تؤكد الأبحاث و الدراسات الاجتماعية الدينية، أن التدين صفة عامة لجميع البشر، قديمهم و حديثهم، و هو ما لخصته موسوعة، لاروس القرن العشرين، بالقول : " إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية، حتى أشدها همجية، و أقربها إلى الحياة الحيوانية." ([1]).
و من أحدث هذه الأبحاث و الدراسات العلمية الأكاديمية، في القرن الحالي، دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، من خلال مشروع أكاديميي ضخم، ضم 57 باحثا من 20 دولة، و انتهت إلى ما عبر عنه أحد قادة الفريق العلمي لهذا المشروع الدكتور روجر تريغ بالقول: " لقد جمعنا أدلة كثيرة تثبت أن التديّن حقيقة مشتركة في طبيعة الإنسان في المجتمعات المختلفة "([2]).
كما تؤكد الأبحاث و الدراسات، أنه لم توجد قط على مر التاريخ جماعة بدون دين ، بل إنه قد يغيب العمران، و تغيب السياسة و العلوم و الصناعات و الفنون، في فترة من فترات تاريخ الإنسان، و لكن الدين كان دائم الحضور في حياة الجماعات البشرية، كما جاء على لسان المؤرّخ اليوناني بلوتارك :" لو لاحظتم العالم فإنّكم ستجدون أماكن كثيرة لا عمران فيها ولا علم وصناعة وسياسة ودولة ، و لكنّكم لا تجدون موضعاً ليس فيه اللَّه."([3]).و هو ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون بالقول : " لقد وجدت و توجد جماعات إنسانية، من غير علوم و فنون و فلسفات، و لكن لم توجد قط جماعة من غير ديانة."([4]).
فما سر التلازم بين الإنسان و الدين على مر التاريخ ؟
الديـــن فطــــــرة
يرجع العديد من الفلاسفة و المفكرين ، ذلكم التلازم المتماهي بين الإنسان و الدين على مر التاريخ، إلى كون التدين من وظائف الإنسان في الحياة،كما قال الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس:" حياة الدين ككل هي أهم وظيفة من وظائف الإنسانية."([5]). بشكل يجعل الدين، ضرورة طبيعية بشرية ، كما قال المؤرخ البريطاني، أرنولد توينبي:" الدين إحدى الملكات الضرورية الطبيعية البشرية."([6])، و حاجة إنسانية لا غنى عنها، كما عبر الفيلسوف الألماني إريك فروم بالقول:" لا وجود لإنسان بدون حاجة دينية."([7]). فضلا عن كون معرفة الله تعالى و الإيمان به، غريزة فطرية مغروسة و منطبعة في نفس الإنسان منذ أن خلق، كما عبر عن ذلك الفيلسوف و الرياضي الفرنسي ديكارت، في تأملاته، و هو يتحدث عن فكرة الله، بقوله:" هذه الفكرة وُلدت و وُجدت معي منذ خُلقت... والحقّ أنه لا ينبغي أن نعجب من أن الله حين خلقني غرس فيّ هذه الفكرة..."([8]).
و هو ما يؤكده العديد من الباحثين و العلماء المعاصرين، كالبريطاني جاستون باريت، الباحث في مركز علم الإنسان والعقل في جامعة أوكسفورد، مؤلف كتاب: " مؤمنون بالولادة " ([9]). والذي ضمنه عصارة أبحاث و دراسات امتدت، لما يناهز العقد من الزمن ، انتهت إلى أن :" الأطفال يولدون مؤمنين بالله، ولا يكتسبون الأفكار الدينية عبر التلقي "([10]). و الكندي بروس هود الأستاذ بجامعة برستول البريطانية، القائل في هذا الصدد:" إن الإيمان بالله و غيرها من الاعتقادات ... مطبوعة في عقول البشر منذ الولادة ([11]).
وهذا ما يفند أطروحة عالم الاجتماع الفرنسي لوسيان مالصون مؤلف كتاب :"الأطفال المتوحشون"([12])، في نفي الفطرة لدى الجنس البشري، و يدحض مذهب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك، في إنكار الأفكار و المعارف الفطرية، من خلال مقولاته المشهورة، من قبيل :"ليست الأفكار الفطرية مطبوعة على العقل بطبيعتها، لأنها ليست معروفة بالنسبة للأطفال و السذج وغيرهم".، و مثيل قوله:" لا يمكن لمعرفة إنسان أن تتجاوز خبراته."، و نظير قوله : "لا يوجد أمر في الذهن، لم يكن موجودا في البداية في الحواس".([13]).
