تقع الشعوب الشرقية ولاسيما العربية والإسلامية منها فريسة صراع مرير بين ثقافتين كان يمكن ان تكونا متوازيتين بدل تقاطعهما ألا وهما : الثقافة الثابتة – ثقافة الإيمان بالغيب – والإيمان (( هو التسليم والقبول والتصديق بموضوعات لا تخضع للدرس والنظر العقلي أو التجريبي ، فهو تسليم بغيب أخبر عنه صاحب الدعوة ، وهذا التصديق يعد مقياساً للإلتزام بالديانة من عدمه ، وصلاح الإيمان من فساده ، ونموذج ذلك في الإسلام ما أخبر عنه القرآن الكريم ، أو ما ورد في شكل أحاديث منسوبة للنبي محمد ( ص ) )) . ومن هذه الغيبيات الإيمان بالله سبحانه وتعالى كإله كامل مفارق للمادة أزلي وسرمدي ، والإيمان بالرسالات السابقة وبمعجزات الأنبياء (( كدلالة صدق تكسر قوانين الطبيعة لانها لا تخضع لنواميس العقل ومنظومته وقواعده )) .. كالإيمان بالملائكة وقتالها مع النبي .. والإيمان بوجود الجن من المردة ومن المؤمنين ... الخ ومثل هذه الغيبيات ترد في جميع الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن .. وهذا الذي يؤمن به أتباع تلك الديانات والذي يعتقدون بصلاحه لكل زمان وفي كل مكان .. لأنه الثابت والموحى به من الخالق سبحانه . وقد جرى في أوربا والبلدان الغربية عملية درس ونقد الكتب المقدسة .. من حيث البعد التاريخي للنصوص وجذورها السياسية والإجتماعية والإقتصادية .
أما الثقافة الأخرى المقابلة والتي هي نتاج التطور التاريخي بمحتواه الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والفكري .. التي إنتهت الى التقدم العلمي الهائل والذي أوجد مشكلة عويصة .. إذ كيف يمكن أن نوفق بين ثقافة ثابتة تستوعب كل المتغيرات المتسارعة تقوم على الغيب وتصلح لكل زمان وفي كل مكان .. وبين ثقافة تلاحق ما يحدث في الواقع تقوم على مفاهيم العلم وشروطه وتنتج من تفعيل وحراك قوانين العقل ومنظومته .. وأزاء ذلك كله إنصاع اللاهوتيون أهل الثبات على تسجيل تراجعات كبيرة حيال التقدم العلمي الهائل .. بعد أن تخلوا تماماً عن أسلوب المواجهة العنفية التي كانت سمتهم قديماً .. وصارت الثقافة الثابتة تنحصر في مجالات مخصوصة ( إيمانية قلبية عبادية كنسية ) .. وأخيراً ساهم رجال الكنيسة في توطيد هذا المنحى لترسيخ قيم الحرية والسلام الأهلي والثقافي .. لتسير الثقافتان الثابتة والأخرى المتغيرة في خطوط متوازية الأولى في الخط الكنسي والإيماني والثانية في الواقع وتغيراته وتطوره العلمي والتقني والإجتماعي .
