أهمية سيكولوجية النمو عند المختص الاجتماعي والتربوي بالمؤسسات التعليمية - محمد أصبان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
  • تلخيص الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي (جابر عبد الحميد جابر. 2010: ص 63-100).

يقع الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي، في حدود 39 صفحة. وهو مطبوع ورقي، يستحق الاكتشاف والتعرف على نظريات ومبادئ النمو النفسي. احتوى هذا الفصل على أربعة مراحل للنمو وهي: النمو النفسي، والنمو الاجتماعي، والنمو المعرفي، ثم أخيرا النمو الخلقي.

لقد تناول الكاتب في عنوانه الرئيسي: طريقة المستوى العمري وعيوبها، حيث أشار إلى أن هناك طريقتان لدراسة سيكولوجيا النمو: يتعلق الأمر الأول باختيار سلوك معين ويتم تحليل التغيرات السلوكية وفق سيرورة نمو الطفل، في حين يتعلق الأمر الثاني والذي ركز عليه الكاتب باستخدام سلسلة من المراحل العمرية.

تطرح المراحل العمرية إشكالية المعايير عند الطفل، بحيث يواجهها المدرسون باستمرار، نتيجة عدم مراعاتهم للفروق الفردية من حيث النضج وفي القدرة على التعلم وفي فهم الشخصية؛ مما يستوجب على الآباء والمدرسين فهمها، لما لها من ضرر كبير في جهلها. فالسمات الشخصية للطفل والقدرات العقلية وكذا المهارات الحركية لا يجب مقارنتها بالكبار؛ وهذا ما تحاول تفسيره العديد من نظريات علم النفس في مراحل النمو والنضج.

تنقسم الاتجاهات الأساسية في النمو إلى ثمانية فروع؛ يرتبط الأول بالاتجاه الرأسي ذيلي وهو يقوم على فكرة التآزر بين أطراف الجسم، بينما الاتجاه الثاني من الداخل إلى الخارج يلح على أسبقية بعض أعضاء الجسم الخارجية في الاستجابة وتأخر في الأعضاء الخارجية الأخرى، ويرى الاتجاه الثالث أن النمو يسير من العام إلى الخاص؛ أي من التعميم (حركات وعضلات غير منتظمة) إلى التخصص، وفي مقابل هذا، نجد اتجاه الذي يؤكد على تداخل جميع مظاهر النمو تداخلا وثيقا، وأيضا الاتجاه الذي يعتبر أن النمو عملية مستمرة ومنتظمة؛ إلا أنه رغم ذلك فهو لا يستبعد عملية التوجيه. أما الاتجاهين الأخيرين، فإن أحدهما يرى على أن النمو يتضمن تغييرا كميا وكيفيا، في حين أن الاتجاه الآخر فهو يرى أن معدلات النمو ومظاهره تتفاوت من طفل إلى آخر؛ بحيث ينمو كل طفل بطريقة فريدة ومتميزة خاصة.

إن كفاءة الطفل الفعلية مرتبطة بصحته، وقد يتحول الجوع أو النوم أو التعب إلى عامل مؤثر في تغيير السلوك، كما قد تكون نتيجة هذه الاضطرابات الانفعالية تأثير على النجاح أو الإخفاق الدراسي. فالطفل حسب الاتجاهات الأساسية للنمو هي تركز على سلوك الطفل ونموه النفسي؛ بحيث تدعو إلى كل استخدام كل أشكال التشجيع والتدريب الممكنة، في مقابل عدم تكليفه بمهمة أو نشاط قد يتجاوز قدراته الشخصية، وهذا ينسجم بشكل كبير مع مفهوم الاستعدادات الفطرية الذي تتزعمه النظرية الإنسانية في علم النفس، من خلال دعمها للحرية في التعلم تماشيا مع معدل الطفل وطريقته الخاصة في التعلم.

يرى سكنر وآخرون بخلاف نظرية الاستعدادات الفطرية، بأن الطفل لا ينبغي أن يترك للصدف، وإنما يستوجب توجيهه نحو التعلم مع بداية سن الرابعة، وهذا يتنافى مع نتائج الدراسة التي خلص إليها هيلجار 1963، فقد توصل من خلال تجاربه إلى أن الأطفال الأكبر سنا كانوا أكثر نضجا وخبرة مقارنة بمن هم أصغر سنا.

لقد جاء مفهوم المراحل المحرجة أو الهامة في النمو كرد فعل مضاد على فكرة الاستعداد الفطري، إذ كشفت تجارب سبيتر ديينه (Rene Spitz) التي أجريت على طيور الاوز، بأن هناك تأكيد لعمية التطبيع التي تحدث خلال فترة زمانية معينة؛ مثل الحرمان الحسي (الضوء) والحرمان البيئي (علاقة الأم بالطفل)؛ حيث وجد بأن العنصر الأول كان له أثر على سرعة التعلم، وأن العنصر الثاني كان له تأثير على النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي.

كما أسفرت تجارب حول النمو العقلي لدينس (W. Dennis) أن هناك اختلاف بين حول الأطفال الذين نشؤا في بيئة الأسرة العادية أو مؤسسات العناية الجيدة مقارنة مع المؤسسات الفقيرة والمحرومة التي يكون في الحرمان النفسي؛ بحيث أن هذا الأخير، أدى بالأطفال إلى أن يكونوا أكثر عزلة عن الآخرين، بالإضافة إلى أنهم كانت لهم أثر واضحة على نموهم العقلي والانفعالي والاجتماعي مع تسجيل درجة تأخر سلوكهم نتيجة انعدام فرص تعلم الأفعال الحركية؛ مثل المشي، أو الجلوس، أو الحبو.

من جانب آخر، فإن الفترات الحرجة أو مطالب النمو عند روبرت هافكورست  (Robert (Havghurst  لا تواجه الحاجات الخاصة للشخص فقط، بل أيضا هناك حاجات البيئة الاجتماعية، وقد صنف هارفورست مطالب النمو إلى أربعة مراحل أساسية: المرحلة الأولى، تبدأ منذ الولادة إلى 6 سنوات، ثم المرحلة الثانية من حوالي 6 سنوات إلى 12 سنة، وبعدها المرحلة الثالثة من حوالي 12 إلى 18 سنة، وفي المرحلة الأخيرة من حوالي 18 سنة إلى 20 سنة ( راجع: ص 76).

