مفهوم الشورى في الإسلام ـــ محمد خالد عمر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسمواقف كثيرة طرحت، وآراء متعددة قدُّمت حول مفهوم الشورى في الإسلام، منها ما كان توصيفاً مثالياً للمفهوم، ومنها ما كان رفضاً عاماً له، وقد مَلأت الدراسات السياسية منذ بداية عصر النهضة على الأقل بكلا الموقفين، فمن الدارسين من عرض الشورى كنظرية إسلامية بديلة عن نظرية الديمقراطية في الحكم، ومنهم من رأى في الشورى مفهوماً فضفاضاً وقوالب تقليدية لا تتناسب مع نظام الحكم اليوم، ومنهم من أسقط مفهوم الشورى من حساباته بإعلانه فصل الدين عن الدولة ولم يعد من المفيد بعدها دراسة مفهوم ديني في دولة لا تعترف بالدين مصدراً أساسياً من مصادر التشريع، وقوةً دافعةً للمجتمع، ومنهجاً أخلاقياً ورؤية خاصة لتداول السلطة، ونحن إذ نحاول اليوم دراسة هذا المفهوم فإننا لا ندرسه، بأي من الموقفين، وإنما أن نعطيَه حقه فلا نضخمه ولا ننفيه. لذلك يتوجّب علينا تقديم ما يشبه التعريف العام الأولي لمفردة الشورى، ومن ثم الانتقال إلى الوظيفة التي جاءت من أجلها فالمفردة مفردة قرآنية بامتياز ولا يمكن أن تكون قد وردت نافلة أو حشواً في النص الإلهي، والقرآن الكريم كما نعلم كتاب مقدس بذاته جمعاً وتفصيلاً متحرك بفهمنا له.‏
تعريف الشورى:‏
الشورى مفهوم إسلامي أصيل بلغة عربية مبينة، وهي مفردة ذات مدلول استشاري، ودعوة صادقة صريحة لتداول الرأي والاستفادة من كل آرآء الأمة من أجل الوصول إلى حالة يرتقي فيها الموقف أخلاقياً ليلتقي مع غاية الإسلام، ويعمم الشعور بالمسؤولية.‏
لكن الشورى القرآنية هي عبارة عن أراء يطلبها الأعلى من الأدنى، ولأنها كذلك فإن ممارستها ونتائجها مرتبطة بمدى الاستعداد النفسي لطالبها، ومدى استجابته لقبولها، وقدرته على مناقشة ما يطرح بها، أو الأخذ بمحتواها، فهي قد تفضي إلى حالة من الإيجاب قد تتوافق مع رغبة طالبها، أو يقتنع بمعالجة مسألة بعينها ناتجة عن حادث طارئ، وهنا يتطلب الأمر بحق سمواً أخلاقياً، وليس مجرد استعداد نفسي.‏
الشورى في الإسلام:‏
لما كانت الشورى مدلولاً يدعو للمشاركة الجماعية كل حسب قدرته وفاعليته، ولما كان الدين بشكل عام قد وجد أصلاً من أجل الإنسان ولخدمته، والأخذ بيده لتكوين مجتمع يَعمُرُ الأرضَ، وتنظِّمُ علاقاتِه روحٌ حضارية أخلاقية. فإن الإسلام يلتقي بسموه، وغاياته الفاضلة مع كل الدعوات التي تدعو لمحورية الإنسان، وتنشد العدل، وتسعى لتطبيقه بوسائل فاضلة. لأن الغاية الفاضلة لا تقبل وسيلة هابطة لتحقيقها،‏
وبما أننا في هذا المقال نتكلّم عن الشورى في الإسلام فعلينا أن نتذكّر أنّ الإسلام كديانة جاء برسالة كاملة عقدياً وعبادياً وتشريعاً، ودعا لتنظيم أسس الحياة المجتمعية الأخلاقية بشكل إنساني خاص فلم يسقط من مشروعه تجارب الآخرين ولا مرجعيات الأقوام الأخلاقية، بل ثبّت ما هو فاضل منها، ورفض ما يجب أن يرفض، وشذّب ما كان بحاجة إلى تشذيب. لقد امتدح البيان القرآني مبدأ الشورى، وامتدح من مارسها من المجتمعات السابقة. فأورد ربنا جلّ جلاله قصة ملكة سبأ التي طلبت الاستشارة العاجلة من قومها الممثلين بالملأ من حولها، وأعلنت استعدادها التام لسماع الاستشارة، وتوقيف أي إجراء يتعلق بالأمر المطروح قبل سماع رأي الملأ فيما هو معروض. قال ربنا جلّ وعلا على لسان الملكة: ?قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ? (النمل:32) ?قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ? (النمل:33) ?قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ? (النمل:34). وهكذا نقرأ في الآيات المتقدّمة، وما بعدها إلى آخر هذا الحوار ما يدلّ دلالة واضحة على خلق حواري استشاري حضاري تمتّعت به الملكة الممدوحة قرآنياً، كما نقرأ في هذا المشهد حواراً رائعاً تم بين الملكة ومن حولها من الملأ يبيّن صورة المجلس والطريقة التي قدّمت فيها الآراء، إذ أتبع الملأ رأيهم بإعلان التزامهم بالقرار الذي ترتئيه، وعدّوا ذلك أمراً نافذاً.‏
إنّ هذا الإخبار الذي أورده القرآن الكريم كميزة فاضلة خصّ بها «الحكم الشوري، والملأ، وجعلها فضيلة من فضائل ذي الشأن»، مثنياً على حكمة الملكة ووعيها كان دعوة وعبرة في آن معاً. قال ربنا جلّ جلاله على لسان الهدهد ?إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ? (النمل:23)، ولقد رأينا في تركيب «كل شيء» هنا ثناء على الملكة التي جمعت الصفات التي يجب أن يتمتع بها الحاكم الإنسان من وعي، وحكمة، ورويّة، وحنكة، وهمة وأناة، كما قدّم المشهد العام التزام الملأ برأي الملكة التي أوتيت من كل شيء، أّما بالنسبة للمملكة فإن الوصف جاء كناية عن الاستقرار والالتزام والسويّة الحضارية التي وصلت إليها هذه المملكة «ملكة، وملأ، وشعباً».‏
أمّا الصورة الثانية للشورى فهي ما قدّمه البيان القرآني في موقف سابق ودولة أخرى حيث كان لديها ملأ، وقد طلب ملكها العون والإفتاء في أمر حادث جاء طارئاً فأهمه. قال ربنا جل جلاله عن ملك مصر يوم رأى الرؤيا التي خشي منها وهاله مشهدها: ?يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ? (يوسف:43). وهكذا لم نلحظ أنّ الآيات المتقدّمة قد خصّت الشورى بقضية سياسية تخص تداول السلطة، كما أنّ البيان الإلهي لم يشر لا من قريب، ولا من بعيد إلى إلزامية الشورى، ولا إلى الطريقة التي تحقق تنفيذ هذا الفعل، وإنما ترك الأمر مفتوحاً وعاماً، كما ترك خيار القيام به مرتبطاً بالثناء لأنها ميزة ممدوحة، ومن اتّبعها كان ممدوحاً أيضاً، فهي إذاً ليست أمراً واجب التأدية، كما أنها ليست أمراً منهياً عنه، وإنما هي فعل من قام به مدحه ربه، ومن تركه فهو غير آثم، وإنني لا أقلل هنا من مدح الله جل جلاله للأمر المتقدم، ولكني أقول: إن القرآن الكريم امتدح التصرف الجيد الذي يفضي إلى العدل في كل أمر، وذم الموقف الخاطئ أو التصرف الظالم أياً كان متّبعه ملكاً كان أم فرداً. فالملك العادل ممدوح سواء استشار أم لم يستشر، والملك الظالم مذموم سواء استشار أم لم يساشر، لأن طاغية والطاغية مذموم دوما ومذموم أكثر عندما يتحوّل إلى طاغوت يفرض نفسه إلهاً متبعاً.‏
من هنا نستطيع القول: إن الاستشارة فضيلة لأن الله جلّ جلاله لا يمتدح رذيلة أو نقيصة، وربنا لم يطرح تشريعاً خاصاً بالحكم علينا اعتماده، علماً أننا لو بحثنا في النص الإلهي عن الشورى كمفهوم، ومفردة فإننا سنجد أنها وردت في النص القرآني بشكل واضح وجليّ مرتين، وفي المرتين كان الورود يأتي، إمّا على شكل دعوة لرأس الهرم في السلطة لاعتماد الشورى كمبدأ عام دون أدوات أو آليات للتطبيق ودون تفصيل، أو على شكل مدح للمجتمع الذي يمارس هذه الفضيلة ففي (آل عمران:159) جاءت على صيغة الأمر ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ? (آل عمران:159).‏
