فلسفة وتربية

مقدمة
اذا اردنا تعريف للاختصاص الفلسفي بطرح الأسئلة الجدية المحيرة وترك الأجوبة العادية الفارغة فإننا نذكر الحادثة التالية: " أحد المارة يسير في الشارع ويسأل أحدهم عن الوقت. فيجيب الآخر، الفيلسوف: “ولكن ما هو الزمن؟ ". ولتحديد طبيعة كل شيء نحتاج الى معرفة خصائص الفلسفة والبحث عماهي؟

أولا: طبيعة الفلسفة

1° لكل إنسان فلسفة عفوية.

الفلسفة هي نظام جديد بالنسبة لك. ربما لاحظت أنه يثير فيك أو في من حولك الفضول والخوف معًا، ولكنه أيضًا يثير سخرية متنوعة (راجع الشخصية الكاريكاتورية لبانغلوس في "كانديد" لفولتير الذي يدعي أنه يعلم "علم الميتافيزيقيا واللاهوت وعلم الكونيات"). الفضول لأن الكثير من الناس يشعرون أنه يتطرق إلى أسئلة أساسية دون معرفة أي منها بالضبط. السخرية، لأن الفيلسوف معروف بكونه شخصًا، يغذي نفسه بالتجريد، وغالبًا ما يكون غير مناسب للحياة العادية، ويطرح أسئلة بعيدة كل البعد عن هموم الحياة اليومية ويقترح إجابات معقدة وغير مفهومة للبشر العاديين. لتوضيح أي سوء فهم، لنبدأ بملاحظة بسيطة: أنت وكل شخص تعرفه لديك آراء في مجموعة واسعة من المجالات. يشير كل واحد منا إلى القيم الأخلاقية، على سبيل المثال عندما نعجب بهذا السلوك أو ذاك أو نشعر بالفزع منه، أو عندما نتحدث علنًا عن قضايا حساسة مثل عقوبة الإعدام، والقتل الرحيم، وحماية البيئة، والأخلاق، وما إلى ذلك. كل هذه الآراء تسترشد بفكرة معينة عن الخير والشر، بقناعات حميمة، ورثناها بالتأكيد من تعليمنا، من بيئتنا، لكننا صنعناها بأنفسنا. إن مجموعة هذه الآراء، التي نعتبرها مبررة بصدق، والتي توجه حياتنا وتنظمها، تشكل فلسفة. على هذا النحو، كل إنسان هو فيلسوف ويمارس الفلسفة كما نثر السيد جوردان، أي دون أن يعرف ذلك، بل والأكثر من ذلك: الجميع يسألون أنفسهم أسئلة فلسفية، سواء حول الموت أو السعادة أو الوقت أو حتى أصل الأشياء.

2° الفلسفة العفوية والفلسفة النقدية

كل هذه الآراء تشكل فلسفة عفوية. هذا لا يعني أن الأشخاص المعنيين لا يفكرون، لكن آرائهم تعتمد في معظم الأحيان على التقاليد والتعليم الذي تلقوه والخبرة الحياتية والتأثيرات التي مروا بها وليس على تفكير منهجي وشخصي من شأنه أن يربط بين هذه الآراء المختلفة ويربطها. وربطها بمبادئ مشتركة ومدروسة بعناية والتي اعتدنا أن نسميها بأسماء الأسس. ليست هذه الآراء مجزأة ومستقلة عن بعضها البعض فحسب، بل إنها لا تجد مبررها وتماسكها ووحدتها بالنسبة إلى المبادئ الأولى التي ندركها، والتي تنتج عن تفكيرنا الشخصي والتي نلتزم بها بشكل عام. مدروس ومعقول. ومن ناحية أخرى، إذا اتخذنا هذه الخطوة لإعادة اكتشاف الجذور المشتركة لجميع آرائنا من خلال طرح السؤال النقدي على أنفسنا: "من أين يأتي ما أفكر فيه وما أؤمن به؟ "، ثم انتقلنا إلى فلسفة صريحة واعية بذاتها (ولم تعد عفوية)، باختصار إلى موقف فكري ونقدي نحتفظ له عادة باسم الفلسفة. لقد صاغ الفيلسوف الإيطالي غرامشي هذا السؤال بشكل مشهور: هل من الأفضل أن "نفكر" دون أن يكون لدينا وعي نقدي به، بطريقة مفصلة وعرضية، أي "المشاركة" في تصور للعالم "المفروض" ميكانيكيا من قبل العالم الخارجي، في بعبارة أخرى من قبل إحدى المجموعات الاجتماعية العديدة التي يرى كل فرد نفسه منخرطًا فيها تلقائيًا منذ دخوله إلى العالم الواعي ... أم أنه من الأفضل تطوير تصوره الخاص عن العالم بطريقة واعية ونقدية وبالتالي فيما يتعلق بـ هذا العمل الذي يدين به المرء لعقله... للمشاركة بنشاط في إنتاج تاريخ العالم، ليكون مرشدًا لنفسه بدلاً من القبول السلبي والجبان بوضع الختم خارج شخصيتنا؟ ".  مقتطف من غرامشي من “الكتاب 11” في دفاتر السجون، المجلد الثالث

تمهيد:
" يجب اعتبار الإنسان كائنًا حرًا، وجديرًا بالاحترام." عمانويل كانط

إذا كان بوسعنا أن نتحدث عن البشر والأشياء، فذلك لأن لديهم واقعًا ملموسًا لا جدال فيه، على الرغم من أنه من المحتمل جدًا ألا يكونوا موجودين. ولكننا لا نفهم أن نساوي الإنسان بالشيء، أو أن ننسب إليه نفس القيمة. فحتى أقسى المجرمين لا يمكن تجريدهم من مكانتهم كإنسان. لذلك هناك فرق جوهري بين الأشياء والبشر. لكن على أي أساس هذا الاختلاف؟ لماذا يبدو من المشروع إعطاء قيمة أكبر للأشخاص من الأشياء؟ هل يوجد البشر بنفس طريقة وجود الأشياء؟

 إن مجرد حقيقة الوجود، وحقيقة الموجود، لا يعطي الأشياء في الواقع بُعدًا استثنائيًا.

1. ما هو الشيء المشترك بين الأشياء والأشخاص؟

اولا. هذه هي الحقائق القائمة

كلمة "شيء" لها معنى واسع جدًا، وفي اللغة اليومية، تُستخدم للإشارة إلى جميع أنواع الكائنات. ولكن مهما كانت طبيعة هذه الأشياء، فإن كلاً منها يتوافق مع واقع ملموس ومحدد. كلمة "شيء" تأتي من الدقة اللاتينية التي أدت إلى ظهور كلمة "واقع" باللغة الفرنسية. ومن ثم فإن الشيء ينتمي إلى الوجود: الشيء هو، في مقابل العدم الذي، بحكم التعريف، ليس موجودا. ولذلك فإننا نفهم هنا من مصطلح "الوجود" الحقيقة البسيطة المتمثلة في معارضة كل ما هو غير موجود. وبهذا المعنى الواسع للغاية، يمكننا أن نؤكد أن الأشياء والناس موجودون: إنهم موجودون، لأننا نستطيع أن ندرك حقيقتهم عن طريق حواسنا.

ب. وجود محدود ومؤقت

لا شيء في العالم يمكن الحكم عليه بأنه أبدي – إن لم يكن الله، فلا يزال يتعين علينا أن نؤمن بوجوده. كل شيء قابل للتغيير والمرور. ومع ذلك، يمكن لأشياء معينة أن يكون لها وجود طويل جدًا (الجبال موجودة منذ ملايين السنين) وهو ما يتجاوز بكثير عمر الإنسان. لكن الطبيعة تخضع لإيقاع الصيرورة والتغيير الدائم. وهكذا، يرى أفلاطون أن كل شيء في الطبيعة له نمط وجود متقلب وعابر. بالنسبة له، الأفكار وحدها هي التي لها كائن دائم يفلت من الحركة. والإنسان ليس استثناءً: فهو بطبيعته كائن سريع الزوال وعابر. تميزه المحدودية: وجوده محدود، محدود بالولادة والموت. فالإنسان، على الأرض، لا يمر إلا عبر الأشياء تمامًا. حتى لو أراد ذلك، فلن يتمكن أبدًا من الهروب من هشاشة الوجود والوصول إلى الأبدية. ولكن إذا كان الإنسان محدداً بالواقع والمحدود، فلا يمكن أن نقول إنه اختزل إلى هاتين الصفتين.

