1. مهاد نظري:
يتألف كتاب "الإخفاق الاجتماعي بين الجنس، الدين و الجريمة"، من مقدمة و ثلاثة فصول و خاتمة توزعت على 224 صفحة من الحجم المتوسط. انصب الفصل الأول منها حول دراسة موضوع الجنسانية بين حلم التحرر و الهيمنة الذكورية، في حين تصدى الفصل الثاني – و هو الذي سنتناوله بشيء من التفصيل بعد حين – للدين، من خلال محاولة موضعته بين الفهم الارثودوكسي (المرتبط سياسيا بالدولة الإسلامية) و بين التمثلات الشعبية له. أما الفصل الثالث و الأخير فقد تطرق لظاهرة العنف من خلال حصرها في تجسدين لها هما الجريمة و الإرهاب.
ان المتأمل في المواضيع التي طرقها الدكتور أبلال في كل فصل من الفصول المؤثثة لفضاء الكتاب و التي هي من التباين و الشساعة إلى الحد الذي يمكن لكل فصل منها أن يشكل بمفرده موضوع كتاب، لَيتبادر إلى ذهنه السؤال التالي:
هل من خيط ناظم بين هذه المواضيع يسوغ تواجدها مجتمعة بين دفتي كتاب واحد؟
سؤال مشروع و يزيد من مشروعيته بوح الباحث في مقدمة كتابه بأن مؤلفه لم يدبج مرة واحدة و حول موضوع مخصوص بل هو تجميع لسلسلة مقالات و حوارات نشرت هنا و هناك. و لأن الباحث ليس ممن تفوته مثل هذه الملاحظة، فقد سارع إلى رفع هذا "القلق" الذي يمكن أن يساور أي قارئ يكتفي بإطلالة خاطفة على فهرس المحتويات، بأن أشار في مقدمته إلى أن كل الظواهر المعالجة في الكتاب هي ظواهر اجتماعية، بمعنى أن المجتمع يشكل خلفية حاضنة لها. و قد يتولد عن هذا الكلام في البداية انطباع يدفع في اتجاه اعتبار ه مجرد تحصيل حاصل.
انطباع لا يُرفع، و لا نتمكن من التنصل منه إلا حينما ندرك مغزى ما أراد الباحث قوله و المتمثل في أن المجتمع – في حالة التوازن- "و من وجهة النظر الوظيفية (...) [يمثل] الخلفية النظرية لكل تحليل سوسيولوجي يبتغي دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة موضوعية، على اعتبار أن حالة التوازن هذه هي حالة المجتمع في صورته النموذجية، أو لنقل المثالية، باعتبارها الحالة التي تضمن وظيفيا الأمن و الأمان للفرد و الجماعة" (ص 6). لذلك أخذ على عاتقه في هذا المؤلف رصد حجم انزياح المجتمع المغربي بالخصوص عن النموذج أو عن البراديغم، بفعل ظواهر معينة، سينبري لها بالتحليل و الدراسة، و على ضوئها سيقيس حجم الخلل و حجم الابتعاد، منطلقه في ذلك قاعدة مقتضاها أن أي خلل في وظيفة من الوظائف التي يقوم عليها المجتمع سينسف، لا محالة، التوازن داخل الجماعة بل و سيفقد الأفراد إمكانية العيش في الأمن و الأمان. و على هذا المنحى سار في تحليله؛ إذ في معالجته للجنس و الجنسانية كظواهر مركزية في الحياة اليومية للمجتمعات العربية، اعتبر الكاتب أن رمانة الميزان هنا هي الأسرة التي إما أن تبقي على التوازن (في أضيق الحدود)– مادام التوازن رهين بالمجتمع النموذجي الذي يبقى مرهونا بخطاب ما ينبغي أن يكون لا بما هو كائن- أو تساهم في إفراز ظواهر تكرس منظورا متواضعا عليه داخل مجتمع ما إلى حد يصبح فيه منغرسا في البنية اللاشعورية للأفراد، يمكن أن نمثل له بظاهرة الهيمنة الذكورية و ظاهرة تقزيم المرأة في المحدد الجنسي، و هي ظواهر ينظر لها على أنها طبيعية داخل المجتمعات العربية و تعكس في العمق "تعبير مقنع عن حالات التيه و الفقر و المعاناة الاجتماعية" (ص 13) لا يزيدها الضغط الاجتماعي إلا تأججا فتحدث انفجارا اجتماعيا يتمظهر في صورة ظواهر "شاذة" من قبيل الاغتصاب و زنا المحارم و العنف الأسري و غيرها.
