نحن نعيش الموت البطيء لكوكب الأرض. إنّها تموت استخراجا وحرقا وتلوّثا وتسمّما وهي اليوم تصفّي حساباتها بعد أن امتدّت يد البشر إلى عمق أعماقها تخريبا وإهدارا.
هذه الأرض تتصحّر وتترمل ولعلّ هذا التعبير الذي يدلّ على هجوم كثبان الرّمل يعبّر عن حالة الأرض: إنّها أرض أرملة فقدت من يرعاها ويعشقها بعد أن عوّض المستثمر الفلاحي المزارع.
في مختلف اللّغات اللاّتينيّة ترمز كلمة تصحّر (désertification) إلى الهجر والفراق.
في سنة 1957 قام الصحافيّ Fruk Hubert بزيارة لمنطقة Florence بالولايات المتّحدة الأمريكيّة للقيام بتقرير عن المخطّط الحكومي لمقاومة هجوم كثبان الرّمل لكنّه عاد من مهمّته منبهرا بجمال هذه الكثبان. في سنة 1965 أصبح Hubert من بين الكتّاب المعروفين والمختصّين في الخيال البيئي والعلمي وقد نشر كتابه الشهير "دورة الكثبان" التي تنبّأ فيه بمستقبل مظلم للكرة الأرضيّة.
في سنة 1932 ضربت عاصفة « Dust Bowl » الهضاب الممتدّة بجنوب الولايات المتّحدة الأمريكيّة وذلك على مدى عشر سنين.
في 9 ماي 1934 انطلقت عاصفة رمليّة من منطقة مونتانا وحملت معها 318 مليون طنّا من التربة.
في سنة 1938 بلغت كمّيّة التربة المهدرة مليارا من الأطنان. في سنة 1939 حملت عاصفة رمليّة بمنطقة أوكلاهوما كمّيّة من التربة قادرة على تغطية مساحة 2,5 مليون هكتارا وبسمك 30 سنتمترا. تكتسح كثبان الرمل الحقول والمزارع وتمتدّ الواحدة على طول 500 مترا وبعلوّ 7 أمتار. تضرّرت المزارع ووقع القضاء على 30 مليون هكتارا هجرها المزارعون وقد بلغ عدد النازحين 3,5 مليون مواطنا. عرفت هذه الفترة كوارث طبيعيّة عديدة كالجفاف والأعاصير وعواصف الحجر وتغيّرات المناخ...
حسب بعض العُلماء المختصّين في المناخ والذين درسوا دورات الجفاف في الولايات المتّحدة الأمريكيّة على مدى ألفَيْ سنة فلقد كانت فترات الجفاف التي عرفها القرن العشرون الأقسى والأخطر.
ما الذي جعل من عاصفة « Dust Bowl » خطيرة إلى هذه الدرجة؟ لأنّه ما كان على المزارعين حرث المناطق التي حصلت فيها هذه العواصف. فعلى مدى آلاف السنين تعرّضت هذه المناطق شبه الجافّة إلى الرّياح وإلى موجات من الجفاف التي قد تدوم بين 25 و70 سنة. لقد نبّه السكّان الأصليون "الأميرنديّون" المعمّرين من خطر تعرية التربة وتحريكها ونصحوهم بأن لا يستعملوا المحاريث والجرارات ولا يلمسوا الكلأ والعشب الذي يغطّي أديم الأرض. هل اتّعظ هؤلاء وأحفادهم بهذه الدّروس؟ كلاّ ! خلال الحرب العالميّة الثانية ارتفعت أسعار المواد الزراعيّة وشرع المزارعون في تهيئة أراضي جديدة. تجدّدت العواصف الرّمليّة بين سنة 1954 وسنة 1957 وامتدّ أثرها المدمّر على مساحة تفوق مرّتين المساحة المهدرة سنة 1930. في سنة 1970 صدّرت الولايات المتّحدة الأمريكيّة القمح للاتّحاد السوفيتي فارتفع سعره ممّا شجّع المزارعين على حرث مزيد من الأراضي وتهيئتها لزراعة القموح. في الأثناء عادت العواصف. لم يتّعظ مزارعو كازاخستان بدرس "Dust Bowl". فلقد وقع القضاء على المروج لتهيئتها لزراعة القمح وذلك في مساحة تمتدّ على 26 مليون هكتارا أي ما يعادل الأراضي المخصّصة لزراعة القمح بكندا وأستراليا مجتمعة ! ابتداء من سنة 1980 تسبّبت العواصف الرمليّة في انجراف رهيب أدّى إلى القضاء على خصوبة الأرض. في سنة 2000 لم تعد تمسح الأراضي المزروعة قمحا سوى 13 مليون هكتارا وبإنتاجيّة تساوي 10 قنطار في الهكتار الواحد.
في ظرف 20 سنة تخلّت كازاخستان عن زراعة القمح في مساحة تضاهي مساحة الأرض المزروعة قمحا بالكندا. تُرى كم من ألف سنة تحتاجها كازاخستان لكي تسترجع التربة المخرّبة خصوبتها بعد أن أتى عليها الانجراف الناتج عن الرّياح؟
يمكن أن تمتدّ آثار الانجراف الذي تسبّبه الرّياح من قارة لأخرى تماما كما هي الحال بالنسبة لسحاب تشرنوبيل الذي امتدّ ليبلغ أوروبا وبعض مناطق من إفريقيا.
في سنة 2001 انطلقت عاصفة رمليّة هوجاء امتدّت على طول 1800 كيلومترا من الصين باتّجاه أمريكيا حاملة معها ملايين الأطنان من التربة. فلقد غطّت كثبان الرمل الجزء الغربي من الأريزونا والكندا. كذلك تتعرّض كوريا الجنوبيّة بصفة دوريّة لعواصف رمليّة هوجاء مصدرها الصّين. في أواخر أفريل 2007 تعرّضت كوريا لمثل هذه العواصف. في 1 أفريل 2007 ضربت عاصفة أخرى صحراء Kubiqi بالصين وأحدثت حالة من الفزع في شبه الجزيرة الكورية. تكمن خطورة هذه العواصف أيضا في كمّيّة المواد الملوّثة التي تنقلها من المصانع الصينيّة والتي تتسبّب في أمراض الجهاز التنفّسي والأمراض الجلديّة كما تؤثّر هذه العواصف في المزارع. للتذكير فإنّ صحراء Kubiqi لم تتحوّل إلى صحراء سوى منذ 30 سنة فلقد كانت مراعي خضراء ممتدّة يقصدها الرّعاة المنغوليّون. حسب السيّد Wang Tao عضو الأكاديميّة القوميّة الصينيّة للعلوم فقد هجر السكّان 24 ألف قرية غطّتها كثبان الرّمال وذلك خلال النصف الثاني من القرن الماضي. فبين سنة 1950 وسنة 1975 خسرت الصّين سنويّا 175 ألف هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي. بين سنة 1975 وسنة 1987 تسبّب التصحّر في القضاء على 200 ألف هكتارا سنويّا. بين سنة 1987 وسنة 2000 تلاشت سنويّا 300 ألف هكتارا. إذا استمرّ التصحّر بهذه الوتيرة فستخسر الصين 400 ألف هكتارا سنويّا ابتداء من سنة 2012. في سنة 2006 تسبّبت العواصف في تلوّث هواء نصف المدن الصينيّة. في 20 أفريل 2006 غطّت العواصف العاصمة الصينيّة بـ300 ألف طنّا من الرّمال والأغبرة. في سنة 2007 حصلت العواصف الرّمليّة في التيبت شهرَيْن قبل موعدها المرتقب والمعتاد.
