توضيح الأبعاد المرتبطة بالمتغيرات الجارية لوعي النظام والسلوك وطبيعة العقل البشري وبدء انتشار ملامح عصر قادم يمكن أن يبهر العقل الساكن والساكت عن تأمين الضروريات والإجراءات المترافقة مع ظهور ملامح وعلاقات وأنظمة دولية قادرة على استيعاب البنية الجديدة للحضارة المرتبطة بالتوسع الهائل في أنظمة الإعلام المختلفة والتطورات التقنية والاكتشافات والأبحاث الو راثية وتطور تخليق الكائنات الحية في الأنظمة المخبرية وتسارع الهجوم الواعي لنشر الحريات العامة والحقوق الإنسانية والنسائية , والمشاركة الفعلية في صياغة القرارات الدولية على المستوى العالمي , وتزايد المطالبة بواقع ديمقراطي عالمي يستوعب الآراء والأفكار الجديدة وإحراز تقدم وتقارب بين مفاهيم مختلفة سائدة ومرتبطة بإرث تاريخي ونمط سلوكي ناشئ عن تطور مرتبط بوجودها الحيوي .
فالتغيرات العصرية الجارية والحضارة القادمة وما يلازمها من معرفة وأجهزة وصياغات تربك العقل القابع في كهف السلفية والجمود .
عقلية الجمود هذه بنظامها الأبوي تريد وقف الحياة عن إجراء أي تبدلات في بنيتها المعتادة, وقفها أو إرجاعها إلى بنية تتفق مع وضعية العقل المتسلط عقل لا يظهر استعدادا للتكيف والاعتراف بما هو جاري في نظام العالم من تغيرات قادرة على نسف القواعد المهترئة لأنظمة التسلط الأبوي ونسف مفاهيمها بلغه رقميه لا تعترف بأنظمة الرقابة الصارمة ومجبرين للتعامل معها لقدرتها القابلة للتوسع والانتشار.
فالقدرة على التكيف مع المتغيرات تحتاج إلى تضحية ذاتية وقدرة على استقبال المعارف المتباينة والمختلفة الناشئة من معطيات ملازمة للتقدم والتطور بمختلف المجالات الإنسانية الراهنة .
فالعقل لم يفهم كيفية ظهور المتغيرات في بنيته المترافقة مع إجراء انتقالات هامه في العصور التاريخية السابقة فالتبادلات التاريخية المؤدية للارتقاء والتطور البشري الواعي جرى في أزمنة وصلتنا نتائجها جاهزة , مرتبطة في مخزوننا
المعرفي بدون أن نعرف ماهية ارتباطها بهذا العقل ولا الكيفية التي تم ربطها به نتعامل معها وكأنها مرتبطة بنشوء العقل ذاته . لم يعرف الإنسان الراهن بالتحديد كيفية حدوث الارتقاء من إنسان تابع للطبيعة إلى إنسان يمتلك استقلالية نوعية إلى حد ما .
فالمواقف والمعارف الاجرائيه توترات في بنية العقل ولم يدرك العقل أهميتها حتى أصبحت ضمن بنيته الأساسية مرتبطة به اشد الارتباط وتعبر عن مجرى نشاطه في محيطه الحيوي .
فالتواصل التطوري المرتب لأحداث أنظمة لغوية مرتبطة بحاجة العقل للتكيف مع الحياة حدث وفق منظومة من التطورات المترابطة مع التغيرات الجارية في نظام الحياة وانتقلت بشكل تدريجي من أنظمة حسية إلى أنظمة عقلية مرتبطة باللغة المعبرة عن مكونات الأشياء وماهيتها ومدى التطور في طاقة وقدرة العقل للتوفيق بين الأنظمة اللغوية والواقع التفاعلي مع نظام الموجودات وأنظمة التعامل معها .
متغيرات جرت والكل يعترف بوجودها وابتعاد الإنسان المعاصر عن مجرى طريقة حدوثها جعلها جاهزة في بنية العقل وكأنها مرتبطة بطبيعة التكوين الإنساني , وجميع النشاطات البشرية المرتبطة بوجود اللغة تغيرت كثيرا عن النشاطات الإنسانية في حالة عدم وجودها, تغيرات دائماً تجري في نظام وعينا ونهمل المتغيرات الناتجة عنها لنصل إلى واقع جديد مدرج في بنيتنا العقلية والسلوكية يظهر من خلال نشاطنا وكأننا حريصين على معاداة جميع المتغيرات المتعارضة مع بنية العقل التاريخي المندمج مع ذاتنا الإنسانية .