يلج الطفل عالم المسرح متوسلا بميله الفطري إلى المحاكاة. تلك المهارة المتجذرة في طبيعته الإنسانية والتي تعتمد على الصوت والجسد في تقليد الآخرين، واكتساب المعارف الأولية، بالإضافة إلى التأثر بما يجري في محيطه. وهي في الوقت نفسه إحدى خواص الفن المسرحي، متى أحسن المدرس أو المنشط تحفيز أداء الطفل، وإعداده لتجربة متنوعة تعتمد الاستخدام الكامل لإمكاناته.

ليس الهدف بالضرورة خلق ممثل محترف، إذ يؤمن الطفل في النهاية بأن الأداء المسرحي هو لعبة للتنفيس عن توتره، وتنظيم انفعالاته، ومعالجة بعض مشاكله النفسية كالخجل وعيوب النطق. لكن ما الذي يمنع من الارتقاء بما يجري داخل الفصل الدراسي، أو في دور الشباب ومراكز الطفولة، إلى ممارسة واعية وممتدة، تتحرر من البساطة والتلقائية المعهودة لتربية الممثل الصغير؟

قدم المسرحي الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي منهجا وطريقة في تدريب الممثل، تهتم بتفجير ملكات المخيلة والإبداع. وهو يؤمن بأن الممثل الذي يستشعر الموقف الوهمي، لن يجد صعوبة في التجسيد وإظهار العواطف والانفعالات الملائمة. وتعتمد طريقته على استرخاء الجسم والصوت، وتركيز الانتباه، وتحفيز الخيال دون فرض قواعد أو نماذج مسبقة.

يرتكز إذن تدريب الممثل وفق أسلوب ستانيسلافسكي على:

  • الاسترخاء: وذلك من خلال تمارين يتم تنفيذها مع كل جزء من أجزاء الجسم على حدة، وتهدف لتقليل التوتر، والسيطرة التامة على الصوت والجسد. ويمكن تشبيه الاسترخاء هنا بعملية ضبط الآلة الموسيقية قبل العزف.
  • التركيز: ويتضمن اختيار الممثل لموضوع أو مشكلة محددة للتدرب عليها. ويخدم التركيز هنا عدة جوانب من بينها: عزل الممثل عن التشويش الخارجي، وتحرير العقل ليتمكن من خلق المشهد المتخيل، ثم العيش في الجو التمثيلي كأنه حقيقة واقعية" مثلا التدريب على حمل كوب من الشاي، حيث يستعين الطفل بكوب حقيقي، ثم يحاول أن يستعيد تلك الخبرة مع كوب خيالي، مستحضرا وزنه وملمسه والسخونة التي يسببها".

التحليل الاجتماعي هو أداة بالغة الأهمية لفهم وفحص الظواهر الاجتماعية المختلفة. وإذا كنت طالباً أو باحثاً في علم الاجتماع، فستحتاج إلى معرفة كيفية إجراء هذا النوع من التحليل إذا كنت ترغب في إنتاج بحث ثاقب     وسديد “.
كيف نولد المعرفة عن العالم البشري؟ كيف يمكننا تقديم ادعاءات صحيحة حول الظواهر الاجتماعية؟ الإجابة البسيطة هي إجراء تحليلات جيدة، بناءً على البيانات ذات الصلة. ولكن ماذا يعني إجراء تحليلات (جيدة) في العلوم الاجتماعية؟ يتضمن التحليل في العلوم الاجتماعية دائماً استخدام النظرية بطريقة أو بأخرى. ولكن كيف تتفاعل النظرية مع معطيات الظاهرة؟ كيف ينبغي لنا أن ننظر إلى النظرية في علاقتها بالبيانات الإحصائية؟ وكيف نستغل النظرية بشكل عملي في تحليلاتنا السوسيولوجية؟ هذه التساؤلات سنحاول الإجابة عنها باختصار شديد في هذا المقال.
إن البحث قد لا يزودنا دائما بالنتائج التي تتوقعها أو تريدها بل يعطينا شيئاً مما أشار إليه جون رونالد تولكين (1892-1973) J. R. Tolkein في مؤلفه سيد الخواتم The Lord of Range " " حيث قال " ليس أمامك سوى البحث، إذ كنت تريد اكتشاف شيء ما، ومن المؤكد أنك سوف تكتشف بعد أن تقوم بالبحث شيئاً ما، إلا أنه لا يكون دائماً نفس الشيء الذي كنت تسعى للوصول إليه ".

تعبّر المنهجية عن مجموعة من الخطوات المتعارف عليها بين العلماء، والتي يتبعها الباحث في محاولة فهمه للأمور والعلاقات في المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، والعرض الجوهري منها اكتساب المعرفة العلمية والوصول إلى حقائق تتمير بعنصرها الجاد والأصيل، ويعتبرها الفرنسي موريس أنجرس Maurice Angers مجموعة من المناهج والتقنيات التي توجه إعداد البحث العلمي وترتيب الطريقة العلمية. أي في دراسة المناهج والتقنيات المستعملة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

بناءً على ما تقدم يعتبر البحث السوسيولوجي تمرين أكاديمي يهدف إلى تعميق المعرفة وبناء قاعدة معرفية ابستمولوجية حول موضوع ما من خلال عملية التحليل السوسيولوجي، التي تسعى إلى فهم المادة المدروسة وما يحيط بها من أنساق معرفية، بالإضافة إلى التعبير عن المعارف المستنبطة والمستنتجة بلغة علمية موضوعية سليمة، بهدف توضيح المتغيرات الفاعلة التي تقف وراء حدوث الظاهرة المدروسة مما يؤدي إلى فهم معطياتها والتحكم بها وتوقع النتائج المترتبة عليها من خلال استخدام المنهج المناسب.

- مفهوم التحليل الاجتماعي: يُعرف علم الاجتماع بأنه الدراسة العلمية للمجتمع والسلوك الاجتماعي والتغيير الاجتماعي. بذلك يمكننا النظر إلى مفهوم التحليل الاجتماعي باعتباره أسلوب لدراسة المجتمع والتفاعلات الاجتماعية لفهم أنماطها وعملياتها وتأثيراتها على الأفراد والجماعات. وهو يتضمن فحصاً نقدياً للظواهر الاجتماعية وبنيتها الأساسية، بما في ذلك المعايير الاجتماعية، والمعتقدات، وبناءات القوة والضعف. كما يستخدم علماء الاجتماع مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك الملاحظة والاستطلاعات والمقابلات والتحليل الإحصائي، لجمع وتحليل البيانات حول السلوك الاجتماعي والاتجاهات الاجتماعية. وهو أيضاً أداة مهمة لفهم تعقيدات المجتمع المعاصر والقضايا الاجتماعية التي تؤثر على حياتنا. ومن خلال فحص التفاعلات الاجتماعية، يمكن لعلماء الاجتماع اكتساب نظرة ثاقبة للعوامل التي تشكل سلوكنا ومواقفنا، بما في ذلك الطبقة الاجتماعية والعرق والنوع والثقافة والانتماءات الاجتماعية والإيديولوجية. فعلى سبيل المثال، قد يقوم علماء الاجتماع بتحليل أنماط التمييز في مكان العمل أو فحص كيف تؤثر المعتقدات والقيم الثقافية على المواقف تجاه الصحة العقلية.