نجد اسهامات نظرية إريك اريكسون حول مراحل النمو النفسي الاجتماعي، ترى بأن الشخصية الإنسانية في نموها تمر من ثمان مراحل: 1. الثقة مقابل عدم الثقة (من الميلاد إلى السنة الأولى)؛ 2. الاستقلالية مقابل الخجل والشك (2-3 سنوات)؛ 3. المبادأة مقابل الشعور بالإثم (4-/65 سنوات)؛ الاجتهاد مقابل القصور، وهي المرحلة التي يكتشف فيها الطفل المدرسة وحب الأداء والاجتهاد والإنجاز، وأيضا الشعور بالقصور والدونية في حالات الإخفاق؛ 5؛ الهوية مقابل الخلط في الدور (6-9/10)، وفيها نجد الرغبة في الاستقلال والتشكك في الهوية الجنسية والمهنية؛ إلا أن نجاحه في هذه المرحلة يكون التكامل لدور وإدراك الذات، وهو ما يدعم نمو الهوية؛ 6. الإحساس بالألفة مقابل العزلة (الراشد الشاب 18-50)؛ 7. الإنتاجية مقابل الانغماس في الذات (أواسط العمر 24-50)؛ 8. تكامل الأنا مقابل اليأس (الراشد المتأخر 50 فما فوق). وفي إطار هذه المراحل نجد بعض المقترحات للتدريس التي ضمنها فصل الكتاب، ومن بينها: أن السلوك قد يتخذ معاني متعددة. ومن ثمة، تأتي في هذا الباب أهمية التشجيع على الاكتشاف والتجريب في مرحلة الطفولة، وأيضا أهمية تحسيس المتعلم بهويته في المؤسسة الإعدادية والتأهيلية، من خلال مظهره وتقدير زملاءه ومعرفة أهدافه، بما يسهم في توجيهه المهني وفي اتخاذ قراراته.

إلى جانب اسهامات نظرية إريكسون، نجد نظرية بياجي تقوم على فكرة الفروق القائمة بين الكبار والصغار، فهذه النظرية تستند إلى مجموعة من المبادئ الأساسية؛ مثل التكيف والتنظيم والاستيعاب والملاءمة والاتزان، حيث يشكل فيها مفهوم التكيف ركيزة أساسية على اعتباره يمثل ميول الفرد للتوافق مع بيئته عير أليتي الاستيعاب والملاءمة وهما عمليتان تكمل إحداهما الأخرى مع إضافة عنصر أخر وهو الخطط (النظام المعرفي السابق: الخبرة القديمة) أو الخطة، والتي هي تتغير كلما كانت هناك أفكار أو مهارات أو خبرات جديدة، مما يؤدي إلى مراجعة الخطط التصورية والأفكار الحالية أو الخبرات القديمة للمتعلم. ومن أمثلة ذلك، يجد الطفل أن سوء التنظيم الذي كان في رياض الأطفال ربما قد يكون مختلفا عن تنظيم المدرسة المستقبلة.

قدم بياجي ثلاث مبادئ أساسية أخرى، ووفق تجاربه فقد خلص إلى مفهوم البقاء أو المحافظة (الحجم، أو الكتلة تكون أحيانا ثابتة ولو تغير مظهرها كتجربة الماء)، وهنا مفهوم ثاني وهو البعد عن المركز (كالالتفات إلى أكثر من خاصية للشيء)، ثم أخيرا مفهوم العملية، وهو طريقة تعلم واكتساب مفهوم البقاء أو المحافظة. وثمة هناك مفهوم آخر يتصل بالبعد عن المركز والعملية، وهو التفكير المتمركز حول الذات، أي أن الأطفال الأصغر سنا يجدون صعوبة في تبني وجهة نظر شخص آخر. وقد قسم بياجي مراحل النمو المعرفية إلى المرحلة الحسية (منذ الولادة إلى سن الثانية)، والمرحلة ما قبل العمليات (سن ما قبل المدرسة)، ومرحلة العمليات العيانية (تزيد عن 7 سنوات-القدرة على الفهم والشرح)، ثم مرحلة العمليات الشكلية (12 سنة إلى نهاية التعليم الثانوي) والتي هي مرحلة المحاولة والخطأ واختبار الفروض بعقولهم.

في سياق نظرية بياجي، نجد بأن صفوف المستوى الثانوي يمكن للمراهق فيها أن تكون ممارساته الفكرية بدون قيد بعيدة عن الواقع؛ مثل تأليف نظريات سياسية أو فلسفية معقدة، فهذا التفكير الصوري يزود المراهق الأكبر سنا بمهارات عقلية لها وزنها، ولكنها في المقابل ربما قد تسهم في تمييع دوره وتضر بهويته، كما أن اهتمامه الشديد باستجابات الآخرين يؤدي بنا نحو اكتشاف ذلك التمركز حول الذات وطبيعة التفكير الذي قد يستخدمه المتعلم؛ مثل التفكير العملياتي، والتفكير الشكلي أو الصوري.

النمو المعرفي يستقل ويختلف من حيث ربط الاستجابات بالمثيرات كلما زاد اكتساب النسق اللغوي لدى المتعلم. ويعتمد النمو على ارتقاء في معالجة المعلومات الداخلية المخزنة واكتساب الخبرات، وهو الأمر الذي يطلب منهم بتمثيل الواقع وتصوير العالم عقليا أو بصريا أو رياضيا أو موسيقيا. ويتطلب تحليل أنفسنا وبيئتنا على مستوى النمو العقلي أيضا تحقيق القدرة على وصف الأفعال الماضية والآنية والمستقبلية. بإضافة إلى ذلك نجد ضرورة تفسير الثقافة للطفل ومشاركته إياها من خلال علاقة تفاعلية (النسق التفاعلي) بين الطفل والمعلم والآباء وغيرهم.

اهتم برونو بالنمو المعرفي؛ أي طريقة إدراك الأطفال وتصورهم للعالم، ولقد ميز برونو بين ثلاث مراحل للنمو المعرفي، منها أولا، المرحلة النشطة أو الفعل وهي ترتكز على المعرفة الحركية بالأساس (مثال: لمس الأشياء وركوب الدراجة)، حيث يصعب فهمها بالكلمات أو الصور -يسميها جاردنر الذكاء الحسي الحركي-. ثم المرحلة الثانية وهي المرحلة الأيقونية، حيث تنمو فيها الذكرة البصرية باستخدام الصور مع أن الطفل هنا تكون قراراته مرتبطة بالانطباعات الحسية وليست مرتبطة اللغة - وصف بياجي لمرحلة ما بعد العمليات من مراحل التفكير التي تتداخل مع المرحلة الأيقونية (وهي تعرف بالذكاء المكاني عند جاردنر) -، وأخيرا المرحلة الرمزية التي تقوم على ترجمة الأنساق الرمزية "اللغة والمنطق والرياضيات" إلى معادلات وإلى عبارات ذو معنى يتم استرجاعها في الذاكرة بسهولة. ويبقى أن نشير إلى أن هذه المراحل ليست خطية؛ فمثلا يمكن أن يكون الراشد موسيقيا أو رساما من ذوي أنساق أيقونية، كما يمكن أن يكون الرياضيين أو الجراحيين البارعين من ذوي الأنساق النشطة.