وفي المرة الثانية فقد وردت في السورة التي أخذت تسميتها من المفردة ذاتها ?وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ? (الشورى:38). ففي هاتين الآيتين تظهر صيغة الشورى للتعامل بين الحاكم والرعية كدعوة صريحة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولخلفائه من بعده لاعتمادهم مبدأ الاستشارة. أو هي دعوة للمجتمع لاعتماد الشورى في أمورهم، وقد جاءت الدعوة على صيغة مدح للذين استجابوا لربهم، وكان أمرهم شورى بينهم. ولمجرد ورود هذه المفردة في النص الإلهي أعطى لبعض الدارسين الحق في أن يقدّموا آراءهم الديمقراطية بناء على ذلك، وبدأوا يحملون النص أكثر مما يحتمل، ويبنون تصوراتهم على مجرّد ورودها في النص الإلهي أو النسب إليه.‏
غير أن جميعنا يدرك أنّ مجرد ورود المفردة بشكل صريح أو دلالي في النص الإلهي على الصور التي قدّمنا لا يعطيها سمة المنهج ولا يبوؤها مرتبة النظرية، كما أنه لا يمنحها صفة الإلزام والالتزام بها. ناهيك عن أنها في المرتين لم تكن قد وردت في مقام اختيار وتنصيب الملك أو محاسبته.‏
فهي إذاً ليست نظريةً للحكم، ولا مفهوماً سياسياً مرتبطاً به لكنّها بالتأكيد دعوةٌ فاضلة لتكوين خلق استشاري يدعو للتفاضل بين رأي حسن، ورأي أحسن، وقد فهمنا الشورى على هذه الصورة الأكثر وهجاً، والتي قدّمها ربنا في بيانه يمتدح أهل اللب والحكمة والمحاكمة يقول جل جلاله: ?الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ?(الزمر:18)، هذا الكلام يخصّ كل عاقل من كلا الطرفين حاكماً كان أو محكوماً.‏
إذاً الشورى القرآنية كما وردت ما هي إلا دعوة دافئة لتقديم الرأي، وترغيب في الممارسة، وإخبار يخصّ حالات بعينها جاءت تهزّ كيان العرش فلجأ صاحبه إلى طلب الشورى للخروج من مأزقه الذي وقع فيه. وهذه الإخبارات جميعها لم تشر إلى وضع العرش من الناحية الدستورية والقانونية، ولا إلى المرجعية المختصّة المعتمدة في وجوده وأموره، كما أنها لم تشر إلى حالة الأمير، ولا إلى كيفية تنصيبه أو مدى صلاحياته الدستورية، ومتى تختار الرعية أو الملأ بديلاً عنه، أو متى يحق لها محاسبته إلخ. والذي يجيد فعل القراءة يستطيع أن يحدّد المجال الحيوي المتاح الذي تتحرك فيه الشورى، والذي يتمثل بالملأ الموجود المحيط بالملك، والذي ما عرفنا عنه إلا حقيقة وجوده، فنحن لا يمكن أن نناقش وجوده من ناحيتي النفي والإثبات، وإنما يمكننا أن نناقش الملأ ذاته بكيفية وجوده، وفاعليته ومستوى تمثيله للشعب، وهل جاء هذا الملأ أو المجلس الاستشاري بطريقة الانتخاب أم الاختيار أم بشكل مفروض؟، كما يمكننا أن نتساءل عن مفهوم الشعب في تلك المجتمعات ومفهوم المواطنة، وحقوق المواطن وواجباته. كل هذه التساؤلات لم يقدّم القرآن الكريم توضيحاً عنها، كما لم يقدم أجوبة لها. فقط قدّم لنا وثيقة وجود الملأ الذي يحيط بملكة سبأ وملك مصر ولجوء الملكين إلى طلب العون في أمور أهمتهما، وبدت كأنها مخيفة ومستعصية على الفهم والمعالجة.‏
هذه الجولة المعرفية التي قمنا بها لقراءة مدلول الشورى من النص القرآني تدعونا لمتابعة مناقشة المدلول من خلال السنة النبوية الشريفة لذلك فإننا سنعمد لقراءة فترة قيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لدفة الحكم، وقيادة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم من بعده.‏