هذه المقولات التي تبناها العلم التجريبي التقليدي، و اتخذها شعارا لقرون، قبل أن يثبت العلم التجريبي الحديث، في ظل الطفرة الجينية و فتوحات الهندسة الوراثية، حقيقة الأفكار الفطرية، المطبوعة في عقل الإنسان، و المسجلة في جيناته منذ الولادة، و على رأسها معرفة الله و الإيمان به.
ففي أعقاب نشر كتاب: " جين الله "([14])، لعالم الوراثة الأمريكي دين هامل، مدير وحدة التنظيم والهيكل الجيني في معهد السرطان القومي الأمريكي- مؤكدا خلاله فرضية كون الإنسان يرث مجموعة من الجينات تجعله مستعدًا لتقبّل الألوهية والدين، و منها جين VMAT2- خصصت مجلة " التايم" «The Time» الأمريكية، حيزا مهما من العدد 25 الصادر في أكتوبر 2004 ، للبحث في الموضوع تحت عنوان: "هل الله في جيناتنا؟"، و نقلت المجلة من خلال تقريرها، آراء العديد من العلماء، تؤكد أن الألوهية شعور يولد مع الإنسان. بحيث يولد الإنسان و يولد معه الشعور بوجود إله، و ليس فقط مجرد الاستعداد لتقبل الألوهية([15]).
وفي هذا تأكيد لنظرية كلود كلننجر، أستاذ علم النفس و الطب النفسي و علم الوراثة بجامعة واشنطن، المعروفة بنظرية "المزاجات و الأخلاق الوراثية"، التي تحدد ميول البشر الإنسانية و الأخلاقية و الروحية، و التي تمثل الأساس النفسي لفطرة التدين و فطرة المنظومة الأخلاقية في الإنسان.([16]).
فصارت الفطرة الدينية حقيقة علمية، تقر بارتباط الإيمان بجينات الإنسان، و شعوره، قبل إحساسه و عقله. و هو ما عبر عنه العالم البريطاني، روبرت ونستون رئيس الاتحاد البريطاني لتقدم العلوم، في كتابه:" الفطرة البشرية"، بالقول: " الحس الديني جزء من بيئتنا النفسية و مسجل في جيناتنا."([17]).
فالعقيدة الدينية، إذن، مسجلة و مغروسة في الإنسان، و بفعل فاعل، هو فاطر هذا الإنسان و خالقه، عز و جلت قدرته. وليست ناشئة ، كما قال ول ديورانت، عن فطرة الإنسان لمجرد ما في الإنسان من تساؤلات لا تنقطع، و خوف و قلق وأمل، و شعور بالعزلة. ([18]).
و هذه الحقائق الفلسفية و الاجتماعية و العلمية، و التي لم تكتمل صورتها إلا في أواخر القرن الماضي و بداية القرن الحالي، ما هي إلا ترجمة لبعض أوجه حقائق نقلية، صدح بها القرآن الكريم، و أكدتها السنة النبوية، منذ القرن السابع الميلادي. كما في قوله تبارك و تعالى في الذكر الحكيم:" فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها." ([19]). و قول النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم، :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة ..." ([20]).
فالإنسان، المخلوق لعبادة الله و عمارة الأرض، يولد بالضرورة، مفطورا على الإيمان بالله ، و معترفا في قرارة نفسه بربوبية الخالق عز وجل، التي شهد بها على نفسه أمام الله تعالى، في عالم الذرة منذ الأزل، بموجب الميثاق الأعضم ، وفق تعبير بعض فلاسفة و متصوفة الإسلام كالإمام الجنيد رحمه الله تعالى، كما يخبر بذلك القرآن الكريم ، في قوله سبحانه و تعالى في محكم التنزيل:" و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى، شهدنا." ([21]).
قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية : " يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو . كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه." ([22]). و روى الإمام أحمد في المسند ، و الحاكم في المستدرك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:" أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا ، قَالَ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ "([23]).
