مدخل:
الديانة اليهودية وتاريخ بني إسرائيل، من القضايا التي أثارها البِيروني في كتاب "الآثار الباقية"، وقد آثر الرجل الحديث عنهما في سياق عرضه للتواريخ التي تعتمدها مختلف الطوائف والمجموعات الدينية، حيث ركز على الجوانب التاريخية، والجوانب المرتبطة بالطقوس والاحتفالات الدينية، وكذا العادات والتقاليد التي يُحْيُونها، إلى جانب الإشارة إلى الأيام والأوقات المعظمة عندهم، و التي يخصونها بالصوم، وسنأتي على ذكرها بالتفصيل. وقد كان ذلك على حساب عدم التعّرض لأهم العبادات التي يمارسها اليهود، أو الجوانب العقدية والفلسفية واللاهوتية في ديانتهم. لكنه مع ذلك ناقش الكثير من المواضيع التي تهم تلك الديانة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر المواضيع التالية: المسيح المنتظر، تباين نسخ التوراة، مسألة التحريف، بشارة النبي محمد من خلال كتب العهد القديم، قول اليهود في النَّسخ والبَداء، تدوين التوراة، السامرة والعداوة بينهم وبين اليهود، خراب بيت المقدس، عبادة اليهود للأصنام، قصة هارون عليه السلام وصناعة العجل([i])...الخ
لكن البِيروني أظهر معرفة دقيقة بتاريخ اليهودية وشعب بني إسرائيل، وخاصة منذ خروجهم من مصر في اتجاه فلسطين، كما أبدى معرفته بالكتاب المقدس اليهودي، إذ أشار إلى النسخ الثلاث للتوراة؛ التوراة العبرية التي بيد اليهود، و التوراة السامرية([ii])، وأخيرا التوراة التي بيد المسيحيين والمعروفة بـــــ"السّبعينية" (الترجمة اليونانية للتوراة)، مبينا مع ذلك أبرز الفروق والاختلافات فيما بينها جميعا، إلى جانب بعض الأسفار الأخرى للعهد القديم. وذكر كذلك أهم المحطات التاريخية التي عاشها اليهود، بدءا بوجودهم بمصر، ومرورا بمحنة السَّبي البابلي، ثم مسألة السماح لهم بالعودة إلى فلسطين زمن الملك الفارسي "قورش"([iii]) الذي لقب بالمُخَلِّص.
من جهة أخرى، اهتم البِيروني كثيرا بالتواريخ والأيام والشهور العبرية ([iv])، التي يعتمدها اليهود مفصلا في أسمائها وطرق استخراجها، ومن ضمن ذلك أيام صومهم، وأعيادهم الدينية المختلفة على مدار السنة. بالإضافة إلى أسماء ملوكهم وأنبيائهم؛ والمُدد التي مكثوها، وأعمارهم ([v])...علاوة على ذكره لأهم الطوائف اليهودية التي كانت معروفة في زمانه (الربّانية، القرَّاؤون (الميلادِية)، العِنانِيّة، المغاربة، الألفانيَّة).
وحري بنا هنا أن نشير إلى الفكرة التي ذكرها "Sachau" حول دراسة البِيروني للتواريخ اليهودية، ذلك أنه قال: "إن البِيروني هو العالم المسلم الوحيد الذي أبدى معرفة دقيقة بالجداول والحسابات الزمنية والتواريخ التي يعتمدها اليهود..."([vi]).
وبغض النظر عن النقاش الذي فتحه بعض الدارسين([vii]) حول مصادر البِيروني في دراسة الديانة النصرانية، ومدى تعامله مع مصادرها الأصلية، فإن المعلومات التي زودنا بها البِيروني حول النصرانية في غاية الأهمية، بل لا نجد الكثير منها في كتب الملل والنحل، لأن هذه الأخيرة كانت تركز بالأساس على نقد المعتقدات النصرانية والردّ عليها في إطار المقارنة بينها وبين المعتقدات الإسلامية...
المبحث الأول: دراسة البيروني للديانة اليهودية
المطلب الأول- أعياد اليهود وأيام صومهم.
لقد تعرض البِيروني لأهم أعياد اليهود، وللأيام المبجلة عندهم التي يصومون فيها، جاء ذلك العرض بناء على التقويم الشهري العبري ([viii]) الذي يعتمدونه، منبِّها على أن رأس السنة اليهودي لا يبدأ بأيام مفروضة (وهي عندهم الأحد، الأربعاء، والجمعة). وذلك وفق الترتيب الآتي:
- أعياد وأيام صوم شهر "تشري".
- عيد الدِّحِيَّ: أول يوم منه عيد رأس السنة، ينفخ فيه بالبوق والسوافر (قرون الكباش)، ويبطل فيه العمل كما يبطل في السُّبوت. "وفيه زعموا أن إبراهيم قرّب ابنه إسحاق عليهما السلام، ففدي بالكبش، والذبيح عند أهل الكتاب إسحاق، وفي القرآن نصّ على أنه إسماعيل، وذلك في صورة "الصافات"، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا ابن الذبيحين". يعني عبد الله بن عبد المطلب وإسماعيل، ويتشعب الكلام في المسألة ثم الله أعلم"([ix]).
- صوم "كدليا": وهو بن أحيقام خليفة "بختنصّر" على بيت المقدس، وقد قتل في ذلك اليوم مع اثنين وثمانين نفرا في بئر، فاغتم بنو إسرائيل وصاموا يوم مقتله. ويكون هذا الصوم في اليوم الثالث من شهر "تشري".
- صوم "عقيبا": سببه أن "عقيبا" أُكره على عبادة الأصنام، فأبى فجلس في صندوق حتى مات جوعا. يكون في اليوم الخامس من شهر "تشري" أيضا.
- صوم العذاب: يكون في اليوم السابع، وسببه أن داود عليه السلام عدَّ بني إسرائيل، فأعجب بعدّتهم وتحيَّر أولئك بكثرتهم؛ فغضب الله عليهم وأرسل ناثان النبي إلى داود ينذرهم بالسيف والقحط وموت الفجاءة، وظهر إنذاره، فخافوا وصاموا هذا اليوم.