و الأمر ذاته يمكن أن يقال عن ظواهر أخرى عالجها المؤلف في الفصل الثالث كالعنف الأسري بصيغة المؤنث، شغب الملاعب، العنف داخل الجامعات... الخ. و كلها ظواهر اعتبرها نتاجا موضوعيا "لخلل يصيب نسق الشخصية، و النسق الثقافي" (ص 7) عامة، أو بصيغة أخرى هي نتاج لخلل وظيفي "في أداء الأنساق المشكلة للفعل الاجتماعي" (ص 6).
أما الدين في بعده الاجتماعي و الثقافي، و الذي كان محور حديث الفصل الثاني (قرابة 30 صفحة) فقد عدَّه الدكتور أبلال، "الوسيط التحليلي و الخلفية المرجعية للظواهر الاجتماعية في وطننا العربي عامة و المغربي خاصة" (ص 7). و ما الإرهاب، في نظره، كحد أقصى للعنف، إلا صورة للإخفاق الاجتماعي، ينضاف إلى صور أخرى عديدة تنهش جسد المجتمع كالجريمة و الظواهر الجنسية / الجنسانية الشاذة و غيرها، تجسد جماعها تعبيرا صارخا عن "الخلل الوظيفي في أداء الأنساق المشكلة للفعل الاجتماعي".
و بهكذا توضيح، يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن هناك خيطا ناظما تتمفصل حوله مختلف المواضيع و الظواهر المعالجة داخل الكتاب، و أن هذا الأخير و إن جاء عبارة عن مقالات و حوارات، فإن قراءتها تكشف لنا بأن صاحبها كان منهجسا منذ البداية بسؤال واحد مضمونه البحث عن /و في مختلف مظاهر الإخفاق الاجتماعي، هذه المظاهر، و التي بعد أن حصرها في ثلاث ظواهر كبرى هي الجنس و الدين و الجريمة، وجد نفسه ملزما، بعد تشريحها و تبين آليات اشتغالها و العوامل المسؤولة عن حدوثها، بالإجابة عن سؤال آخر، أعتقدُ أنه كان الهدف المتحكم في متن الكتاب برمته و المتمثل في : كيف السبيل إلى تجاوز الإخفاق الاجتماعي، و بالتالي إعادة التوازن و معه الأمن و الأمان إلى علاقة الأفراد فيما بينهم داخل الجماعة؟
2. الدين بين البعد الأرثودوكسي و التطبيقات الشعبية : التجليات الاجتماعية و السياسية:
حاول الباحث في هذا الفصل، و كما أسلفنا القول، الانطلاق من الدين في بعده الاجتماعي و الثقافي، باعتباره وسيطا تحليليا و خلفية مرجعية، في دراسة و مقاربة الظواهر الاجتماعية في الوطن العربي بشكل عام؛ فإلى فهم خاص للدين يعزو تكريس الهيمنة الذكورية داخل المجتمعات العربية و التفاوت الشنيع بين الجنسين، و إلى منظور معين للدين مسند بخلفية إيديولوجية معينة، يرُد غياب الديمقراطية و الحوار، و بالتالي تأطير التحول الاجتماعي و الإصلاح السياسي داخل إطار ارتكاسي انهزامي وجد له المتخيل الشعبي مسوغا "دينيا" قوامه القضاء و القدر. بل و إلى منظور من ذات القبيل وصل العنف حدا أخذ معه تسمية صارت لائطة بكل مسلم أينما حل و ارتحل هي "الإرهاب".
لقد تضمن هذا الفصل خمسة حوارات اهتم كل واحد منها بظاهرة مخصوصة لها صلة من نوع ما بما سماه الكاتب بالإسلام الشعبي. و سنقوم فيما يلي بتسليط الضوء على بعض جوانب هذه الظواهر باقتضاب شديد.