و هذه الحقيقة النقلية و العقلية، التي كانت مستنكرة من الماديين، صارت حقيقة علمية تجريبية، بعدما أكدها علم الوراثة، الذي أثبت وجود الأبناء في صلب الآباء منذ ولادة الآباء، بإثبات انتقال الصفات الوراثية بين الآباء و الأبناء من جيل إلى جيل، و بالتالي وجود جميع البشر في صلب آدم عليه السلام، و حواء رضوان الله عليها منذ خلقهما.([24]).
فالدين بموجب الواقع، و بمقتضى النقل و العقل و العلم التجريبي، إذن، حقيقة فطرية مسجلة و مطبوعة في النفس البشرية، و مسجلة في جينات الإنسان.
و ليس الدين مجرد نتاج الخوف من القوى غير المرئية التي اختلقها الذهن البشري، أو تخيلها من الحكايات المشروعة، كما قال الفيلسوف البريطاني توماس هوبز([25]).
لكن ما طبيعة الدين المدموغ في عقل الإنسان، و المطبوع في جيناته بالولادة ؟ أمام تعدد الأديان بين السماوي الإلهي) اليهودية و المسيحية و الإسلام (، والوضعي البشري )الهندوسية و البوذية و الكونفوشية ...(.
التوحيـــــــد ديـــــــن الفطـــــــرة
مع التسليم بفطرية الدين، إلا أن الأمر ليس على إطلاقه. فليس كل دين، وضعيا كان أو سماويا، بمطبوع في طبيعة الإنسان، و بمسجل في جيناته. و ذلك اعتبارا لكون الأديان البشرية مكتسبة، و من صنع الإنسان نفسه. و المكتسب لا يكون فطريا. إذ لا يجوز أن تكون الصنعة جزءا من ماهية الصانع، و لا يصح أن توجد معه بالخلقة و الولادة. فدين الفطرة، هو الدين الإلهي، دين السماء، الدين الذي جبل عليه الإنسان، و دمغ في جيناته، و شهد به على نفسه أمام الخالق تعالى، في عالم الذرة منذ الأزل؛ بموجب الميثاق الإلهي مصاقا لقوله تعالى:" و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى، شهدنا." ([26]). و لا يتعلق الأمر فقط بدين من أديان السماء المنسوبة لله تعالى، بل بدين التوحيد منها، توحيد الله تعالى و تخصيصه بالعبادة و إفراده بالألوهية.
فالتوحيد هو أصل الدين، و هذه حقيقة قديمة قدم الدين نفسه، أكدها التاريخ، و أثبتها العديد من الباحثين ، كالأستاذ لانج الذي أثبت وجود عقيدة الإله الأعلى أو إله السماء، عند ما يعرف بالقبائل الهمجية في أستراليا و أفريقيا و أمريكا، و كذا شريدر الذي أثبتها عند الأجناس الآرية القديمة، و بروكلمان الذي وجدها عند الساميين قبل الإسلام، و كاترفاج عند أقزام أواسط أفريقيا([27])، وشميث الذي أثبت أن فكرة الإله الأعظم توجد عند جميع الشعوب بما فيها أقدم الأجناس البشرية([28]).و هو ما عبر عبر عنه الأستاذ فوركارت في موسوعة دائرة معارف القرن العشرين بالقول :" إن تصور إله السماء يرجع إلى أقدم العصور الإنسانية، و أن فكرة تعدد الآلهة فكرة لاحقة لفكرة التوحيد." ([29]).
و هذا ما تدل عليه نظرية خلق الإنسان كما سطرها القرآن الكريم، و هو ما تؤكده الأبحاث العلمية الأركيوليوجية، المفندة للنظريات ، التي تزعم، دون برهان علمي مقنع، أن عبادة الإله الواحد، مرحلة لاحقة من تطور الدين عند الإنسان، الذي بدأ بتقديس الظواهر الطبيعية و الأوثان([30]). و في ذلك يقول الفيلسوف الألماني ماكس مولر: "خلافاً لما تقوله النظرية الشهيرة بأنّ الدين ظهر أوّلًا بعبادة الطبيعة والأشياء والأصنام، ثمّ وصل إلى عبادة اللَّه الواحد ، فلقد أثبت علم الآثار بأنّ عبادة اللَّه الواحد كانت سائدة منذ أقدم الأيّام." ([31]).