يؤكد فيكوتسكي (Vygotsky) أن تعلم الطفل للمهارات والخبرات والمفاهيم والحقائق والأفكار، يتم عن طريق المحاكاة للآخرين ومن خلال عالمهم الاجتماعي الذي تنمطه الثقافة المكتسبة، فيختارون ويقوم بانتقاء المثيرات التي تحدث أو التي تلاحظ. حيث يعتبر أن هذا التفاعل بين الناس هو اجتماعي ثقافي في الأصل قبل أن يكون عملية سيكولوجية، وقد قدم مثالا على ذلك باللغة. ومن أجل أن يتحقق استعداد النمو المعرفي من صيغته الاجتماعية إلى النفسية حسب فيكوتسكي، فإن ذلك يتطلب مستويين هامين: أولا تحديد مستوى نمو الطفل الفعلي من خلال مدى قدرته على حل المشكلات حينما يعمل مع الراشد، وثانيا اختبار قدرة الطفل حسب ما يستطع عمله بإشراف من الراشد، ويسمي فيكوتسكي الفرق بين هذين المستويين من الأداء الوظيفي ب"منطقة النمو القريبة"؛ ويبقى التعليم حسب هذه النظرية جيدا؛ كلما كان متقدما على النمو المعرفي وقيادة الطفل على نحو منتظم ونسقي إلى أكثر مجالات تعقيدا، ولكي تصبح المعرفة فردية يتوجب على المدرس أن يقود الطفل إلى حالة الحرج الذي يرتقي عليها ويصعد.

في الصفحة رقم 94 من نفس الفصل، تتحدد المقترحات التطبيقية للتدريس حسب برونر، وبياجي، وفيكوتسكي، في إقرارهم جميعا بأهمية استحضار الفروق الفردية بين المتعليمن/ات وعدم مقارنة طريقة تفكير الطفل مع طريقة تفكير الشباب، كما أن استخدام المواد البصرية في التعليم الأولي والابتدائي له دور جيد في فهم تناول الأشياء المحسوسة والكلمات وغيرها؛ وهذا يستدعي إتاحة فرص "الاكتشاف الشخصي" (برونو وبياجي) والاكتشاف والتعليم المباشر  بشكل موازي (فيكوتسكي)، وتناول الأشياء عن طريق لمسها والشعور بها، لأنها أكثر فاعلية من أشكال التعلم الأكثر تجريدا. بالإضافة إلى بناء تمثلات نشطة على مستوى الحركات الحسية؛ مثل القيام "بالزيارات الميدانية للأنهار والوديان في الجغرافيا، ومشاهدة أجزاء السيارة في ورشة تعليم الميكانيك، وتجميع المكعبات في رياض الأطفال، وعد مقاعد ملاعب الكرة في الحساب" وغيرها.

استمرار لما سبق، فإنه نظرا لتمركز الأطفال جدا على ذواتهم، إلا أن الأطفال ينخفض عندهم هذا التمركز؛ لأنهم يضطرون إلى مواجهة وجهات نظر الآخرين، وهذا يستوجب فكرة السماح لهم بالتعبير بشكل واضح والدفاع عن وجهات نظرهم في سياق الأجوبة أو المشاركة في النقاش.

يضيف كوهلبرج (kohlberg)  من خلال تجاربه التي أنجزها على عينة من الذكور  ذوي أصول طبقية مختلفة، تراوحت أعمارهم ما بين 7 إلى 17 سنة، بأن مراحل النمو الخلقي عند الأطفال تنقسم إلى مستويات ثلاثة، حيث أن كل مستوى يشتمل على مرحلتين من النموو هي كالآتي:

 المستوى الأول، هو المستوى ما قبل السلوك الخلقي وعادة ما يمتد إلى سن التاسعة، حيث تكون فيه المرحلة الأولى (تجنب العقاب)، تتسم بسيطرة الطاعة على سلوك الطفل خوفا من العقاب، أما في المرحلة الثانية (الحصول على الثواب وتجنب المشاكل)، نجد بأن سلوك الطفل يتجه نحو تحقيق المتعة الفردية ويكون فيها الطفل خاضعا للأوامر إلى أن يئاب على فعله.

في المستوى الثاني، الذي هو السلوك الخلقي لإرضاء الآخرين (من سن 9 إلى سن 20)، فإن المرحلة الثالثة (تجنب عدم الموافقة واحترام السلطة) يكون فيها السلوك متوجه إلى تكوين علاقة إيجابية مع الآخرين وضمان رضاهم وقبولهم، أما في المرحلة الرابعة (تجنب الرقابة من السلطة والمحافظة على النظام الاجتماعي)، فالسلوك هو الذي يحافظ على السلطات القائمة ويسايرها؛ مثال ترديد الطفل كلمة "المعلم".

أما المستوى الثالث من السلوك الخلقي الذي يعتمد على التقبل الذاتي للمبادئ والقيم الخلقية (بعد سن 20 وتبلغه نسبة قليلة من الراشدين)، فإن المرحلة الخامسة (المحافظة على احترام محايد) فيه تشمل المبادئ الخلقية التي تقبها الذات في توجيه السلوك؛ مثل مبدأ الحقوق الفردية في ظل الاتفاقات المشتركة، بينما المرحلة السادسة (تجنب إدانة الذات وإرضاء الفرض لضميره)، فهي مرحلة الاسترشاد بما ينبع من الضمير الفردي من المبادئ، حيث يتجنب السلوك الذي سيعرضه إلى السخط على نفسه.

من بين التوصيات التي خرج بها هذا البحث منها، ضرورة تشجيع النمو الخلقي الذي يتيح للمتعلمين/ات أن يناقشوا ويتناولوا مشكلات لا تتصل بالروتين المدرسي؛ كتقديم خبرة معينة أو مشكلة خلقية وتنظر في مستوى العام للتفكير الخلقي، بدل الاهتمام الزائد بقواعد النظام الصفي مثلا.

تلخص الفصل الثالث من كتاب: علم النفس التربوي، بعنوان "خصائص المستويات العمرية" (جابر عبد الحميد جابر. 2010: ص 105-157).

1. الخصائص العمرية في مرحلة رياض الأطفال (من سن 3 إلى 6 سنوات)

تتسم الخصائص الجسمية في رياض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 سنوات إلى 6 سنوات، بميزة النشاط المفرط في الحركة ولكنهم في المقابل جيدون في السيطرة على أجسامهم. لذلك يبدو أن هذه المرحلة من اللعب تتطلب إعطاء الفرص لتحقيق الإشباع الكاف؛ مثل الجري والقفز، والتسلق، في مقابل الأعمال اليدوية البسيطة التي تتطلب المهارة والدقة (كرسم شكل "المعين" في سن الخامسة عند جيزل)؛ إلا أن كل هذه العمليات تحتاج إلى كثيرا من السيطرة والإشراف قدر الإمكان من طرف الراشد؛ لأنها قد تتحول فيما بعد إلى مصدر إزعاج، خصوصا عند الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين سن الثالثة إلى سن الخامسة.

