يعتبر الفيلسوف الألماني اكسيل هونيث , من ابرز ممثلي الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت التي يديرها الآن بعد أستاذه هابرماس.
اصدر أخيرا كتابا جديرا بالقراءة عنونه "مجتمع الاحتقار: نحو نظرية نقدية جديدة "عن منشورات الاكتشاف سنة 2006.
فانطلاقا من مفهوم الاعتراف ( الصراع من اجل الاعتراف 2000 ) فتح أفاقا جديدة في النظرية النقدية عامة وفي براديغم التواصل الذي طوره هابرماس خاصة. للأسف هذا الأخير لم يبرز بما فيه الكفاية الطابع الصراعي لما هو اجتماعي, في حين أن الفيلسوف اكسيل هونيث أكد ا ن الصراع من اجل الاعتراف" يعني بالدرجة الأولى إرادة الوجود التي تكشف وتشجب الأمراض الاجتماعية والمفارقات الناشئة للمجتمع الرأسمالي.
في رأي اكسيل هونيث ,فادورنو بعمله على اخذ مسافة على ما هو اجتماعي وبالتالي حقل أفعال قابلة بان يكون سلطة مضادة لمبدأ الهيمنة الذي عمل على وقف أية إمكانية للنظرية النقدية للحفاظ على رابط الممارسة المؤسسة على مشروع التحرر.
إذن يعتمد اكسيل هونيث في نظريته النقدية الجديدة على براكسيس يرتكز على الطابع الصراعي لما هو اجتماعي.
لهذا نجده يعود إلى أستاذه هابرماس الذي وطد العلاقة بين النظرية والممارسة للحفاظ على الطابع التوافقي التذاوتي مقابل العقل الاداتي. حيث تم تعويض براديغم الإنتاج ( عند ماركس) ببراديغم التواصل عند هابرماس؛ لكن هذا الأخير لم يبرز جيدا الطابع الصراعي لما هو اجتماعي.
مع ذلك فإبراز هذا المفهوم الذي يسمح بتعريف ما هو اجتماعي بطريقة كافية أي استثمار حقل الصراعات والمواجهات التي تكون مادته الأساسية, التي تتموقع في أصوله. مع العلم أن فوكو اقترب من هذا المفهوم لكن بطريقة دقيقة , الشيء الذي يجعل اكسيل هونيث يندرج في التقليد الألماني الفلسفي : كارل ماركس وهيغل وزيمل.
فمن خلال ديالكتيك الصراع ,يرى اكسيل هونيث امكانية فهم ما هو اجتماعي . بالفعل ففهم هذا الأخير من خلال اللغة ,يعتبر حسب هونيث اجراء اختزالي وذاتي وهو في الأخير خطا ابستيمولوجي ؛ متناسين دعوة أشكال التفاعل غير الخطابي أي جميع التعابير الاشارية والرمزية والجسدية للتفاعل الاجتماعي.
فيما يخص الأسس الممكنة لنظرية نقدية جديدة يؤكد هونيث على حضور مفهوم الاعتراف على أساس الاعتراف والخطاب ,بالنسبة له اية نظرية اجتماعية تشتغل على عكس هذا المفهوم فهي في الواقع تنكر معيش المجتمع.
من خلال أمراضه الاجتماعية يفهم هونيث " العلاقات والتطورات الاجتماعية التي تؤثر على تحقيق الذات"( ص179) فهذه الأمراض تظهر على شكل استيلاب اي من خلال اغتراب ذواتنا عن نفسها , هذا من خلال شروط حياتنا وعلاقتنا مع الآخر ومع العالم. فهذه الفكرة تواجه التقليد الذي رسخته مدرسة فرانكفورت بسيطرة العقل الاداتي.
ونفس الأمر ينطبق على استاذه هابرماس الذي شخص جيدا استعمار العالم المعيش من طرف الأنساق في إطار عقلانية اداتية.
فما يريد هونيث إبرازه بالاعتماد على مفهوم الاعتراف وبمحاولته إبراز العلاقة بين اللاعدالة والإمراض الاجتماعية هو ان :تطور المجتمع النيو ليبرالي يندرج في سياق تصبح شروط تحقيق الذات على الأقل ملوثة وربما تشكل نقطة اللاعودة.