كتاب من تأليف يوسف شلحت (1977-1917)، والذي يصفه البعض بأنه مؤسس علم الاجتماع الديني العربي، صدر عن دار الفارابي بلبنان في العام 2003، وقد تناول من خلاله الكاتب أهم الجوانب المتصلة بالظاهرة الدينية من منظور علم الاجتماع. وسنعرض فيما يلي لأهم الأفكار والأطروحات التي تضمنها هذا العمل البحثي النفيس:

أولا: العناصر الأساسية للديانة

يشير الباحث إلى العناصر الأساسية التي تشكل قوام أغلب الديانات، وفي مقدمتها التمييز بين فئتين: الحلال، والحرام. فالحرام يحيل إلى الممنوع والمقدس الذي لا يجوز انتهاكه. أما الحلال فلا يُفهم معناه إلا بنقيضه أي الحرام، فهو شيء غير مقدس وغير محرم. هذا بالإضافة إلى عنصر العقائد بوصفها وسيلة اعتمدتها الديانات لتحفظ نفسها من أي شك منطقي أو إمكانية للنظر العقلي.

وتعد الأساطير مكونا أساسيا في عدة ديانات، إذ تحيل إلى "مجموعة تخيلات وتصورات عن الآلهة والدنيا، وعن علاقات الفرد بالمجتمع والطبيعة وما وراء الطبيعة، عبر عنها الإنسان بلغة شعرية، يمدها خيال قوي وثاب". إن الأسطورة ما تلبث أن تتضخم وتتشعب حتى تتحول إلى حقيقة بنظر معتقديها. كما عمد الإنسان القديم إلى إسقاط معايناته لأحوال مجتمعه على الكون والعالم الغيبي، فصوَّرَ لنا الآلهة وهي في حالة صدام وصلح وحياة وموت وغير ذلك من الصفات البشرية، ومن ثم فالأسطورة تعبر عن أحوال النظم الاجتماعية والعوائد والعقائد السائدة فيها. وصولا إلى عناصر أخرى مشتركة بين الديانات مثل: الصلاة، الذبيحة، النفس، المعبد، القبر.

ثانيا: النظريات المفسرة لنشأة الديانات

سعى المؤلف إلى التنقيب عن العوامل الاجتماعية والنفسية والعاطفية المفسرة لظهور الديانات، بدءا بالطوطمية التي تعد أول ديانة اعتنقها البشر في نظر العديد من الباحثين، بحيث كانت تدين بها القبائل البدائية التي تحيط طوطمها بالعبادة والتقديس، ويرمز الطوطم إلى "حيوان أو نبات أو شيء آخر يشترك في تقديسه أو عبادته أفراد قبيلة من القبائل ويتَسَمَّوْنَ باسمه ويعتقدون أنه جدهم الأعلى وأنهم من دم واحد".

ومن هنا يمكن اعتبار الشعور بالخوف السبب الرئيسي في نشأة الديانات، فقد كان الإنسان البدائي يقف حائرا وعاجزا أمام الظواهر الطبيعية التي تداهمه (فيضان، زلزال... إلخ) والحيوانات المفترسة التي تفتك به وتقض مضجعه، الشيء الذي جعله يقدسها ويعبدها اتقاء لشرها وجلبا لمرضاتها، لأن تفكيره البدائي كان قاصرا عن الإتيان بتفسير علمي منطقي لتلك الظواهر.

إن المواقف التي يتخذها الأفراد من أفكار ومعاني ومعتقدات وقيم يتعلمونها كأعضاء في المجتمع تحدد طبيعة الإنسان وجميع انتماءاته. فالأفراد هم ما يتعلمونه ويؤمنون به، حيث لا يضع أصحاب النظرة المتفائلة من الحتمية الثقافية أي حدود لقدرات البشر على القيام بأي شيء يريدونه أو أن يكونوا عليه. ويقترح بعض علماء الانثروبولوجيا أنه لا توجد " طريقة صحيحة " عالمية للوجود البشري. فالطريقة الصحيحة هي دائماً " طريقتنا "، وأن " طريقتنا " في مجتمع ما لا تتطابق أبداً تقريباً مع " طريقتنا " في أي مجتمع آخر. ولا يمكن أن يكون الموقف السليم للإنسان الذي يؤمن بالتعددية إلا موقف التسامح والتعايش مع الآخر، لأن الطبيعة البشرية قابلة للتغيير بشكل لا نهائي، وبالتالي يمكن للإنسان اختيار طرق الحياة التي يفضلها.

لكن بالمقابل يعتقد أصحاب النظرة المتشائمة من هذا التفسير أن البشر هم ما تمت تربيتهم عليه، وهذا شيء لا يملكون السيطرة عليه. فالبشر كائنات سلبية منفعلة تقوم بكل ما تمليه عليهم ثقافتهم المحلية. ويؤدي هذا التفسير إلى ظهور نظرية سلوكية تضع أسباب وعوامل السلوك البشري في عالم خارج عن سيطرة البشر تماماً.

في حقيقة الأمر، يشمل مفهوم الثقافة السلوك الاجتماعي والمؤسساتي والمعايير الموجودة في المجتمعات البشرية، بالإضافة إلى المعرفة والمعتقدات والفنون والقوانين والعادات والقدرات وعادات الأفراد في الجماعات الإنسانية. وغالباً ما تنشأ الثقافة من منطقة أو موقع محدد أو تُنسب إليه، حيث يكتسب البشر الثقافة من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية والتعلم المتمثلة في التثاقف والتواصل الاجتماعي، وهو ما يتضح من خلال تنوع الثقافات عبر المجتمعات.

إن القاعدة الثقافية تنظم السلوك المقبول في المجتمع؛ فهي بمثابة دليل للسلوك واللباس واللغة والتصرف في موقف ما، والتي تعمل كقالب للتوقعات في مجموعة اجتماعية. إن قبول ثقافة واحدة فقط في مجموعة اجتماعية يمكن أن يحمل مخاطر، تمامًا كما يمكن أن يذبل نوع واحد في مواجهة التغيير البيئي، بسبب الافتقار إلى الاستجابات الوظيفية للتغيير. وبالتالي، في الثقافة العسكرية، تُعَد الشجاعة سلوكاً نموذجياً للفرد، وتُعد الواجب والشرف والولاء للمجموعة الاجتماعية فضائل أو استجابات وظيفية في استمرارية الصراع. في ممارسة الدين، يمكن تحديد سمات مماثلة في مجموعة اجتماعية.

حين أصدر عالم الاجتماع الإيطالي سابينو أكوافيفا كتاب "أفول المقدّس في الحضارة الصناعية" (1961)، بدا حينها بمثابة النعي للدّين في مجتمعات أوروبية تحثّ الخطى نحو "اللاتدين" و"العلمنة". ولكن تداعيات العولمة على أوروبا في الزمن الراهن أملت إعادة نظر في صيغة العلاقة ومضامينها بين دائرة الإيمان الخصوصية ودائرة السياسة العمومية. لتلوح بوادر رهان على وظائف مغايرة للدين في مجتمعات تشرّبت العلمانية، وتعيش في أجواء مناخات ما بعد العلمانية. وهو جوهر ما تطرّق إليه كلّ من شارل تايلور ويورغن هابرماس في حقبتنا الحالية، عن شيوع نمط جديدٍ من التعايش بين الدين والعلمنة يتغاير مع ما ساد سلفًا. بما يحثّ على تجاوز النظر "العلمانوي" للحداثة، جرّاء حضور الدين في الفضاء العمومي الذي أضحى واضحا وجليّا.

ولربما لإحاطة أشمل بالموضوع، ينبغي تناول العلاقة المستجدّة بين الديني والسياسي ضمن إطار التحول الجاري داخل مرحلة تاريخية. فقد قيل إن الإنسان هو "كائن متديّن"، وقيل أيضا هو "كائن سياسي" أو "مدني"، والواقع أن الإنسان هو تلك العناصر وغيرها مجتمعة، بما يجعل المحدّدات القابعة خلف السلوك البشري لا تعرف الانحباس تحت لون واحد. وضمن السياق المسيحي، الغربي تحديدا، عاد في العقود الأخير مصطلح اللاهوت السياسي للتداول، وإن كان المفهوم يرمي بجذوره بعيدا في طروحات القديس أوغسطين الإفريقي. اُستعيدت الأطروحة في نطاق البحث عن إضفاء شرعية على الممارسة السياسية مع كارل شميت، وكذلك في نطاق التوظيف اليساري للدين مع لاهوت التحرر، وبالمثل في نطاق التوظيف اليميني المكثّف مع السياسات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد الرئيس كارتر. لكن الملاحظ أن اللاهوت السياسي العائد يتّسم بطابعين: لاهوت سياسي عمودي على غرار ما يدعو إليه شميت، بحثا عن بثّ حيوية في النظام الليبرالي؛ ولاهوت سياسي أفقي، يمكن إدراج هابرماس وتايلور وتوكفيل ضمن أنصاره، يسعى إلى بناء توازنات مستجدّة داخل الفضاء العمومي.