لقد عمّقت الزراعة المصنّعة و"المعسكرة" تأثير العواصف الرّمليّة وزادت في خطورتها وهذا جليّ في إفريقيا وآسيا وأمريكيا الشماليّة.
بين 1956 وسنة 1996 وقع التخلّي عن 1,5 مليار هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة التي تضرّرت من التصحّر. يمثّل ذلك ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. خلال العشرين سنة الأخيرة وقع القضاء على 300 مليون هكتارا (أي 6 مرّات مساحة فرنسا) من الغابات الاستوائيّة وذلك لتهيئتها للزراعات الكبرى والمراعي ومزارع النخيل المنتج للزيوت والكاوتش والصويا وقصب السكر وزراعات أخرى.
كلّ ساعة يتصحّر 1370 هكتارا من الأراضي في العالم وكلّ سنة يتصحّر 12 مليون هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة.
في الهند يتصحّر كلّ سنة 2,5 مليون هكتارا. في سنة 2000 قُدِّرَت المساحة الجمليّة الصالحة للزراعة في الهند بـ150 مليون هكتارا. إذا تواصل إهدار هذه المساحات بفعل التصحّر فلن يبق بالهند غرام واحد من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول سنة 2060. لكن السيناريو الأكثر احتمالا هو أنّ تعمّق الكوارث الطبيعيّة والتغيّرات المناخيّة هذه الأزمة وفي هذه الحالة ستمّحي الأراضي الصالحة للزراعة بحلول سنة 2050.
تُقدّر كمّيّة التربة التي تضمحلّ بفعل التصحّر الناتج عن المياه والرّياح بـ25 مليار طن في السنة. بعض التقديرات تشير إلى أنّه في كلّ ثانية يضمحلّ 2400 طنّا من التربة التي تحملها الرّياح إلى أعماق المحيطات أي 76 مليار طنّا سنويّا. تخسر كوستاريكا كلّ سنة مليار طن من التربة وكذلك الحال بالنسبة لجزيرة Java وأثيوبيا.
أعلى مستويات الانجراف في العالم تعرفها الصين الشعبيّة. فكلّما وقع الحصول على طنّ من الغذاء اندثر 18 طنّا من التربة. تقدّر الإحصائيّات الرسميّة الصينيّة خسارة التربة سنويّا بـ5 مليارا من الأطنان.
في إيران وحسب السيّد محمّد جاريان المسؤول عن قطاع مقاومة التصحّر فلقد قُبرت 124 قرية من منطقة سيستان-بالوشستان في سنة 2002 وهجرها سكّانها. في الشمال الغربي من أفغانستان تغطّي أكوام الرّمال البالغة من الارتفاع 15 مترا الحقول والطرقات.
في نيجيريا يتصحّر سنويّا 350 ألف هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة. للتذكير فلقد ارتفع عدد السكّان من 33 مليونا سنة 1950 إلى 132 مليونا في سنة 2005 وزادت رؤوس الأبقار والأغنام في نفس هذه الفترة من 6 مليون رأسا إلى 66 مليون رأسا.
تكمن أسباب التصحّر في إفريقيا في النشاطات الزراعيّة غير المستديمة والرعي الجائر والحرائق وتجارة فحم الخشب المعدّ لسكّان المدن.
تخسر مدغشقر 400 طنّا من التربة في الهكتار الواحد وفي السنة. في المكسيك يُجبر التصحّر 700 ألف مزارعا على هجرة المناطق الريفيّة ويدفع بهم إلى المدن القصديريّة أو إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
أمّا في أستراليا فإنّ مصطلح كارثة يعجز عن التعبير عن واقع التصحّر. للسنة السابعة تعيش أستراليا حالة جفاف مثيرة للفزع. فهذا البلد هو المهدّد أكثر من غيره بالملوحة والتصحّر. ففي بعض الأراضي الأستراليّة تبلغ درجة ملوحة الأرض 3 مرّات ملوحة مياه المحيط. فعلى مدى قرن ونصف حوّلت الفلاحة المصنّعة والكيمائية والرّعي الجائر أستراليا إلى شبه صحراء. فلقد حقّقت أستراليا في هذا المجال رقما قياسيّا فاق الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فبينما خسرت هذه الأخيرة خلال الـ150 سنة الأخيرة 75% من الدّبال (Humus) أي الطبقة العليا من التربة الصالحة للزراعة فلقد خسرت أستراليا 150 سنتمترا من التربة التي ضاعت في المحيطات دون عودة.
في المناطق الحارة يتطلّب استرجاع 2,5 سنتمترا من التربة 500 سنة أي أنّه علينا ترقّب 30 ألف سنة كي تستعيد التربة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لحيويّتها.
في أوروبا يتسبّب الانجراف في خسارة 17 طنّا من التربة في الهكتار الواحد وفي السنة. في فرنسا وبالذات في منطقة Pas de Calais تخسر التربة سنويّا بين 10 و100 طنّا في الهكتار الواحد. إذا تسبّب الانجراف في خسارة 100 طنّا في الهكتار فإنّ استعادة هذه الكمّيّة يتطلّب 100 سنة (بما أنّ تكوين التربة لا يتجاوز طنّا في السنة). أمّا استرجاع تربة لأرض مزروعة لفتا سكريا لمدّة عشرين سنة فيتطلّب ألفيْ سنة ! تدهور التربة لا يعود فقط للانجراف بل وأيضا لأسباب أخرى كاستعمال المبيدات. جزء هام من أراضي أوروبا أصبح غير صالح للزراعة وسيصبح من الصّعب جدّا العودة إلى الفلاحة العضويّة حيث فقدت التربة مكوّناتها العضويّة وديدانها وأصبحت "تطلب" مزيدا من الأسمدة والمبيدات. لقد "تعسكرت" الفلاحة العصريّة بـ"قنابل" المبيدات وأصبحت تنتج مواد غذائيّة تحوي عديد السموم والمواد الكيميائيّة المضرّة بالصحّة.
أعلنت منظّمة الأمم المتّحدة سنة 2006 "السنة العالميّة للتصحّر". لكن اللّجنة المكلّفة بتوجيه برامج مقاومة التصحّر تفتقد للوسائل الماليّة الضروريّة لإنجاز مهامها وأهدافها على أحسن وجه.
من ناحية أخرى خصّصت منظّمة الأمم المتّحدة "يوما عالميّا للماء" تماما كما خصّصت يوما للمرأة وآخر للطفولة وقد نشهد يوما للتربة وآخر لدود الأرض ومن يدرِ ستطلع علينا أياما أخرى. هي فرصة لمحترفي الخطب بأن يذرفوا دموع التماسيح على مصير النساء والأطفال والمياه والمضطهدين وبعد مرور اليوم نطوي الصفحة وندخل عالم الحقيقة، عالم الإنتاج والإنتاجيّة والاستهلاك والتلويث والتخريب وكلّها تمتدّ على مدى كامل أيام السنة. هناك 2,6 مليار نسمة محرومون من الصّرف الصحّي بينما لا يتمتّع 1,3 مليار نسمة بالماء الصالح للشراب. كلّ سنة يموت 2 مليون طفلا لا يبلغون الخمس سنوات من جرّاء الإسهال الناتج عن تلوّث المياه الصالحة للشراب.