- صوم الكبّور: يكون في اليوم العاشر ويدعى العاشوراء، وهو الصوم المفروض من بين سائر الصيام." ويصام هذا الكبور من قبل غروب الشمس من اليوم التاسع بنصف ساعة، إلى ما بعد غروبها في اليوم العاشر... وفي هذا اليوم كلم الله موسى بن عمران، وصومه كفارة لكل ذنب على وجه الغلط.
- عيد المظالّ (الظلل): أيامه سبعة متوالية، فيها يستظلون بأغصان الخلاف والقصب وغيرها في صحون دورهم. وذلك فريضة على المقيم دون المسافر، ويبطل فيها الأعمال، "لأن الله يقول في السفر الثالث من التوراة: وفي خمسة عشر من الشهر السابع عيد المظال، فلا تعملوا سبعة أيام وحجوا قدَّام الله حجا..."([x]).
- عيد الجمع: سمي بذلك الاسم لأن اليهودتجتمع في "هارهارا" من بيت المقدس حاجِّين ويطوفون حول "أورون" الذي بكنائسهم وهو شبه المنبر.
- عيد التبريك: وهو استكمال الأعياد، ويبطل فيه الأعمال، ويعتقدون أن فيه استكمل نزول التوراة، لذلك يخرجون التوراة ويتبركون بها ويتفاءلون بنشرها وقراءتها.
- أعياد وأيام صوم شهر "مَرْحِشْوَانْ"(Ma-Heshvan).
هذا الشهر ليس فيه أي عيد. وفي السادس منه صوم "صيديقيا"، وسببه أن "بُخْتَنَصَّر" قتل أولاد "صيدّيقيا" وهو بين أيديهم، فصبر ولم يبك ولم يظهر الجزع، فعمي، فاغتمّ بنو إسرائيل، ثم صاموا ذلك اليوم.
- أعياد وأيام صوم "كِسِلِيو"(Kesilev).
- صوم اليوم الثامن منه: بسبب إحراق "يهوياقيم" القراطيس المسماة "قينوت"- وتفسيره النياح- وكان فيها وعد الله جاء بها النبي "إرميا" في حال وصف بني إسرائيلفي مستقبل الزمان، وما يصيبهم من المكاره...فرمى بها "يهوياقيم" في النار، فضوعفت عليهم النياحة.
- عيد الحنوكة (التدشين): يكون في اليوم الخامس والعشرين، ومعناه التنظيف، في ثمانية أيام يعملون على تنظيف بيت المقدس وإضاءته، يريدون بذلك الشكر لله. وهذا العيد له ارتباط بقصة ملك يوناني تسلط عليهم يدعى "اخشطينوس"، كان نهايته على يد واحد منهم، فاتخذوا ذلك اليوم عيدا([xi]).
- شهر طِِِِيبِثْ (Tevet):
اليوم الخامس منه أول ظهور الظلمة، وذلك أن "تلما" ملك الروم طالبهم بالتوراة، وأكرههم عل نقلها إلى اليونانية، وحملها إلى خزانته، وأظلمت الدنيا لذلك ثلاثة أيام، يصومون اليوم الأخير منها، وهو الثامن من شهر "طيبيث". كما يصومون العاشر منه، وهو اليوم الذي حاصر فيه "بختنصّر" بيت المقدس.
- شهر شْبَاطْ (شْفَاط):
يصومون اليوم الخامس منه، بسبب موت الصديقين في أيام "يوشع بن نون". وفيه صوم آخر يدعى "صوم الفتنة".
- آذار الأول:
هو شهر الكبس في السنة العبور، يعدم فيه البسائط، وليس فيه عيد أو صوم.
- آذار الثاني:
- في اليوم السابع منه صوم، وهو اليوم الذي مات فيه موسى بن عمران، وانقطع المن والسلوى بموته. وفي اليوم التاسع صوم فرضه بنو إسرائيل على أنفسهم حينما وقعت المنازعة بين فريقين منهم، قتل فيها ثمانية وعشرون ألف رجل.
- صوم الفُوري: ومعناه المساهمة، والسبب فيه أن "هامان"([xii]) كان من ضعفاء الناس، فارتحل إلى "تُسْتر"، وهي مدينة بخوزستان...فصار وزيرا لملكها، وكان عدوا لليهود، إذ سأل عن أشئم وقت لبني إسرائيل، فقالوا: في آذار مات موسى. فكتب في الآفاق بالقبض على اليهودفي ذلك اليوم وقتلهم...لكن ذلك لم يتحقق بسبب تدبير ومكيدة قامت بها "أستير" زوجة الملك، بل كان مصير "هامان" الصلب. وكان ذلك عيدا لليهود يسمى "المَجلَّة"، فيه الفرح بقتل "هامان" حيث يعملون فيها تماثيل يضربونها، ثم يحرقونها تشبيها بإحراق "هامان"([xiii]).
8- شهر نيْسان:
- يصومون اليوم الأول منه لذكرى موت "ناداب" و"أبيهوا" ابني هارون عليه السلام. واليوم العاشر صوم موت مريم بنت عمران وغور الماء الذي جعل كرامة لها.
- واليوم الخامس عشر منه "عيد الفصح"، وهو أول أيام الفطير التي لا يجوز فيها أكل الخمير، وذلك أن الله تعالى أمرهم في السفر الثالث من التوراة بذلك... وانقضاء هذه الأيام من غروب الشمس من اليوم الحادي والعشرين، وفيه أغرق الله فرعون. وفي اليوم السادس والعشرين صوم لوفاة "يوشع بن نون".([xiv])
- شهر أيَّار:
- صوم التّابوت: في اليوم العاشر، وهو اليوم الذي أخذ فيه بنو إسرائيل وقتل منهم ثلاثون نفرا.
- صوم لذكرى موت "شَمْويل" النبيّ.
- شهر سيوان (Sivan):
فيه عيد "العنصرة": وهو عيد عظيم، وحج من حجوج بني إسرائيل، وفيه حضر مشايخ بني إسرائيل طور سيناء، فسمعوا قول الله مع موسى من الجبل بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأمروا أن يتخذوا فيه عيدا شكرا لله على سلامتهم في أرضهم وغلاتهم من الصواعق والبرد والرياح.