والسؤال الذي يعنينا بالأساس هو ما معنى أن يطلّ الدين على السياسة في أوروبا اليوم؟ ليست المسألة أَنْجَلة للسياسة أو تسييسا للمسيحية بطريقة اقتحامية فجّة، وإنما تأتي العملية سياقية، يتعايش فيها أحد المكوّنَين مع الآخر بطريقة متداخلة وبطيئة، ويغدو الدين مخزونا أنثروبولوجيا معبّرا عن خصوصيات هوية وليس تعاليم عقدية أو منظورات لاهوتية صارمة.

إذ منذ محاوَرة البابا المستقيل راتسينغر الفيلسوف هابرماس في موناكو (2004)، تحت شعار "حوار العقل والإيمان"، طفت على سطح الفكر الأوروبي إرهاصات لافتة في علاقة الدين بالسياسة. وغدا الخطاب السياسي مستعيرا جملة من المفاهيم والمقولات الدينية، بعد أن كان حضورها ضئيلا أو منعدما. وفي الجوهر بدا سؤال إلى أين تجرّ العلمانية أوروبا حاضرا بقوة؟ لا سيما وأن مصائر العلمانية المتشدّدة، خصوصا في شكلها اللائكي اليعقوبي، جرّت فئات واسعة إلى العدمية وحكمت على مسارات ديمقراطية بالتميّع أو الخواء. فالغرب "البراغماتي" بدا متشكّكا من مؤدى خياراته طيلة العقود الفائتة. لا سيما وأن الجسم السياسي الأوروبي يتحرك داخل خارطة سياسية ذات مشارب إيديولوجية متنوعة، ويعبّر عن روافد شتى وتوجهات عدة تبلغ حدّ التنافر. كما أنه يشتغل داخل ضوابط سياسية يُطلَق عليها تجوزا العلمانية أو اللائكية، وهي في واقع الأمر نظام اشتغال ارتضاه الجميع، وبات متقاسَما بين سائر المكوَّنات بمختلف خلفياتها اليمينية واليسارية والدينية واللادينية.

يوجد عدد متزايد من السياسيين والمحاورين الأوروبيين الذين يرون الإسلام كدين يتعارض بشكل مباشر مع الثقافة الأوروبية، وبالتالي يعتقدون أن الإسلام يشكل عقبة أمام اندماج المهاجرين واللاجئين. اكتسب هذا الموقف زخماً بشكل خاص بعد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

يتفق بعض المسلمين في أوروبا مع الرؤية التي قدمها "طارق رمضان" Tariq Ramadan استاذ الفلسفة الذي يقيم في سويسرا، الذي يرى نفسه مسلماً، ويعتبر أن كل شيء في الثقافة الأوروبية لا يتعارض مع الإسلام هو جزء منه.  عملت هذه المجموعة من المسلمين بشكل هادف لتطوير تفسير للنصوص الإسلامية وأسلوب حياة يجمع بين المبادئ الإسلامية، والقيم، والممارسات الأوروبية، والدنماركية. هذا ينطبق بشكل خاص على جيل الشباب من المسلمين الذين يريدون فصل المبادئ الإسلامية عن تقاليد آبائهم أو أجدادهم من دول مثل تركيا وباكستان والعراق.

يعتبر الإسلام الأوروبي Euro-Islam محاولة لتفسير الإسلام في سياق أوروبي حديث، بحيث يصبح من الممكن الحفاظ على تفسير إسلامي للحياة وهوية مسلمة آمنة وفي نفس الوقت المشاركة البناءة والفاعلة في المجتمع. وبالتالي فإن الإسلام الأوروبي هو إعادة تفسير للإسلام يأخذ في الاعتبار الظروف الثقافية والسياسية الخاصة والتاريخ الذي يميز أوروبا، ولكنه لا يزال قائماً على كتاب القرآن الكريم. إنه ليس نصاً دينياً أنيقاً أو مكتملاً أو برنامجاً محدداً تعمل جمعية أو منظمة لعموم أوروبا على تحقيقه. على النقيض من ذلك، يُنظر إلى الإسلام الأوروبي على أنه اتجاه أو حركة في أوروبا اليوم.

يتناقض هذا الاتجاه من جهة، مع المسلمين "العلمانيين المتطرفين" الذين يريدون تحرير أنفسهم من غالبية خلفيتهم الإسلامية من أجل الاندماج والتكيف تماماً في المجتمع الغربي. ومن ناحية أخرى يتعارض مع الجماعات الإسلامية المتطرفة الذين يريدون التحرر من الأعراف الثقافية والنظام الاجتماعي للغرب وتقويضها وإقامة دولة إسلامية بدلاً من ذلك.

المسلمون الثقافيون، والمعروفون أيضاً باسم المسلمين الاسميين، أو المسلمين غير الممارسين أو المسلمين غير الملتزمين، هم أشخاص يعتبرون أنفسهم مسلمين لكنهم ليسوا متدينين ولا يمارسون العبادات. قد يكونون أفراداً غير متدينين أو علمانيين. ما زالوا يتماهون مع الإسلام بسبب الخلفيات العائلية، أو التجارب الشخصية، أو التراث العرقي والوطني، أو البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأوا فيها. ومع ذلك، لا يتم قبول هذا المفهوم دائماً في المجتمعات الإسلامية المحافظة.

يمكن العثور على المسلمين الثقافيين في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص في البلقان، وآسيا الوسطى، وأوروبا، والشرق الأوسط، وروسيا، وتركيا، وسنغافورة، وماليزيا، وإندونيسيا والولايات المتحدة. وفي العديد من البلدان والمناطق، يمارس هؤلاء المسلمون الثقافيون الدين على مستويات منخفضة، وبالنسبة للبعض، ترتبط هويتهم "الإسلامية" بالتراث الثقافي أو العرقي أو الوطني، وليس مجرد الإيمان الديني فقط.

«معرفةُ أهميّة فهم دور المشاعر لا ينبغي أنْ يدفعنا إلى الظّن أنّ قيمة العقل أقلّ منها، ويجب أن يكتفي بمكان ثانويّ بجانبها، أو أنّه لا جدوى من أنْ يسعى إلى تطويرها. على العكس من ذلك، فإنّ إدراك الدّور الكبير الّذي يمكن أن يلعبه فهمُ المشاعر قد يمنحنا الفرصة لزيادة تأثيرها الإيجابي والحدّ من آثارها السّلبيّة المحتملة. وبشكل أدقّ، ودون الإقلال من قيمة التّوجيه الّذي قد يكون للإدراك العادي للمشاعر، يمكن توقّع حماية العقل من التّقلّبات الّتي قد يُدخلها الإدراكُ غيُر الطّبيعي للمشاعر (أو التأثيرات غير المرغوب فيها على الإدراك العادي) في عملية صنع القرار[1]»

«من المُضحك بنفس القدر الاكتفاءُ بمطالبة المشتغل بالرّياضيّات بالحجج المعقولة، ومطالبةُ الخطيب بالأدلّة العلميّة[2]»

فاتحة:

أَدَرنا المقالةَ الأولى الّتي خصّصناها لاعتراض العمري على الجابري حول الشّقّ "الإجماليّ" لذلك الاعتراض، وسنُدير المقالة الحاليّة على ما اعتبرَه اعتراضا متعلّقا بـ "الأجزاء والفروق والممهدات". وسنسلك نفس النّهج، فَنوزع فقراتها على عنوانين، الأوّل نُخصّصه لِصيغة الاعتراض والثّاني لمضمونه؛ ونُفصّل في كلٍّ منهما. فَلْنَقرأ كلامَه أوّلا:

الملحق التّوضيحي:

يقول العمري: «هذا على الإجمال، أما بالنظر إلى الأجزاء والفروق والممهدات الموصلة إلى تعميم الأحكام فإني لا أجد فيما فهمت من قراءة كل من الباقلاني والجرجاني ما يجعل الخطاب عند هذا مساويا للنظم عند ذاك. بل أميل إلى أن الباقلاني تلافى باستعمال كلمة خطاب استعمال كلمة نظم التي كانت شائعة في عصره وقبله عند علماء الإعجاز من الجاحظ (255ه) إلى الخطابي (386ه)، هروبا من مرجعيتها.