حق الاختلاف
أما في العالم العربي والإسلامي .. إذ حاول النبي (( ص )) مع ظهور الإسلام أن يؤسس للتعدد في الثقافة ، حينما فرّق بين ثقافة الثبات المخصوصة في المجالات العبادية .. والثقافة المتغيرة التي تتعاطى مع الواقع وتطوره عندما قال (( ص )) : (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) وقد حاول الإمام علي ( ع ) تكريس هذا الفهم القائم على قبول الآخر وتعددية الفهم بقوله (( القرآن حمّال أوجه )) .. وللسير بالثقافة العربية بهذا الإتجاه الرحب .. ظهر علم جديد هو (( علم الكلام )) .. الذي كان أبطاله بحق من خريجي مدرسة الإعتزال .. التي فتحت أبواب الإجتهاد على مصراعيها (( حتى إنتهت مدرسة المعتزلة الى ترجيح حكم العقل إذا تعارض أو إختلف مع نص )) .. ناهيك عن ظهور فلاسفة كبار كالكندي والفارابي وإبن سينا والرازي وإبن رشد .. تأكيداً لهذا الإتجاه الذي هو حق الإختلاف حول أمور الدين .. ورفض فهم واحد للنص وسادت بحق حرية البحث وحرية الإعتقاد .. حتى أن هؤلاء الأفذاذ ناقشوا ليس فقط المنظومة الحقوقية للمجتمعات وتطورها وهو الجانب المتغير حسب الزمان والمكان .. بل تجاوزوا ذلك الى موضوعات الإيمان الغيبية مثل : الذات الإلهية وصفاتها ، خلق القرآن وحدوثه ... الخ (( لكن ذلك كان زمن القوة والإقتدار ، زمن العزة والوثوق بالذات ، عندما كانت الأمة عفية صبية قوية لا تخشى على ذاتها من حرية البحث ، بل وحرية الإعتقاد )) ، إلا أن الذين أتوا بعد ذلك حولوا تلك التعددية الى رؤى تتأصل ضمن فكرة تأسيسية ذات رؤية منهجية واحدة صحيحة بالمطلق تقوم على قاعدة (( العقل المتمحور حول المقدس )) .. لتنهي جميع تلك الرؤى التي تحولت الى مذاهب عند حقيقة مرجعية ثابتة هي (( النص )) .. الذي أنقضى على زمنه وظروفه التي أفرزته مئات السنين وفي جغرافية محددة . بخلاف دعوات هذا الزمان الرافضة لأسلافنا من أهل العقل والفلسفة والدعوة للتمسك بأسلاف آخرين .. (( ونرى مواقف آنيّة تشير الى حالة مستعصية من الخصاء الذهني المشتّبك مع ذهان عقلي واضح تسفك بموجبها دماء بريئة بأسم الدين والقرآن ويحاكم الناس على رأي أو قول ، بل ويحاكمون في الأغلب على ضميرهم ونواياهم . ويصدر الأمر بالتنفيذ ! )) .. وذلك يجيء بعد حالة الإنحطاط والتردي التي بلغتها أمتنا من دون الأمم الأخرى .. فإستعاضت عن عدم قدرتها على التقدم التاريخي بالتمسك الشديد بالذات التاريخية بشقها الأكثر تخلفاً وتعسفاً وطغياناً ..
القبيلة الدينية
و بعد فشل الدولة الوطنية في خلق وطن يحترم أبناءه .. إستبدل هؤلاء المواطنون هويتهم الوطنية بالدينية لتتحول الهوية من الوطن الى الدين الذي يعطي دفعة عاطفية ومعنوية أكبر فضلاً عن تحشيده الملايين من خارج أسوار الوطن .. ليتداخل الدين مع المفهوم القبلي القديم – بشر بلا وطن – هذه القبيلة الدينية لها قوانينها الصارمة والقاسية .. لأن الخروج عليها يشكل هتكاً وإضعافاً لها .. لذلك فإن مصير الخارجين سيكون التصفية الفكرية والجسدية .. ضمن أجندات التكييف التعصبي الأحادي الفهم لقوانين القبيلة الدينية !!! ليتم إلغاء دور الإنسان وفاعليته وشل عقله وتعطيل نواميس الطبيعة في صياغة أي مأثور ، وهكذا تحال الثقافة كلها الى عالم غيبي مفارق .. ويساق المسلم في عملية دربة نشطة الى الإفراط في تقديس رموز الماضي وذيولها الحاضرة التي تصبح مطاعة .. طاعة المقدس .. وتكرس القداسة في أمور الدين كلها وفي كل ما يرتبط بها حتى اللغة العربية التي جرى تثبيتها عند زمن تواتر النص .. وحورب حراكها وكبح تطورها .