وقد جاء في السفر الثاني من التوراة (سفر الخروج): "وحجُّوا إليَّ ثلاث مرات في كل سنة: الأول في حين الفطير، والثاني حين نزلت التوراة، والثالث في آخر السنة حين تدخلون ثماركم من المزارع..."([xv])
- شهر تَمّوز:
ليس فيه عيد، وصومه اليوم السابع عشر منه، وفيه كسر موسى الألواح، وفيه ابتداء حصن بيت المقدس في الانهدام أيام محاصرة "بختنصر" إياهم.
- شهر آب:
فيه صوم اليوم الأول منه، وهو الذي مات فيه هارون بن عمران ورفع الغمام الذي جعل كرامة له.
- شهر أيلـول([xvi]):
ليس فيه أي عيد، واليوم السابع منه صوم "الجواسيس"، وهو اليوم الذي رجع فيه الطلائع إلى موسى وأخبروه بأمر "الجبارين"([xvii]) فاغتم بنو إسرائيل.
المطلب الثاني: تعقيب
لقد اعتمد البِيروني في تقرير هذه الأخبار والمعلومات عن أعياد اليهود وأيام صومهم على النصوص الدينية اليهودية التي تمثل ما يعرف بــــ"العهد القديم"([xviii])، وخاصة الأسفار التوراتية، ويبدو لنا أنه رجع إلى التوراة العبرية إلى جانب الترجمات العربية المتاحة؛ والدليل على ذلك أنه استشهد بنصوص عبرية من التوراة في مناسبات متفرقة([xix]). بالإضافة إلى ذلك وجدناه يحيل على بعض المؤلفات التي أشارت إلى أعياد اليهود واحتفالاتهم كمؤلف "يعقوب بن موسى النقريسي"([xx])، و"أبي عيسى الوراق" صاحب "المقالات في الآراء والديانات".
ومن الواضح أن البِيروني قد أشار إلى أهم أعياد اليهود المشهورة اليوم، وخاصة: عيد السبت، عيد رأس الشهر القمري، عيد رأس السنة اليهودية، عيد "كِبُّور" أو الغفران، عيد "سُكُوت" أو "الظُّلَل" أو عيد "العرش التّوراتي"، عيد التدشين "حانُوكَة"، عيد الفِصْح (العُبُور)([xxi]). والملاحظة التي يمكن تسجيلها في هذا السياق هي أن جلَّ الأعياد اليهودية مرتبطة بمحطات تاريخية حزينة خاصة بهم، وبذكريات أليمة مر بها شعب بني إسرائيل (العبودية، السّبي، الحروب الأهلية...)، وكذلك جلُّ صومهم فهو تعبير عن الحزن والألم.
كما أنه من جهة أخرى ذكر بعض الطوائف اليهودية المعروفة كـالربّانية([xxii])، أو "السامرة"([xxiii])، وبعض الطوائف الأخرى التي لم يفصل القول فيها كـــــ"المغاربة"([xxiv])، و"الألفانيّة"([xxv]) و"العنانية" (القراؤون). كل ما ذكره هو أن هاتين الطائفتين تختلفان عن جمهور اليهود في بعض الطقوس والاحتفالات الدينية.
المطلب الثالث: التواريخ والتقاويم التي يعتمدها اليهود.
يذكر البِيروني أن اليهود يأخذون سنتهم من مسير الشمس، أما الشهور فتأخذ من مسير القمر، لتكون أعيادهم وأيام صومهم وفق التقويم القمري، ولتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السنة. ولذلك وجدنا اليهود كبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر ([xxvi]).
وقد انتقد البِيروني الطرق التي يعتمدها اليهود في تواريخهم، وتحديداتهم لمبدأ البشر من لدن آدم عليه السلام، ولبداية التأريخ أيضا ([xxvii]). فقد قال: "ولأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس وأصنافهم، في كيفيته وسياقة التأريخ، ما لا يجوز مثله في التواريخ...فهو مختلط بتزويرات وأساطير لبُعْد العهد به"([xxviii]).
ومن أجل تعليل هذا الحكم، بيَّن البِيروني مثلا أن اليهود عمدوا إلى تحريف التواريخ وطرق استخراجها، لإنكار نبوة المسيح عيسى عليه السلام، والتأكيد على أن "وقت خروج المسيح (عيسى) يخالف الوقت الذي سبقت البشارةُ من الأنبياء بعد موسى عليه السلام بولادته فيه من العذراء البتول في آخر الزمان، واليهود منتظرون خروج المسيح المبشر به عند تمام السنة ألف وثلاثمائة وخمسة وثلاثين(1335) بعد الإسكندر المقدوني (ت323 ق.م)"([xxix]). ذلك أن المسيح عيسى ابن مريم وفق تواريخهم ولد في سنة (304 لــلإسكندر المقدوني)، وبالتالي فمن غير الممكن أن يكون هو المسيح المنتظر المبشَّر به في كتب العهد القديم.
يضيف البِيروني دليلا آخر على عدم صحة الطرق التي عليها اليهود في التقاويم واستخراج التواريخ، حيث قال: "لو حملنا نحن ما أوجبته لفظة "الإسْتِتَار" في التوراة من العدد على أنه مقدار المدة التي بين أول تأريخ الإسرائيليين لخروجهم من مصر، إلى زمن عيسى ابن مريم لكنا أحقَّ بالتأويل، لأن المدّة التي بين خروجهم من مصر إلى قيام الإسكندر المقدوني هي ألف سنة على قولهم"([xxx]). وذلك غير صحيح، بل "هذه شُبَهٌ تلحق دعاوي (ادعاءات) اليهود"([xxxi]).