وإذا أضفنا إلى النص المذكور نصوصا أخرى من المبحث نفسه (بنية العقل 148-247)، فيمكننا أن نسجل عدم فهمنا لعدة أمور:

1- اختزال البلاغة في التشبيه

2- حصر مفهوم التشبيه في وجهة نظر عبد القاهر الجرجاني

3- ربط التباعد بين الطرفين بالانفصال والتجويز الناتجين عن البيئة العربية في حين أن عبد القاهر كان في منحاه هذا يصوغ نظرية المحاكاة الأرسطية حسب قراءة الفلاسفة العرب لها.

4- حين نتأمل وجهة نظر ابن سنان في القرب (قرب المأخذ) نصل إلى نتائج عكس التي وصل إليها تحليل الأستاذ الجابري.[3]»

آخر التعليقات

آخر المواضيع في

طنجة أيتها المدينة المَهْر[1]. ها أنا أحلق فوق سمائك وأشاهد مبانيك وأزقتك وأتطلع إلى أسرارك من علٍ، وأنت كما أنت فاتحة ذراعيك تستقبلين الوافدين بفرح وتودعين المغادرين بدموع، وبين الضحكة والدمعة تاهت مشاعرك واضطربت فظللتِ محافظة على ابتسامتك مثل أم حنون لا تريد تشييع أبنائها بالبكاء ولا استقبالهم بالبكاء.

أزت عجلات الطائرة على إسفلت المطار بعد رحلة دامت ما يناهز الساعتين، دنونا خلالهما أكثر من النجوم والسماء. شعرنا براحة نفسية عميقة ونحن ندنو من الأرض، أمّنا الحبيبة. ما إن توقفت الطائرة واستكان جناحاها حتى ارتفعت موجة من التصفيق العارم اعترافا لقائد الرحلة ببراعته وتقديرا لخبرته وتهنئة له بنجاحه.

عندما لامست أرجلنا التراب انزاح ذلك الخوف الذي استبد بنا ونحن نجوس بين النجوم، هناك عاليا معلقين دون حبال داخل هذا الصندوق الحديدي العجيب. متجاورين فوق مقاعد مرقّمة بنظام ودقة. لم يكن بين الركاب تعارف سابق. هكذا وجدنا أنفسنا في الوقت ذاته وفي المكان ذاته نتجه نحو سلم الطائرة ونطير. أنسى انغماس البعض في تبادل الأحاديث الخوف والرهبة أثناء الإقلاع والهبوط. ونام البعض الآخر كي لا يعيش تلك اللحظات الرهيبة التي تشعر أثناءها أن قلبك يكاد ينفصل.

وأخيرا زال توترنا واضطرابنا ونحن نتحسس أصلنا الطيني بأقدامنا، فالإنسان يحنّ دوما للأصل. نزلنا تباعا عبر السلم الذي جيء به. ابتعدت قليلا والتفت خلفي لأنظر إلى هذا الهيكل الضخم الجاثم الذي كنا في جوفه. جناحاه ممتدان يمينا ويسارا مثل طائر يصل إلى الضفة الثانية بعد أن هدّه الترحال وهو يكابد ليعبر بحرا عظيما في رحلة هجرة موسمية شاقة.

كان المطار فسيحا، تناثرت في أرجائه الطائرات القادمة من كل بقاع الدنيا، وعلى جوانبها رُسِمت شعارات شركات الطيران التي تملكها وأسماؤها.

تلخيص
سنحاول في هذه الدراسة مقاربة رواية (قطط إسطنبول) للروائي السوري زياد كمال حمامي والنبش في دلالات ورمزية القطط في هذا العمل وفق منهج الثنائيات الضدية  لما (تشكله الثنائيات من تباينات دلالية تجعلها عنصًرا فاعلًا في تكوين المعنى، وإنتاج الدلالة، والخروج بالنص إلى أبعد المستويات) ولما للثنائيات من قدرة على تعرية الحقائق وكشف المواقف، وإظهار تناقضات المجتمع، والربط بين ما قد يبدو منفصلا، مع ردم الهوة بين طرفي الثنائية مهما كانت تلك الهوة سحيقة، حتى وإن كان الطرفان يقفان على طرفي نقيض (الإنسان / الحيوان) لنتساءل عن السر في اختيار القطط دون غيرها من الحيوانات الأليفة والمفترسة للتعبير عن الواقع العربي.

 

تواصل الرواية تأكيد نفسها باعتبارها الجنس الأدبي الأنسب لتصوير ذبذبات الواقع العربي ورصد كل تفاصيله، والأقدر على مواكبة تفاعلات الإنسان العربي في واقع  زئبقي مختل عصي على التصنيف يعاني أزمة قيم، يتحول (se métamorphose) باستمرار، لا يستطيع أي تعبير فني آخر غير الرواية مواكبة جميع تلك التفاعلات،  فاستطاعت الرواية بذلك ملامسة كل المواضيع والقضايا الراهنة... ولعل من القضايا المعاصرة الحارقة في عصرنا، قضية وضع اللاجئين العرب في الدول المجاورة التي اضطر الكثير من العرب اللجوء إليها بعد تفجير الأوضاع بأوطانهم غداة انفجار أزمة الخليج الثانية والغزو الأمريكي للعراق ، وما نتج عنها من اندلاع أحداث الربيع العربي التي دحرت الكثير من العرب خارج أوطانهم... فتهاوت قيمة العربي في بورصة المعاملات الإنسانية، وجعلته يتقبل المهانة ويعيش معاناة الإذلال والاحتقار...

وقد حاولت الرواية تصوير هذا الواقع وتجاوزت تشييء الإنسان العربي إلى حيونته وإبراز أرذل الحيوانات أرقى منه، بعدما رأى الروائي العربي أن اللغة المباشرة عاجزة على استيعاب حماقات وزئبقية هذا العصر، وربما وجد في الرمزية الوسيلة الأنسب للتعبير عن واقع اختلت فيه الموازين وصار فيه الحيوان (الذي كان رمزا للوحشية والهمجية) أرقى من الإنسان وقيمه الإنسانية التي تتبجح كل حين بالكرامة والتسامح والتضامن...  وقد يكون في حيونة الإنسان، وأنسنة الحيوان طريقة للتعبير عن واقع يعيش أزمة قيم، واقع أشبه ما يكون بغابة البقاء فيها للفاسد الأقوى، ولا مكان فيها للنبل والشرف، وضحاياه الأوائل العفة والكرامة الإنسانية... ولعل من الروايات الصادرة حديثا في هذا الموضوع رواية (قطط إسطنبول للروائي السوري زياد كمال حمامي لتنضاف إلى فسيفساء مشروعه الروائي بعد روايات (الظهور الأخير للجد العظيم) و(الخاتم الأعظم) ورواية (قيامة البتول الأخيرة) ...

 "كن أنت التغيير الذي ترجو حدوثه في العالم" (غاندي)

"ما عييتُ إلاّ أمام من سألني، من أنت؟ (جبران خليل جبران)

جَرَّبْنا الهمس والصراخ، جربنا الصمت والكلام، جربنا الحزن كلما انكسرنا ـ وانكساراتنا كثيرة ـ او خبت فينا جذوة البداية، جرّبنا الخيانات حين خُنّا شرف الكلمة والمواقف، وحين وقفنا متفرجين حين سار العالم جريا إلى الأمام، جربنا الوقوف في وجه بعضنا بغضاً كراهية..