إثر نزول رسالة الإسلام، وبعد تكوين الدولة الأمة الحديثة وقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة المكوّنة لم نلحظ أي استشارة تتعلق بالحكم ووظائفه، وإنما اقتصرت الاستشارات على بعض القضايا التعليمية. ومرد ذلك لأمرين:‏
الأول: مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أصحابه، والتي جاءت من إيمانهم الكامل بعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ?إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? (لنجم:4). والدليل على ذلك ما وردنا من موقف لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف استشاري كان يطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، أو عند قيامه بعرض أمر يريد أن يعرف رأي أصحابه حول فقد كان يأتي تساؤل الصحابة رضوان الله عنهم «أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟ حتى إذا جاء جواب النبي الكريم بنفي الوحي عن المسألة بادروا إلى إبداء الرأي».‏
الأمر الثاني: قلة الخبرة في التجربة السياسية لدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيادة مجتمع متكامل له نظمه وتشريعاته ومشروعه وأهدافه. بالرغم مما وردنا عن تجربة قريش في حكم مكة المكرمة، والتي كانت أشبه بالحكم الجماعي، وقد تمثّل ذلك في مجلس دار الندوة، وفي حلف الفضول، وما وردنا عن وثيقة المدينة في التعامل المجتمعي وحفظ حقوق الرعية. غير أن تجربة مكة لم تكن مكتملة وما كان لها أسس ضابطة ووثيقة المدينة كانت تخصّ التكوين المجتمعي، ولا تخص السلطة، فضلاً عن حرص المؤمنين على التعلّم من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحاكم الفعلي طيلة أيام حياته.‏
من هنا لم تخرج الشورى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده عن مفهومها الذي قدمنا من خلال الصور التي وردت في القرآن الكريم، ولم يقدّم الإسلام طريقة أو منهجاً خاصاً يأمر أتباعه باتباعه. ففيما يخصّ الخلافة، وهي الحالة السياسية لتولية الحكم في الإسلام والمعنية بأي نظرية تكون دليلاً ومنهجاً. فقد ترك الإسلام الأمر مفتوحاً على الاجتهادات التي وسّعت مفهوم الشورى، وأعطته صفة الحيوية والحياة والصلاحية في كل زمان ومكان من خلال تقدير القرآن الكريم لدور الإنسان المحوري الذي يسوس نفسه ضمن منهج العدل، وهذا الأمر أصبح صراطاً بيّناً للأمة اليوم يمكن اعتماده في تداول السلطة، وأعني المبدأ المسمى ولاية الأمة على نفسها.‏
لذلك نرى أن ما جاء في الفقه الديني العام من توجيه للمشاركة، ومعيارية المفاضلة لاختيار الإمام أو الخليفة ما هو إلا فضيلة من فضائل الإسلام وتوجيه نبوي كريم علينا التمسك به عند مناقشة وصياغة أي نظرية تخصّ الحكم شريطة توخي العدالة، واعتماد الأسلوب الذي يتوافق مع الظروف والأوضاع المحدثة عند بحث تداول السلطة. من هذه الدعوات أو قد تكون أوضحها ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أورده الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه يطالب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة بالشورى والاختيار الأفضل لمن يسوس الأمة. قال عليه الصلاة والسلام: (إذا كانت أمراؤكم خيارَكم، وكانت أغنياؤكم سمحاءَكم، وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير من باطنها)(1). هذا الحديث ورد في مقام سمات الأمير وصفاته، وهو كما