إن الأطفال ينغمسون في الأنشطة بحيوية ونشاط إلى حد الإنهاك؛ إذ أنهم لا يدركون الحاجة وأهمية الراحة؛ مما يستدعي من المعلم بأن يضع أنشطة موازية هادئة مع الأنشطة المضنية. كما أن المعلم عليه أن يلاحظ تلكم التغييرات التي تلحق بحجم الجسم وعلاقته بالتشاجر والصراع الذي قد ينشب بين الأطفال؛ بحيث أن أهمية دوره هنا تكمن في تفهم وإفهام الأطفال بخطورة ذلك الفعل وتقديم لهم الأسباب الوجيهة.

يبدو أن نمو الوعي في هذه المراحل بين الجنسين يختلف في مسألة أن الذكور هم يمتازون بنمو أنسجة عضلاتهم، في حين أن الإناث يمتزن أكثر بنمو أنسجتهن الشحمية، وقد ربما يكنّ أكثر مهارة في تناول الحركات والأشياء الدقيقة والصغيرة مقارنة بالذكور؛ هذا ما يجعل استبعاد المقارنة والتنافس بينهما أمرا مرغوبا. لذلك نجد على أن هناك من الباحثين ممن رأوا بتأخير التحاق الذكور بالمدرسة لسنة أو سنتين عن سن السادسة عكس الإناث اللواتي يضجن مبكرا.

أما الخصائص الاجتماعية في هذه المرحلة، تظهر أنماط متمايزة من التفاعل والتبادل لدى الأطفال، وتكون أهمية الرفاق منذ بداية سن الثالثة مهمة في تطوير خبرة اللعب. وحين التحاق الطفل بالمدرسة أو الحضانة يكون محملا بنفس الاستجابات التي تعلمها في فترة تنشئته الاجتماعية الأبوية؛ بحيث يمكن أن تكون مواقفه السلوكية معادية لما هو مقبول عنده من قبل معلمه في القسم. 

من خلال دراستها للمشاركة الاجتماعية في أحد رياض الأطفال على عينة تتكون من 42 طفلا، تتراوح أعمارهم ما بين سن الثانية إلى سن الخامسة، كشفت الباحثة بارتن (M.B.Barten)، بأن الأطفال الأكبر سنا كانوا أكثر تفاعلا وانخراطا في اللعب التعاوني أو الترابطي، على عكس الصغار الذين كانوا أقل تفاعلا وتفضيلا للعب بجوار أقرانهم الذين يستخدمون نفس الأدوات وبدون حدوث مشاركتهم، وهنا يدخل دور المربي في مساعدة الطفل في حالة عزلته بجعله مشاركا ومتفاعلا مع مجموعته.

 كما بينت إحدى الدراسات، بأن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة كانوا أكثر ميلا إلى بناء صدقاتهم مع أفراد جنسهم على الرغم من أنها تتسم بالمرونة والتغيير المستمر، وأن متغيرات العمر الزمني والاجتماعي والنشاط البدني له تأثير في بناء الصداقات بين الجنسين معا؛ إلا أنه بخلاف ذلك لم يشكل التشابه في طول القامة والانبساط وجاذبية الشخصية والذكاء وكثير(ة) الضحك عاملا مؤثرا في بناء الصداقات.

أوضحت دراسة أخرى، أن قلة الإشراف أو الضبط أو الاكتظاظ والمكان الضيق للعب يؤدي إلى احتمالية حدوث السلوك العدواني، الذي ربما قد يتحول إلى إحباط في استجابة الطفل (التوقف عن العمل) مع تفضيل عدم التدخل في تسوية الخلافات التي يمكن حلها ذاتيا؛ ما عدا في الحالات التي تستدعي ذلك، فقد يكون التدخل عن طريق شد انتباه المتشاجرين إلى موضوعات أو أشياء أخرى دون إجبارهما على التصالح والتوقف. فالسلوك العدواني هنا لا يرتبط فقط بالفروق الفردية بحسب بعض الباحثين؛ ولكنه أيضا مرتبط بالبيئة الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، أسفرت نتائج دراسة مطبقة على 40 مشاجرة وقعت بين الأطفال ما قبل سن المدرسة، أن الأطفال الذكور كانوا أكثر جدالا مقارنة مع الإناث، وأن الأطفال الأقل سنا كانوا أكثر شجارا واستدامة فيه، كما أن الأطفال يتشاجرون مع أفراد جنسهم ومع من هم أقل مستوى من عمرهم؛ بحيث يميل الصغار إلى مواجهة السلوك بأقل عدوانية مقارنة مع من يكبرونهم سنا. فانفعالات الأطفال لوحظت بأنها تكون قصيرة وتنتهي بسرعة وبأن المشاحنات تزودهم بفرص تعلم أشياء جديدة؛ مما يفترض السماح للأطفال بالاحتكاك وتجريب المرغوب وغير المرغوب بما يساعد في عملية التطبيع الاجتماعي.

إن جانبا من المواقف التي يستجيب لها الطفل ولا تكون معقولة نسميها "اللعب"، فهي تلعب وظائف أساسية، منها: أولا تصريف الطاقة في مقابل الإحساس بالإحباط نتيجة تقييده، ثم ثانيا، تعلم المهارات الجديدة في مقابل اكتساب الكفاءة "كتعلم طريقة المشط مثلا"، وأخيرا الرغبة في التدريب على نوع من السلوك الواقعي أو المتخيل؛ مثل لعب أداور مهنية معينة مثل "طبيب"، أو "معلم" بمسرحية وغير ذلك، وهذا يؤدي إلى مفهوم "التنميط الجنسي" حيث يبدأ الوعي باختلاف أدوار الجنسين مع التحاق الطفل إلى رياض الأطفال.

تشكل خصائص الانفعالات (الفرح، الغضب، الحزن..) أحد الأبعاد الشخصية للطفل، والتي تقتضي منا تشجيع الأطفال على التعبير على ما يراود خواطرهم بحرية وصراحة في الحدود المرغوبة، مع التّوجه لهم بأسئلة عن الأسباب الوجيهة التي أدت بهم إلى الأفعال المقترفة. فقد وجدت جون انف (Goodenough)  أن الأطفال الذكور في سن الثانية تعترضهم صعوبة كبيرة في السيطرة على "النوبات الانفعالية"، كالغضب الذي يعتري مزاجهم. كما أن هذه النوبات الانفعالية للغضب تزداد مع الصراع على السلطة بين البالغين وفي حالة ارتفاع عدد البالغين في الأسرة، وهي تكثر أيضا عن الأطفال المرضى، والمتعلمين، والذين لديهم صراع؛ إلا أنها تنخفض في وسط النهار وتتراجع أكثر في فترات المساء، حيث يشعر فيها الطفل بالتعب والجوع، وأما بالنسبة للآباء فيضاف على هذين الأخرين مشاعر التوتر.