إليكم بعض الأرقام :
بُعث صندوق البيئة العالمي FEM التابع للأمم المتّحدة في سنة 1990 وذلك لتقديم الدعم المالي الضروري لمواجهة القضايا البيئيّة الخاصّة ببلدان الجنوب. خصّص لهذا الصندوق 2 مليار دولارا سنويّا.
لتوفير الماء الصالح للشراب لـ300 مليون إفريقي وضمان صرف المياه لـ80% منهم يتطلّب ذلك 1,5 مليار دولارا سنويّا وعلى مدى عشرين سنة.
تدعّم الدّول الغربيّة فلاحتها عند الإنتاج والتصدير بمبلغ يُقَدَّر بـ350 مليار دولارا سنويّا وذلك لغزو الأسواق العالميّة ومزاحمة الإنتاج الزراعي لبلدان الجنوب.
تبلغ النفقات العسكريّة العالميّة 900 مليار دولارا سنويّا. وحدها هذه الإحصائيّات تعكس الحقائق. لن تتخلّى البلدان الغربيّة عن الفلاحة الكيميائيّة والصناعيّة التي تستهلك ما يقارب 90% من الماء. هناك سبيلان لا ثالث لهما: إمّا المواصلة في نفس الاختيارات أو توفير الماء الصالح للشراب لكلّ سكّان المعمورة. فهذه الزراعة العصريّة تصحّر التربة وتسمّم الحيوان والبشر وتلوّث مخزون المياه. قمّة الهذيان تتجلّى في النوعيّات الجديدة من الذّرة. تتطلّب زراعة هكتار من الذرة العصريّة 5 مليون لترا من الماء وترتفع هذه الكمّيّة إلى 8 مليون لترا إذا اعتبرنا تبخّر المياه أي أنّ توفير 1 كيلوغراما من الذرة يتطلّب بين ألف وألف ونصف لترا من الماء. إنّ هذا التبذير المهول للمياه لا يرتبط بزراعة هذا النبات. فمن المعلوم أنّ الذرة نبات يقاوم الجفاف. فالنوعيّات التقليديّة من الذرة يمكن لها أن تنبت حتّى في المناطق الصحراويّة بالمكسيك والأريزونا. فلقد قامت قبائل Hopis بزراعة الذرة على عمق 30 و40 سنتيمترا في التربة الصحراوية وقد دعّمتها بعصيّ مثبّتة للنبتة. لقد حوّلت الفلاحة العصريّة نبات الذرة إلى مضخ للماء.
بما أنّ مخزون المياه في تناقص مستمرّ وبما أنّ مؤسّسات الكيمياء لن تتراجع عن فلاحة المبيدات فلقد أعدّ لنا روّاد هندسة الجينات نوعيات من الذرّة التي يقولون أنّها مضادة للجفاف وتحمل جينات فيروسيّة وجينات المناعة تجاه المضادات الحيويّة وبطبيعة الحال جينات تجعل من النّبات يتقبّل كميّات لا حصر لها من المبيدات.
إليكم بعض الأرقام الرسميّة الخاصّة باستهلاك المياه وذلك في علاقة بمختلفة أنواع الزراعات وقطاعات الفلاحة (مراجع المنظمة العالمية للأغذية والزراعة). .
* لتوفير 1 كيلوغراما من البطاطا نستهلك 500 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من العلف نستهلك ألف لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من الذرّة نستهلك 1900 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من الصويا نستهلك 2000 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من لحم الدجاج نستهلك 6800 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كليوغراما من لحم الخنزير نستهلك 13700 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من لحم البقر نستهلك بين 44 ألف لترا من الماء و70 ألف لترا من الماء (حسب دراسة أعدّتها منظّمة الأمم المتّحدة).
* 50 % من محصول الزراعة العالمي مخصص للماشية
* 64 %من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة مخصص لإنتاج اللحوم
* يمثل سكان البلدان الغربية 26 % من سكان العالم ويستهلكون 56 % من المواد الغذائية.
* في أوروبا تستعمل الفلاحة الصناعية 500 نوعا من المبيدات
* في سنة 1998 بلغ استهلاك أوروبا من المضادات الحيوية (بما في ذلك المستعملة في التربية الصناعية للماشية) 11 ألف طنا بينما بلغ في نفس الفترة بكندا 20 ألف طنا
من المعلوم أنّ استهلاك اللّحوم في تصاعد مستمرّ وهذا بارتباط بانتشار محلاّت الأكلات السريعة حيث ارتفع من 44 مليون طن سنة 1950 إلى 265 مليون طن سنة 2005.
في الولايات المتّحدة الأمريكيّة 65% من الإنتاج الزراعي مخصّص لغذاء الماشية (بينما لا تبلغ هذه النسبة سوى 1% في الهند). بلغ الإنتاج العالمي للحبوب 1985 مليون طن 60% منها مخصّص لاستهلاك البشر و35% تقدّم غذاء للماشية بينما يُخصّص 1% للمحروقات. يجب توفير 50 حريرة من الماء للحصول على حريرة من اللّحم.
لنفترض أننّا نستحمّ كلّ يوم لمدّة 5 دقائق (حمام رشاش) بمقدار 18 لترا من الماء في الدقيقة.
إذا اعتبرنا كمّيّة الماء الضروريّة لإنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر فكم يسمح لنا إنتاج 1 كليوغرام من لحم البقر من حمّام رشاش؟ ثلاث سنوات من الحمّام الرشاش يوميّا !!!
تتعمّق أزمة المياه إذا علمنا أنّ عديد المؤسّسات العالميّة قد انطلقت في إنتاج المحروقات النباتيّة الذي يتطلّب كمّيّات هائلة من الماء. فهذه المحروقات الناخرة التي ستعوّض نسبة من المحروقات النفطيّة تنتشر في المساحات الزراعيّة كالطاعون. فلإنتاج لتر واحد من مادّة الإيثانول لا بدّ من توفير 3600 لتر من الماء (ويتطلّب ذلك حرق 2,5 كيلوغراما من الذرة). في سنة 2006 وقع حرق 20% من إنتاج الولايات المتّحدة الأمريكيّة من الذرة لإنتاج الإيثانول (أي 55 مليون طنّا من جملة 270 مليون طنا).
تتجلّى الظاهرة السلبيّة الأولى للفلاحة العصريّة والكيميائيّة في القضاء على الغطاء النباتي للهضاب وهذا جليّ بالخصوص في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأستراليا وكازخستان وهذا بارتباط بتعميم الحرث. إنّه من اليسير جدّا على طفل من إحدى القبائل "الأميرنديّة" أن يبيّن خور هذا الهذيان الذي روّج له المهندسون الزراعيون منذ أواخر القرن التاسع عشر. فدورات الجفاف والعواصف وحدها كفيلة بتفنيد الموقف الداعي لتعميم حرث المناطق الشاسعة. أمّا الجانب السلبي الثاني فيكمن في القضاء على الطبقة السطحيّة للتربة التي تتحوّل إلى مجرّد مجرى أو شبه بناء إسمنتي تسيل فوقه المياه. فلقد فقدت التربة كلّ قدرة على تثبيت المياه وامتصاصها بما يضمن نموّا متوازنا للنباتات والزراعات المعدّة للغذاء. لقد تعمّقت هذه الأزمة بالقضاء على مجموعات الدّيدان كنتيجة للمكننة المكثّفة للزراعة وتستيف الأرض والاستعمال المكثّف للمبيدات والأسمدة. دفع تدهور البنية الهيكلية للتربة إلى اللجوء إلى الريّ المكثّف وقد ساعد ظهور الآلات الميكانيكية الخاصّة برشّ الماء على ذلك. لقد أدّى الريّ المكثّف إلى ارتفاع نسبة ملوحة الأرض وذلك في كلّ المناطق الزراعية للكرة الأرضيّة. أمّا الظاهرة السلبيّة الثالثة فتتجلّى في القضاء على الغابات. فلقد وقع القضاء على 300 مليون هكتارا من الغابات الاستوائيّة لتهيئتها للزراعة (زراعة الحبوب والصويا...) إنّها حقا لكارثة عالمية لأنّ هذه الغابات ليست فقط الرّئة التي تتنفّس بها ولكنّها تمثّل مخزونا هائلا للمياه تمتصّها التربة وتثبتها بينما يؤدّي القضاء على الغابات إلى تناقص الأمطار ويتسبّب في الجفاف ويساهم في انخرام التوازن ويزيد من حدة التقلبات المناخية.