نرى حالة ترغيبية توجيهية من الرسول الكريم للأمة من بعده، غير أني وجدت حديثاً آخر في مسند أحمد يطالب الرسول الكريم المسلمين بأن لا يعيشوا فراغاً دستورياً، كما يسمونه في العرف السياسي اليوم، وأن يقوموا بتأمير أمير عليهم مجرد بلغوا الركب، والركب ثلاثة فأكثر، وأن يكونوا شركاء في قضية التأمير. يقول صلى الله عليه وسلم:[لا يحلّ لثلاثة يكونون بأرض فلاة إلا أمّروا عليهم أحدهم]، وهذا الحديث ظاهر واضح من حيث التوجيه النبوي أنّ الثلاثة معنيون بالتولية التي لا بديل عنها(2).‏
أمّا في البخاري، وفي كتاب المغازي فقد ورد عن جرير رضي الله عنه في الخبر أنه لما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وولّى المسلمون أبا بكر رضي الله عنه كان جرير في اليمن، والتقى بذي الكلاع وذي عمرو، وهما من الأقيال. قال له ذو عمرو: «يا جرير إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكاً»(3).‏
هذه الأحاديث النبوية، وما سبقها من آيات كريمة تظهر للمدقق أنها في المجمل تمثل دعوات تفضّل الشورى، وتحثّ على توسيع المشاركة، كما أنها تدعو إلى فاعلية المشاركة عند مناقشة أمور الحكم، وترجّح مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات لكنها لا تعطي طريقة واضحة لكيفية ممارسة الشورى، ولا إلى كيفية اختيار المستشارين، كما لا توجد أي إشارة للوقت والظرف والعوامل المؤدية إلى البدء بها غير الموت. وعدم وجود الأمير.‏
وبما أنّ علماء الاجتماع والسياسة، وفي مقدمتهم كثير من الباحثين والسياسين الإسلاميين كانوا دائماً يتناولون نظام الحكم في الإسلام على أنه شوري وذو طبيعة خاصة، وقد قوّلوا النصوص ما لم تقله حتى أنّ الطبيعة الخاصة التي قصدوها أصبحت مجالاً لإبراز الهوى في الاجتهاد الشخصي. فقد أصبح لكل منهم وجهة نظر، وخليفة حسب دوافعه التي ينطلق منها. فظهر ذلك في مواقفهم وكتاباتهم. قابل ذلك مواقف سياسية رافضة لهذا الأمر ومغالية في التشدد أيضاً. وقد حاولنا أن نرصد الموقفين.‏
الأول: ويمثله غالبية الداسين الإسلاميين الذين رأوا في الشورى نظرية إسلامية بديلة عن الديمقراطية، كما رأوا أن أي ظاهرة ديمقراطية للسلطة قامت في الدول الإسلامية، أو يمكن أن تقوم في أي مجتمع مسلم علينا تسميتها «بالشورى» بحجة أن كلمة ديمقراطية ليست من أدبيات الثقافة الإسلامية.‏
الثاني: فهو موقف المفكرين غير الإسلاميين الذين رأوا أن يلغوا من الفكر والممارسة الإسلامية أي مظهر من مظاهر الديمقراطية قامت في التاريخ الإسلامي أو يمكن أن تقوم بتوجه إسلامي انطلاقاً من الحجة ذاتها. وقد ضخّم الطرفان الأمر وخضنا في جدل عقيم حتى أصبحت ظاهرة الجدل تشكل عائقاً أمام أي نهوض حقيقي للأمة، وتحوّلت الأزمة من ضرورة البحث الحقيقي عن أفضل السبل العادلة التي تؤمن المشاركة الفعّالة إلى أزمة مصطلحات شكلانية غرقت الأمة في وحولها.‏