إن الحركات المفاجئة وغير المتوقعة تقل مع تقدم العمر، في حين أن المخاوف والأوهام والمخاطر تزداد مع تقدم في العمر. فالمخاوف التي تعترض الأطفال يصعب التنبؤ بها؛ لأن الفروق الفردية عند الأطفال قد تجعل بعض الأشياء مخيفة بالنسبة لهم وقد يكون العكس بالنسبة للآخرين، وهذا راجع بالأساس من خلال تجربة تعميم المثير إلى مستوى الذكاء أو الغباء الذي يميز الطفل عن غيره.

قدمت ماري جونز (Mary C. Jones) أساليب علاجية حول مخاوف الأطفال، ومن بينها: نجد التخلص من المخاوف عن طريق عدم تذكرها أو استخدامها مع الإشارة على أن هذه الطريقة العلاجية تبدو نسبية. أما الطريقة الثانية، فهي تتعلق بالحديث عن المخاوف ومحاولة إغراء (الإثابة) الطفل لفظيا؛ لكن هذه الطريقة لا تصلح مع الأطفال الصغار جدا.

تبدو طريقة التوافق السلبي، أي تكرار المثير كثيرا، أكثر فعالية للأطفال الأصغر سنا؛ إلا أن طريقة قمع الخوف عن طريق السخرية من الطفل ونفقده هي تزيد الخوف ولا تزيله. أما طريقة تشتيت انتباه الطفل وتقديم نشاطات بديلة، فهي تفيد في بعض الحالات ولكنها ليست مرضية. كما أن طريقة الإشراط، حيث يتم ربط موضوع مرغوب فيه بموضوع يخافه فهي عموما تستغرق مدة طويلة. وهناك طريقة أخرى للتخلص من المخاوف فهي معروفة بالتقليد الاجتماعي، وفيها يتم وضع الطفل الخائف من نفس العمر مع الأطفال الذين لا يظهرون نفس المخاوف. وأخيرا طريقة التدرج؛ مثال صعود سلم يرتفع عن الأرض بمتر وبعد ذلك يتم رفعه تدريجيا إلى أكثر من ذلك حتى يصبح أكثر ألفتا واعتياديا.

تجدر الإشارة إلى أهمية الغيرة التي تنشأ بين الأطفال تجاه معلمتهم في رياض الأطفال والابتدائي، حيث يكون هناك تنافس بينهم في مسألة الحصول على عطف المعلمة، وهذا ما يستوجب توزيع المعلمة لنظراتها على الجميع بدون تمييز؛ ولأن شعور الطفل باهتمام زائد وواضح من طرف معلمته يؤدي من الطبيعي بأن يشعر الآخرون بالاستياء والغيرة والحسد على ذلك.

في الخصائص المعرفية يزداد النمو اللغوي سريعا عند البنات أكثر من البنين في العشر الشهور الأولى. فإلى جانب دور البيئة والتفاعل مع الآخرين، فإن القدرة على المشي يصبح لها دور كبير في اكتساب مهارات اللغة، خصوصا ما بين سن الثانية إلى سن الثالثة والنصف، وأن الطفل في سن الثامنة يكون قد اكتسب النطق على درجة متساوية مع الراشدين.

يجب تشجيع الطفل على اكتساب مهارات الاستماع والإنصات والتحدث عن تجاربه أمام أصدقائه في رياض الأطفال. فالأطفال وإن كان منهم من يجد صعوبة في التفريق بين الواقع والخيال، إلا أنهم دائما يحاولون أن يتجاوزوا سيطرة الراشدين باستخدام خيالهم وأحلامهم التي تتجاوز الحدود الزمانية والمكانية، كأن يروا العصا جوادا من أجل إشباع رغباتهم من جهة، ومن جهة ثانية من أجل تخفيف القيود والضغوطات الممارسة عليهم من قبل الراشدين بأساليبهم التعليمية. لذلك يفترض من المربين أن يكونوا مشجعين على التخيل في اللعب وفي حكاية القصص والرسم، بدل تشبتهم إلى جانب آبائهم بتنمية اكتساب قواعد النطق والكلام التي قد لا تكون صحيحة دائما كما هو محصل في نتائج تجارب روجر براون (Roger Borwn).

إن ارتفاع الكفاءة عند الأطفال أو الرغبة في تطويرها ينبغي التفاعل معهم بكثرة وبأساليب متنوعة عبر أشكال من التواصل؛ مثل إظهار الاهتمام بما يفعلونه ويقولونه، وبالسماح لهم بالاعتماد على ذواتهم في القيام بعمل الأشياء مع وضع وتبرير حدود السلوكات غير المقبولة، وأيضا إظهار إنجازات الطفل على أنها موضوع إعجاب وتقدير، بالإضافة إلى التعبير لهم عن الحب بطريقة مخلصة ودافئة.

لقد وجدت بومرند Dania baumrind  عام 1971 أن أسلوب التنشئة الاجتماعية الحاسمة يؤدي إلى محاكاة نموذج كفاءة الآباء واكتساب الثقة في قدرات الطفل،  بخلاف التنشئة الاجتماعية المتسامحة، فقد كانت سلوكات الأطفال غير منظمة وغير متسقة وتنقصهم الثقة وهي نفسها التي كان يتصف بها الآباء، أما النموذج التسلطي فهو أدى إلى الشعور بعدم الأمن والاستياء والخوف من العقاب على الرغم من أنهم قد يقومون بالعمل المطلوب منهم.

2. الخصائص العمرية في مرحلة الابتدائي

لعل من السمات التي تظهر على الأطفال الملتحقين حديثا إلى المدرسة الابتدائية، هو ظهور أشكال من التوترات والعصبيات؛ مثل "قضم الأظافر، ومضغ الأقلام، وفتل الشعر، والتململ وعدم الاستقرار في الجلوس" ونحو ذلك؛ بحيث يمكن أن يؤدي أسلوب النظام الشديد من طرف المعلم إلى تأثير على تعلمات أو منتوج المتعلم. لذلك فإن التقليل من النشاط الزائد أو المشتت أو المكوث طويلا في الجلوس، يمكن استثماره في جوانب عديد؛ مثل منح فترات الراحة وإحضار الأوراق إلى المكتب، أو طلب فعل الكتابة على الهواء والقيام بالأعمال التطبيقية وقوفا.

نظرا لأهمية الراحة في مرحلة التعليم الابتدائي كإجراء وقائي للتعب والإرهاق الذي يصيب الطفل بعد فترات التركيز العقلي بمواد كالرياضيات، فإن تخطيط لبرنامج أنشطة هادئة، كقراءة قصة، أو الرسم مثلا، فهو يشكل أسلوبا مفيدا في عملية التعلم والتعليم. ونظرا لأنه ما تزال سيطرة العضلات الكبيرة أفضل من التآزر الحركي الدقيق (أنامل الأصابع مثلا)، فإنه من الصعب خاصة على الأولاد أن يتحكموا في الكتابة بالقلم. لذلك تكمن أهمية الوعي بعدم تكليف الأطفال في المرحلة الثالثة بالكتابة في آن واحد.  ففي فترات التدريب الطويلة جدا، فإن المهارات قد تتدهور وقد ينمي الأطفال اتجاها سلبيا نحو المدرسة عموما والكتابة خصوصا.

