وأنها تدخل ضمن نمط من أحداث العنف والقتل، باعتبار أن المنطقة (واد زم) تضم عددا من المعمرين المعادين للحركة الوطنية ولهم سجل حافل بالاغتيالات وأعمال الظلم.
كما عمل المؤلف على استنزاف ذاكرة عبدالرحمان المنصوري لمناقشة قضايا إجتماعية ودينية، اقتصادية، سياسية عاشها المغرب في فترة الحماية بالخصوص، وأبرز مثال نورده في هذا المجال تمكنه من نفي أطروحات المدرسة الكولونيالية التي تروج لفكرة إسلام المدينة العقلاني، وإسلام البادية حيث الشعوذة والخرافة. وتوصل إلى أن المغرب ساد به إسلام الخاصة وإسلام العامة. ناهيك عن نفي أحكام مسبقة مروجة، بأن أهل البوادي كانوا مهادنين بل خونة في بعض الأحيان مع السلطات الاستعمارية..
ومن الجوانب المنهجية الإيجابية الأخرى في كتاب إيكلمان نورد ما يلي:
-    أن الباحث تحدث بجرأة عن الهدف من هذه الدراسة، وهي منهجية قلما نجدها عند غيره من الباحثين، ففي الصفحة 24 يقول مثلا "نهدف من هذه الدراسة إلى كتابة سيرة اجتماعية، فبتركيزنا على التكوين الذي تلقاه قاضي من البداية وسيرته العلمية وقيمته الأخلاقية، نكون قد اختزلنا المنهج التوثيقي في مفهومه المألوف إلى حده الأدنى".
-    اعتماد المنهج الإحصائي والقيام بعمليات حسابية للخروج بأرقام، مثل استنتاجه في الصفحة 141 أن نسبة طلبة الجامعتين كانت ضئيلة جدا ولا تتعدى 0,002% من مجموع السكان، كما أن الباحث طعم بحثه بمجموعة من الجداول الإحصائية مما يضفي الطابع العلمي للبحث.
-    توظيف مجموعة من الخرائط لوضع القارئ في المجال المتحدث عنه، مثل خريطة شمال المغرب (ص 68) وخريطة مراكش (ص 126).
-    أن الباحث داخل فصول الكتاب يتناول بيوغرافيات عن بعض الشخصيات ولو بشكل مقتضب مثل أبو شعيب الدكالي ( ص 130) والمختار السوسي (ص 131) وكذا أحد أقران عبد الرحمان وهو سي محمد (ص 161).
-    أن إيكلمان في تطرقه لإحدى الإشكاليات يبرز مواقف باحثين كثر ثم يدلي بموقفه تجاهها قائلا "وفي اعتقادنا" ص: 284 مثلا. وهو منهج علمي رصين.
-    اعتماد منهج النقد والشك في بعض أعمال عبد الرحمان وتصريحاته فيبحث عن علماء من جيل عبد الرحمان ويستفسرهم حول بعض الأحداث والقضايا، ليقيم المقارنة. كما شكك في صحة نسبة مذكرات عبد الرحمان إليه قائلا "فحتى وإن كانت هذه المذكرات من تأليفه...".
وعموما فقد نجح إيكلمان اعتمادا على هذا المنهج في إنتاج دراسة انتروبولوجية تساهم في تأثيث التاريخ، لأن هذا الأخير ليس فقط حفر في الوثيقة المكتوبة، بل أيضا تحقيق والتحقيق يستلزم النزول إلى الميدان، هذا الميدان الذي يزخر بدلالات تاريخية لا حصر لها وكما يقول جول فين: "حتى وأنت تتجول في السوق قد تلتقط إشارات تاريخية" وهو ما أتقنه إيكلمان في هذا البحث.
2- شرح بعض المفاهيم والمصطلحات والمؤسسات الواردة في الكتاب:

- الإجازة: يقصد بها الشهادة التي يسلمها الشيخ إلى الطالب عندما يتلقى عنه لفترة طويلة أو قصيرة، تمثل في حياة هذا الطالب تزكية علمية، فهي تسمى إجازة لأنها تجيز له أن يلقن نفس المعارف التي تلقاها عن شيخه. وكلما كثر الشيوخ والإجازات كانت تلك ضمانة أقوى لدى صاحبها ليؤكد سعة إطلاعه وعمق معارفه. ونظام الإجازة معروف في الأنظمة الإسلامية منذ أمد بعيد. وقد ورد في كتاب المعرفة والسلطة الإجازة التي حصل عليها عبد الرحمان من المختار السوسي.
- الإنتلجنسا: هو مصطلح روسي يطلق على النخبة المثقفة،.
- النخبة: يعبر مفهوم النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام، ولا يمكن الحديث عن النخبة إلا داخل مجال معين، فهناك النخبة الاجتماعية والسياسية والدينية، وعموما يختلف تعريف النخبة من مفكر أو باحث لآخر.