لقد فات الأوان ولم يعد بالإمكان للأرض أن تتقبّل هذه الاعتداءات دون أن تردّ الفعل. فهذه أكوام الثلج تذوب وهذه الكوارث الطبيعيّة تزداد حدّة. في أفريل 2007 تأكّد لدى الخبراء والمختصّين أنّ أكوام الثلج بجبال الهيمالايا ستذوب بحلول سنة 2025 وقد نزل هذا الخبر على الهند نزول الصاعقة. فأكوام ثلج جبال الهيمالايا تمثل مصدرا للمياه لـ 7 أنهار هنديّة. سيؤدّي ذوبان الثلوج في مرحلة أولى إلى حدوث فيضانات مدمّرة وحالات انزلاق للأرض وصولا إلى تناقص مصادر المياه بصفة تنذر بالخطر. يقترح البعض من المسؤولين والخبراء تهجير مئات الملايين من المزارعين ولكن إلى أين خصوصا إذا علمنا ارتفاع مستوى المحيطات الذي سيغطّي جزءا من الدّلتا ومن بنغلادش. تواجه أمريكا اللاّتينيّة نفس المعضلة. فسيؤدّي ذوبان ثلوج منطقة Les Andes إلى استحالة العيش في جزء هام من هذه القارّة. كانت أكوام الثلج تمثّل 70% من مخزون المياه العذبة. فالقضاء عليها يعني حدوث كوارث قد يعجز الخيال عن تصوّر هولها وخطورتها.
أمّا تلوّث المياه بالمواد الكيميائيّة فهو ينذر ببروز آفات وأمراض وأوبئة. في فرنسا وحسب دراسة رسميّة لسنة 2005 تبيّن أنّ 96% من مجاري المياه و61 % من الطبقات المائية الجوفيّة ملوّثة بـ 230 نوعا من المبيدات كالأترازين Atrazine التي تتسبّب في سرطان الثدي والبويضات وأمراض القلب والشرايين وأمراض العضلات والكلى والرّئتين. أمّا في كندا والولايات المتحدة الأمريكيّة فلقد أكّدت دراسات رسميّة تلوّث المياه بعديد المواد السامّة كالـ Estrone وEthylestradiol (وهما متأتيتان من الحبوب المانعة للحمل) ومضادات الالتهاب ومواد مضادة للسرطان ومهدئات... في الولايات المتحدة الأمريكيّة يخضع كلّ سنة مليون مواطن مصاب بالسّرطان للعلاج الكيميائي. تخلّف المواد الكيميائيّة المضادّة للسرطان 650 ألف طنا من النفايات التي يقع صرفها في القنوات. تحافظ هذه المواد على فاعليتها حتى بعد معالجة المياه المستعملة وهذه المواد تتسبّب في حدوث طفرات وحالات سرطان كما تتسبّب في تشوّهات خلقيّة للجنين. في كندا أثبت عالمان مختصّان أنّ سمومة الماء المعالج في محطّتي مونتريال وSaint Laurent ناتجة عن المواد المتأتّية من المصانع بنسبة 10% إلى 15% . إذن يعود تسمّم مياه الصرف أيضا إلى مواد أخرى. في سنة 2005 قدّم أحد الطلبة السويسريين أطروحة دكتوراه حول تلوّث المحيط بالمواد الصيدليّة وخلص إلى وجود عديد الأدوية المتداولة والمعروفة. وقعت دراسة 5 مواد صيدليّة وهي :
Acide clofibrique, Ibuprofène, Kétoprofène, Acide méfanimique, Diclofénac. تبيّن أنّها متواجدة في مجاري المياه.
لقد قضت الفلاحة المصنّعة والكيميائيّة على دود الأرض هذه الكائنات التي تساهم بصفة مباشرة في خصوبة التربة. فهي "تحرث" الأرض وتغوص في الطبقات العميقة للتربة حاملة معها المواد العضوية التي تحصّلت عليها من سطح الأرض. كذلك تساهم هذه الكائنات في تهوئة التربة حيث أنها تحفر ما يقارب الـ5 آلاف كيلومترا من الممرّات في الهكتار الواحد وبذلك يمكن للأرض أن تمتصّ كميّات هامّة من المياه. كذلك يقوم دود الأرض بهضم الكائنات العضوية. فطنّ واحد من الدّود في الهكتار الواحد قادر على هضم 400 طنا من المواد العضوية. لقد هجر دود الأرض المزارع التي تحوّلت إلى مزابل للمواد السامّة من مبيدات وأسمدة. إذا اعتبرنا أنّ المساحة المخصّصة للزراعة العضويّة لا تتعدّى 2% (وهي في تصاعد مستمرّ في العقود الأخيرة) يمكن القول أنّ 98% من دود الأرض قد اضمحلّ. من بين العوامل التي أدّت إلى اندثار دود الأرض نذكر : الحرث وقلب التربة وتعريض الدود للحشرات، تستيف الأرض بالجرارات الثقيلة والضخمة، النقص في المواد العضويّة المغذية للدود، المبيدات...
يمكن أن تتكدّس المواد الكيميائيّة كالرّصاص وDDT في الدود بكثافة تفوق النسبة التي توجد في التربة بـ 150 مرّة. تتوجّه البحوث اليوم لـ"صنع" دود أرض محوّر جينيّا قادر على تقبّل كميات كبيرة من المبيدات والمواد الكيميائيّة.
لقد تراجعت المساحة المخصّصة للزراعة بالنسبة للفرد الواحد. فلقد كانت 0,32 هكتارا سنة 1961 (بالنسبة لعدد من السكّان يساوي 3,2 مليار نسمة) وأصبحت 0.21 هكتارا سنة 1999 (بالنسبة لمجمل السكّان يساوي 6 مليار نسمة) وستصبح 0,16 هكتارا سنة 2030. في سنة 2014 ستصبح المساحة المخصّصة للزراعة بالنسبة للفرد الواحد في بلدان الجنوب 0,09 هكتارا وستتراجع إلى 0,080 هكتارا للفرد الواحد في الصين.