أ. التعددية الدينية بالمغرب بين حرية الاعتقاد و المقاربة الأمنية... البهائية نموذجا:
سلط الدكتور أبلال، من خلال هذا الحوار، الضوء على مشكلة التعددية الدينية بالمغرب بشكل خاص، حيث أبان عن فشل المقاربة الأمنية في التعامل مع هكذا ظاهرة، لأنها لا تقوى على اجتثاث المشكل من أصله بقدر ما تزيده تفاقما و تأججا ما دامت الجموع تؤمن بأن "كل ممنوع مرغوب"، داعيا بالمقابل إلى اعتماد و تبني المقاربة الحقوقية التي تكفل حرية الاعتقاد و حرية التعبير و غيرهما و التي تبقى وحدها، في اعتقاده، الحل الأنجع لخلق مجتمع ينعم بالأمن و الأمان و يستنشق هواء الحرية و يعيش الديمقراطية الحقة. و حتى لا يظل كلامه نظريا محضا، فقد قرر الباحث مقاربة هذا الموضوع من خلال تناول نموذج يمثل تجسيدا واقعيا له، تمثل في "الديانة البهائية" التي استهل الحديث عنها بكرونولوجيا مقتضبة ربطت مرحلة الإعداد بمرحلة الامتداد، أي منذ بدايات التشكل الأولى لهذه العقيدة بأرض إيران إبان القرن 19، إلى أن ساهم الاعتقال و المنفى و التهميش، في جعلها تنمو و يشتد عودها قبل أن ترتاد دولا أخرى عديدة كمصر، العراق، فلسطين، سوريا و المغرب.
و باختصار شديد، يمكن القول أن خلاصة موقف الباحث من هذه الظاهرة، و التي عبر عنها ما من مرة في هذا الحوار، مقتضاها أن نسبة معتنقي البهائية بالمغرب، وفقا لما أكده التقرير الأمريكي بهذا الخصوص، و التي تتراوح بين 350 و 400 فرد، تبقى نسبة ضئيلة جدا و لا تجعل "البهائية" تشكل أي خطر على أمن و استقرار البلد. و عليه، كان يفترض على الدولة المغربية أن لا تزيدها صيتا و قيمة بتعاملها معها وفق المقاربة الأمنية، بل أن لا تعطيها كبير أهمية و أن تتعامل معها وفق المقاربة الحقوقية التي تنص على إقرار حرية الاعتقاد و التفكير و التعبير.
ب. التدين بالمغرب بين المؤشرات الإحصائية و الواقع الاجتماعي:
في سعيه نحو رصد وضعية التدين بالمغرب، توقف الدكتور أبلال عند ما ورد في التقرير الذي نشره المركز المغربي للدراسات و الأبحاث المعاصرة حول التدين عند الشباب المغربي، مسلطا الضوء على بعض النقائص التي اعترت مضمونه و التي من جملتها:
· عدم ربط التقرير بين ارتفاع وثيرة التدين في المغرب و بين ما طرأ من متغيرات على الساحة الدولية في الفترة الراهنة؛ فالباحث يرى أن الرجوع المكثف مؤخرا إلى الهويات الجماعية و الدينية من قبل المجتمعات المتخلفة، لا يعدو أن يكون ضربا من الاحتماء الهوياتي ضد ما تستشعره هذه المجتمعات من تهميش و تخلف. فالتدين كما المخدرات و الخمر و غيرها أصبحت بالنسبة للشباب، في منظور الكاتب، مجرد مسالك يلجؤون إليها هروبا من حالة القلق الوجودي الذي يعيشونه.
· اعتماد التقرير في رصد التدين على مؤشرات إحصائية، و هي مسألة لا يوافقه الكاتب عليها، إذ في منظوره ارتفاع عدد المساجد و دور القرآن و الكتاتيب و انتشار ظاهرة الحجاب و ازدياد عدد برامج الوعظ و غيرها من المؤشرات التي وقف عندها واحدة واحدة بقليل من التحليل، ليست مؤشرات دالة على ارتفاع وثيرة التدين في أوساط الشباب لأن "دراسة التدين و وتيرته بأي بلد من البلدان يجب أن يخضع لدراسات موازية أنتروبولوجية و سوسيولوجية مؤطرة منهجيا بالمنهج التأويلي الرمزي".