فقد عاشت البشرية على دين أبيها نبي الله آدم، دين التوحيد لقرون، ولم تعرف الشرك إلا مع قوم نوح عليه السلام، مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي:" إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا."([32]).
فلم ينحرف الإنسان عن التوحيد، و يشرك و يبتدع و يلحد، إلا بمقتضى عوارض خارجة عن الفطرة أو لاحقة بها، تبتدأ بترصد الشيطان و فتنته، و تنتهي بفتور الوحي و النسيان، و ببغي الإنسان و جحوده و تنطعه.
فدين الفطرة، إذن، هو الدين الحنيف، دين التوحيد، مصداقا لقوله تعالى:" و أقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها."([33]). الدين الذي لم يخل منه تاريخ البشر، و لم تخل من التذكير به، و الدعوة إليه أمة من الأمم، ولا قوم من الأقوام، مصداقا لقوله عز وجل:"و إن من أمة إلا خلا فيها نذير"([34]).والدين الذي بعث به كافة الأنبياء مصداقا لقوله تعالى:" و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت." ([35]).
و هذا الدين الحنيف، هو دين أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، مصداقا لقوله تعالى: " ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما."([36]) ، و لقوله جل جلاله: " و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا، قل بل ملة إبراهيم و ما كان من المشركين.". و قوله عز من قائل:" قل إني هداني ربي صراطا مستقيما، دينا قيما ملة إبراهيم، و ما كان من المشركين." ([37]).
فدين التوحيد، إذن، هو أصل الدين، لأنه دين الفطرة، المدموغ في جينات الإنسان. وغيره من الأديان الوضعية و الشركيات، مجرد أمور عارضة و مكتسبة. أما الإلحاد و ما في حكمه، فلا يمكن، أمام الحقائق النقلية و العقلية و العلمية، إلا أن يكون وهما أو مرضا، أو مشكلة نفسية([38])، أو تجردا من مقتضيات الفطرة، و هروبا من مستلزمات التدين. و في أحسن الأحوال صنعة([39])، أو اختيارا مكابرا، أو متعالما مبنيا على قصور عقلي و شح معرفي، من باب قول العالم الفرنسي لويس باستور:" قليل من العلم يبعد عن الإله و كثير من العلم يعيد إليه."([40])، و من باب قول الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون:" إذا كان قليل من الفلسفة يبعد عن الله، فإن الكثير منها يرد إلى الله"([41]).
هذا إن لم يكن الإلحاد، عند بعض الأفراد طريقا للشهرة، و حرفة و تجارة مربحة([42])، و عند بعض المؤسسات استراتيجية سياسية، وظاهرة صوتية إعلامية و دعاية تسويقية، متعددة البواعث و الغايات، أمام تظافر جهود كل المتضررين و المتوجسين من الدين، بشكل مباشر أو غير مباشر. خاصة مع ظاهرة " الإلحاد الجديد "، الذي يعتمد استراتيجية الهجوم و العداء، و الاضطهاد الفكري، و أساليب الشيطنة و التدليس، و السخرية و الانتقاص، من الدين بشكل عام، و الإسلام بشكل خاص([43]).
لكن ما المراد بدين التوحيد، أمام تعدد الأديان السماوية المتبعة، و تعدد نحلها و ملل أتباعها؟
الإســــلام ديــــــن التوحيـــــــد
دين التوحيد، هو الدين القائم على إفراد الله تعالى بالربوبية و الألوهية، و تخصيصه دون سواه بالعبادة.و هو الدين الذي بٌعث به كافة الأنبياء، و أٌمروا به و أَمروا بالدعوة إليه. مصداقا لقوله سبحانه و تعالى :" و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون." ([44]). وهذا الدين، هو دين الإسلام، دين كافة الأنبياء و الرسل، مصداقا لقوله سبحانه و تعالى، على لسان نوح عليه السلام: " فإن توليتم فما سألتكم من أجر، إن أجري إلا على الله، و أمرت أن أكون من المسلمين"([45])؛ و قوله عز وجل، على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام:" و أوصى بها إبراهيم بنيه، يا بني إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون." ([46])؛ و قوله تعالى، مخبرا عن يعقوب عليه السلام:" أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ، قالوا نعبد إلهك ، و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل وإسحاق، إلها واحدا و نحن له مسلمون." ([47])؛ و قوله تبارك و تعالى، مخبرا عن فرعون في قصته مع موسى عليه السلام:" حتى إذا أدركه الغرق، قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، و أنا من المسلمين." ([48])؛ و قوله سبحانه و تعالى، مخبرا عن حواريي عيسى عليه السلام: " فلما أحس عيسى منهم الكفر، قال من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله، آمنا بالله، و اشهد بأنا مسلمون." ([49])؛ و قوله عز و جل، في قصة بلقيس ملكة سبأ، مع نبيه سليمان عليه السلام :" قالت يا أيها الملأ، إني ألقي إلي كتاب كريم، إنه من سليمان، و إنه بسم الله الرحمان الرحيم، ألا تعلوا علي، و آتوني مسلمين." ([50]).