لا تتكيف العينان تكيفا تاما مع الحروف الصغيرة والأشياء الدقيقة في المستوى الأول أو الثاني ابتدائي إلا بعد حوالي الثامنة من أعمار الأطفال. ولا يكون نمو المهارات العضلية، إلا عند بلوغ الصفوف العليا من المدرسة الابتدائية؛ بحيث يستطيع الطفل السيطرة على الحركات الدقيقة بأنامله وهذا ما تتطلبه الكتابة والرسم ودروس الخط من سن السابعة إلى الثانية عشر حسب دراسة تجريبية، وأيضا عدم تكليفهم بالقراءة للحروف الصغيرة لمدة طويلة من الزمن لما قد تبدو عليهم من علامات التعب؛ مثل حك العينين... إلخ.

إن نظام العظام وأوتار العضلات لا تتحمل الضغط أو الثقل بالنسبة للأطفال، لذلك يفضل المحاولة لاستبدال الأدوار في لعب الرياضة المنهكة للقوى "ومن المعلوم أنه بسبب ترسبات الأملاح المعدنية المختلفة وخاصة فوسفات الكالسيوم، تكون عظام الأطفال في الثانية عشرة أقوى من عظام طفل في السادسة ولكنها أسهل في الكسر، ويفقد الطفل المتوسط في سن السادسة أسنانه، ولكنه ما أن يبلغ الثانية عشرة حتى تكتمل ويتزايد ضغط الدم، ويتناقص معدل النبض، ومن تم يحتاج الطفل إلى طعام بكميات أكثر ويصاحب هذا تزايد في النسيج العضلي" مع ازدياد في قوة التحمل عند الأولاد. ويستمتعون باللعب الخشن، والدخول في منافسات قد تلحق الأذى والضرر بهم مع أقرانهم رغبة في إظهار رجولتهم.

في الثانية وعشرة يستطيع الطفل أن يكتب لمدة طويلة وممارسة أنواع النشاط التي تتطلب إلى دقة في الأداء . كما تظهر زيادة مفاجئة في النمو عند معظم البنات والأولاد ذوي النضج المبكر بين سن الحادية عشرة والرابعة عشرة، وفي مستوى الطول والوزن بنسب متفاوتة. وأيضا تصل كثير من البنات إلى مرحلة البلوغ؛ فيشيع بين البنات الاهتمام بموضوع الجنس وحب الاستطلاع بين 9 سنوات و16 سنة، وأما الأولاد فإن متوسط عمر البلوغ هو 14سنة، والمدى يتراوح بين 9 سنوات إلى 18، مع إشارة إلى أن الأولاد في الأرياف يبلغون مبكرين بنصف عام مقارنة بالحضر، وإن عوامل البيئة تؤثر في سرعة البلوغ وبطئه، كالتغذية والجو... إلخ.

ترتبط عملية البلوغ الجنسي، أولا بناحية الخصائص الجنسية الأولية التي تكون فيها أعضاء الجهاز التناسلي صغيرة الحجم وعاجزة على القيام بوظيفتها الجنسية، وعند البلوغ يطرأ تغيير في الحجم والقدرة على الإخصاب، ثم ثانيا من ناحية الخصائص الثانوية، تطرا تغيرات ظاهرة على الفتاة من استدارة المنطقة التي "تعلو الفخذ، وبروز الثديين وكبر الأرداف فجأة"، ولهذا تجد الفتاة في حالة الخجل أثناء اللعب وهي تحاول انقاص وزنها أو إخفاء الشعيرات التي قد تبدو في أحد أطراف جسمها كاليد أو القدين، وقد تحاول أيضا إخفاء حجم قدميها بارتداء أحذية صغيرة. وشأن ذلك أيضا بالنسبة للذكور كظهور للشعر في الذقن وفوق الشفة العليا وخشونة الصوت وغيرها.

من جهة الخصائص الاجتماعية عند الأطفال يصبح في هذا المستوى من النمو هاجس الاختيار وانتقاء الأصدقاء ويمكن في هذه الفترات العمرية استخدام مقاييس العلاقات الاجتماعية (سوسيوغرام) لفهم علاقات المتعلمين فيما بينهم. والأطفال يحبون الألعاب المنظمة في جماعات صغيرة كتقسيم القسم إلى فريقين؛ بحيث هم يصبحوا أكثر تحمسا وتنافسا لروح الفريق وأيضا أكثر اهتماما بالقواعد، مما يستوجب أهمية توجيههم بأن اللعب هو متعة؛ خصوصا أن المشاجرات ما تزال متكررة إلى جانب استخدام الكلمات أكثر من العدوان الجسدي.

يحضر جانب الانتماء الطبقي الذي قد يؤثر في علاقات المتعلمين وفي اكتساب الأساليب الاجتماعية الجيدة، نتيجة للاتجاهات التي قد تسيء إلى أبناء الطبقة الدنيا؛ كشكل اللباس مثلا، فالسمة القيادية للطفل ذي المكانة العالية تلقى استجابة وتقليدا من الآخرين، حيث كشفت دراسة العلاقات الاجتماعية بالمدارس أن الأطفال يحتفظون بمكانتهم من جانب الشهرة من سنة دراسية إلى أخرى.

كما أن الطفل الذي نشأ في جو أسري غير عاطفي وغير آمن تكون حاجته للتقبل والعطف شديدة من قبل الآخرين، ويكون أكثر شغفا وحماسا في التمسك بقيم الجماعة التي قبلته في أن يكون بها عضوا, وربما قد يميل الأولاد إلى الإسهاب في النقد وتبادل الكلام المشين ونشوء العداوة مع جنسهم الآخر من خلال إدراك اختلاف أدوارهم في المجتمع، "وينبغي أن نتجنب التنافس بينهما"، والملاءمة في النشاط للجنسين، وهذا ما يقترحه تايلر من خلال دراسته لمائتين من أطفال الصف الرابع، حيث أن الذكور يرفضون نشاطات الجنس الآخر ويتجهون إلى الألعاب الرياضية والمهارات الحركية العنيفة والمكانيكا والعلوم، في حين أن الإناث يهتمن بالملابس والطبخ وتنسيق الزهور والموسيقي والفن.

يبحث الطفل عند القدوة، فيكون أكثر تأثرا وإعجابا بالأبطال (عالم، معلم، ممثل، لاعب...)، وينفق وقتا طويلا في تقليد الكبار وتبني سلوكهم ويزوده ذلك المهارة والثقة أكثر في الذات. وما بين السادسة والثانية عشر ينمو الاستدلال وتحليل العلاقات بقراءة لغة الجسد وكشف المشاعر الداخلية للآخرين مع إمكانية استغلال نقط ضعفهم، وفي حالة تعذر ذلك على الطفل يصبح الأمر مهما للتدخل وإبعاد الطفل عن العزلة الاجتماعية؛ مثال عدم تسامح طفل مع طفل آخر دفعه بغير قصد.

