قراءة في كتاب " الرسالة المنطقية الفلسفية":الجزء الأول- محمد عزوزي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

LudwigWittgensteinلقد ركزنا في هذه الدراسة على إتباع المفاهيم الأساسية في كتاب (ل.ف) "الرسالة المنطقية الفسلفية " و منهجه في التحليل ، بدءا من المستوى الأنطولوجي ثم عرجنا على الفهم اللغوي نظرا لإسهام صاحب الرسالة وأهميته البالغة في حقل فلسفية اللغة وكونه رائدا من رواد الفلسفة التحليلية.
لقد عالجنا في هذا المشروع الإشكالية التالية "فلسفية التحليل عند "لودفيغ فيتجنشتاين"، منطلقين من فكرة العالم في كتاب الرسالة، ومتبعين منهج التحليل الذي هو القاعدة الأساسية في فلسفة (ل.ف) فالفلسفة بالنسبة إليه تقوم على أساس نشاط يوضح ما نعرفه بالفعل من قبل، وذلك بحل المشكلات التي هي نتيجة سوء استخدام اللغة.
لقد كانت هذه الدراسة  محاولة لسبر أغوار فيلسوف عظيم أثر في جيله وكل لاحقيه، محاولة لدراسة كتاب سماه البعض إنجيل الوضعية المنطقية، إنها محاولة لطرق مجال بحث لم ننفتح عليه طوال سنوات دراستنا الجامعية، وكان دليلي في هذا البحث توخي البساطة والوضوح في الطرح، وأخذ الحيطة والحذر في تناول المفاهيم، والهدف تقديم دراسة تنأى عن السطحية، وتزويد ساحتنا الفكرية بمشروع طالما بحث عن حل للمشكلات الفلسفية من خلال دراسة  "منطق اللغة" التي تنتج هذه المشكلات، للبحث صعوبات وعراقيل، لكن فيه متعة وبهجة البحث و التفكير الفلسفيين، فالرسالة تقذف بنا بين مباحث الفلسفة التقليدية لتقدم حلولا جديدة ، تفتح لك مجالات أخرى للبحث، من الأنطولوجيا إلى الإبستيمولوجيا، ثم الأكسيولوجيا، إنه كتاب يستهدف إقامة حد للتفكير بالفعل.


إن فلسفة (ل.ف) ذات أثر بالغ الأهمية في الفكر الفلسفي المعاصر سواء بالنسبة للاتجاهات الفلسفية المؤيدة للاتجاه التحليلي المنطقي مثل مدرسة" كامبريدج" و"مدرسة أوكسفورد" وكذلك الوضعية المنطقية. فكل هذه الاتجاهات كانت تدخل في اعتباراتها دائما ما قاله "فيتجنشتاين" من تحليلات منطقية للغة باعتبارها هي القوالب التي تستخدمها في التعبير.
لقد لخص برتراند راسل في مقدمته للرسالة نتائج بحث (ل.ف): "انطلاقا من مبادئ الرمزية والعلاقات الضرورية ضمن كل لغة، يطبق فيتجنشتاين نتائج هذا البحث في مجالات متعددة من مجالات الفلسفة التقليدية ويبين انطلاقا من ذلك كيف أن الفلسفة وحلولها التقليدية هي ناتجة عن جهلنا لمبادئ الرمزية، وناتجة عن استخدامنا الخاطئ للغة"، إن هذه الفقرة تعبر بحق عن جوهر مشروع فيتجنشتاين.
لقد كانت الفلسفة منذ البداية علاقة بين العقل والظواهر، علاقة بين العقل والعالم، لماذا؟ لأن المشكل يكون قريبا منا، لا نراه، بل إن أكثر المشكلات بما فيها الميتافيزيقا هي مشكلات أقرب إلى عقل الإنسان طبعا هذه المسألة موجودة حتى في حياتنا اليومية، هو أن الأشياء القريبة منا كثيرا هي التي لا نراها، لأن العين لا ترى الموضوع الأقرب إليها.
إن الفلسفة طوال تاريخها تحتقر اللغة، وتقدر الفكر، لمعرفة هذه المسألة جيدا نعود إلى السوفسطائيين وماذا قال عنهم سقراط، لقد قال أنهم لا يمكن أن يبنوا فلسفة لأن رأسمالهم لغة فقط ، لم ينتبه إلى أن تأثير اللغة حاسم في بناء الحقيقة. فالحقيقة تبنى في اللغة، ومن أكثر المثقفين قدرة على استعمال اللغة هم الفلاسفة، لكنهم لم ينتبهوا أن مشكل الفلسفة في حد ذاته هو اللغة.
ما سيأتي داخل "الرسالة" هو أن الفيلسوف حول كل القضايا التقليدية للميتافيزيقا والفلسفة إلى قضايا استخدام اللغة، وبالتالي سيحل (ل.ف) أو هكذا سيعتقد بأنه يحل كل القضايا الفلسفية انطلاقا من الرمزية symbolique، من اللغة في نهاية الأمر، إن مشكل (ل.ف) هو قول المعقول واللامعقول أي وضع الحدود الفاصلة بين المعنى واللامعنى.
حاولنا في هذا البحث ملامسة أهم الجوانب التي درسها (ل.ف) في رسالته المنطقية الفلسفية متبعين منهجه، ومحاولين إيضاح قضاياه بمنطق تبسيطي توخينا فيه الدقة والصرامة.
وقد قسمنا دراستنا هذه إلى ثلاث أجزاء: كان الجزء الأول تقديم عام حول مشروع فيتجنشتاين الفلسفي خصوصا كتابه " الرسالة المنطقية – الفلسفية" ثم انتقلنا الى تحديد مفهوم كذلك عند صاحب الرسالة، وفي الجزء الثاني سنقف على دراسة الأنطولوجيا في " الرسالة المنطقية الفلسفية " من خلال تحليلنا لمفهوم العالم وتحليل الوقائع ووقائع الحال، بعد سنقدم تحليلا للأشياء في الرسالة، أما الجزء الثالث فسنخصصه لتحليل اللغة والفكر من خلال ثلاث مطالب: الأول، تحليلا للغة، والثاني تحليلا للقضايا والثالث تحليلا للفكر.
فلسلفة التحليل عند لودفيغ فيتجنشتاين