- الاتراب: مصطلح وظفه إيكلمان للتدليل على أقران وأصدقاء الدراسة، فهم زملاء عبد الرحمان في جامع ابن يوسف بمراكش.
- الافاقيون: كانت تطلق هذه الصفة على الطلبة الذين جاءوا من أماكن بعيدة ومن آفاق مختلفة، فهذا المصطلح إذن مشتق من كلمة الآفاق.
- المدرسة العتيقة: عبارة عن بناية بسيطة لاتتجاوز في غالب الأحيان حجرة متسعة أو ضيقة تكون ملحقة بمسجد لتتم الإستفادة من مرافقه وتجهيزاته، تفرش أرضه بحصير يجلس فوقه المدرس، ويتحلق حوله التلاميذ، وتعتبر المدرسة العتيقة بمثابة المدارس المتوسطة بين الكتاتيب القرآنية من جهة، ومؤسسات التعليم الإسلامي العالي كجامع القرويين بفاس وجامع بن يوسف بمراكش من جهة أخرى. وكان طلاب المدارس العلمية العتيقة يقضون في المتوسط حوالي11 سنة في الدراسة الإسلامية وقد تصل إلى 17 سنة عند بعض الطلاب الآخرين.
- الزاوية الكتانية: تأسست بفاس في نهاية القرن 19، ومن أهم شيوخها الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني، والشيخ عبد الكبير الكتاني، كانت تدرس فيها بعض العلوم العقلية والنقلية، وعرفت هذه الزاوية صيتا كبيرا بالمغرب وكثر الواردين عليها. وكان والد عبد الرحمان المنصوري من أتباعها، وقد كان مقرها مدينة فاس مع العلم أن هذه الزاوية كانت من الزوايا المعارضة للمخزن وللسياسة الاستعمارية على السواء.
-  الزاوية الشرقاوية: تأسست هذه الزاوية خلال القرن 16م، على يد عميدها محمد الشرقي (ت1601م)، وبلغت أوجها في عهد محمد الثالث قبل أن يأمر هو نفسه بتخريبها، ويتمركز أنصار هذه الزاوية في منطقة الشاوية خصوصا، وحسب دراسة لإيكلمان فإن هم شيوخ الزاوية أصبح ليلة الحماية ليس في الوقوف إلى جانب هذا السلطان أو ذاك، لكن في أن تضمن فرنسا متى تولت السلطة إعفاء الزاوية وأتباعها من كل الضرائب. ومهما يكن من شيء فإن هذه الزاوية تشبتت بالطريقة الشاذلية، وقد أنشأت لها فروعا بتادلا والشاوية وعدد من المراكز المغربية الأخرى.
- الزاوية الدرقاوية: يوجد مقرها بالجديدة، وقد تأسست في القرن 18 الميلادي من طرف مولاي العربي الدرقاوي المزداد في بني زروال بجبالة شمال فاس. وعرفت هذه الزاوية انتشارا في البلاد الإسلامية فصار لها أتباع في الأقاليم الجزائرية وغيرها، بل إن عبد الرحمان بن هشام والمولى يوسف كانا من أتباع هذه الطريقة.

3- بعض الجوانب السلبية في الكتاب
رغم كل الإيجابيات التي سبق ذكرها حول كتاب المعرفة والسلطة، فهناك  مجموعة من الملاحظات خرجنا بها من قراءة كتاب الأستاذ إيكلمان لا بد من ذكرها:
-    أن الدراسة انتهت بدون خاتمة عامة، وفي نظرنا فإن الخاتمة لها دور أساسي في جمع شتات الكتاب والتركيز على النتائج المتوصل إليها، فكم من كتاب أهمل ولم تعرف قيمته بسبب ضعف تنظيم الخاتمة، فما بالك بعدم وجودها.
-    أن إيكلمان لم يهتم بتنظيم البيبليوغرافيا العامة المعتمدة في هذه الدراسة، وهو أمر جد مهم يسهل على القارئ التعرف على المصادر والمراجع المعتمدة في البحث، غير أن المؤلف اقتصر على ذكرها ضمن الإحالات المنظمة في آخر كل فصل على حدة، وهي منهجية غير سليمة – من وجهة نظرنا – حيث يجد القارئ صعوبة في التنقل بين الصفحات بحثا عما تحمله الإحالات في الهوامش وتجعله في بعض الأحيان مضطرا إلى إهمالها وعدم الاكتراث بها فمن الأحسن أن تنظم كل إحالة في أسفل نفس الصفحة التي وردت فيها.
-    قصر القسم الخاص بالتحول الكبير الذي عرفه التعليم الديني بعد الاستقلال، فالقسم يضم 32 صفحة أي ما يعادل 10,5% فقط من مجموع الكتاب فكان بالأحرى أن يخصص المؤلف حيزا أكبر لهذا الفصل لما ينطوي عليه من  أهمية بالغة، ورغم ذلك فقد كان حيزا غنيا بمتنه وهوامشه المليئة بالإحالات والشروحات والتي تمنح لهذا الفصل شحنة معرفية قوية تجعل منه – رغم قصره – دراسة هائلة. ومع ذلك يظل القارئ متعطشا لفهم أوسع لعدد من القضايا.