لم لا نجرب المحبّة؟

لعلّها تكون ورقتنا الرابحة، لعل أمام محرابها نندهش، ننبهر، ننفعل، نترك لإنسانيتنا أن تنساب شفَّافة تمحو ما علق بدواخلنا من ألم وبُغْض وحقد وانكسارات وخسارات، ونفتح بالمحبّة للأمنيات كفّا على أعتابه ترتاح البسمات، ونطوي صفحاتِ ذواتٍ تُجيد احتراف التواطؤ والخيانة والكُره.

"المحبّة هي الحرية الوحيدة في هذا العالم، لأنها ترفع النفس إلى مقامٍ سامٍ لا تبلغه شرائع البشر وتقاليدهم، ولا تسوده نواميس الطبيعة وأحكامها"[1].

المحبّة، فعلٌ للمقاومة، ضدا على القهر والغبن والألم والكراهية البغيضة.

"إنّ إصلاح الحياة هو في الآن نفسه مغامرة داخلية ومشروع حياة ومشروع جماعيّ." ( إ. موران)
"إنّ التطلّع إلى هذا الفنّ الجديد للعيش هو بصدد الظهور في المجتمع بموجب الشرور الناتجة بالذات عن أنماط حياتنا الراهنة. إنه انطلاقا من هذا الانتظار يمكننا رسم ما يمكن أن يكون إصلاحا للحياة." (إ. موران)
" المهم أكثر هو أن نعيش حياتنا لا أن نلهث وراءها" (موران).
"  يقوم " العيش الكريم " على بعض المبادئ :  أولوية الكيفية على الكميّة، والكائن على الملكية، ويجب  أن تكون الحاجة إلى الاستقلالية والحاجة إلى الجماعة مجتمعة، وعلى شعرية الحياة وفي النهاية الحبّ الذي هو قيمتنا ولكنه أيضا حقيقتنا الأسمى." ( موران).

    لا تمثل عبارة " تغيير الحياة "، شعار الشاعر أرتيير ريمبو، اليومَ، تطلّع فرد بل يجب أن يكون شعار عصرنا. تواجه الإنسانية تحديا كبيرا :هي تدعو إلى سياسة حضارة تفترض أيضا إصلاحا للحياة.

   تخصّصُ جانبا كبيرا من مؤلفك " الطريق" لتعريف " إصلاح الحياة"  الذي يصاحب ويبرّر سياسة التحديّات الكبرى للإنسانية. ماذا تعني بذلك؟  
    إ.موران:

 فعلا،  يرسم " الطريق" الذي أقترحه أفقا آخر غير الأفق الذي يقودنا إليه التاريخ المعاصر. إنّ كوكب الأرض منخرط في مسار جهنمي يقود الإنسانية نحو كارثة متوقّعة. يمكن لتحوّل تاريخي وحده أن يسمح بحلّ الأزمات- الكبرى والمتعدّدة- الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تهدّد وجود حضاراتنا بالذات التي هي في طريق التوحيد.

  لا أرسم في كتاب " الطريق" " برنامجا" سياسيا، بالمعنى الحرفي للكلمة، بل مسلكا، طريقا مصنوعا من ترابط عدّة طرق يجب علينا التوجّه نحوها من أجل مجابهة تحدّي أزمة الإنسانية.تمرّ " سياسة الإنسانية " هذه عبر إصلاحات اقتصادية وسياسيّة وتربويّة وإعادة تكوين الفكر السياسي وهو ما أحاول رسم حدوده. تعني هذه الإصلاحات للمجتمع أيضا " إصلاحا للحياة". إنّ التطوّر مكنة فتاكة للإنتاج / الاستهلاك / التدمير تهرع بنا نحو أزمات إيكولوجية واقتصادية. يجد هذا المسار ما يوازيه على الصعيد الفردي : تطوّر الفرد المنظور إليه بوصفه بالأساس كمّيا وماديا، والذي يؤدّي لدى الميسورين إلى سباق محموم نحو " الأكثر دوما" وحتى إلى شعور بالضيق داخل رغد العيش، مقولة انحطت إلى الرفاهية فحسب. وأيضا، هل ينبغي أن نروّج للرفاه الذي يتضمّن في الآن نفسه الاستقلالية الذاتية والاندماج في إحدى المجموعات، والتحكّم في التوقيت الذي ينحطّ بزمننا الحيّ، ويختزل تلوّثنا الحضاري الذي يجعلنا مرتهنين للتفاهات والمنافع الوهميّة.لقد اعتبرت المجتمعات الغربية لوقت طويل  مجتمعات " متحضّرة" بالنسبة إلى مجتمعات أخرى، ينظر إليها بما هي بربرية. وبالفعل، فإنّ الحداثة الغربية أنتجت هيمنة بربرية جليدية، مجهولة، بربرية الحساب والمصلحة والتقنية ولم تقدر على إخماد بربرية داخلية إلاّ قليلا، بربرية هي صنيعة عدم فهم الآخر، والكراهية واللامبالاة.

  إنّ المجتمعات الراهنة قد حققت ما كان يعتبر حلما بالنسبة إلى أجدادنا: الرفاه المادّي و رغد العيش. وقد اكتشفنا في نفس الوقت بأنّ الرفاه المادّي لا يجلب السعادة. بل الأسوأ !  فقد اتضح أنّ الثمن الذي يجب أن ندفعه مقابل الوفرة المادّية تكلفته البشرية هائلة : توتّر وسباق مع الزمن  وإدمان وإحساس بالفراغ الداخلي ....

   لقد ظللنا، إلى جانب ذلك، وعلى الصعيد الإنساني في بربريّة: يعبّر العمى عن الذات وعدم فهم الآخر عن نفسه، على صعيد المجتمعات والشعوب مثلما يعبّر عن نفسه على صعيد العلاقات الشخصية، بما في ذلك صلب الأسر والأزواج. كثير من الأزواج ينفصلون وتتمزّق علاقاتهم ؛ وتشبه هذه النزاعات، النزاعات الحربية القائمة على الكراهية، ورفض فهم الآخر. بينما لا يفعل أزواج آخرون سوى التواجد.

الحقوق الرقمية هي في الأساس حقوق الإنسان في عصر الإنترنت. على سبيل المثال، تعد حقوق الخصوصية على الإنترنت وحرية التعبير امتداداً للحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن قطع اتصال الأشخاص بالإنترنت ينتهك هذه الحقوق ويتعارض مع القانون الدولي. وتتعهد بعض الدول بمنح جميع المنازل والشركات فيها إمكانية الوصول إلى النطاق العريض السريع في المستقبل، ويرون أن الوصول إلى الإنترنت لا ينبغي أن يكون ترفاً، بل يجب أن يكون حقاً. لماذا تعتبر الحقوق الرقمية مهمة؟ بينما نمارس حياتنا بشكل متزايد عبر الإنترنت - التسوق والتواصل الاجتماعي وتبادل المعلومات - أصبحت حقوقنا الرقمية، وخاصة الحق في الخصوصية وحرية التعبير، أكثر أهمية. نحن بحاجة إلى فهم كيفية استخدام بياناتنا من قبل الشركات والحكومات وعمالقة الإنترنت مثل فيسبوك وجوجل. هل يتم التعامل معها بشكل عادل ودقيق، أم يتم بيعها أو مشاركتها دون موافقتنا؟

ومع ذلك، فإن كيفية تطبيق المبادئ الراسخة لحرية التعبير على المحتوى والاتصالات عبر الإنترنت لا تزال قيد التحديد بعدة طرق. على سبيل المثال: ـ كيف يمكن تنظيم الإشراف على المحتوى دون المساس بحرية التعبير؟ ـ كيف نوازن بين استخدام التقنيات الجديدة للأمن أو المراقبة دون المساس بالحريات المدنية والقدرة على المعارضة؟ ـ كيف ينبغي للدول أن تنظم إعادة التغريد أو إعادة مشاركة خطاب الكراهية؟ ـ ماذا عن القواعد التنظيمية المتعلقة بالبيانات التشهيرية الصادرة عن حسابات مجهولة أو مشفرة؟ ـ كيف ينبغي للدول أن تضمن الأمن السيبراني، وخاصة في ضوء ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، دون الإفراط في القمع؟