ج. السحر و الشعوذة؛ التمثلات و التجليات الاجتماعية في المعيش اليومي المغربي و العربي:
يعترف الدكتور أبلال في مستهل حديثه عن ظاهرة السحر و الشعوذة، بأنها ظاهرة بالغة التعقيد لا تكفي الدراسات الوصفية في تحديد البنى المتحكمة في إفرازها و انتشارها، بل يقتضي الأمر اعتماد المنهج الانتروبولوجي التأويلي الرمزي الذي يبقى وحده كفيلا بالكشف عن بؤرة التفكير الخرافي و الأسطوري، كما و نجده يربط هذه الظاهرة بالأوساط المغلقة التي من بين محدداتها السوسيو - اقتصادية ارتفاع نسبة الأمية، و العيش قريبا من عتبة الفقر، و ارتفاع عدد أفراد الأسرة، في ما يخص هوامش المناطق الحضرية و شبه الحضرية. أما في الأوساط القروية و الأرياف فلا تكاد هذه المعايير تختلف كثيرا اللهم إلا في ما يتعلق بتواجد الأضرحة و الأولياء بالقرى و الأرياف بنسب أكثر، و تدهور البنية التحتية التي تزيدها هامشية و عزلة.
و بذلك يخلص الكاتب إلى أن ممارسات السحر و الشعوذة و التي يُنظر لها، إلى جانب معتقدات أخرى غيرها، باعتبارها جزء من الدين، هي "خلاصة تطبيقية للمتخيل الشعبي و التمثلات الاجتماعية بخصوص العالم و الأشياء و الاجتماع و العمران البشريين". كما أنها ليست قصرا على المغرب أو الدول العربية كما يتبادر إلى الأذهان، بل هي ظاهرة، يؤكد الكاتب، متواجدة و منتشرة في العالم بأسره مع اختلاف في الحدة من بلد لآخر، و هي كما سبق القول ذات صلة برؤية الناس للعالم و للأشياء. رؤية يرى الكاتب أنه يتم استثمارها سياسيا و اقتصاديا من جهتين مختلفتين يهمهما أن تظل هذه الممارسات قائمة و مستمرة:
من جهة نجد فئة الأعيان التي تستغل سذاجة تفكير الأغلبية التي تتشكل من تلك الأوساط الشعبية المغلقة لكي تضمن لها مقاعد دائمة في سدة الحكم. و من جهة أخرى نجد فئة المتاجرين، سواء كانوا أصحاب محلات بيع خاصة بمستلزمات الدجل و السحر، أو وسطاء ينالهم من المال نصيب، أو غيرهم. كل هؤلاء يهمهم أن تبقى دار لقمان على حالها لذلك يعملون جاهدين من أجل الحؤول دون غيابها و أفولها.
د. السادة و الأولياء بين الإخفاق الاجتماعي و الوعي الديني المزيف:
كما يشي بذلك العنوان، تعد ظاهرة السادة و الأولياء نوعا من الوعي الديني المزيف، أو بعبارة أخف هي "شكل من أشكال الفهم و الممارسة التجلية و التطبيقية للدين الإسلامي" التي تعرف انتشارا في كل البلدان العربية و الإسلامية، و تشهد إقبالا كبيرا سواء بأشكال فردية معزولة أو في شكل زرافات تضمها مواعيد قارة كل سنة حول هذا الولي أو ذاك، اعتقادا منها أن السادة و الأولياء هم وسطاء رمزيون بينهم و بين الله.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن المزارات و المواسم الدينية لم تكن يوما مكانا للتقرب و التبرك فحسب، بل كانت إلى جانب ذلك موطنا لمجموعة من الطقوس و الممارسات، و قف صاحب الكتاب عند بعضها، من مثل ما يعرف ب"الحضرة" أو "الجدبة" التي هي عبارة عن أشكال من الرقص بالجسد، تأخذ شكل طقوس رمزية يعتقد من يُقدم عليها أنها تحرر الجسد و تساعده على التخلص من السحر و العين و التابعة، و مختلف أشكال السحر الأسود الذي يوجد وراء الفشل الذي يلازم الفرد و يجعله مسلوب الإرادة. إن هذه الممارسات الطقوسية التي تدخل، كما أسلفنا، ضمن منظور و فهم معينين للإسلام، يحرص اللاشعور الجمعي و المخيال الشعبي على استمرارها، لتكشف، حسب الباحث، عن مغالطة لدى هؤلاء بين الارتباط الواقعي و الارتباط الذهني، مغالطة تتجلى معالمها في الجهل من جهة بالقوانين المادية و الفيزيائية المتحكمة في العالم، و الاعتقاد من جهة أخرى في إمكانية إمساك و حيازة هذا العالم استيعاريا و مجازيا؛ و بذلك يتحول هذا العالم المبني (استيعاريا)، بفعل الفكر التداولي و من خلال الواقع المعيش إلى واقع (و هنا مكمن المغالطة).