فهذا التوجيه جعله يبقى في إطار تقليد فلسفي ألماني يرتكز على جدلية كائن /وجود أو بالا حرى على الجدل السلبي أو الانفصال. فمفهوم الهوية أو اللاهوية هو الذي يقدم لنا مفهوم الاعتراف. بالتحديد إبراز الطابع الذاتي المشار اليه . فاللاعتراف هو اللا وجود بالمعنى الاجتماعي للكلمة ( ص225).
فهذا اللاوجود أو الوجود غير المرئي حسب هونيث ,يمكن فهمه باعتباره لا تمثيل للآخر أو بالا حرى فهذا الدخول المسدود إلى تمثيل الآخر: يعني أن الآخر ليس له وجود لأنه مشار إليه انه غير قادر على ان يذكر بانه موجود او ما هو اشد :غير قادر على ان يكون معينا لانه شفاف عير مرئي.
في الفصل السابع حيث يعرف الكاتب مفهوم الاعتراف, انطلاقا من صورة ممثلة لما هو غير مرئي معالجا بإيجاز سريع الاستعارة المقلوبة أي مفهوم المرئي. هذا الأخير يتضمن شكلا أوليا لتحقيق الذات.
فالاعتراف المرئي الاجتماعي يستلزم بالتالي اعترافا اجتماعيا. وفي نفس الوقت يقيم هونيث بالتمييز بين عرف واعترف ؛حيث يشير إلى أن الاعتراف بشخص يتضح أكثر بالاعتراف "يقيمته الاجتماعية".
برجوعه إلى أسس ميتا فزيقا الأخلاق, يذكرنا هونيث بالاحترام الذي يدعو له كانط .وباعتماده على أعمال لويس اتوسير يذكرنا هونيث بان هذا الأخير اهتدى إلى أن اي ممارسة للاعتراف العام يشكل في الأخير الميكانيزم المعياري لكل أشكال الايدولوجيا(ص246).
بالرجوع إلى الدلالة المزدوجة للذاتية, خلص التوسير إلى أن الفرد يصير ذاتا عندما يخضع لمعايير اجتماعية و انتظارات مجتمعية التي تشكل مع انتظارت أخرى للفرد هويته الاجتماعية.
في الفصل المخصص لتناقضات الرأسمالية (ص 275-303)يقترب كثيرا من تحليلات بارسونز الذي يعتبر ان قدرات تحول المجتمع الرأسمالي لا تكمن فقط في حاجة التقويم المنهجي للرأسمال بل في ما يسمى " فائض المصداقية" الاتي من دوائر الاعتراف . حسب هونيث يمكن الحديث ألان عن ثورة نيوليبرالية من شانها تشجيع ظهور نتائج متناقضة علينا مواجهتها. . فهذه الآثار الجانبية لها تأثير على مبدأ الفردانية.
هكذا يذكرنا هونيث بمفهوم فيبر للعقلانية وتأثيرها على المجال الاجتماعي والعاطفي, في حين أن مفهوم الفردنة لدى دوركايم يرجع إلى صيرورة استقلالية الأفراد في مجتمعهم وهذا ما يشكل بالنسبة لزيمل إمكانية الأفراد في التعبير عن أفكارهم وقناعاتهم.
هذه الحرية المكتسبة بالنسبة لهونيث كما ذكر جورج زيمل ,من شانها أن توصلنا إلى قيم عابرة أو قيم خيارات. نحن الآن أمام "عودة الفرد" التي ترتكز أساسا على صيرورة الفردنة؛ فهذه الصيرورة عمل هونيث على ربطها بالتوافق مع نظرية العلاقة الموضوع لمفهوم الهوية ما بعد الحداثة.
بالنسبة لهونيث التطورات الاجتماعية فرضت على الفرد تكيفا و عودة إلى الذات مطورا انفتاحه على العالم ومرونة داخلية. فإذا كنا أمام "انا "أكثر حياة وأكثر ثروة , فنحن أيضا أمام ذات أصبحت متعددة الأبعاد. فقدرة هذه الأخيرة على تدبير هذه الهويات المتعددة هو الرهان الأكبر الذي تواجهها أمام الانشطارت والتقطعات؛ التي لا تتوانى عن قلب توازنها بوضعها أمام اختيار دائم الذي يلتزم باتيقاها الشخصية وسبب وجودها.
المراجع: اكسيل هونيث الصراع من اجل الاعتراف منشورات سيرف 2000
جورج زيمل فلسفة المال باريس 1999
ترجمة نورالدين علوش- المغرب
www.espritcritique.fr/.../article.asp?...12&varticle=esp1201article17