المطلب الرابع: تعقيب
ثم بعد ذلك، نستغل هذا الاستطراد الذي قدَّمه البِيروني، لنؤكد أن الرجل بالفعل ينبغي أن يُدرَج ضمن قائمة العلماء الذين عمِلوا على نقد الديانة اليهودية، وحاولوا التدليل على وجود التحريف في كتبها الدينية المقدسة، وإن كان الأمر لا يتعلق بالعقائد أو الشرائع اليهودية، بقدر ما يتعلق بالتواريخ والتقاويم والحساب الزمني والبشارات أو النبوءات الموجودة في كتبهم المقدسة، أو المعلومات التاريخية الواردة فيها حول قصص الأنبياء والأحداث الكبرى كالخلق والطوفان وبدء الخليقة.
المبحث الثاني: رؤية البِيروني للديانة النصرانية.
من الواضح أن البِيروني كان على اطلاع بمعتقدات ورسوم وطوائف الديانة المسيحية وبالكثير من الحقائق التاريخية المرتبطة بها، إلا أنه آثر التركيز على بعض الجوانب الخاصة بالطقوس والأعياد والاحتفالات الدينية والأيام التي يعظمها المسيحيون بمختلف مذاهبهم. ومع ذلك فإن مقاربته هذه المرة لم تكن بنفس الزخم والقوة والتفصيل الذي لاحظناه مع الديانة الهندوسية؛ ذلك أنه فصَّل في تلك الجوانب المذكورة في كتابه "الآثار الباقية" مع بعض الإشارات الطفيفة في كتاب "تحقيق ما للهند"؛ كحديثه عن عقيدة التثليث المسيحية، واستشهاده ببعض أقوال المسح عليه السلام، حيث أفرد فصولا خاصة في الكتاب الأول تحدث فيها عن الطوائف المسيحية الكبرى وهي الملكانية، النسطورية واليعقوبية، ناهيك عن الفرق الأخرى المغمورة كالديصانية وأتباع مرقيون...وعن التواريخ المعتمدة لديها كأسماء الشهور ونظام التقويم وحساب السنين مع نقده الصريح لطرق أهل الكتاب عموما في استخراج التواريخ والإيمان بالبشارات والنبوءات([xxxii])، وكذا الأيام المعظمة التي يصومها النصارى، ومعتقدهم في بداية الخلق وبدء الخليقة، وقصة الطوفان وتاريخها، وعن النسخة النصرانية من التوراة المسماة "السبعينية"، والفرق بينها وبين التوراة اليهودية "العبرية" والسامرية أيضا، والأناجيل الأربعة ومؤلفيها؛ متّى، يوحنا، لوقا، مرقس، كما أشار إلى بعض مظاهر التحريف([xxxiii]) فيها، علاوة عن الاختلافات الواقعة بين نسخها.
المطلب الأول: التوراة السبعينية والأناجيل الأربعة:
يقول البِيروني أن عند كل واحد من اليهود والنصارى نسخة من التوراة تنطق بما يوافق قول أصحابها، فالتوراة التي عند النصارى تسمى توراة "السبعينية"، وهي التوراة المترجمة إلى اليونانية. وقد بيّن علة تلك التسمية كما يلي: "إن طائفة من بني إسرائيل لما غزا "بختنصّر" بيت المقدس وخربه، رحلت تلك الطائفة واعتصمت بملك مصر وأقامت بجواره إلى أن ملك "بطليموس" وبحث عن تلك الطائفة حتى عثر عليهم، فآوامهم وقربهم وسمح لهم بالرجوع إلى بيت المقدس. ثم قال لهم: إن لي عندكم حاجة إن أسعفتموني بها فقد تم شكركم لي، وهي أن تسمحوا لي بنسخة من كتابكم، فأجابوه إلى ذلك وكانت بالعبرانية فلم يفهمها. وعاودهم بطلب من له معرفة بالعبرانية واليونانية معا ليترجم له...وقد تحقق ذلك وتم نقل التوراة إلى اليونانية"([xxxiv]).
لكن البِيروني يستطرد قائلا: "إن اليهود يقولون إنهم أرغموا على فعل ذلك كنوع من التواطؤ على التحريف، خوفا من شره وسطوته، ولذلك فهم لا يعترفون بتلك النسخة التي بيد النصارى"([xxxv]).
لقد تحدث البِيروني من جهة أخرى عن بعض النسخ المختلفة للأناجيل المسيحية؛ "فإن له (الإنجيل) عند النصارى أربع نسخ؛ إحداها لمتى والثانية لمرقس والثالثة للوقا والرابعة ليوحنا، وما في كل واحد منها من صفات المسيح وأحاديثه أيام دعوته ووقت صلبه بزعمهم كثيرا ما يخالف ما في الآخر حتى في نسبه (المزعوم) الذي هو نسب يوسف النجار خطيب مريم العذراء...والأكيد أن روايات كل واحد من أصحاب الأناجيل الأربعة متباينة".
كما تحدث عن بعض الأناجيل الأخرى المختلفة تماما عن أناجيل النصارى؛ التي عند كل واحد من أصحاب "مرقيون"، وأصحاب "ابن ديصان". ويشير إلى الخلاف العميق الذي بين الإنجيل الذي ينسب لماني، وبين الأناجيل الأربعة التي بيد النصارى. بل إنه قال بوجود نسخة أخرى من الإنجيل تدعى "إنجيل السبعين" لا يقر بها النصارى. يقول البِيروني معقبا: "وأولئك يدينون بما فيه، ويزعمون أنه الصحيح وأن مقتضاه هو ما كان عليه المسيح وجاء به، وأن غيره باطل وأصحابه كاذبون على المسيح...فلا يوجد من الأناجيل إذن من كتب الأنبياء ما يعتمد عليه"([xxxvi]).
- الشهور والتقاويم المعتمدة عند الفِرق النصرانية.
يقول البِيروني إن النصارى مزجوا بين الشهور الرومانية والشهور التي يعتمدها اليهود، وسموها بأسماء سريانية ([xxxvii]) وافقوا في بعضها اليهود، وباينوهم في بعضها الآخر ([xxxviii]).