وجد بياجي في مرحلة النمو الخلقي بأن الأطفال يجدون متعة في وضع القواعد وتطبيقها بقسوة على الخارجين على نطاقها إلى حد أقصى العقوبة فيما بينهم، وهذا يقتضي مشاركتهم في وضع قواعد تطبيقية عملية معتدلة ذو فاعلية على خلاف ترديد الأناشيد التي توحي إلى القواعد الأخلاقية كالأمانة؛ لذلك يفضل في هذه الحالة، على سبيل المثال أن تسقط ورقة نقدية ويتم استرجاعها إلى صاحبها.

علاوة على ما سبق، تبرز الخصائص الانفعالية التي يكون فيها الأطفال في هذا المستوى العمري كما سبق، أكثر إيذاء وهجوما نتيجة قوة تنبههم لمشاعر الآخرين (مثال: السخرية من جماعة القسم أو نقد المعلم). ففي هذه المرحلة يكونون حساسون للنقد والسخرية، إلا أنهم يجدون صعوبة في التوافق مع الإخفاق، وهم يحتاجون أكثر إلى الثناء والتقدير. كما أنهم يستمتعون بتحمل المسؤولية وأداء خدمة لمعلمهم (مثال: من يمسح السبورة، من يوزع الأوراق..)، وقد يكون تلافي أسباب جنوح الأحداث بإشراكهم في اقتراح نظام القسم، لأن إضرابات السلوك تكون أكثر حدة في المستويات الأخيرة من التعليم الابتدائي (الكذب، الأنانية، السرقة، التنافس، وعند البنات الخجل، الخوف، والحساسية الزائدة، التذبذب..).

إن هذا في المستوى العمري يكونون أقل اعتمادا على الأبوين في اشباع حاجاتهم، وأكثر شغفا بالتعلم وحب الاستطلاع لكل ما يدور حولهم والبحث عن فرص للكتابة والكلام؛ لذا نجد بياجي يشير بأن حوالي سن السابعة والثامنة يكون هناك تحول من الكلام التمركز حول الذات إلى الكلام الاجتماعي، وقد يحدث ان يتلفظوا بكلام سوقي بهدف إثار انفعال الآخرين؛ مما يحتاج ذلك إلى توجيه وتفسير على أنها غير سارة وعلينا ألا نستخدمها. وقد يحدث أيضا مع المعلم أن يطرح عليه أحد المتعلمين سؤالا لا يملك جوابا عنه، مما يستوجب عليه في هذه الحالة عدم إخفاء جهله، لأن ذلك يسهم في فقدان الثقة، كما قد يكون المتعلم يعرف في موضوع قد لا يعرفه المعلم، مما يستدعي تشجيعه على إتاحة فرصة له لزيادة المعرفة مع زملائه الآخرين.

تتفوق البنات في الطلاقة اللفضية وفي القراءة وإجراء عمليات الحساب مقارنة بالذكور. ونتيجة لعناية الأم بالبنات أكثر من الذكور تكون هناك صعوبة في تحقيقهن للاستقلالية. وإن "الوعي بأساليب التصور لفهم الفروق الفردية في طريقة استجابة" يبدو من الأسلوب المعرفي والجنسي بحسب نتائج بحث أسفر على أن بعض الأطفال مندفعين تكون استجاباتهم سريعة؛ بحيث يؤدون أداء أفضل في الأعمال التي تتطلب تفسيرات شاملة، بينما البعض الآخر منهم كانوا متأملين؛ بحيث يبدو أنهم يفضلون تقويم الإجابات البديلة وتقديم الصحيحة وأداء أفضل في الأعمال التي تتطلب تحليل التفاصيل.

3. الخصائص العمرية في مرحلة الإعدادي والثانوي

إن التفاوت في النضج المبكر وفي الخصائص الجسمية الأخرى تبدو هائلة على سبيل المثال في طول القامة أو قصرها، حيث تأخر هذا الأخير يشكل مواجهة عصيبة في محاولة التكيف مع هذا الوضع بالنسبة للذكور خصوصا، وقد يظهر ذلك من خلال مشاركتهم في الأنشطة الرياضي. وإن الخصائص الجنسية الثانوية تصبح في هذه المرحلة أكثر وضوحا، وتكتسي التربية الجنسية أهمية بالغة في هذه المرحلة (مثال: البنات يحتجن إلى معلومات دقيقة عن دورة الحيض).

ينتج عن هذا النمو السريع في السنوات الأولى من فترة المراهقة عدم قدرة المراهق في التحكم بحركاته، ويزداد إحساسه الشديد بنموه المفاجئ واهتمامه الزائد بمظهره، ويبدو عليه التعب بعد أي مجهود يبذله, والكسل والخمول مقارنة مع مراحل طفولته. وما يصاحب التغيرات الداخلية يكون لها تأثير أيضا على صحة المراهق، حيث يصبح أكثر تعرضا للإصابة بالأنيميا، والتي تقل في الفترات الأخيرة من المرهقة. كما هذه المرحلة العمرية تقتضي نظام غذائي متوازن وبعيدا عن المواد الغذائية المصنعة (كالإكثار من شراب كوكا كولا).

المرهق تزعجه ذاته حينما لا تتفق مع ما يتصوره كظهور حب الشباب مثلا، فهو يبدل جهدا كبير في إزالته وقضاء وقت طويل في انشغاله بمظهره. ففي النضج الجنسي "يرى كنزى في تقريره المشهور أن الدافع الجنسي عند الذكور يصل ذروته في سن 16 ،17. ومع قوة الدافع الجنسي وما يفرضه الدين والأخلاق والمجتمع من قيود على إشباع هذا الدافع، ينشغل كثير من الشباب بهذا الموضوع". ولتجنب العادات السلبية التي قد تنتج، فإنه يقتضي ذلك إشباع الكثير من أسئلتهم واستفهاماتهم للتعرف على الأضرار التي قد تنتج عن الأفعال مثل (الاستمناء، والمعاشرة الجنسية المثلية، وبعض الأمراض التناسلية ومدى خطورتها عن طريق المحاضرات والمناقشات العملية)؛ مما يفضل قضاء وقت فراغه في ما يشبعه كلعب رياضة معينة.

أما الخصائص الاجتماعية، فإن بعضا من تمظهراتها تكمن في البحث عن جماعة تستجيب لنموه الاجتماعي (يفهمها وتفهمه)، وهي تساعده على نموه الاجتماعي مثل التدرب على الحوار وتنمية علاقاته، ومهاراته، وكشف نقاط ضعفه، ونقاط قوته. ونظرا لرغبة المراهقين من الاستقلال عن الراشدين، مثل علاقته بالأستاذ فعليه بتشجيعهم على وضع مجموعة من القواعد الصفية وتقدير مدى استعدادهم لتحمل المسؤولية والتزام بالقرارات.