في سنة 2006 لم تنتج استراليا سوى 10 مليون طنا من القمح مقابل 21 مليون طنا المرجوّة. في هذه السّنة تعقّدت الأمور نتيجة لتأخّر نزول الأمطار. في الصّين الشعبيّة تراجع إنتاج القمح في السنوات الأخيرة إلى أقل من 100 مليون طن بينما بلغ الإنتاج 127 مليون طنا سنة 1997. من بين أسباب تراجع الإنتاج تناقص مصادر المياه. في الحقيقة تواجه البلدان المنتجة للحبوب كالولايات المتّحدة الأمريكيّة والصّين والهند واستراليا وفرنسا خطر تناقص المياه. فعلى سبيل المثال تخلّى جزء هام من المزارعين من المناطق الجنوبيّة الغربيّة لفرنسا عن زراعة الذرّة المرويّة لعدم توفّر المياه الضروريّة.
على المستوى العالمي تراجع مخزون القمح إلى أدنى مستواه. ففي سنة 2006 كان مخزون العالم من القمح قادرا فقط على تغطية 57 يوما من الحاجيات. فلقد ارتفع سعر الذُّرة في الولايات المتحدة الأمريكية ب115 بالمائة في ظرف 15 شهرا (20 بالمائة من الذرة أصبحت مخصصة للمحروقات).
خلاصة الأمر أن إنتاج الأرض من المواد الزراعية سيعرف تراجعا مستمرا ويقدّر الخبراء أن سنة 2050 ستكون سنة العجز الكبير في المواد الزراعية. عندها سينزل الستار خصوصا إذا اعتبرنا التقلبات المناخية وارتفاع مستوى المحيطات وتزايد نسبة الأراضي المخصصة للمحروقات النباتية والتي تستهلك كميات هامة من الماء وتقضي على مساحات شاسعة من الغابات.
تسونامي الغذاء آت لا ريب فيه وهذا بشهادة الخبراء والمختصين. لكن ما الذي يجعل الإنسان يمعن في انتهاج نفس الطرق والاختيارات؟
صرح أحدهم : "إنها نفس العقلانية المنفلتة من عقالها والتي قضت في بضع سنوات على السكان الأصليين بأستراليا والذين عاشوا في هذا البلد منذ أكثر من 40 ألف سنة."
يقول المفكر سارج لاتوش : "عندما تعشش في أمخاخنا مطرقة تبدو لنا كل الأشياء في شكل مسامير" ولقد تسمرت مخاييل العالم على المراكمة وزيادة الإنتاج والاستهلاك والتحكم المطلق في الكون فإذا بالقوة تتحول إلى ضعف وإذا بالتحكم يصبح تبعية.
طبيب تونسي عضو في هيئة تحرير مجلة بدائل الصادرة من باريس
في ظرف 20 سنة تخلّت كازاخستان عن زراعة القمح في مساحة تضاهي مساحة الأرض المزروعة قمحا بالكندا. تُرى كم من ألف سنة تحتاجها كازاخستان لكي تسترجع التربة المخرّبة خصوبتها بعد أن أتى عليها الانجراف الناتج عن الرّياح؟
يمكن أن تمتدّ آثار الانجراف الذي تسبّبه الرّياح من قارة لأخرى تماما كما هي الحال بالنسبة لسحاب تشرنوبيل الذي امتدّ ليبلغ أوروبا وبعض مناطق من إفريقيا.
في سنة 2001 انطلقت عاصفة رمليّة هوجاء امتدّت على طول 1800 كيلومترا من الصين باتّجاه أمريكيا حاملة معها ملايين الأطنان من التربة. فلقد غطّت كثبان الرمل الجزء الغربي من الأريزونا والكندا. كذلك تتعرّض كوريا الجنوبيّة بصفة دوريّة لعواصف رمليّة هوجاء مصدرها الصّين. في أواخر أفريل 2007 تعرّضت كوريا لمثل هذه العواصف. في 1 أفريل 2007 ضربت عاصفة أخرى صحراء Kubiqi بالصين وأحدثت حالة من الفزع في شبه الجزيرة الكورية. تكمن خطورة هذه العواصف أيضا في كمّيّة المواد الملوّثة التي تنقلها من المصانع الصينيّة والتي تتسبّب في أمراض الجهاز التنفّسي والأمراض الجلديّة كما تؤثّر هذه العواصف في المزارع. للتذكير فإنّ صحراء Kubiqi لم تتحوّل إلى صحراء سوى منذ 30 سنة فلقد كانت مراعي خضراء ممتدّة يقصدها الرّعاة المنغوليّون. حسب السيّد Wang Tao عضو الأكاديميّة القوميّة الصينيّة للعلوم فقد هجر السكّان 24 ألف قرية غطّتها كثبان الرّمال وذلك خلال النصف الثاني من القرن الماضي. فبين سنة 1950 وسنة 1975 خسرت الصّين سنويّا 175 ألف هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي. بين سنة 1975 وسنة 1987 تسبّب التصحّر في القضاء على 200 ألف هكتارا سنويّا. بين سنة 1987 وسنة 2000 تلاشت سنويّا 300 ألف هكتارا. إذا استمرّ التصحّر بهذه الوتيرة فستخسر الصين 400 ألف هكتارا سنويّا ابتداء من سنة 2012. في سنة 2006 تسبّبت العواصف في تلوّث هواء نصف المدن الصينيّة. في 20 أفريل 2006 غطّت العواصف العاصمة الصينيّة بـ300 ألف طنّا من الرّمال والأغبرة. في سنة 2007 حصلت العواصف الرّمليّة في التيبت شهرَيْن قبل موعدها المرتقب والمعتاد.
لقد عمّقت الزراعة المصنّعة و"المعسكرة" تأثير العواصف الرّمليّة وزادت في خطورتها وهذا جليّ في إفريقيا وآسيا وأمريكيا الشماليّة.
بين 1956 وسنة 1996 وقع التخلّي عن 1,5 مليار هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة التي تضرّرت من التصحّر. يمثّل ذلك ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. خلال العشرين سنة الأخيرة وقع القضاء على 300 مليون هكتارا (أي 6 مرّات مساحة فرنسا) من الغابات الاستوائيّة وذلك لتهيئتها للزراعات الكبرى والمراعي ومزارع النخيل المنتج للزيوت والكاوتش والصويا وقصب السكر وزراعات أخرى.
كلّ ساعة يتصحّر 1370 هكتارا من الأراضي في العالم وكلّ سنة يتصحّر 12 مليون هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة.
في الهند يتصحّر كلّ سنة 2,5 مليون هكتارا. في سنة 2000 قُدِّرَت المساحة الجمليّة الصالحة للزراعة في الهند بـ150 مليون هكتارا. إذا تواصل إهدار هذه المساحات بفعل التصحّر فلن يبق بالهند غرام واحد من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول سنة 2060. لكن السيناريو الأكثر احتمالا هو أنّ تعمّق الكوارث الطبيعيّة والتغيّرات المناخيّة هذه الأزمة وفي هذه الحالة ستمّحي الأراضي الصالحة للزراعة بحلول سنة 2050.
تُقدّر كمّيّة التربة التي تضمحلّ بفعل التصحّر الناتج عن المياه والرّياح بـ25 مليار طن في السنة. بعض التقديرات تشير إلى أنّه في كلّ ثانية يضمحلّ 2400 طنّا من التربة التي تحملها الرّياح إلى أعماق المحيطات أي 76 مليار طنّا سنويّا. تخسر كوستاريكا كلّ سنة مليار طن من التربة وكذلك الحال بالنسبة لجزيرة Java وأثيوبيا.
أعلى مستويات الانجراف في العالم تعرفها الصين الشعبيّة. فكلّما وقع الحصول على طنّ من الغذاء اندثر 18 طنّا من التربة. تقدّر الإحصائيّات الرسميّة الصينيّة خسارة التربة سنويّا بـ5 مليارا من الأطنان.