وإعمالاً للعض بالنواجذ على هويتنا مخافة تسربها بين خلايا ثقافة الآخر المتفوق في كل شيء .. وحتى لا تكون فريسة سهلة له .. صار التمسك بثقافتنا الثابتة وأضفاء القداسة عليها بصفتنا (( خير أمة أخرجت للناس )) .. هو سلاحنا الثابت القديم بوجه كل الأسلحة المتغيرة المتطورة . وبناء على أن العلم .. لا يخطو إلا من خلال التخطيط الذي هو التنبؤ بالمستقبل .. وما ترتب عليه من منتجات وكشوفات وإختراعات علمية وتكنولوجية مبهرة نقلت أعداءنا - بحسب فهم الثقافة الثابتة - الى مدراج التقدم وعصر الحداثة والحضارة الراقية .. وبخلاف ذلك فإن ثقافتنا الثابتة لا تؤمن بالتنبؤ بالمستقبل الذي هو من علوم الغيب المختصة بالله سبحانه ، وليس من مقدورات البشر لذلك كله بقينا بعيداً عن التخطيط والعلم والتطور الحضاري .. ولِمَ نفعل ذلك ونكد ونتعب كما فعل الغربيون كل ذلك ببلادة ؟!! .. إذ هم ينتجون ونحن نتمتع بهذه المنتجات لأن الله سبحانه حبانا بالحيض النفطي .. في (( محاولة إستيهامية مريضة تؤكد دوماً أنه حتى هذا العلم قد تمت معرفته لدينا قبلهم عبر معرفة ربنا بكل تلك العلوم قبل أن يكتشفها العلم الغربي ، وأنها محفوظة في كتاب الله من الأزل )) .. وثقافتنا الثابتة تتخذ من لحظة ما هي لحظة إلتقاء السماء بالأرض قبل أربعة عشر قرناً في مكان بدوي محدد تتخذ منها بعداً زمكانياً لإذابة الغابر واللاحق والحالي في بوتقه تفصح عن جغرافية التفوق الثابت !! .. لقد كانت تلك اللحظة بحق لحظة تفوق الإسلام في درس التغيّر الذي هو درسه الأول (( كان هذا هو درس الوحي الأول والأخطر والأكثر تمييزاً للدين الإسلامي عن بقية الأديان ، أنه مع التحرر ضد التسلط ، ومع التغير والحركة ضد الثبات والجمود ، ومع الإنسان وقوانين الواقع وشروط العقل ضد كل الخرافات والأساطير والألغاز والأحاجي والخوارق ، وعندما كان يرد حديث الخوارق والمعجزات كان يأتي من باب ضرب المثل للترغيب والترهيب لقوم هكذا كان منهجهم في التفكير ، وهكذا كان مستواهم المعرفي )) .. كما يقول المفكر العربي د . سيد محمود القمني . ولقد إستوعب أسلافنا هذا الدرس الذي أقام للعرب ديناً ودولة ودنيا وإمبراطورية عظيمة .. لكن لا يمكن البقاء عاكفين على تلك اللحظة .. لأن ما حصل بعد ذلك ويحصل اليوم هو أن الدنيا تحركت وتتحرك تحركاً عظيماً وهائلاً .. لأن الوقوف عند تلك اللحظة يعني أننا نعيش في الماضي وننام في وهدة التخلف .. ولا نحيا روح العصر ولا نتعامل مع آلياته الحداثية .. ولا نملك والحال هذه في مواجهة ( أعدائنا ) الحضاريين – الثقافة الثابتة لاتقبل بالآخر وتعتبره دائماً العدو اللدود – إلا التمائم والتعاويذ والأدعية التي نواجه بها البوارج والقاذفات والأنترنت ووسائل الإتصال العجيبة .. وكلما فعلنا ذلك إزداد تردينا وإنحطاطنا .. وزاد عدونا قوة ومضاءً .. فنبتدر الى المسبحة والتراتيل بإنتظار المعجزة – التي لم تأتِ أبداً – فيما يسدر عدونا في غيّه الشيطاني في إمتلاك نواصي العلم والمعرفة التي يحولها الى قوة وإقتدار يستعبدنا بها ويذلنا .. وينهب خيراتنا .. ورغم أنفه ورغم كل ذلك فإننا (( نملك الحقيقة الكاملة والمطلقة الثابتة )) .. وأن كنا في العذاب المهين لابثين !! ..