- إشارات البِيروني لأهم الطوائف النصرانية:
النصارى كانوا مفترقون فرقا، فالأولى منهم الملكانية "وهم الروم، وإنما سموا بذلك لأن ملك الروم على قولهم وليس بالروم سواهم. والثانية النسطورية منسوبون إلى نسطور المظهر لرأيهم في سنة (451ه)، والثالثة اليعقوبية وهي معظم فرقهم، وفيما بينهم في الأصول التي هي الأقانيم واللاهوتية والناسوتية والاتحاد اختلافات يتباينون فيها. ومنهم فرقة تسمى الأريوسية؛ رأيهم في المسيح أقرب إلى ما عليه الإسلام وأبعد مما يقول به كافة النصارى..."([xxxix]). والملكانية والنسطورية أكثرهم عددا، ومن بالشام والعراق وخراسان أكثرهم نسطوريون، وأما اليعقوبية فأكثرهم القبط ومن في مصر. وكل فرقة من الفرق المذكورة لها نظام تراتبية في الكهانة والسلطة الدينية، حيث ذكر البِيروني أنهم يحددون تسع درجات ومراتب نذكر منها: الفسلطا (Psaltes)، القارويا (Qaroya)،هبوقدياقنا، القسّ (الشماس)، الأسقف، المطران، الجاثليق (كاثوليكوس أو مقدم الأساقفة)، البطريرك.([xl])
ولم يفت البِيروني أن يفتح النقاش في أعقد القضايا المرتبطة بالعقيدة المسيحية، وهي التثليث والأقانيم (الأشخاص أو الأصول) الثلاثة التي اختلفت في تحديد ماهيتها الطوائف المسيحية التي ذكرها، ومن ذلك أيضا المجامع المسكونية التي عقدها النصارى للحسم في الطبيعة اللاهوتية أو الناسوتية للمسيح...مع الحسم أيضا في كل من طبيعة الأقنوم الثالث، وهذه المجامع هي على التوالي: مجمع "نيقية"، مجمع "خلقدونية" (451م)، ومجمع "القسطنطينية" (381م)([xli]). وما ترتب على تلك العقيدة المسيحية من تقديس للصليب إلى درجة الهوس على حد تعبير البِيروني: "بل كثيرا ما تستعمل هذه الفرقة من النصارى في تعظيم أمر الصليب بصنوف التمويهات والهوس..."([xlii]). وهو يشير إلى الخرافات التي ينسجها بعض النصارى حول الصليب، كما هو الحال مع أتباع فرقة إسلامية وصفها البِيروني بالفرقة المشتغلة بالتأويلات ([xliii]) التي تشبّه اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بصورة الإنسان؛ حيث حرف الميم نظير الرأس، وحرف الحاء نظير البدن، والميم الثانية نظير البطن، والدال نظير الرجلين([xliv]).
على العموم يبدو أن البِيروني كان على إطلاع واسع بالديانة النصرانية، وخاصة الفرقة الملكانية والنسطورية، في حين كانت المعلومات التي قدمها بخصوص "اليعاقبة" قليلة جدا مما حدا بمحقق كتاب "الآثار الباقية" إلى القول: "إن البِيروني لم يكن يعرف عن "اليعقوبية" غير الإسم"([xlv]). وبالفعل لم يأت على ذكv عاداتهم أو طقوسهم كما كان الشأن مع الطوائف المسيحية الأخرى، وأعني الملكانية والنسطورية.
- أعياد النصارىالملكانية والأيام التي يخلدونها.
تحدث البِيروني عن هذه النقطة بنوع من التفصيل، ومن الواضح أنه اعتمد في جرد تلك المناسبات والذكريات والأعياد على ما يمارسه أتباع المذهب الملكاني في زمانه بناء على السماع أو الاعتماد على المرويات والأخبار الموثوقة لديه، ومن خلال ما ورد أيضا في الأناجيل الأربعة([xlvi])، كما أنه من الممكن أن يكون قد استند إلى إفادات بعض المسيحيين الذين عاصرهم كأبي سهل عيسى المسيحي الذي كان من أبرز العلماء الذين صحبهم البِيروني في منطقة خوارزم...ناهيك عن بعض المصادر التي صرح بها ككتاب "معارف الروم" لأبي الحسين الأهوازي. وقد رتب تلك الأيام وفق تسلسل الشهور السريانية، وذلك على النحو الآتي:
- في اليوم الأول من شهر "تشرين الأول" (أكتوبر) ذكرى يخلدونها وهي المعروفة بحنين الأسقف الشهيد (تلميذ بولس الرسول)، حيث يذكرونه ويدعون له ويثنون عليه ويتضرعون إلى الله باسمه، ويسمون كل مولود يولد فيه باسمه. وفي اليوم الثاني من الشهر عينه ذكرى الحارث بن كعب النجراني الذي يلقبونه بالشهيد أيضا، وفي اليوم الثالث ذكرى الراهبة ماري التي رميت بالزنا وهي بريئة منه؛ ذلك أن ترهبت وأخفت أنوثتها. وفي اليوم الرابع ذكرى أخرى لأحد تلاميذ بولس الرسول يدعى "الأسقف ديونوسيوس". وفي اليوم الخامس ذكرى أصحاب الكهف بمدينة "أفسس". وفي اليوم العائر ذكرى النبي زكريا عليه السلام؛ وهو بشارة الملائكة إياه بابنه يحيى عليه السلام...وفي السادس والعشرين ذكرى وضع رأسه في القبر([xlvii]).
-في اليوم الأول من شهر "تشرين الثاني" (نونبر) ذكرى الشهيد "كرنوس"، وفي السادس عشر منه أول الصوم لميلاد المسيح عليه السلام، وهو أربعون يوما متوالية.
- في اليوم الأول من "كانون الأول" (دجنبر) ذكرى الأسقف الأول ببيت المقدس المدعو "يعقوب"، واليوم الثالث ذكرى مكرسة للأب "جْوانيس": "والأبوة عندهم غاية التعظيم في الخطاب لأن أصولهم مبنية على ذلك، حيث قام باستخراجها أئمتهم المعظمون على قوانين أقاويل المسيح"([xlviii]). وفي الثاني والعشرين ذكرى خاصة بــــ"يوسف البولوطائي" الذي دفن جسد المسيح في قبر كان هيأه لنفسه بحسب ما ورد في الأناجيل الأربعة ([xlix]). وفي اليوم الخامس والعشرين عيد "يَلْدَا" (الميلاد) وهو ميلاد المسيح عيسى عليه السلام الذي يصادف الخميس، وفي السادس والعشرين إحياء لذكرى النبي داود عليه السلام.