الحق في الحصول على الحقوق الرقمية

 خلقت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) تداعيات سلبية كبيرة على المواطنين والحكومات. لم يخلق الوباء بيئة عامة مدفوعة بالمخاطر تشمل مجموعة واسعة من نقاط الضعف الاقتصادية فقط، ولكن أيضاً قام بتعريض الناس لمخاطر رقمية واسعة النطاق، مثل المراقبة البيولوجية، والمعلومات المضللة، والتهديدات الإلكترونية، التهديدات الخوارزمية للديمقراطية. علاوة على ذلك، فقد أثار حتماً الحاجة إلى الاستجابة بمرونة وتقنية وسياسية للتهديدات التي تنتجها المجتمعات شديدة الارتباط والفيروسية. وبالتالي على مدار فترة الوباء، ظهر نقاش في العديد من المدن الذكية العالمية التي تركز على الناس فيما يتعلق بالاستجابة التقنية والسياسية المناسبة عندما تستخدم الحكومات تقنيات مراقبة الأمراض بهدف معالجة انتشار فيروس كورونا (COVID-19)، مما يشير إلى الانقسام بين السيطرة السيبرانية بين الدولة والطغاة والحريات المدنية من نواحٍ عديدة.

 أدى الوباء إلى تسليط الضوء بشكل غير مسبوق على قضايا الحقوق الرقمية التي كان يعمل عليها العديد من الوكلاء لسنوات في مدن حول العالم. وبالتالي يمكن النظر إلى المطالبة بالحقوق الرقمية بشكل مباشر باعتبارها ابتكاراً اجتماعياً يتطور نحو الابتكار المؤسسي. وتقدم المطالبة بالحقوق الرقمية حالياً، والتي تم التعبير عنها عبر شبكات المدن، أنماطاً جديدة من الإدارة الحضرية لتجريب السياسات في إدارات المدن في جميع أنحاء العالم. على هذا النحو، تحاول هذه الأنواع من المشاريع القائمة على الحقوق الرقمية والمبنية على تجارب السياسات تقويض السياسات الحضرية الجارية والحكومة التي تفتقر إلى الاستدامة، مع بقاء إدارات المدن التقليدية المعزولة عقبة رئيسية أمام التنمية الحضرية المستدامة والمدن الذكية التي تركز على الناس.

لو شئنا تلخيص فحوى هذا الكتاب، الضروري ليفتح العرب أعينهم على العالم ولإدراك سير العالم، للخّصناه في ثلاثة أسئلة: هل من الممكن إيجاد قانون دولي قادر فعليا على تعزيز العدالة دون أن يكون أداة لمشروعات "إمبريالية"؟ وهل يمكن أن يكون هناك قانون دولي عالمي حقا على أساس المبادئ التي تُستقى من تعددية الحضارات والنظم القانونية؟ وأخيرا، هل تشكّل محاولةُ توسيع الحكم الرشيد (حقوق الإنسان والديمقراطية) لتشمل بلدان العالم الثالث التحولَ المعاصر؟ فعلى النحو الآتي يستهلّ الإيطالي جوستافو جوتسي كتابه المترجم إلى العربية "القوانين والحضارات.. القانون الدولي تاريخه وفلسفته" (ترجمة: حسين محمود/ مراجعة: عزالدّين عناية): طال أمد تأليف هذا الكتاب، وزاد مشقّة، ذلك أنّ مشروعه الأول لم يكتب له أن يستمرّ، وتم استبداله بمنظور جديد هو الذي يرافقنا في جميع مراحل العمل الآن.

في البداية، كان البحث يهدف إلى دراسة العلاقة بين سيادة الدول وحقوق الإنسان في سياق القانون الروماني القديم فيما هو معروف بـ "قانون الشعوب"، ثم القانون الدولي. وتدريجيا زادت كثافة هذا الهدف وثراؤه بفضل "الاكتشاف" الذي وجدناه متضمّنا في مذهب القانون الدولي، ويتمثل في الرؤية الاستعلائية للغرب تجاه الحضارات والثقافات الأخرى، وكان ذلك بفضل عمل م. كوسكنييمي، مؤلّف كتاب "نظام الخطاب" (بالمعنى الذي قصده ميشيل فوكو).

وهكذا تم تحديد الفرضية الرئيسة للكتاب بوضوح أكبر من أيّ وقت مضى، والذي يمكن تلخيصه في التأكيد على استمرارية خطاب الهيمنة الغربية من بداية العصر الحديث إلى الواقع المعاصر.

وجّه هذا المنظور قراءة كلاسيكيات قانون الشعوب الروماني (ius gentium): من فيتوريا، إلى فاسكيز، إلى جروتسيو، وبوفيندورف، وفاتيل، وكانط. ويمتد المفهوم نفسه من خلال قراءة المؤلفين المعاصرين: من شميت، إلى بول، إلى راولز.

لذلك حدد الكتاب تاريخين متوازيين: من ناحية، تاريخ تشكيل نظام الدول، وظهور المجتمع الدولي والخطوط العريضة للنظام العالمي الجديد. لكن هذا ليس سوى جانب واحد من جوانب الواقع، حيث إنّ البحث قد حدد، من ناحية أخرى، تحولات الخطاب الغربي: من تفوّق الشعوب المسيحية، إلى تفويض الدول المتقدّمة على الشعوب المتخلّفة، إلى خطاب الحوكمة الصالحة أو الحكم الرشيد اليوم واستغلال حقوق الإنسان.

1.    بصرف النظر عن التساؤل حول وجود قانون دولي في العصور القديمة والوسطى، تم وضع بداية البحث في عصر تشكيل النظام الحديث للدول بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين ومن نقطة معينة. من وجهة النظر الفقهية، في المدرسة السكولائية الإسبانية الثانية في النصف الأول من القرن السادس عشر، ولا سيما في أعمال فرانسيسكو دي فيتوريا وفرناندو فاسكيز دي مينتشاكا. ويعود الفضل لـ ف. فيتوريا في إعادة تفسير تعريف قانون الشعوب الروماني الذي يمكن العثور عليه في "مدوّنة القوانين الحضرية"، مع استبدال مصطلح "الشعوب" بمصطلح "البشر". مكنت نقطة التحول هذه من إدخال بحث العلاقة القانونية التي يضعها قانون الشعوب الروماني بين الشعوب وتمثيل المجتمع الدولي الذي يعبّر عنه هذا القانون. ويقف القانون الطبيعي خلف تأسيس قانون الشعوب الروماني، بحيث وَجَدت العلاقات القانونية بين الدول تبريرها في مفهوم طبيعي وعالمي تنحدر منه حقوق البشر والشعوب.

معظم مستخدمي روبوتات الدردشة تقبلوا إمكانية أن تختلق أدوات الذكاء الاصطناعي (IA) وقائع ومعطيات غير صحيحة. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها كاشفو المحتوى المزيف، والمتحققون من الحقائق، والنماذج اللغوية الكبيرة (LLM) التي أصبحت أكثر تطوراً، إلا أن أي مطور لم يجد حلاً لهذا المشكلة حتى الآن. في الوقت نفسه، تزداد عواقب المعلومات المضللة سوءاً، حيث يستخدم بعض الأفراد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (gen AI) مثل ChatGPT لإنشاء بحوث مزيفة.
دراسة حديثة نُشرت في مجلة Misinformation Review التابعة لكلية هارفارد كينيدي رصدت 139 مقالاً على Google Scholar، محرك البحث الخاص بالأبحاث العلمية، والتي يبدو أنها قد تم توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ووجد الباحثون معظم المقالات "المشكوك فيها" في مجلات غير مفهرسة (غير معتمدة)، رغم أن 19 منها تم العثور عليها في مجلات مفهرسة، كما ظهرت 19 دراسة أخرى في قواعد بيانات جامعية، يبدو أنها كُتبت من قبل طلاب.