فدين التوحيد إذن، هو دين الإسلام. و هو دين الهداية الربانية، مصداقا لقوله عز من قائل :" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام." ([51]). و مصداقا لقوله تبارك و تعالى:" قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، و ما أنزل إلى إبراهيم و إسحاق و يعقوب و الأسباط، و ما أوتي موسى و عيسى، و ما أوتي النبيئون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، و إن تولوا فإنما هم في شقاق."([52]). و قوله عز من قائل:" و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين أ أسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا، و إن تولوا فإنما عليك البلاغ."([53]).
الإســــــلام فطــــــــــرة
الدين فطرة، و التوحيد دين الفطرة، و الإسلام دين التوحيد.
فدين الفطرة المسجل في جينات الإنسان، إذن، هو دين الله تعالى في الأرض، و هو الإسلام، مصداقا لقوله تعالى:" إن الدين عند الله الإسلام." ([54]). و لا أدل على هذا و لا أبلغ، بعد الذكر الحكيم و سنة النبي الأمين، مما تلهج به ألسنة الكثير من المهتدين إلى بر أمانه، كما هو حال هذه الفتاة البلجيكية بقولها :" استجابت نفسي كلها لهذا الإسلام ، إذ وجدت فيه دعوة الله المتجاوبة مع أعماق الفطرة البشرية"([55]). و هذا الفتى الألماني القائل:" اكتشفت أن الإسلام كمنهج حياة ينسجم من كافة الوجوه مع فطرتي."([56]).
و هذه حقيقة لا يسع كل منصف متجرد، ممن عرف كنه الإسلام إلا أن يقر بها، كما عبر المهندس العراقي اليهودي الأصل الدكتور أحمد سوسة، بعد اعتناقه للإسلام بالقول :" على المرء الذي وقف على حقيقة الإسلام أن يعترف أن الإسلام هو في الحق دين الحرية و الفطرة ." ([57]).
و الإسلام هو الدين ، الذي اصطفاه الله تعالى ، مصداقا لقوله عز وجل:" إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتن إلا و أنتم مسلمين." ([58]).
و الإسلام هو دين البشرية، الذي بدأ عقيدة و سلوكا و عبادات و معاملات، مع آدم عليه الإسلام، و تمت أحكامه و اكتملت شرائعه، بنزول الوحي على خاتم الأنبياء و المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، عليه الصلاة و السلام، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه. و ارتضاه الله عز وجل لكافة خلقه، مصداقا لقوله تعالى:"اليوم أكملت لكم دينكم، و أتممت عليكم نعمتي،و رضيت لكم الإسلام دينا." ([59]).
و الإسلام، الذي أتمه الله تعالى ببعثة رسوله الكريم، و ارتضاه عز وجل للناس أجمعين، هو الدين الحق، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى :" هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق، ليظهره على الدين كله." ([60]).
و هذا الدين، هو الدين الذي لا يقبل الله تعالى أن يتبع سواه، و لا أن يتعبد بغيره، مصداقا لقوله عز و جل: " و من يبتغ غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه، و هو في الآخرة من الخاسرين." ([61]).
فاللهم ثبتنا على دينك، واشرح صدورنا لهديك و نورك، و وفقنا لطاعتك، وأعنا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك. " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله." سورة الزمر الآية: 45. و صلى الله و سلم و بارك على المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. البشير عدي: كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية - أكادير.