في إيران وحسب السيّد محمّد جاريان المسؤول عن قطاع مقاومة التصحّر فلقد قُبرت 124 قرية من منطقة سيستان-بالوشستان في سنة 2002 وهجرها سكّانها. في الشمال الغربي من أفغانستان تغطّي أكوام الرّمال البالغة من الارتفاع 15 مترا الحقول والطرقات.
في نيجيريا يتصحّر سنويّا 350 ألف هكتارا من الأراضي الصالحة للزراعة. للتذكير فلقد ارتفع عدد السكّان من 33 مليونا سنة 1950 إلى 132 مليونا في سنة 2005 وزادت رؤوس الأبقار والأغنام في نفس هذه الفترة من 6 مليون رأسا إلى 66 مليون رأسا.
تكمن أسباب التصحّر في إفريقيا في النشاطات الزراعيّة غير المستديمة والرعي الجائر والحرائق وتجارة فحم الخشب المعدّ لسكّان المدن.
تخسر مدغشقر 400 طنّا من التربة في الهكتار الواحد وفي السنة. في المكسيك يُجبر التصحّر 700 ألف مزارعا على هجرة المناطق الريفيّة ويدفع بهم إلى المدن القصديريّة أو إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
أمّا في أستراليا فإنّ مصطلح كارثة يعجز عن التعبير عن واقع التصحّر. للسنة السابعة تعيش أستراليا حالة جفاف مثيرة للفزع. فهذا البلد هو المهدّد أكثر من غيره بالملوحة والتصحّر. ففي بعض الأراضي الأستراليّة تبلغ درجة ملوحة الأرض 3 مرّات ملوحة مياه المحيط. فعلى مدى قرن ونصف حوّلت الفلاحة المصنّعة والكيمائية والرّعي الجائر أستراليا إلى شبه صحراء. فلقد حقّقت أستراليا في هذا المجال رقما قياسيّا فاق الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فبينما خسرت هذه الأخيرة خلال الـ150 سنة الأخيرة 75% من الدّبال (Humus) أي الطبقة العليا من التربة الصالحة للزراعة فلقد خسرت أستراليا 150 سنتمترا من التربة التي ضاعت في المحيطات دون عودة.
في المناطق الحارة يتطلّب استرجاع 2,5 سنتمترا من التربة 500 سنة أي أنّه علينا ترقّب 30 ألف سنة كي تستعيد التربة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لحيويّتها.
في أوروبا يتسبّب الانجراف في خسارة 17 طنّا من التربة في الهكتار الواحد وفي السنة. في فرنسا وبالذات في منطقة Pas de Calais تخسر التربة سنويّا بين 10 و100 طنّا في الهكتار الواحد. إذا تسبّب الانجراف في خسارة 100 طنّا في الهكتار فإنّ استعادة هذه الكمّيّة يتطلّب 100 سنة (بما أنّ تكوين التربة لا يتجاوز طنّا في السنة). أمّا استرجاع تربة لأرض مزروعة لفتا سكريا لمدّة عشرين سنة فيتطلّب ألفيْ سنة ! تدهور التربة لا يعود فقط للانجراف بل وأيضا لأسباب أخرى كاستعمال المبيدات. جزء هام من أراضي أوروبا أصبح غير صالح للزراعة وسيصبح من الصّعب جدّا العودة إلى الفلاحة العضويّة حيث فقدت التربة مكوّناتها العضويّة وديدانها وأصبحت "تطلب" مزيدا من الأسمدة والمبيدات. لقد "تعسكرت" الفلاحة العصريّة بـ"قنابل" المبيدات وأصبحت تنتج مواد غذائيّة تحوي عديد السموم والمواد الكيميائيّة المضرّة بالصحّة.
أعلنت منظّمة الأمم المتّحدة سنة 2006 "السنة العالميّة للتصحّر". لكن اللّجنة المكلّفة بتوجيه برامج مقاومة التصحّر تفتقد للوسائل الماليّة الضروريّة لإنجاز مهامها وأهدافها على أحسن وجه.
من ناحية أخرى خصّصت منظّمة الأمم المتّحدة "يوما عالميّا للماء" تماما كما خصّصت يوما للمرأة وآخر للطفولة وقد نشهد يوما للتربة وآخر لدود الأرض ومن يدرِ ستطلع علينا أياما أخرى. هي فرصة لمحترفي الخطب بأن يذرفوا دموع التماسيح على مصير النساء والأطفال والمياه والمضطهدين وبعد مرور اليوم نطوي الصفحة وندخل عالم الحقيقة، عالم الإنتاج والإنتاجيّة والاستهلاك والتلويث والتخريب وكلّها تمتدّ على مدى كامل أيام السنة. هناك 2,6 مليار نسمة محرومون من الصّرف الصحّي بينما لا يتمتّع 1,3 مليار نسمة بالماء الصالح للشراب. كلّ سنة يموت 2 مليون طفلا لا يبلغون الخمس سنوات من جرّاء الإسهال الناتج عن تلوّث المياه الصالحة للشراب.
إليكم بعض الأرقام :
بُعث صندوق البيئة العالمي FEM التابع للأمم المتّحدة في سنة 1990 وذلك لتقديم الدعم المالي الضروري لمواجهة القضايا البيئيّة الخاصّة ببلدان الجنوب. خصّص لهذا الصندوق 2 مليار دولارا سنويّا.
لتوفير الماء الصالح للشراب لـ300 مليون إفريقي وضمان صرف المياه لـ80% منهم يتطلّب ذلك 1,5 مليار دولارا سنويّا وعلى مدى عشرين سنة.
تدعّم الدّول الغربيّة فلاحتها عند الإنتاج والتصدير بمبلغ يُقَدَّر بـ350 مليار دولارا سنويّا وذلك لغزو الأسواق العالميّة ومزاحمة الإنتاج الزراعي لبلدان الجنوب.
تبلغ النفقات العسكريّة العالميّة 900 مليار دولارا سنويّا. وحدها هذه الإحصائيّات تعكس الحقائق. لن تتخلّى البلدان الغربيّة عن الفلاحة الكيميائيّة والصناعيّة التي تستهلك ما يقارب 90% من الماء. هناك سبيلان لا ثالث لهما: إمّا المواصلة في نفس الاختيارات أو توفير الماء الصالح للشراب لكلّ سكّان المعمورة. فهذه الزراعة العصريّة تصحّر التربة وتسمّم الحيوان والبشر وتلوّث مخزون المياه. قمّة الهذيان تتجلّى في النوعيّات الجديدة من الذّرة. تتطلّب زراعة هكتار من الذرة العصريّة 5 مليون لترا من الماء وترتفع هذه الكمّيّة إلى 8 مليون لترا إذا اعتبرنا تبخّر المياه أي أنّ توفير 1 كيلوغراما من الذرة يتطلّب بين ألف وألف ونصف لترا من الماء. إنّ هذا التبذير المهول للمياه لا يرتبط بزراعة هذا النبات. فمن المعلوم أنّ الذرة نبات يقاوم الجفاف. فالنوعيّات التقليديّة من الذرة يمكن لها أن تنبت حتّى في المناطق الصحراويّة بالمكسيك والأريزونا. فلقد قامت قبائل Hopis بزراعة الذرة على عمق 30 و40 سنتيمترا في التربة الصحراوية وقد دعّمتها بعصيّ مثبّتة للنبتة. لقد حوّلت الفلاحة العصريّة نبات الذرة إلى مضخ للماء.