فالإسلاميون لا يقبلون مصطلح «الديمقراطية» بحجة أنها تركيب وافد، وأننا نمتلك إرثاً يغنينا عن الاستفادة من تجارب الآخرين والنتاج المعرفي الإنساني، ويبررون ذلك بأن للدين تشريعه الخاص. والعلمانيون ينفون عن الإسلام أي مظهر ديمقراطي بحجة أنّ للدين تشريعه الخاص أيضاً. وهذا اللقاء بين العلمانيين والمتأسلمين يهدف إلى إقصاء الدين عن الدولة، بل إلى إقصاء الدين عن الحياة العامة. وهذه برأينا حالة سطحية متحجّرة عند الإسلاميين، وحالة مقصودة أراد العلمانيون تضخيمها واستغلالها مستفيدين من عدم وجود نظرية واضحة للحكم الشوري، وهكذا اتفق الطرفان ولأول مرة على تعرية الإسلام والنظام الإسلامي من أي ملمح ديمقراطي بتسطيح وتحجّر في فهم الإسلام من الإسلاميين، وعدائية وتهميش للإسلام من الآخرين، وقد أوحى هذا المشهد أننا في أزمة حقيقية للحكم في مجتمعاتنا العربية الإسلامية. وأنّ الأمة أسيرة عقلية غير ديمقراطية أنتجها التفكير الإسلامي، بالرغم من أننا رصدنا بعض التجارب شبه الديمقراطية في التاريخ الإسلامي، والتي يمكن أن تكون حافزاً لنا للبحث عن صور ديمقراطية تحقق غاية المفهوم، ومدى تطابقه مع الغاية الإسلامية، وهذا الأمر مرتبط بالمسلمين، وليس بالإسلام، وما علينا إلا القبول بفكرة التجدّد والعمل على تقديم الحل الأكثر نفعاً للفرد والأمة معاً .‏
من هنا رأينا أن ندرس الشورى بخصوصية ولادتها الإسلامية، وإظهارها بصورتها الحقيقية كدعوة طيبة، وليست منهجاً إسلامياً يرقى لأن يكون بديلاً عن الديمقراطية أو نداً لها. فكما أنّ توصيف صور الشورى المقدمة في القرآن الكريم، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن نظرية سياسية، وهي غير ملزمة إلا في حدود الغاية الأخلاقية فإن الاجتهادات الفقهية في هذا المجال غير ملزمة لأنها أيضاً لم تستطع أن تقدم لنا نظرية للحكم يمكن مقارنتها بالنظرية الديمقراطية.‏
فالشورى مفهوم إسلامي بامتياز، سياسي الطابع استشاري السمة، وهي دعوة أكيدة لصياغة مفهوم اجتهادي يحرص على المشاركة في الرأي، ويحث على ممارستها بما يتوافق مع مصلحة الأمة. لكنها بالتأكيد ليست تشريعاً فقهياً ولا نظام حكم ولا تمتلك آلية للتطبيق، ولا تخرج عن كونها دعوة خيّرة للمشاركة الفعلية في إبداء الرأي. لذلك لا يمكن مقارنتها بالنظرية الديمقراطية، ولا مفاضلتها معها لأن المفهومين ليسا من طبيعة واحدة، والتفاضل لا يمكن أن يتم إلا بين طرفين مكتملين ذات طبيعة واحدة متوافقين في الرؤية متمايزين في الأداء متباينين في الأسلوب. عند ذلك تتم المقارنة للبيئة الاجتماعية التي ولد فيها كل طرف، أو للمهد والحضن الذي ترعرعا في كنفه. كما أنها لا يمكن أن تكون بديلة عن الديمقراطية. لأنّ المسلمين وعبر تاريخهم السياسي لم يستطيعوا إيجاد آلية فقهية اجتهادية شورية قابلة للتطبيق.‏
وما الأمثلة القرآنية أو السنة النبوية الشريفة، وحتى آراء الذين أوردوا أحكاماً في البناء الديمقراطي الإسلامي، والتجارب التي جاء بها المسلمون في الدولة العربية الإسلامية الأولى دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين إلا دليل واضح على عدم وجود نظام حكم، أومنهج واضح موحد لتداول السلطة. وإن ما قرأناه في التاريخ الإسلامي ما هو إلا صور متعددة الوجوه تؤكد فكرة ضرورة قيام الشورى، وتخلق حافذاً للبحث الدؤوب لنجعل من الشورى آلية للتأمير والخلافة فالقارئ لتجارب تداول السلطة في العهد الراشدي يرى أن العملية تمت بصور اجتهادية متعددة لتولي الخلافة وتداول السلطة. وهي على التوالي:‏
الصورة الأولى: في مشهد تولية أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أمور المسلمين فقد تمت التولية بانعقاد مجلس الشورى بغالبية أعضائه في سقيفة بني ساعدة، وكانت هناك مداولات جريئة وصريحة، وآراء مختلفة توافقت في النهاية على اختيار أبي بكر لهذا الأمر.‏