- في شهر "كانون الآخر" (يناير) عيد للنصارى الملكانية يسمى عيد "القلنداس"، وتفسيره الخير؛ وفيه يجتمع الصبيان ويطوفون في بيوتهم مرددين كلمة "قالندس"، ولعله تمام الأسبوع من ولادة العذراء مريم. وفيه صوم "الدنح" أو الغطاس حيث يوم المعمودية الذي صبغ فيه يحيى بن زكريا المسيح وغمسه في ماء نهر الأردن عند بلوغ ثلاثين سنة من عمره، وكذلك يفعل جمهور النصارى بأولادهم إذا بلغ الطفل ثلاث أو أربع سنوات ([l]).
- في اليوم الثاني من شهر شباط (فبراير) عيد "الشمع"، وهو اليوم الذي أتت فيه مريم العذراء هيكل بيت المقس وكان عمر المسيح أربعون يوما. وفيه ذكرى تتعلق بوجود رأس يحيى عليه السلام.
- وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار (مارس) عيد يسمى عيد "السُبّار" (يوم البِشارة)، وهو دخول جبريل عليه السلام على مريم البتول مبشرا بالمسيح.
- في اليوم الأول من شهر أيّار (مايو) ذكرى مخصصة للنبي "إرميا"، وفيه أيضا عيد "الورد" لأنه يؤتى به إلى البيع، وفي السادس منه ذكرى للنبي أيوب، وفي السابع عيد ظهور الصليب على السماء من نور أو نار، كان ذلك أيام "قسطنطين" الملك قبالة الموضع الذي صلب فيه المسيح بزعمهم.
- يحتفل النصارى بعيد "السنابل" في الأول من شهر "حزيران" (يونيو)، حيث يؤتون بالسنابل من زرع الحنطة فيقرؤون عليها ويدعون بالبركة فيها، وفيه ذكرى للنبي يحيى بن زكريا عليه السلام يتوسلون بذكره إلى الله، ويقيمون هذا اليوم مقام "العُنْصُرَة" لليهود. وفي الثالث من الشهر يحيون ذكرى إحراق "بختنصّر" للصبيان، وفي هذا اليوم أيضا ذكرى إحداث الهيكل...وفي الثاني عشر منه أيضا ذكرى لأصحاب الأناجيل: متى، مرقس، لوقا ويوحنا. وفي اليوم الثلاثين من نفس الشهر ذكرى خاصة ببطرس، وهو شمعون الصّفا كبير الحواريين عند النصارى([li]).
- في اليوم الأول من شهر "تموز" (يوليوز) يحيي النصارى الملكانيون ذكرى الحواريين الاثني عشر تلامذة المسيح.
- وفي اليوم الأول من "آب" (غشت) يصومون كذكرى لمرض العذراء مريم عليها السلام، مدته خمسة عشر يوما آخرها يوم وفاتها، وفي الخامس منه ذكرى موسى بن عمران وعيد "تابور" المذكور في الإنجيل، حيث ظهر النبيان موس وإلياس عليهما السلام للمسيح بطور تابور ومعه ثلاثة من أصحابه هم شمعون، يعقوب ويوحنا([lii]).
- يحتفل النصارى الملكانيون بعيد آخر يدعى "إكليل السنة"؛ فيه يصلُّون ويدعون بختم السنة وافتتاح الأخرى الجديدة، لأن اختتام السنة يكون بهذا الشهر، وفيه ذكرى مكرسة لوالدة العذراء مريم عليها السلام "حنّة".
5- أعياد النصارى النسطورية وأيامهم المقدسة:
سبقت الإشارة إلى أن فرقة "النساطرة" قد خالفت الفرق النصرانية الأخرى (الملكانية واليعقوبية) في بعض الأصول العقدية وخاصة في معتقد الطبيعة اللاهوتية والناسوتية للمسيح، إذ ذهب "نسطور" وكان "بَطْرٍيَكْ" القسطنطينية بداية من سنة (428م) إلى القول بأن للمسيح طبيعتين منفصلتين؛ طبيعة لاهوتية، وأخرى ناسوتية([liii])، بخلاف النصارى الملكانية و الأريوسية...
والبِيروني كعادته في كتاب "الآثار الباقية" لا يلتفت كثيرا إلى التفاصيل المرتبطة بالعقائد وقضايا علم الكلام، بل أكبر ما كان يشغله هو طقوس الأمم وعاداتها، وبالتالي الأعياد والاحتفالات وأيام الصوم والتواريخ وما إلى ذلك. وقد بررّ ذلك بالقول: "وليس هذا موضع ذكر ذلك، وكتب المقالات والآراء والديانات والردّ على هؤلاء الفرق استغرقت ذلك وتتبعت زواياه وكوامنه"([liv]). وهو بكلامه ذاك يقصد أن الغاية من الكتاب هو تسليط الضوء على الجوانب التي أغفلها السابقون من المؤرخين ودارسي الأديان.
وبخصوص أعياد الطائفة النسطورية نجد البِيروني قد ركّز على ما اختصت به هذه الفرقة عن سائر الفرق النصرانية؛ وخاصة أنها جميعها يحتفي بالأعياد التالية: الميلاد، الدِّنح (التعميد على يد يحيى بن زكريا عليه السلام)، عيد الشّمع، عيد الفصح، جمعة الصّلب والقيامة، السلاّقا (الصعود)، البنطيقسطي (حلول الروح القدس)، والسبّار (البِشارة)..ذلك أنه أشار إلى: عيد دير يوحنا، عيد كنيسة مريم، عيد التجلّي، عيد دير الثعالب، عيد دير القادسية. مع تحديد أوقاتها وما يلازمها من صوم أو ذكرى ([lv]).