لم يرتبط وجودنا بالدين فارتبط الدين بوجودنا فلو ارتبط الوجود الإنساني بالدين لكانت الانسانيه تدين بدين واحد يرافق وجودها التطوري عبر التاريخ البشري ، فالتغيرات الدينية في طبيعة الوجود البشري حدث من تتابع الإنزال الديني على المتغيرات في السلوك والمعرفة البشرية , فالوعي الديني عبر قرون طويلة ومديدة من الإملاءات الأخلاقية وما رافقها من ارتباطات إيمانية تعزز لغة التكيف مع الأنظمة الروحية وطقوسها المختلفة لربط الإنسان بطبيعته الكونية , مجريات الوعي الديني تعمقت بشكل تدرجي وتنافسي أحياناً نظراً لنزول بعض الأديان على الساحة البشرية المختلفة في طريقة تعاطيها الديني وكل المعتقدات عمقت بنيتها في النفس البشرية بأشكال وطرق متنوعة لتوصيل الإيمان لخالق الأديان .
ومن خلال الصدام وطبيعة الأحداث الجارية والفتوحات وجميع النشاطات المرتبطة بواقع تتحكم به طبيعة الدين المتواجد في بنية المجتمع ومع ارتباط الدين بالسلطة ظهرت السيادة الدينية كقوة حرة ومتحررة من التبعية البشرية , واكتسبت قوة السيطرة على الوعي وتحكمت بمجرى بناءه اللاحق ولم يفهم الإنسان طبيعة الغزو الديني لوجوده لأنه رافق التبدلات على الوعي ضمن الخط التطوري للبناء المعرفي مع مجرى التاريخ النفسي .
في العصر الراهن تجري تبدلات هامه في وعينا بدون إدراك طبيعة تبدل هذا الوعي بالرغم من التغيرات السريعة في بناء الحضارة الإنسانية الراهنة فسرعة تواصلنا يؤسس وجوداً إنسانياً متوافقاً مع منجزات التقدم وما يرافقه من ادخالات هامه على بنية وجودنا وقدرة تكيفنا مع منجزاتنا ويعطينا دفعا هاما وقويا لنفهم الكثير عن منجزات العلوم المختلفة نتقبلها بطيبة خاطر وتدخل حياتنا وتؤثر فينا دون إدراك مدى تأثيرها الحاصل ببنائنا العقلي المنعكس سلوكاً, فالمعارف والعلوم تزداد تنوعا وتداخلاً مع بنيتنا ومهما كانت الإجراءات المتخذة لوقف تدفق أثرها على بناء مجتمعاتنا يبقي إجراء محدود غير قابل للصمود أمام هجوم التكنولوجية المتطورة وما تستدعيه سرعة التغيرات المستجدة في الأنظمة الاجتماعية والمعارف العقلية المترافقة معها .
فالسرعة الحاصلة في الاكتشافات والأبحاث في مختلف العلوم المرتبطة بالحياة الإنسانية وتوابعها مجبرين على تقبلها كواقع عملي مفروض ومحسوس ومهما كانت طبيعتة الثقافية فإننا نسعى لمعرفة المزيد ونريد استيعاب المزيد ، والمصاعب المعرقلة للاستيعاب القائم ليست من طبيعة الشعوب العقلية فالمصاعب غالبا ما تكون خارج الذات الاجتماعية كالعوز الاقتصادي المؤدي لضعف اقتناء المزيد من التقنية والمعرفة التقنية المرتبطة بها والخوف الصادر عن أنظمة تعيق التغيرات الملازمة لنقل تكنولوجية المعلومات المؤدية لإحداث تغيير في المجرى الاجتماعي فتسعى لوضع العراقيل أمام توريد وتناقل التكنولوجية القادرة على أحداث ثورة في البناء الاجتماعي والثقافي ,فالتأثيرات التدرجية الجارية على بنية العقل الإنساني الراهن , ستغير مجرى البناء المعرفي والسلوكي بدون إحساسنا الراهن بأهمية هذا البناء على الرغم من التخلف والتعصب الموروث من تراكم الأحداث التاريخية الماضية, يظل العقل المنفتح على الوجود يحرز انتصارات متلاحقة ومهمة في إرساء قواعد المعرفة والسلوك وبناء طبيعة معرفية تتفق مع إنجازات الإنسانية بالذات .