الصورة الثانية: وهي اختيار أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما خليفة للمسلمين بطريقة أشبه بطريقة الاستئناس في الوقت الحاضر إذ تمت استشارت أهل الحل والعقد من الصحابة ووقع الاختيار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه.‏
الصورة الثالثة: وهي طريقة اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد كان ذلك بطريقة الانتخاب من مجلس مصغر في صورة ليست مشابهة للحالتين السابقتين.‏
وقد كان يتبع كل هذه الصور صورة البيعة العامة التي كانت تحصل على مستوى ممثلي الأمة حين أهم أركان الدولة وقتها في المدينة المنورة، وكانت مبايعة الأركان تكفي حجة في وقتها، يقر بها القاصي والداني، ولا بأس أن ننقل هنا ما جاء على لسان الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهو يحاجج معاوية بن أبي سفيان قال: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل، وسمّوه إماما كان لله رضى فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج فيه فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى) (4). هذا المنهج في كيفية اختيار الخلافة في الإسلام قدم حجة قائمة على معاوية بإجماع المهاجرين والأنصار على من يسمونه إماما فيكون لله رضي فيه ويقاتل من أبى.‏
وبغض النظر عن الموقف السياسي من هذه التجارب إلا أنها قدّمت أكثر من خيار ديمقراطي لتولّي الخليفة بعد أن تركهم رسول الله على المحجة البيضاء، وترك الحرية للمسلمين في اختيار خليفتهم. وخاصة صورة البيعة التي كانت تتم بعد الاختيار إذ كان للأمة الحق برد هذا الاختيار. ويكفي أن نورد هنا رأياً للباحث اللبناني هنري حماتي والذي يصف صورة البيعة الإسلامية فيقول: ( قبل أواخر القرن الثامن عشر ما كانت هناك دساتير على الاطلاق، وما كان الحكام يخضعون لقانون، وما كانوا يحكمون بموجب مبادئ سياسية أو مبادئ أخلاقية استثني بيقين تام محمد بن عبد الله الرسول الكريم، والخلفاء الراشدين فلقد حكموا بالمبايعة، وهي أرقى أشكال الديمقراطية إطلاقاً في التاريخ حيث كانوا أول جماعة في تاريخ الإنسان تبلغ السلطة بقوة اقتناع الناس وإيمانهم بقوة الأيديولوجيا، وأول جماعة تلتزم في حكم أحكام قيمها العليا التزاماً تاماً) (5)‏
وإننا اليوم ونحن نقرأ هذه التجارب المتعددة الوجوه لصور تداول السلطة علينا أن ندرك أن هذه الصور ما هي إلا دلالة واضحة على أن الأمر خاضع للاجتهاد، كما أنه يوحي بما لا يقبل الشك أنّ الشورى ليست نظام حكم للإسلام بصورة جامدة، وليست نظرية سياسية ناجزة بقدر ما هي دعوة لإيجاد نظام حكم يسعى للإستفادة من خبرات الأمة عبر مشاركة أكبر عدد ممكن من أهل الحل والعقد. وأنّ هذه التجارب بصورها المتعددة تمثل فتوى تعدد الخيارات للشورى في الإسلام. وتعطينا الحق نحن أبناء القرن الواحد والعشرين أن نبحث عن الصورة الأمثل والأكثر تناسباً مع مجتمعنا وعصرنا لاختيار ولي الأمر.‏