بما أنّ مخزون المياه في تناقص مستمرّ وبما أنّ مؤسّسات الكيمياء لن تتراجع عن فلاحة المبيدات فلقد أعدّ لنا روّاد هندسة الجينات نوعيات من الذرّة التي يقولون أنّها مضادة للجفاف وتحمل جينات فيروسيّة وجينات المناعة تجاه المضادات الحيويّة وبطبيعة الحال جينات تجعل من النّبات يتقبّل كميّات لا حصر لها من المبيدات.
إليكم بعض الأرقام الرسميّة الخاصّة باستهلاك المياه وذلك في علاقة بمختلفة أنواع الزراعات وقطاعات الفلاحة (مراجع المنظمة العالمية للأغذية والزراعة). .
* لتوفير 1 كيلوغراما من البطاطا نستهلك 500 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من العلف نستهلك ألف لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من الذرّة نستهلك 1900 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من الصويا نستهلك 2000 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من لحم الدجاج نستهلك 6800 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كليوغراما من لحم الخنزير نستهلك 13700 لترا من الماء.
* لتوفير 1 كيلوغراما من لحم البقر نستهلك بين 44 ألف لترا من الماء و70 ألف لترا من الماء (حسب دراسة أعدّتها منظّمة الأمم المتّحدة).
* 50 % من محصول الزراعة العالمي مخصص للماشية
* 64 %من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة مخصص لإنتاج اللحوم
* يمثل سكان البلدان الغربية 26 % من سكان العالم ويستهلكون 56 % من المواد الغذائية.
* في أوروبا تستعمل الفلاحة الصناعية 500 نوعا من المبيدات
* في سنة 1998 بلغ استهلاك أوروبا من المضادات الحيوية (بما في ذلك المستعملة في التربية الصناعية للماشية) 11 ألف طنا بينما بلغ في نفس الفترة بكندا 20 ألف طنا
من المعلوم أنّ استهلاك اللّحوم في تصاعد مستمرّ وهذا بارتباط بانتشار محلاّت الأكلات السريعة حيث ارتفع من 44 مليون طن سنة 1950 إلى 265 مليون طن سنة 2005.
في الولايات المتّحدة الأمريكيّة 65% من الإنتاج الزراعي مخصّص لغذاء الماشية (بينما لا تبلغ هذه النسبة سوى 1% في الهند). بلغ الإنتاج العالمي للحبوب 1985 مليون طن 60% منها مخصّص لاستهلاك البشر و35% تقدّم غذاء للماشية بينما يُخصّص 1% للمحروقات. يجب توفير 50 حريرة من الماء للحصول على حريرة من اللّحم.
لنفترض أننّا نستحمّ كلّ يوم لمدّة 5 دقائق (حمام رشاش) بمقدار 18 لترا من الماء في الدقيقة.
إذا اعتبرنا كمّيّة الماء الضروريّة لإنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر فكم يسمح لنا إنتاج 1 كليوغرام من لحم البقر من حمّام رشاش؟ ثلاث سنوات من الحمّام الرشاش يوميّا !!!
تتعمّق أزمة المياه إذا علمنا أنّ عديد المؤسّسات العالميّة قد انطلقت في إنتاج المحروقات النباتيّة الذي يتطلّب كمّيّات هائلة من الماء. فهذه المحروقات الناخرة التي ستعوّض نسبة من المحروقات النفطيّة تنتشر في المساحات الزراعيّة كالطاعون. فلإنتاج لتر واحد من مادّة الإيثانول لا بدّ من توفير 3600 لتر من الماء (ويتطلّب ذلك حرق 2,5 كيلوغراما من الذرة). في سنة 2006 وقع حرق 20% من إنتاج الولايات المتّحدة الأمريكيّة من الذرة لإنتاج الإيثانول (أي 55 مليون طنّا من جملة 270 مليون طنا).
تتجلّى الظاهرة السلبيّة الأولى للفلاحة العصريّة والكيميائيّة في القضاء على الغطاء النباتي للهضاب وهذا جليّ بالخصوص في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأستراليا وكازخستان وهذا بارتباط بتعميم الحرث. إنّه من اليسير جدّا على طفل من إحدى القبائل "الأميرنديّة" أن يبيّن خور هذا الهذيان الذي روّج له المهندسون الزراعيون منذ أواخر القرن التاسع عشر. فدورات الجفاف والعواصف وحدها كفيلة بتفنيد الموقف الداعي لتعميم حرث المناطق الشاسعة. أمّا الجانب السلبي الثاني فيكمن في القضاء على الطبقة السطحيّة للتربة التي تتحوّل إلى مجرّد مجرى أو شبه بناء إسمنتي تسيل فوقه المياه. فلقد فقدت التربة كلّ قدرة على تثبيت المياه وامتصاصها بما يضمن نموّا متوازنا للنباتات والزراعات المعدّة للغذاء. لقد تعمّقت هذه الأزمة بالقضاء على مجموعات الدّيدان كنتيجة للمكننة المكثّفة للزراعة وتستيف الأرض والاستعمال المكثّف للمبيدات والأسمدة. دفع تدهور البنية الهيكلية للتربة إلى اللجوء إلى الريّ المكثّف وقد ساعد ظهور الآلات الميكانيكية الخاصّة برشّ الماء على ذلك. لقد أدّى الريّ المكثّف إلى ارتفاع نسبة ملوحة الأرض وذلك في كلّ المناطق الزراعية للكرة الأرضيّة. أمّا الظاهرة السلبيّة الثالثة فتتجلّى في القضاء على الغابات. فلقد وقع القضاء على 300 مليون هكتارا من الغابات الاستوائيّة لتهيئتها للزراعة (زراعة الحبوب والصويا...) إنّها حقا لكارثة عالمية لأنّ هذه الغابات ليست فقط الرّئة التي تتنفّس بها ولكنّها تمثّل مخزونا هائلا للمياه تمتصّها التربة وتثبتها بينما يؤدّي القضاء على الغابات إلى تناقص الأمطار ويتسبّب في الجفاف ويساهم في انخرام التوازن ويزيد من حدة التقلبات المناخية.
لقد فات الأوان ولم يعد بالإمكان للأرض أن تتقبّل هذه الاعتداءات دون أن تردّ الفعل. فهذه أكوام الثلج تذوب وهذه الكوارث الطبيعيّة تزداد حدّة. في أفريل 2007 تأكّد لدى الخبراء والمختصّين أنّ أكوام الثلج بجبال الهيمالايا ستذوب بحلول سنة 2025 وقد نزل هذا الخبر على الهند نزول الصاعقة. فأكوام ثلج جبال الهيمالايا تمثل مصدرا للمياه لـ 7 أنهار هنديّة. سيؤدّي ذوبان الثلوج في مرحلة أولى إلى حدوث فيضانات مدمّرة وحالات انزلاق للأرض وصولا إلى تناقص مصادر المياه بصفة تنذر بالخطر. يقترح البعض من المسؤولين والخبراء تهجير مئات الملايين من المزارعين ولكن إلى أين خصوصا إذا علمنا ارتفاع مستوى المحيطات الذي سيغطّي جزءا من الدّلتا ومن بنغلادش. تواجه أمريكا اللاّتينيّة نفس المعضلة. فسيؤدّي ذوبان ثلوج منطقة Les Andes إلى استحالة العيش في جزء هام من هذه القارّة. كانت أكوام الثلج تمثّل 70% من مخزون المياه العذبة. فالقضاء عليها يعني حدوث كوارث قد يعجز الخيال عن تصوّر هولها وخطورتها.