-    أن المؤلف لم يضبط التواريخ خاصة تلك المتعلقة بالعائلة، ورغم أنه أشار إلى ذلك بعبارة "معظم التواريخ تقريبية" فإن القارئ يبقى مضطربا تجاه كل التواريخ.
-    أنه أسقط مصطلحات غربية غريبة عن المجتمع المغربي مثل مصطلح الانتلجنسا فيقول "غير أن الوضع تغير مع نهاية القرن 19، حيث تأثرت الانتلجنسيا الدينية بهذا الفكر ...". وهذا الإسقاط غير سليم بتاتا.
-    أن إيكلمان قصر في شرح أصول الزوايا التي ذكرها في ثنايا البحث خاصة الزاوية الشرقاوية والكتانية والتيجانية والدرقاوية، نظرا لعلاقتهم الوطيدة بمسألة التعليم الديني في تلك الفترة.
-    أنه أشار إلى بعض القضايا الخطيرة ولا يعطي دليل مقنع، كالادعاء بأن الجماعات السلفية الجديدة التي ظهرت بعد الاستقلال تتلقى دعما ماليا من العربية السعودية وباكستان والعراق.
-    يقع الباحث في التناقض أحيانا، فلنأخذ العبارة الآتية "هناك شعور بعدم الرضى عن الملكية" ونقارنها بالعبارة "الغالبية العظمى بالمغرب تنظر إلى ملك البلاد على أنه خليفة الله في الأرض"
-    أنه يقيم مقارنات قد تكون غير موفقة، كالمقارنة بين تطور الحركة الإسلامية في إيران والمغرب، والأمر يختلف تماما بين الدولتين والحركتين فالمغرب يتبع المذهب السني المالكي وإيران مذهب شيعي، المغرب بلد عربي وإيران دولة فارسية، كما أن هناك اختلاف في الموقع الجغرافي...
-    نجد إيكلمان يقول في الصفحة 269 أن سلطات الحماية منحت النخبة المغربية التقليدية مناصب إدارية وسياسية. لكننا نجد باحثين آخرين يؤكدون عكس ذلك حيث تم إقصاء كل من لا يحسن اللغة الفرنسية من دواليب الإدارة العصرية ويعتبر علال الفاسي نموذجا معبرا عن هذه النخبة.
-    وجود بعض الأخطاء المطبعية في النسخة العربية التي اشتغلنا عليها، فلنأخذ على سبيل المثال الصفحة 7 من التقديم الذي أنجزه سعيد بن سعيد العلوي في السطر السابع: عبارة "ربما من يحث لايدري " بدل " من حيث لايدري". وفي التعريف المبسط لإيكلمان بغلاف الكتاب نجد عبارة "الدرايات" بدل "الدرسات"، وفي الصفحة 4 عبارة "القلاتل" بدل "القلائل".

خلاصات أساسية:

بعد هذه القراءة المتواضعة يمكن أن نستنتج ما يلي :
-    أن كتاب المعرفة والسلطة في المغرب، يسعى إلى إغناء الدراسات الخاصة بالتعليم الإسلامي في مراحله التاريخية المبكرة والمركزة أساسا على تطور المؤسسات التعليمية، ودور العلماء في الحواضر الإسلامية .
-    أن ايكلمان يسعى الى إقناع أولئك الذين ظنوا أن المثقفين التقليديين أصبحوا يشكلون فئة إجتماعية تتدهور أهميتها في الحياة السياسية والثقافية المعاصرة، ومعظمهم من الباحثين الغربيين الذين عملوا على التقليل من شأن حيوية التعليم الديني في العصر الراهن، وسار على نهجهم الوطنيون والتقنوقراط في شمال إفريقيا، حيث امتنعوا عن إضفاء أية أهمية  على العلماء التقليديين الذين تختلف مفاهيمهم عن العمل السياسي مع مفاهيمهم عنه.
-    أن المؤلف رغم اشتغاله مع القاضي، إلا أن ذلك لم يؤثر على حضور ايكلمان في محتويات الكتاب ، هذا بالاضافة الى اعتماده على أسلوب علمي متميز؛ سواء في منهج الكتابة أو التوثيق ، رغم بعض الهفوات.
-    أن التركيز العلمي الأنجلو ساكسوني على المغرب، أفرز دينامية بحثية ونقدية تزامنت مع بروز تيار بحثي مغربي نقدي لدراسات وإنتاجات المرحلة الكولونيالية، وساهم بالتالي في تعميق التفاعل النقدي، خاصة عند سقوط بعض باحثيه في استهلاك وإعادة إنتاج ما أنتج أثناء المرحلة الكولونيالية الاستعمارية، دون قدرة على نقدها وتجاوزها، رغم سعيهم لتقديم نماذج تفسيرية للحالة المغربية مختلفة عن النماذج السابقة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