لقد جعل "فيتجنشتاين" من التحليل القاعدة الأساسية لكل فلسفته، ونقطة ضرورية للانطلاق في عالم الفلسفة كما هو شأن مجموعة من فلاسفة القرن 20 (إدوارد مور، برتراند راسل... إلخ) الذين ذهبوا إلى اعتبار التحليل هو كل عمل الفلاسفة أو هو الفلسفة ذاتها، " فيتجنشتاين" اتخذ التحليل منطلقا للفلسفة لأنها تقوم أساسا على نشاط يوضح ما نعرفه فعلا من قبل، وذلك بحل المشكلات التي تنتج عن الخلط العقلي وسوء الفهم. اللذان ينتجان عن سوء استخدامنا للغة.                                                               
استخدم "فيتجنشتاين" التحليل كما قلنا، كمنهج في الفلسفة، وليس كغاية فلسفية، فهو مثلا، لا يستخدم التحليل لمجرد تقسيم العالم، أو لرد اللغة إلى عدة قضايا كما جاء في كتابه الأول" رسالة منطقية- فلسفية"، أو لرد المعنى لطريقة استخدامنا الألفاظ، وإنما يستخدم التحليل لتوضيح المشكلات الفلسفية، هذه المشكلات إن هي وضعت تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلا.