ه. الجن الحارس المفترض لكنوز باطن الأرض: الآليات الانثربو رمزية لتحليل الظاهرة:
وقف الباحث في هذا الحوار الأخير المخصص للإسلام الشعبي و الممارسات الطقوسية المرتبطة به، عند ظاهرة أخرى ينطبق عليها ما قلناه بخصوص سابقاتها في الحوارات الآنفة الذكر، و هي أنها إفراز لفهم معين للدين و تجل لعلاقة من نوع خاص ينسجها الإنسان مع العالمين: الواقعي المادي، و المتعالي/الخفي الخارج عن السيطرة.
ارتباطا بالموضوع، و بغرض الوقوف على ظاهرة استخراج الكنوز عبر تسخير الجن و إعطاء تفسير لها، لجأ الباحث إلى تحليل المعتقد الشعبي و خلخلته، لكونه يشكل الخلفية المرجعية للظاهرة، فكان أن قاده تحليله إلى جملة استنتاجات نورد أهمها في ما يلي:
ü الاستنتاج الأول مضمونه التمييز بين الكنز كمسألة واقعية موجودة منذ القدم باعتبارها مخلفات لحضارات و أمم سابقة، و بين الجن باعتباره كائنا ارتبط في المخيلة الشعبية بصورة تجعله المتحكم في باطن الأرض و محتوياته. و بالربط بين النقطتين نتوصل إلى مغزى المعتقد الشعبي الذي يرى ضرورة استمالة الجن و التقرب منه عبر مختلف الوسائل (سحر، طلاسم...) من أجل الظفر بالكنز.
ü الاستنتاج الثاني لديه صلة بطقس آخر مصاحب لظاهرة استخراج الكنوز، يتعلق باستعمال الطفل الزهري الذي يتم تقديمه كقربان للجن بغرض شل قواه و كسب رضاه و من ثم وضع اليد على الكنز دون أية مقاومة و دون أدى يذكر. و هي طقوس إذا ما انضافت إلى أخرى تصاحبها كالمستحضرات السحرية و الكتابات الرمزية، تعطينا انطباعا عن مدى تحكم الفهم الانتروبو شعبي الخرافي في أذهان المقدمين على هذه الأفعال.
خلاصة:
على مدار الحوارات الخمسة التي تضمنها هذا الفصل من الكتاب، تمكن الباحث السوسيو أنتروبولوجي الدكتور عياد أبلال من تسليط الضوء على ظواهر يمكن نعتها ب"الشاذة" داخل المجتمعات العربية عامة و المجتمع المغربي خاصة، تمتح من مخيال جمعي يولدها و يحرسها و يضمن استمرارها في نفس الوقت، و هي ظواهر شاذة لأنها كما يقول الكاتب، تبعدنا عن المجتمع النموذج، المجتمع المتوازن، و تقحمنا في مجتمع مختل التوازن تكشف سلوكات أفراده (عزلا و جماعات) عن حالة من الإخفاق الاجتماعي، الذي لا يكفي وصفه و لا حتى تحليله في التخفيف من حدته، بل يتطلب الأمر وجود إرادة سياسية حقيقية و استنفار اجتماعي قوي وواع، و هو ما لا يمكن تحقيقه، على الأقل في الأفق القريب، ما دامت هناك قوى داخل المجتمع، كما صرح بذلك الباحث، لا تريد لدار لقمان أن تتغير أو تزول، لأن زوالها يعني زوال مصالحها و تدهور أوضاعها و هو ما لن تسمح بحدوثه.