وحتى لا نظلم الإسلام فإنه لا يجوز لنا أن نقدّمه على مقاسنا وتابعاً لنا تتحكم بنا وبه الأهواء فنلبسه القميص الذي نرغب بمعاير تصلح لمعايرتنا نحن أو نقدمه على صورتنا فهو واع بقدر ما نملك من الوعي، وحديث بقدر ما نفهم من الحداثة، وعادل بقدر ما نفهم ونمارس العدل، ومتشدّد بقدر ما نحن متشددون، وديمقراطي بقدر ما نعلن ونمارس من الديمقراطية، والأمر الحقيقي في الإسلام عكس ذلك تماماً. فهو حي وحيوي وهو رسالة عظيمة هدفها تحقيق إنسانية الإنسان، والمطلوب منّا بناء الشخصية الإنسانية الحرة الواعية التي تستطيع الاجتهاد والجهاد لإيجاد صيغ تتوافق مع روح العصر ولا تخرجنا من دائرة الدين بحيث نمارس حياتنا بعقل مفتوح ونبحث عن التوازن الذي يجعلنا نحترم الآخرين ونستفيد من تجاربهم، وأن نكون بسمو هذه الرسالة، وأن نعترف أن الاختلاف هو أفضل السبل لتجاوز الخلاف، وأنّ نقرأ شريعتنا الإسلامية بوعي تام، ونفهم الرسالة بمقاصدها الأساسية وبطريقة حضارية تواكب الزمان وتناسب المكان والجيل، وأن نفهم متطلبات كل مرحلة ومعطياتها ضمن حدود الحفاظ على الغاية السامية، أمّا إذا أسَرَنا الماضي وانبهرنا بالآخر فإن هذا سيصغرنا أمام غيرنا، ويظهرنا وكأننا لا نعيش زماننا، كما أن هذا التصرف سيضرّ بمعتقدنا الذي هو أغلى ما نملك لأننا عندها نكون الأبعد والأعجز عن فهم أنفسنا وغايتنا ورسالتنا.‏
أخلص إلى نتيجة أحسبها مهمة وتتناسب مع روح الشريعة ومقاصدها وتلتقي مع غاية الإسلام، وتنطلق من الأساسيات والنتائج التي وصلنا إليها وهي على الشكل التالي:‏
- بما أنّ الشورى ليست نظرية سياسية، ولا تمتلك برنامجاً ولا أدوات ولا آليات تطبيقية.‏
- وبما أنّ الإسلام بتشريعه الإلهي وهديه النبوي وتجارب المسلمين في ممارسة الحكم لم يقدم لنا صورة ناجزة لتداول السلطة.‏
- ولأنّ الديمقراطية بمعناها العام الاجتماعي وبروحها وغايتها الإنسانية تلتقي مع الإسلام بدءاً من احترام الإنسان والحفاظ على حقوقه التكوينية والتكليفية، والحرص على مشاركته في الحياة، وتوخي العدالة بين الناس. فإننا نعتقد أنّ تفعيل الشورى في الإسلام مهمتنا الأساسية، وذلك بنقلها من مفردة جميلة دافئة إلى نظرية اجتهادية لنظام الحكم تعتمد القراءة العصرية للنظرية الديمقراطية ولتجارب الآخرين، ومن ثم إعادة انتاجها منهجاً يتوافق مع غاية الإسلام ويواكب روح العصر. فهي إذاً ليست مفردة جامدة ولا تقبل الجمود والتحجّر، وإنما هي وجه من وجوه الاجتهاد الإسلامي للديمقراطية. شريطة أن ندرسها من باب مصلحة الأمة والحفاظ على الثوابت والدفاع عن إنسانية الإنسان.‏
أختم بالقول: إنني حاولت فيما قدمته من أفكار مختصرة ومكثفة تقديم أجوبة عن بعض التساؤلات التي رأيتها مهمة جداً. وقد لفتني تساؤل قدّمه أحد المثقفين المتابعين للموضوع أرجو أن أكون قد أجبت عنه في ثنايا البحث أو في مجمله. وهو لماذا لم ينقل لنا المترجمون والفلاسفة العرب المسلمين وعلماء الاجتماع «مصطلح الديمقراطية» يوم ازدهار عصر الترجمة إلى العربية في العصر العباسي بالرغم من نقلهم ما هو أقل منه شأناً؟. إذ لا يمكننا أن نصدق للحظة أن هؤلاء المترجمين لم يطلعوا على المنظومة السياسية اليونانية فمن اطلع على الإرث المعرفي اليوناني عرف بالتأكيد المنظومة السياسية فلماذا تحفظوا على ذلك؟. أترك الجواب الصريح عن هذا السؤال عند القارئ برسم المطالبة بالإجابة.‏

الهوامش‏:
1 - حديث الترمذي كتاب الفتن رقم 2193 عن أبي هريرة .‏
2- حديث مسند الإمام أحمد رقم الحديث 6360 موسوعة الحديث كمبيوتر.‏
3- حديث البخاري كتاب المغازي رقم 4011 موسوعة الحديث كمبيوتر.‏
4- نهج البلاغة ج 2 ص / 7 / طباعة دار الكتب العلمية ط1 1410 هـ 1990 م.‏
5- هنري حماتي كتيب لا سلام ممكن ط1 بيروت 1996 صفحة 114

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