في كتابه "رسالة منطقية، فلسفية "يقول فيتجنشتاين: "إن معظم القضايا والأسئلة التي كتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا أن نقرره عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، وإذن فلا عجب، إذا عرفنا أن أعظم المشكلات ليست مشكلات على الإطلاق"، وهذا معناه أن كل القضايا التي تناولها الفلاسفة باعتبارها مشكلات إنما هي ناتجة عن كوننا لا نفهم منطق لغتنا وهذا ما يسقطنا في سوء الفهم.
وعليه، فالاهتمام الذي أولاه" فيتجنشتاين" للتحليل جعله يذهب في "الرسالة" إلى اعتبار الفلسفة كلها عبارة عن "نقد للغة". وترتب عن هذا القول، أن أصبحت الفلسفة عنده هي "التوضيح المنطقي للأفكار والعبارات التي تصاغ بها هذه الأفكار"، وهذا ما يؤكد عليه بقوله: "إن موضوع الفلسفة هو التوضيح المنطقي للأفكار والعبارات، فالفلسفة ليست نظرية من النظريات، بل هي فاعلية، ولذا يتكون العمل الفلسفي أساسا من توضيحات، ولا تكون نتيجة الفلسفة عددا من القضايا الفلسفية، إنما هي توضيح للقضايا، فالفلسفة يجب أن تعمل على توضيح وتحديد الأفكار بكل دقة،  وإلا ظلت معتمة مبهمة، إذ جاز لنا هذا الوصف.
إن المفهوم الأساسي الذي يعالجه" فيتجنشتاين" في عمله الفلسفي، هو مفهوم التحليل، الذي تبناه وجعله مشكلة فلسفية، ينطلق منها لمعالجة المسائل الأخرى، لذا لا عجب أن نجد "فيتجنشتاين"، يبحث في المشكلات الدقيقة التي تطرحها اللغة وعلاقة ذلك بالواقع الخارجي، ونجده يطبق هذا المفهوم على كثير من مجالات البحث الفلسفي كتحليل العام أو الواقع الخارجي، تحليل اللغة، وتحليل الفكر.
بخلاصة، يمكن القول، أن التحليل كان نقطة انطلاق في فلسفته إلى درجة يمكن القول، أن فلسفة (ل.ف) هي فلسفة تحليل، فالمنهج التحليلي كما قلنا هو وسيلة في الفلسفة من أجل توضيح القضايا الزائفة، وهذا ما دفع جورج إدوارد مور يقول عنه: "إن نظرته إلى أعماله الفلسفية لا تعني بما إذا كانت النتائج التي توصل إليها صحيحة أو غير صحيحة، بقدر ما يهم أن منهجا جديدا من وجد".
ليس "إدوارد مور" وحده من تحدث عن الطريقة الجديدة في التفلسف عند "فيتجنشتاين" بل حتى "ماكس بلاك" الذي قال عن (ل.ف) أنه "قدم لنا طريقة جديدة ذات أثر بالغ للنظر إلى المشكلات الفلسفية القديمة". فالتحليل وفقا لهذا المعنى لا يأتينا بمعرفة جديدة ولا ينتج عنه معرفة جديدة، بل هو مجرد منهج يوضح لنا ما نقوله، ويبين لنا ماله معنى من كلامنا ولا معنى له.
لذا كان على "فيتجنشتاين" أن يحدد مجالا للاشتغال للفلسفة" تحدد ما يمكن التفكير فيه، وبالتالي مالا يمكن التفكير فيه، "إنها تحدد مالا يمكن التفكير فيه، وذلك من خلال ما يمكن التفكير فيه"، لأنها "تشير إلى التحدث عنه، بكونها تبين بيانا واضحا ما يمكن التحدث عنه"، وعليه يقول (ل.ف) "كل ما يمكن التفكير فيه على الإطلاق يمكن التفكير فيه بوضوح، وكل ما يمكن أن يقال يمكن أن يقال بوضوح".
وعليه، كانت فلسفة التحليل عند لودفيغ فيتجنشتاين، نقطة تحول حاسمة إلى الفلسفة عموما وفي الفلسفة المعاصرة خصوصا، وهذا التحول الجديد لا يرجع إلى النتائج التي انتهى إليها هذا الفيلسوف بقدر ما يرجع إلى المنهج الذي اتبعه في بحثه الفلسفي، ولاشك أنه قدم لنا طريقة للنظر إلى المشكلات الفلسفية، وتلافي اللغظ وسوء الفهم الذي هو نتيجة سوء استخدامنا للغة.




المراجع :

1- إسلام. عزمي (فيتجنشتاين)، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف/ مصر، بدون تاريخ، ص75
2- - فيتجنشتاين لودفيغ: رسالة منطقية فلسفية العبارة رقم 003-4 ترجمة ذ. عزي إسلام، مراجعة وتقديم، ذ زكي نجيب محمود المكتبة الأنجلو مصرية بدون تاريخ ص 83.
3- نفس المصدر العبارة رقم 4.0031، ص 83..
4- نفس المصدر العبارة رقم 4.112، ص 91
5-- إسلام. عزمي (فيتجنشتاين) المرجع السابق، ص 76.
6- نفس المرجع، ص 76.
7-- فيتجنشتاين. لودفيع، المصدر السابق، العبارة رقم 4.114، ص 96.
8- نفس المصدر، العبارة رقم 4.115، ص 96.
9- نفس المصدر، العبارة رقم 4.116، ص 96.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