محتوى هذه المقالات يثير المزيد من القلق. 57% من الدراسات المزيفة كانت حول مواضيع مثل الصحة، والتكنولوجيا المعلوماتية، والبيئة. وهي مجالات ذات صلة بصنع السياسات، وقد تؤثر على القرارات المتخذة في هذا المجال.
بعد تحليل الوثائق، حدد الباحثون أنها ربما تكون قد أُنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي بسبب تضمنها "على الأقل واحدة من الجملتين الشائعتين التي تستعملها روبوتات الدردشة التي تستخدم النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) مثل ChatGPT الخاص بشركة OpenAI". وقد استخدم الفريق محرك بحث Google  للعثور على أماكن نشر الوثائق، وحددوا عدة نسخ منها في قواعد بيانات، وأرشيفات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

ويلاحظ المؤلفون أن قائمتهم ليست الأولى من الوثائق الأكاديمية المشتبه في توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي وأن أبحاثا جديدة تنضاف إلى القائمة.
رغم أن الدعاية والدراسات المتسرعة أو المزيفة ليست جديدة، فإن الذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد يجعل من السهل بشكل كبير إنشاء هذا النوع من المحتوى. "وفرة من 'الدراسات' المزيفة التي تتسلل إلى جميع مجالات البحث العلمي تهدد بإغراق نظام النشر العلمي وتعريض نزاهة الأرشيف العلمي للخطر"، كما يحذر الباحثون في استنتاجاتهم. ويضيفون أنه من المقلق أن يتمكن أي شخص "بشكل مضلل" من إنشاء "محتوى يبدو علميًا مقنعًا" باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحسينه ليتم ترتيبه على محركات البحث الشائعة مثل Google Scholar.

لا يُظهر الاعتماد الواسع النطاق لتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في جميع القطاعات الاقتصادية أي علامات على التباطؤ. ومع ذلك، تجد العديد من الشركات صعوبة في دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في نموذج أعمالها، وهذا ما قد يؤدي إلى إخفاقات مكلفة.كما بدأ حجم الأموال التي يتم إنفاقها على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إثارة قلق المستثمرين. فوفقًا لتوقعات جديدة من شركة الأبحاث International Data Corporation (IDC)، فإن الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي سيزيد بأكثر من الضعف خلال السنوات الخمس المقبلة. وسيرتفع إلى 632 مليار دولار بحلول عام 2028.
يقدم التقرير تحليلاً شاملاً لمشهد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي. والأسواق المستهدفة حيث تبدو فرص الذكاء الاصطناعي أكثر ربحًا. وقد فحصت شركة IDC أكثر من 250 حالة استخدام وظيفية.فوفقًا للتقرير، سينمو الإنفاق بنسبة 29% سنويًا. وستصبح تطبيقات الذكاء الاصطناعي ممارسة شائعة في 27 قطاعًا. القطاعات التي من المتوقع أن تنفق أكثر من غيرها هي الخدمات المالية والمبيعات والبرمجيات وخدمات المعلومات والأدوات المستعملة من طرف الجمهور الواسع. وثمة إجماع على أن الإنفاق يستحق العناء.
وقد قالت ريتو جيوتي، نائبة رئيس مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي والبيانات في شركة IDC، في بيان لها: ”لقد حققت التحولات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي نتائج وقيمة ملموسة في الأعمال للمؤسسات في جميع أنحاء العالم. وهم يبنون استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم حول تجربة الموظفين، وإشراك العملاء، والعمليات التجارية، والابتكارات في الصناعة.“

خوارزميات حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي هي القوة الخفية التي تحدد المحتوى الذي يظهر أمامك، وبهذا تشكل تجربتك على الإنترنت بناءً على تفاعلاتك وإعجاباتك وعمليات البحث التي تقوم بها. وبرغم أن هذه الخوارزميات مصممة لتحافظ على تفاعلك وبقائك لأطول فترة ممكنة على المنصة، من خلال عرض المحتوى الذي يتماشى مع اهتماماتك، إلا أنها ليست مثالية.

فمع مرور الزمن، قد تجد أن صفحاتك أصبحت مزدحمة بالمنشورات التي لم تعد تجذب انتباهك. وإذا حدث هذا، قد يساعدك إعادة ضبط خوارزميات حساباتك على وسائل التواصل لكي تستعيد بعضا من السيطرة، وتتأكد أن المحتوى يعكس تفضيلاتك الحالية فعلا. لذا، إليك كيفية إعادة ضبط الخوارزميات عبر أهم منصات التواصل حاليا.

فيسبوك وإنستغرام

من المفترض أن خوارزمية الصفحة الرئيسية لحسابك على فيسبوك تتحدد بناءً على تفاعلاتك مع الأصدقاء والصفحات والمجموعات المختلفة. لكن إذا كانت صفحتك تبدو مزدحمة أو يظهر بها محتوى لا يناسبك، فيمكنك تجربة الآتي:

بإمكانك التحكم في تفضيلات صفحتك الرئيسية، من خلال الضغط على صورة ملفك الشخصي في أعلى اليمين، ثم الانتقال إلى الإعدادات والخصوصية، ومنها اختيار الصفحة الرئيسية (Feed).

وهنا يمكنك التحكم في اختياراتك المفضلة من الأشخاص والصفحات التي ترغب في رؤيتها أكثر، كذلك يمكنك إلغاء المتابعة للأشخاص الذين لا ترغب في رؤيتهم بصورة متكررة لكن تود الاحتفاظ بهم كأصدقاء، أو الاستفادة من خيار "الغفوة" وهي توفر لك إلغاء المتابعة مؤقتًا لمدة 30 يومًا. وبهذا ستحاول منح الأولوية للمحتوى الذي ترغب في رؤيته، مما يجعل صفحتك الرئيسية أكثر توافقًا مع اهتماماتك الحالية.

ويوجد خيار آخر بديل لصفحتك الرئيسية، فيمكنك الانتقال إلى الصفحات الأخرى في الجانب الأيسر من تطبيق فيسبوك. ويتيح لك هذا الخيار مشاهدة المحتوى فقط من الأشخاص المفضلين أو الأصدقاء أو المجموعات أو الصفحات التي تتابعها. وتمنحك هذه الطريقة مزيدًا من التحكم فيما تراه، لتتجاوز سيطرة الخوارزمية في صفحتك الرئيسية لصالح قوائم مخصصة.

آخر الأنشطة الثقافية والعلمية

  • شعراء في ضيافة دار الشعر بمراكش يفتحون نوافذ شعرية جديدة في بيت المعتمد بأغمات
    شعراء في ضيافة دار الشعر بمراكش  يفتحون نوافذ شعرية جديدة في بيت المعتمد بأغمات التأم مجموعة من الشعراء والإعلاميين والفاعلين الجمعويين، ليلة السبت 8 يونيو، ضمن فقرة جديدة من برنامج "نوافذ شعرية" بفضاء بيت المعتمد بأغمات. هذه البرمجة التي تسهر عليها دار الشعر بمراكش، في أن تكون نوافذ مشرعة على التجارب والحساسيات وأجيال القصيدة المغربية الحديثة، وأيضا هي نوافذ جديدة تفتح في أمكنة وفضاءات أخرى، ضمن سعي حثيث من الدار لانفتاح برامجها على مدن وجهات أخرى خارج مدينة مراكش. ثلاث تجارب شعرية بأنماط رؤى مختلفة، تعبر عن راهن الكتابة الشعرية المغربية اليوم، ومنها أصوات شعرية تكشف الدار عن تجاربها لأول مرة. الشعراء: لبنى المانوزي وعائشة إذكير وسعيد التاشفيني اختاروا ديوان نوافذ شعرية، كي يخطوا "زمن الالتباسات الآسر" حيث الذات أمست "مثخنة بجراحاتها وانكساراتها"، وحيث الحياة "تستعيد صوت الشاعر كي يعيد ترميم الخراب". تعددت تيمات…