البشير عدي
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
جامعة ابن زهر - أكادير
[1])) نقلا عن : الدكتور محمد عبدالله دراز: الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دار القلم بيروت، صفحة 82.
[2])) صحيفة التيليغراف البريطانية العدد الصادر بتاريخ: 2012/03/12. انظر الرابط :
[3])) نقلا عن : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : نفحات القرآن، نشر مدرسة الإمام علي، قم، الطبعة الأولى، ج 3، ص 98.
[4])) نقلا عن : الدكتور محمد عبدالله دراز: الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، م س ، صفحة 82
[5])) د هوست سميت: أديان العالم. تعريب و تقديم سعد رستم، دار الجسور الثقافية، حلب، الطبعة الثالثة، ص 4.
[6])) نقلا عن: الدكتور وليد نور: المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم. دار الكتب العلمية بيروت، ص 10 .
[7])) إريك فروم : الدين و التحليل النفسي. ترجمة فؤاد كامل، مكتبة غريب القاهرة مصر1977. ص 27.
[8])) ديكارت: التأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة و تقديم و تعليق الأستاذ عثمان أمين، المركز القومي للترجمة القاهرة 2009، ص 163.
[9]))الكتاب طبع بالإنجليزية تحت عنوان : Born believers: the science of children's religious belief، و ترجمه مركز دلائل، و نشره تحت عنوان: فطرية الإيمان:كيف أثبتت التجارب أن الأطفال يولدون مؤمنين بالله.
) [10] ) مجلة "ديلي تلغراف" البريطانية ، العدد الصادر بتاريخ 24 نونبر 2008.
[11])) جريدة الزمان الصادرة بالعربية في لندن العدد 3393 و تاريخ 2009/09/09 . نقلا عن :صحيفة ديلي ميل البريطانية.
[12])) الكتاب مطبوع تحت عنوان: الأطفال المتوحشون: الأسطورة و الحقيقة: ترجمة لطيف فرخ، صادر عن دار الفكر بيروت 1997.
[13])) يذهب الفيلسوف هيجل، إلى أن هذه المقولة و التي قبلها، منقولتان خطأ عن الفيلسوف اليوناني أرسطو. الموسوعة الفلسفية، ترجمة و تقديم وتعليق الدكتور إمام عبدالفتاح إمام، دار التنوير بيروت، الطبعة الثالثة، 2007، ص 60. و يؤكد هيجل أن معرفة الله هي في طابعها الحق: ارتفاع فوق كل الإحساسات و الإدراكات الحسية. الموسوعة الفلسفية، م س، ص 66.
[14])) الكتاب طبع بالإنجليزية عة طبعات، تحت عنوان: جين الله: كيف يتم ربط الإيمان بجيناتنا.
THE GOD GENE : how faith is hardwired into our genes
[15])) انظر الرابط: http://content.time.com/time/magazine/0,9263,7601041025,00.html
[16])) د عمرو شريف : رحلة عقل، مكتبة الشروق الدولية،مصر الجديدة، الطبعة الرابعة، 2011، ص179/178.
[17])) د عمرو شريف : نفسه، ص173.
[18])) ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة زكي نجيب محمود، دار الجيل، بيروت، ج 1 ص 117.
[19])) سورة الروم، الآية: 29.
[20])) صحيح الإمام البخاري: كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، و هل يعرض على الصبي الإسلام.
[21])) سورة الأعراف، الآية: 172.
[22])) ابن كثير الدمشقي: تفسير القرآن العظيم، دار ابن حزم،بيروت، الطبعة الأولى، ص 797.
[23])) الإمام الحاكم: المستدرك على الصحيحين: كتاب الإيمان، باب تفسير آية : و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم.
[24])) انظر للتفصيل: دراسة للدكتور محمود نجا، أستاذ الفارماكولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب جامعة القاهرة، تحت عنوان : حديث القرآن و السنة عن الحامض النووي في الأمشاج. منشور بموقع إعجاز القرآن و السنة الإليكتروني. على الرابط: https://quran-m.com/?p=1372.
[25])) د إمام عبدالفتاح إمام: توماس هوبز فيلسوف العقلانية، دار الثقافة ط 1985 ص 408
[26])) سورة الأعراف، الآية: 172.