أما في العالم العربي والإسلامي .. إذ حاول النبي (( ص )) مع ظهور الإسلام أن يؤسس للتعدد في الثقافة ، حينما فرّق بين ثقافة الثبات المخصوصة في المجالات العبادية .. والثقافة المتغيرة التي تتعاطى مع الواقع وتطوره عندما قال (( ص )) : (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) وقد حاول الإمام علي ( ع ) تكريس هذا الفهم القائم على قبول الآخر وتعددية الفهم بقوله (( القرآن حمّال أوجه )) .. وللسير بالثقافة العربية بهذا الإتجاه الرحب .. ظهر علم جديد هو (( علم الكلام )) .. الذي كان أبطاله بحق من خريجي مدرسة الإعتزال .. التي فتحت أبواب الإجتهاد على مصراعيها (( حتى إنتهت مدرسة المعتزلة الى ترجيح حكم العقل إذا تعارض أو إختلف مع نص )) .. ناهيك عن ظهور فلاسفة كبار كالكندي والفارابي وإبن سينا والرازي وإبن رشد .. تأكيداً لهذا الإتجاه الذي هو حق الإختلاف حول أمور الدين .. ورفض فهم واحد للنص وسادت بحق حرية البحث وحرية الإعتقاد .. حتى أن هؤلاء الأفذاذ ناقشوا ليس فقط المنظومة الحقوقية للمجتمعات وتطورها وهو الجانب المتغير حسب الزمان والمكان .. بل تجاوزوا ذلك الى موضوعات الإيمان الغيبية مثل : الذات الإلهية وصفاتها ، خلق القرآن وحدوثه ... الخ (( لكن ذلك كان زمن القوة والإقتدار ، زمن العزة والوثوق بالذات ، عندما كانت الأمة عفية صبية قوية لا تخشى على ذاتها من حرية البحث ، بل وحرية الإعتقاد )) ، إلا أن الذين أتوا بعد ذلك حولوا تلك التعددية الى رؤى تتأصل ضمن فكرة تأسيسية ذات رؤية منهجية واحدة صحيحة بالمطلق تقوم على قاعدة (( العقل المتمحور حول المقدس )) .. لتنهي جميع تلك الرؤى التي تحولت الى مذاهب عند حقيقة مرجعية ثابتة هي (( النص )) .. الذي أنقضى على زمنه وظروفه التي أفرزته مئات السنين وفي جغرافية محددة . بخلاف دعوات هذا الزمان الرافضة لأسلافنا من أهل العقل والفلسفة والدعوة للتمسك بأسلاف آخرين .. (( ونرى مواقف آنيّة تشير الى حالة مستعصية من الخصاء الذهني المشتّبك مع ذهان عقلي واضح تسفك بموجبها دماء بريئة بأسم الدين والقرآن ويحاكم الناس على رأي أو قول ، بل ويحاكمون في الأغلب على ضميرهم ونواياهم . ويصدر الأمر بالتنفيذ ! )) .. وذلك يجيء بعد حالة الإنحطاط والتردي التي بلغتها أمتنا من دون الأمم الأخرى .. فإستعاضت عن عدم قدرتها على التقدم التاريخي بالتمسك الشديد بالذات التاريخية بشقها الأكثر تخلفاً وتعسفاً وطغياناً ..
القبيلة الدينية
و بعد فشل الدولة الوطنية في خلق وطن يحترم أبناءه .. إستبدل هؤلاء المواطنون هويتهم الوطنية بالدينية لتتحول الهوية من الوطن الى الدين الذي يعطي دفعة عاطفية ومعنوية أكبر فضلاً عن تحشيده الملايين من خارج أسوار الوطن .. ليتداخل الدين مع المفهوم القبلي القديم – بشر بلا وطن – هذه القبيلة الدينية لها قوانينها الصارمة والقاسية .. لأن الخروج عليها يشكل هتكاً وإضعافاً لها .. لذلك فإن مصير الخارجين سيكون التصفية الفكرية والجسدية .. ضمن أجندات التكييف التعصبي الأحادي الفهم لقوانين القبيلة الدينية !!! ليتم إلغاء دور الإنسان وفاعليته وشل عقله وتعطيل نواميس الطبيعة في صياغة أي مأثور ، وهكذا تحال الثقافة كلها الى عالم غيبي مفارق .. ويساق المسلم في عملية دربة نشطة الى الإفراط في تقديس رموز الماضي وذيولها الحاضرة التي تصبح مطاعة .. طاعة المقدس .. وتكرس القداسة في أمور الدين كلها وفي كل ما يرتبط بها حتى اللغة العربية التي جرى تثبيتها عند زمن تواتر النص .. وحورب حراكها وكبح تطورها .