أمّا تلوّث المياه بالمواد الكيميائيّة فهو ينذر ببروز آفات وأمراض وأوبئة. في فرنسا وحسب دراسة رسميّة لسنة 2005 تبيّن أنّ 96% من مجاري المياه و61 % من الطبقات المائية الجوفيّة ملوّثة بـ 230 نوعا من المبيدات كالأترازين Atrazine التي تتسبّب في سرطان الثدي والبويضات وأمراض القلب والشرايين وأمراض العضلات والكلى والرّئتين. أمّا في كندا والولايات المتحدة الأمريكيّة فلقد أكّدت دراسات رسميّة تلوّث المياه بعديد المواد السامّة كالـ Estrone وEthylestradiol (وهما متأتيتان من الحبوب المانعة للحمل) ومضادات الالتهاب ومواد مضادة للسرطان ومهدئات... في الولايات المتحدة الأمريكيّة يخضع كلّ سنة مليون مواطن مصاب بالسّرطان للعلاج الكيميائي. تخلّف المواد الكيميائيّة المضادّة للسرطان 650 ألف طنا من النفايات التي يقع صرفها في القنوات. تحافظ هذه المواد على فاعليتها حتى بعد معالجة المياه المستعملة وهذه المواد تتسبّب في حدوث طفرات وحالات سرطان كما تتسبّب في تشوّهات خلقيّة للجنين. في كندا أثبت عالمان مختصّان أنّ سمومة الماء المعالج في محطّتي مونتريال وSaint Laurent ناتجة عن المواد المتأتّية من المصانع بنسبة 10% إلى 15% . إذن يعود تسمّم مياه الصرف أيضا إلى مواد أخرى. في سنة 2005 قدّم أحد الطلبة السويسريين أطروحة دكتوراه حول تلوّث المحيط بالمواد الصيدليّة وخلص إلى وجود عديد الأدوية المتداولة والمعروفة. وقعت دراسة 5 مواد صيدليّة وهي :
Acide clofibrique, Ibuprofène, Kétoprofène, Acide méfanimique, Diclofénac. تبيّن أنّها متواجدة في مجاري المياه.
لقد قضت الفلاحة المصنّعة والكيميائيّة على دود الأرض هذه الكائنات التي تساهم بصفة مباشرة في خصوبة التربة. فهي "تحرث" الأرض وتغوص في الطبقات العميقة للتربة حاملة معها المواد العضوية التي تحصّلت عليها من سطح الأرض. كذلك تساهم هذه الكائنات في تهوئة التربة حيث أنها تحفر ما يقارب الـ5 آلاف كيلومترا من الممرّات في الهكتار الواحد وبذلك يمكن للأرض أن تمتصّ كميّات هامّة من المياه. كذلك يقوم دود الأرض بهضم الكائنات العضوية. فطنّ واحد من الدّود في الهكتار الواحد قادر على هضم 400 طنا من المواد العضوية. لقد هجر دود الأرض المزارع التي تحوّلت إلى مزابل للمواد السامّة من مبيدات وأسمدة. إذا اعتبرنا أنّ المساحة المخصّصة للزراعة العضويّة لا تتعدّى 2% (وهي في تصاعد مستمرّ في العقود الأخيرة) يمكن القول أنّ 98% من دود الأرض قد اضمحلّ. من بين العوامل التي أدّت إلى اندثار دود الأرض نذكر : الحرث وقلب التربة وتعريض الدود للحشرات، تستيف الأرض بالجرارات الثقيلة والضخمة، النقص في المواد العضويّة المغذية للدود، المبيدات...
يمكن أن تتكدّس المواد الكيميائيّة كالرّصاص وDDT في الدود بكثافة تفوق النسبة التي توجد في التربة بـ 150 مرّة. تتوجّه البحوث اليوم لـ"صنع" دود أرض محوّر جينيّا قادر على تقبّل كميات كبيرة من المبيدات والمواد الكيميائيّة.
لقد تراجعت المساحة المخصّصة للزراعة بالنسبة للفرد الواحد. فلقد كانت 0,32 هكتارا سنة 1961 (بالنسبة لعدد من السكّان يساوي 3,2 مليار نسمة) وأصبحت 0.21 هكتارا سنة 1999 (بالنسبة لمجمل السكّان يساوي 6 مليار نسمة) وستصبح 0,16 هكتارا سنة 2030. في سنة 2014 ستصبح المساحة المخصّصة للزراعة بالنسبة للفرد الواحد في بلدان الجنوب 0,09 هكتارا وستتراجع إلى 0,080 هكتارا للفرد الواحد في الصين.
في سنة 2006 لم تنتج استراليا سوى 10 مليون طنا من القمح مقابل 21 مليون طنا المرجوّة. في هذه السّنة تعقّدت الأمور نتيجة لتأخّر نزول الأمطار. في الصّين الشعبيّة تراجع إنتاج القمح في السنوات الأخيرة إلى أقل من 100 مليون طن بينما بلغ الإنتاج 127 مليون طنا سنة 1997. من بين أسباب تراجع الإنتاج تناقص مصادر المياه. في الحقيقة تواجه البلدان المنتجة للحبوب كالولايات المتّحدة الأمريكيّة والصّين والهند واستراليا وفرنسا خطر تناقص المياه. فعلى سبيل المثال تخلّى جزء هام من المزارعين من المناطق الجنوبيّة الغربيّة لفرنسا عن زراعة الذرّة المرويّة لعدم توفّر المياه الضروريّة.
على المستوى العالمي تراجع مخزون القمح إلى أدنى مستواه. ففي سنة 2006 كان مخزون العالم من القمح قادرا فقط على تغطية 57 يوما من الحاجيات. فلقد ارتفع سعر الذُّرة في الولايات المتحدة الأمريكية ب115 بالمائة في ظرف 15 شهرا (20 بالمائة من الذرة أصبحت مخصصة للمحروقات).
خلاصة الأمر أن إنتاج الأرض من المواد الزراعية سيعرف تراجعا مستمرا ويقدّر الخبراء أن سنة 2050 ستكون سنة العجز الكبير في المواد الزراعية. عندها سينزل الستار خصوصا إذا اعتبرنا التقلبات المناخية وارتفاع مستوى المحيطات وتزايد نسبة الأراضي المخصصة للمحروقات النباتية والتي تستهلك كميات هامة من الماء وتقضي على مساحات شاسعة من الغابات.
تسونامي الغذاء آت لا ريب فيه وهذا بشهادة الخبراء والمختصين. لكن ما الذي يجعل الإنسان يمعن في انتهاج نفس الطرق والاختيارات؟
صرح أحدهم : "إنها نفس العقلانية المنفلتة من عقالها والتي قضت في بضع سنوات على السكان الأصليين بأستراليا والذين عاشوا في هذا البلد منذ أكثر من 40 ألف سنة."
يقول المفكر سارج لاتوش : "عندما تعشش في أمخاخنا مطرقة تبدو لنا كل الأشياء في شكل مسامير" ولقد تسمرت مخاييل العالم على المراكمة وزيادة الإنتاج والاستهلاك والتحكم المطلق في الكون فإذا بالقوة تتحول إلى ضعف وإذا بالتحكم يصبح تبعية.
طبيب تونسي عضو في هيئة تحرير مجلة بدائل الصادرة من باريس