[27])) و هذا خلافا لما ذهب إليه ول ديورانت في كتابه تاريخ الحضارة من التشكيك، في وجود ديانة لدى أقزام أفريقيا و حديثه عن الإلحاد البدائي. قصة الحضارة،م س ، ج 1 ص 98 . مع أن ديورانت يؤكد في ذات الكتاب، أن الدين ظاهرة تهم البشر جميعا . ص 99.
[28])) نقلا عن : د أحمد عبد الرحيم السايح: بحوث في مقارنة الأديان: الدين نشأته و الحاجة إليه.دار الثقافة،الدوحة.ص 42/43 .
[29])) الدكتور محمد عبدالله دراز : الدين : بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان دار القلم، م س، ص 82.
[30])) انظر في النظريات الوضعية لنشأة الدين و تطوره: د سعيد مراد: المدخل إلى تاريخ الأديان، منشورات عين للدراسات و البحوث الإنسانية والاجتماعية. القاهرة بدون تاريخ. و ذ محمود العقاد: الله: كتاب في نشأة العقيدة الإلهية، المكتبة العصرية. بيروت1949 .
[31])) نقلا عن : ناصر مكارم الشيرازي : نفحات القرآن، م س، ج 3 ص 98.
[32])) صحيح الإمام مسلم: كتاب الجنة و صفة نعيمها و أهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة و أهل النار.
[33])) سورة الروم، الآية: 29.
[34])) سورة فاطر، الآية: 24.
[35])) سورة النحل، الآية: 36.
[36])) سورة آل عمران، الآية: 66.
[37])) سورة الأنعام، الآية :162/161.
[38])) انظر في هذ الشأن ، دراسة للدكتور عمرو شريف أستاذ الجراحة العامة بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة، تحت عنوان: الإلحاد مشكلة نفسية. من منشورات نيو بوك للنشر و التوزيع القاهرة. الطبعة الأولى 2016.
[39]) انظر فصل صناعة ملحد، من كتاب أنطوني فلو: هناك إله: كيف قاد العلم أشرس ملاحدة العالم إلى الإيمان. ص 21 و ما بعدها.
[40])) نقلا عن: لوك فيري: أجمل قصة في تاريخ الفلسفة. ترجمة محمود بن جماعة. دار التنوير ، بيروت ، الطبعة الأولى 2015، ص 115.
[41])) نقلا عن: الشيخ نديم الجسر: قصة الإيمان بين الفلسفة و العلم و القرآن. المكتب الإسلامي بيروت ط3، 1969.ص125
[42]) وصلت مداخيل أحد المروجين العرب للإلحاد على الشبكة العنكبوتية، في ثلاثة أشهر فقط ما يناهز: 60.000 دولار. شاهد على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=c1Zhp-Abi9Q
[43])) انظر: د عمرو شريف : وهم الإلحاد .كتاب هدية مجلة الأزهر، محرم 1435، نونبر 2013، ص 28. و د محمد عمارة: الإسلام في عيون غربية.دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 2006. و د عبدالله صالح الجعيري: ميليشيا الإلحاد –مدخل لفهم الإلحاد الجديد- مؤسسة تكوين للدراسات و الأبحاث، لندن،2014
[44])) سورة الأنبياء، الآية :25.
[45])) سورة يونس، الآية : 72.
[46])) سورة آل عمران، الآية: 66.
[47])) سورة البقرة، الآيات: 136/135.
[48])) سورة يونس، الآية:90.
[49])) سورة آل عمران، الآية :51.
[50])) سورة النمل، الآيات: 31/29.
[51])) سورة الأنعام، الآية: 132.
[52])) سورة البقرة، الآية: 125.
[53])) سورة آل عمران الآية: 20.
[54])) سورة آل عمران، الآية: 19.
[55])) د عرفات كامل العشي : رجال و نساء أسلموا، المكتب المصري الحديث، الإسكندرية، طبعة 2001، ص 38.
[56])) د عرفات كامل العشي: نفسه، ص 18.
[57])) د أحمد سوسة: في طريقي إلى الإسلام، المؤسسة العربية للنشر و التوزيع، بيروت،2004، ص 40.
[58])) سورة آل عمران، الآية: 66.
[59])) سورة المائدة، الآية: 04.
[60])) سورة التوبة الآية: 33.
[61])) سورة آل عمران، الآية: 84.