يبحث المراهق على أن يكون مقبولا اجتماعيا من طرف الآخرين، وهذا يشبع حاجته إلى الأمن النفسي الذي هو أساس العمل والنجاح. ويكون مائلا إلى تقليد الجماعة في لباسها وشكلها بحثا عن حاجة تدل على انتمائه. ويهتمون برأي الآخرين تجاههم؛ مما قد تنتج عن صراعات ومشاجرات عنيفة، وقد يحل الأصدقاء محل الآباء في أمانة أسراره. وأيضا قد يهتم بعضهم بالبحث حول معرفة موقف الجماعة صراحة تجاه الأخرين بهدف تقويم جوانب القوة أو الضعف لديهم.

 كشفت دراسة أحمد زكي صالح أن نسبا كبيرة تتجه نحو الرغبة في جذب اهتمام الجنس الآخر ومعرفة السلوكات الاجتماعية المناسبة في اللقاءات التي تجمعهم. والاهتمام بمعرفة مواضيع الزواج والحياة الزوجية المستقبلية.. وهناك تأثير البنات على الزي ونوع الحلاقة وتأثرهن بالآباء أكثر في القرارات التي لها علاقة بالمستقبل كاختيار المهنة؛ خصوصا إذا كانت علاقتهن مع آبائهن مبنية على احترام وحب متبادل بينهما.

لعل الخصائص الانفعالية تبدو أكثر في الصراع الداخلي الذي يحدث عند المراهقين من سرعة التقلب في المزاج، فتجدهم تارة يكونون في حالة فرح، وتارة أخرى يكونون مكتئبين ويائسين. وهم يقبلون على الدين ويلتمس فيه حلا لمشكلاتهم. فعلى الأستاذ أن تكون معاملتهم كراشدين وتجنب نعوت مثل؛ أنثم ما زلتم صغار..

إن الأسرة تتوقع من المراهق الاعتماد على نفسه أو القيام ببعض المسؤوليات التي لا تتناسب مع قدراته ومستوى شعوره مما يسبب له الاضطراب والقلق والشعور باهتزاز في ثقته بنفسه، وقد يحاول إخفاء هذا النقص إلى اللجوء للصخب والصياح. ويحب دائما التخلص من التبعية الطفلية والاحساس بالحرية والاستقلالية ربما خارج البيئة المدرسية أو الأسرية.

قد تنشأ عوامل نوبات الغضب نتيجة الاجهاد الزائد أو نقص الغذاء السليم وفي قلة النوم، ولعل أفضل الطرق التي تقلل من نوبات الغضب تقديم له كلمة طيبة أو تغيير موضوع النقاش. فالمراهقون يكونون أكثر تشددا وتمسكا بآرائهم معتقدين أنها مطلقة وتزيد من ثقتهم بأنفسهم وهم دائما في البحث عن أخطاء الآخرين لنقدها (أسلوب الأسرة في التعامل، المدرسة والمجتمع..)، وهذا يدعو إلى لفت الانتباه إلى التربية على تقبل الآخرين ليطوروا من أفكارهم. والمراهقون تكون نظرتهم أكثر موضوعية تجاه آبائهم وأساتذتهم وقد يغضبون لأنهم ضللوا أو خدعوا من أشخاص عاديين لهم قصور في نواحي معينة. ومن الطرق الممكنة لتصحيح ذلك دعوتهم إلى كتابة مشاعرهم السلبية تجاه سلطة المدرس؛ وهذا يعتبر آلية لفهم وتعرف أشكال التمرد التي تتطلب احترام بعض القيود المعيارية التي تحد من حريتهم، وإن كان التمرد هو نتيجة انتقالية من الطفل إلى المراهق.

تظهر الرغبة في تزايد استقلالية المراهقين لكي يصبحوا راشدين، وهي ربما قد تؤدي بهم إلى صراعات مع الآباء؛ مما قد يتطلب من الأستاذ القيام بمشاركة وجدانية لمشكلاتهم. وإن أكثر انفعال شيوعا عند المراهقين هو الاكتئاب، حيث يمكن أن يظهر من السنة التاسعة إلى الخامسة عشر من أعمار البنات حسب رتر Rutter، فقد وجد على أنهن أكثر اكتئابا مقارنة بالأولاد؛ ومرد ذلك أن الإناث لديهن ميل أكبر إلى الذكور للتعبير عن اضطرابهن الانفعالي بالاكتئاب الذي يجعلهن أقل شعورا بالسيطرة على حياتهن. ولعل المساعدة على التركيز على الأهداف التعليمية والمهنية يفتح لهن أفاق العمل أمامهن ويؤدي إلى السيطرة على الذات و تحقيق الاستقلال.

من الأعراض الشائعة للاكتئاب مخالفة القانون كتخريب الممتلكات العامة في المدرسة، أو بسبب فقدان أحد الأشخاص أو التقليل من قيمة الذات -جوانبه المعرفية مثل نظرة سلبية نحو الذات والعالم والمستقبل "بك A. T. Beck- ونوبات البكاء والتفكير في الانتحار (صعوبة السيطرة على النفس)، والقرب أكثر من الآخرين أو الابتعاد عنهم. وعند المراهقين أقل سنا نجد التعب وصعوبة التركيز والوساوس المرضية، وقد يؤدي بهم ذلك إلى التماس العون في تعاطي المخدرات.

نلمح الخصائص الانفعالية في قدرة المراهق على تملك مهارة الانتباه واستيعاب المشكلات المعقدة، كما يستطيع فهم العبارات أو المفاهيم المجردة بدرجة متزايدة؛ مثل فهم معنى الشر والخير ومعنى العدالة والظلم. وأيضا حل المشكلات بالتوجيه نحو فرض الفروض والى التحليل المنطقي. ويزداد التذكر أكثر ارتباطا بالفهم وأيضا التخيل، حيث يميل إلى الرسم والموسيقى والكتابات الأدبية المتنوعة، وإلى أحلام اليقظة التي يجد فيها متنفسا لحاجاته وإشباعه لها؛ مما يستدعي تشجيعهم على الأحلام المفيدة في المستقبل، والتي قد تتناول نوعا من المهنة التي يرغب فيها أو تقديم لهم المهارات في حل المشكلات.

 لذلك فإن نقص الخبرة لديهم في هذه المرحلة مقابل كفاءاتهم العقلية المتزايدة تعوق من قدراتهم على استخدام ما يعرفونه. وهنا تبدو أهمية المناقشات في المسائل الأخلاقية والسياسية والدينية التي قد تهدد شخصيتهم؛ مما يجعل تنمية الفهم الجيد لديهم أمرا مهما في اكتساب الخبرة التي تساعدهم على تنمية فلسفاتهم في الحياة واستيعاب المفاهيم المجردة للعواطف والانفعالات التي تصورها القصص والمسرحيات والشعر.

محمد أصبان: باحث وأستاذ في علم الاجتماع

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