6- الصوم والأعياد المرتبطة به في الديانة النصرانية:
يذكر البِيروني أن صوم النصارى ثمانية وأربعون يوما، أولها يوم الاثنين، و يوم فطرهم هو يوم الأحد التاسع والأربعون من أول صومهم، و يسمّى "أحد الشّعانين"، حيث اشترط النصارى وقوع عيد الفصح (القيامة)([lvi]) بين عيد "الشعانين" والفطر الذي هو الأسبوع الأخير من أسابيع الصوم، مع العلم بأن النصارى لا يوافقون اليهود في تاريخ عيد الفصح (العبور والخروج من مصر)؛ "وقد كان أصحاب المسيح عليه السلام يحتاجون إلى تقديم المعرفة بفصح اليهود، ليَستنبِطُوا منه أوّل الصوم، فكانوا يستفتون اليهود فيه، وهم للعداوة بينهم كانوا يخبرونهم بخلاف الحقيقة ليضلوهم، ومع ذلك لم تكن تواريخهم متفقة إلى أن تجرّد لحسابه كثير من حُسَّابهم؛ فحسبوه على أدوار مختلفة وأعمال متنوعة"([lvii]).
ويحيون عيدا يسمى "السُّلاّقا"([lviii]) (نسبة إلى التسلُّق وهو الصعود)، يصادف يوم الخميس بعد أربعين يوما من يوم الفطر؛ وفيه أن المسيح صعد إلى السماء. وبعد هذا العيد بعشرة أيام عيد آخر يدعى "البنطيقسطي"([lix]) (حلول الروح القدس)، وهو يوم نزول الروح القدس وتجلّي المسيح لتلاميذه الحواريين. ثم صوم الحواريين يأتي بعد عشرة أيام من العيد المذكور (البنطيقسطي)، وفطره بعد ستة وأربعين يوما من أوله؛ "واليوم الثالث من هذا الصوم يسمى "جمعة الذهب"، ذلك أن الحواريين مرّوا فيها على رجل مُقعَد ببيت المقدس يسأل الناس شيئا، فناشدهم الله بالتصدُّق عليه، فقالوا له: ما معنا ذَهبٌ ولا فضّة، ولكنْ قُم واحْمِل سَريرك وامْشِ لأمرِكَ، فقام معافىً..."([lx]).
([i])- يُنظر: الآثار الباقية، الصفحات التالية: 21-22-23-52-53-57-58-59-72-74-82-129-145-243-252
([ii]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 23
([vi]) ”My critics do not seem to have noticed that Alberuni, a Musli mis the first of all the scholars we know who has composed a scientific system of the Jewish chronology”. ( Sachau, C: “chronology of Ancient nations”; pp: xii)
([vii]) - ينظر مثلا: (Jeffrey, 1951, p. 154)
([viii]) - وأول اشهر السنة العبرية هو (تِشْري-Tishrey)، يليه (مارحشوان-Mar- Heshvan)، ثم (كيسليو-Kislev)، و(طيبيت-Tevet)، و(شْبَاط-Shvat)، و(آذار-Adar)، و(نِيسان-Nisan)، و(أيار-Iyar)، و(سِيوان-Sivan)، و(تموز-Tamuz)، و(آب-Av). ويختتم السنة العبرية شهر (أيلول-Elul). وعندما يضاف إلى السنة شهر ثالث عشر فهو آذار الثاني. (انظر الآثار الباقية، ص: 69).
([ix]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 244
([xi]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 246
([xii]) - هامان وزير "احشورش" الفارسي، وعدو اليهود كما ورد في سفر أستير من العهد القديم.
([xiii]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 248
([xv]) - المرجع السابق، ص: 250
([xvi]) - الملاحظ أن عدد الشهور هو ثلاثة عشر. ذلك أن التقويم العبري تقويم قمري، ولمسايرة التقويم الميلادي الشمسي يضطر اليهود إلى إضافة شهر كامل بعد كل ثلاث سنوات، ويختارون السنة الكبيسة لفعل ذلك. فمعلوم أن السنة القمرية تقل عن السنة الشمسية بحوالي إحدى عشر يوما، واليهود يحافظون على نفس الأوقات الموافقة للتقويم الشمسي من أجل إحياء أعيادهم، مما يتحتم إضافة شهر لتقويمهم العبري.(الآثار الباقية: 14).
([xvii]) - وهم المعروفون تاريخيا بـالعماليق وهم من الشعوب الكنعانية؛ وهم أيضا سكان فلسطين الأوائل قبل دخول بني إسرائيل إليها. وقد تحدثت عنهم التوراة باسم "الجبارين".(انظر: الآثار الباقية: 82).
([xviii]) - أحال البِيروني على الأسفار التالية:
- سفر اللاويين؛ الإصحاح:23
- سفر أسْتِير؛ الإصحاح :8-3- 7-9
- سفر الخروج- سفرإشعياء:1 - سفرالتثنية – صموئيل: الإصحاح الثالث- - سفر القضاة: الإصحاح: 5،10،12
([xix]) - انظر الصفحات: 17-18 من كتاب "الآثار الباقية".
([xx]) - عالم يهودي معاصر للبيروني من "جرجان". كان رفقته في مجمع العلوم الذي أسسه أمير خوارزم آنذاك مأمون بن مأمون الساماني بالجرجانية.
([xxi]) - عيد الفصح يكون في الخامس عشر من نيسان، ويسمى أيضا عيد المرور والعبور. وله علاقة بذكرى نجاة بني إسرائيل من يد المصريين الذين أنزل عليهم العذاب. وهو ذكرى لتحررهم من العبودية كذلك. ويسمى أيضا عيد الفطر(نسبة لفطير الخبز الذي يعد بدون خمائر).
([xxii]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 58
([xxvi]) - الآثار الباقية، ص: 14
= المقصود أن اليهود يحتفلون بأعيادهم في نفس التوقيت الموافق للأشهر الميلادية، رغم اعتمادهم على الأشهر القمرية. لذلك يضيفون شهرا لتقويمهم العبري بعد كل ثلاث سنوات تقريبا لتدارك الفارق في الأيام بين السنة الشمسية والسنة القمرية.(انظر: البِيروني، الآثار الباقية، ص: 56-57).
([xxvii]) - قال البِيروني أن اليهود يعتمدون على طريقة "حساب الجُمَّل": وهو حساب الأحرف الهجائية المجموعة في : أبجد.. ويقال له أيضا حساب الأبجدية، حيث يعطى فيه لكل حرف قيمة عددية بناء عليها يتم تحديد التواريخ. قال: "...دعاوي لا يستشهد على صحتها إلا بتأويلات مستنبطة من حساب الجُمل وتمويهات ركيكة".(الآثار الباقية: 19).
([xxviii]) - المرجع السابق، ص: 16
([xxxii]) - يقول البِيروني: "ليس كل واحد من الفريقين إلا مدعيا في هذا المعنى، دعاوي لا يستشهد على صحتها إلا بتأويلات مستنبطة من حساب الجمّل وتمويهات ركيكة، لو قصد المتأمل لها إثبات غيرها بها ونفي ما أورده بأمثالها لم يصعب عليه مرامها..." (البِيروني، الآثار الباقية، ص: 19).
([xxxiii]) - الآثار الباقية: 24- 268
([xxxiv]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 22
([xxxvii]) - السريان هم النبط أهل السواد (جنوب العراق)، وقد كانوا قبل الإسلام على دين النصارى.( الآثار الباقية: 60).
([xxxviii]) - وهذه أسماء تلك الشهور: تشرين قديم –تشرين حراي- كانون قديم –كانون حراي- شباط – آذار- نيسان – حزيران- تموز – آب- أيلول. وقد اشتهرت هذه الشهور حتى استعملها المسلمون.
([xxxix]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 255
([xliii]) - لا ندري بالضبط ما الفرقة التي يتحدث عنها، لكن غالب الظن أنه يقصد الشيعة الإسماعيلية التي سبق وأن تحدث عنها بنفس الأسلوب في نفس الكتاب حينما قال: "وعلى ما ذكرناه عملت الفرقة المدعية للبواطن المنتحلة لتشيع الآل (آل البيت)، فأوردت حسابا زعمت فيه أنه من أسرار النبوة..."(الآثار الباقية: 164).
([xlv]) “Whilst the author does not seem to have known much more of the Jacobites than the name”. (Sachau, C; “chronology of ancient nations”; pp: vi).
([xlviii]) - المرجع السابق، ص: 259
([li]) – المرجع السابق، ص: 267
([liii]) - يمكن تلخيص المبادئ التي نادى بها نسطور فيما يلي:
- جعل في المسيحأقنوميّن منفصلين ومتمايزين، لذلك رفض عقيدة الاتحاد بين الناسوت واللاهوت كاتحاد حسب الطبيعة، كما رفض الاتحاد الأقنومي (Hypostatic union)، أي رفض الوحدة بحسب الأقنوم بكونه اتحادًا يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقي لا يمكن أن ينفصل.
- الاتحاد الأقنومي يعني أن أقنوم الله الكلمة هو نفسه الذي وُلد من العذراء أو الذي تجسد من العذراء أو الذي أخذ جسدًا منها. ولهذا يكون في المسيحأقنوم واحد. ولا يوجد اتحاد أقنومي في الوجود كله إلا في تجسد كلمة الله.
- اعتبار أن العلاقة بين اللاهوت والناسوت هي مجرد اتصال.
- اعتبار أن الكلمة هو ابن الله، وأن يسوع هو ابن العذراء مريم. لقد كان "نسطور" ينادي أن في السيد المسيحأقنومين وشخصين وطبيعتين، فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله، وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصلب ويموت يكون ابن مريم.
- يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها "أم المسيح"...و يرفض لقب "كيوتوكوس"، قائلاً أنها أم يسوع فقط. كما ينادى بـ "خريستوطوكوس" (والدة المسيحالإنسان).
= ينظر: نقد الأديان عند ابن حزم الأندلسي، عدنان المقراني، ص: 76-77
([liv]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 255
([lv]) - البِيروني، الآثار الباقية، ص: 274
([lvi]) - عيد الفصح المسيحي: يدفع المسيحيين لتذكار قيامة المسيح من الموت بعد ثلاثة أيام من دفنه بعد موته على الصليب (وفق الإيمان المسيحي)، وهناك عدة طرق لتحديد يوم عيد الفصح المسيحي لدى الطوائف التي تتبع التقويم الغربي (أتباع الكنيسة الكاثوليكية من المسيحيين) ويسمى العيد الكبير في الكنائس الشرقية و يتبع تحديد يوم عيد الفصح دورة القمر التي حددت في مجمع "نيقية" (325م) ولكنه يحدد بطريفة حسابية ليست فلكية كما في معظم الأعياد الأخرى. وهو غير عيد الفصح اليهودي الذي يعني بالعبرية: פֶּסַח (پيسَح)، وهو أحد الأعياد الرئيسية في اليهودية، ويحتفل به لمدة سبعة أيام بدء من الخامس عشر من أبريل حسب التقويم اليهودي لإحياء ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية كما يوصف في سفر الخروج...
([lvii]) - المرجع السابق، ص: 271-272
([lviii])- ولهم عيد "السلاّقا" ويكون يوم الخمسين، بعد الفطر بأربعين يومًا، وفيه تسلّق المسيح مصعدًا إلى السماء، من طور سيناء. وأمر التلاميذ بلزوم الغرفة التي كان أفصح فيها ببيت المقدس إلى أن يبعث لهم "الفارقليط" وهو الروح القدس. (الآثار الباقية: 273).
([lix])- "البنطيقسطى" باليونانية وسمي عيد حلول الروح القدس بعيد الخمسين؛ ذلك لأن عيد "العنْصرة" عند اليهود كان معروفا باسم "عيد الأسابيع" أو "عيد الخمسين"، لأنه كان يأتى بعد سبعة أسابيع من ثانى يوم عيد الفصح. أي في اليوم الخمسين من عيد الفصح. وجاءت المسيحية فدعت عيد حلول الروح باسم عيد الخمسين "عيد البنطيقستى" لأنه يقع في اليوم الخمسين من قيامة المسيح.