وإعمالاً للعض بالنواجذ على هويتنا مخافة تسربها بين خلايا ثقافة الآخر المتفوق في كل شيء .. وحتى لا تكون فريسة سهلة له .. صار التمسك بثقافتنا الثابتة وأضفاء القداسة عليها بصفتنا (( خير أمة أخرجت للناس )) .. هو سلاحنا الثابت القديم بوجه كل الأسلحة المتغيرة المتطورة . وبناء على أن العلم .. لا يخطو إلا من خلال التخطيط الذي هو التنبؤ بالمستقبل .. وما ترتب عليه من منتجات وكشوفات وإختراعات علمية وتكنولوجية مبهرة نقلت أعداءنا - بحسب فهم الثقافة الثابتة - الى مدراج التقدم وعصر الحداثة والحضارة الراقية .. وبخلاف ذلك فإن ثقافتنا الثابتة لا تؤمن بالتنبؤ بالمستقبل الذي هو من علوم الغيب المختصة بالله سبحانه ، وليس من مقدورات البشر لذلك كله بقينا بعيداً عن التخطيط والعلم والتطور الحضاري .. ولِمَ نفعل ذلك ونكد ونتعب كما فعل الغربيون كل ذلك ببلادة ؟!! .. إذ هم ينتجون ونحن نتمتع بهذه المنتجات لأن الله سبحانه حبانا بالحيض النفطي .. في (( محاولة إستيهامية مريضة تؤكد دوماً أنه حتى هذا العلم قد تمت معرفته لدينا قبلهم عبر معرفة ربنا بكل تلك العلوم قبل أن يكتشفها العلم الغربي ، وأنها محفوظة في كتاب الله من الأزل )) .. وثقافتنا الثابتة تتخذ من لحظة ما هي لحظة إلتقاء السماء بالأرض قبل أربعة عشر قرناً في مكان بدوي محدد تتخذ منها بعداً زمكانياً لإذابة الغابر واللاحق والحالي في بوتقه تفصح عن جغرافية التفوق الثابت !! .. لقد كانت تلك اللحظة بحق لحظة تفوق الإسلام في درس التغيّر الذي هو درسه الأول (( كان هذا هو درس الوحي الأول والأخطر والأكثر تمييزاً للدين الإسلامي عن بقية الأديان ، أنه مع التحرر ضد التسلط ، ومع التغير والحركة ضد الثبات والجمود ، ومع الإنسان وقوانين الواقع وشروط العقل ضد كل الخرافات والأساطير والألغاز والأحاجي والخوارق ، وعندما كان يرد حديث الخوارق والمعجزات كان يأتي من باب ضرب المثل للترغيب والترهيب لقوم هكذا كان منهجهم في التفكير ، وهكذا كان مستواهم المعرفي )) .. كما يقول المفكر العربي د . سيد محمود القمني . ولقد إستوعب أسلافنا هذا الدرس الذي أقام للعرب ديناً ودولة ودنيا وإمبراطورية عظيمة .. لكن لا يمكن البقاء عاكفين على تلك اللحظة .. لأن ما حصل بعد ذلك ويحصل اليوم هو أن الدنيا تحركت وتتحرك تحركاً عظيماً وهائلاً .. لأن الوقوف عند تلك اللحظة يعني أننا نعيش في الماضي وننام في وهدة التخلف .. ولا نحيا روح العصر ولا نتعامل مع آلياته الحداثية .. ولا نملك والحال هذه في مواجهة ( أعدائنا ) الحضاريين – الثقافة الثابتة لاتقبل بالآخر وتعتبره دائماً العدو اللدود – إلا التمائم والتعاويذ والأدعية التي نواجه بها البوارج والقاذفات والأنترنت ووسائل الإتصال العجيبة .. وكلما فعلنا ذلك إزداد تردينا وإنحطاطنا .. وزاد عدونا قوة ومضاءً .. فنبتدر الى المسبحة والتراتيل بإنتظار المعجزة – التي لم تأتِ أبداً – فيما يسدر عدونا في غيّه الشيطاني في إمتلاك نواصي العلم والمعرفة التي يحولها الى قوة وإقتدار يستعبدنا بها ويذلنا .. وينهب خيراتنا .. ورغم أنفه ورغم كل ذلك فإننا (( نملك الحقيقة الكاملة والمطلقة الثابتة )) .. وأن كنا في العذاب المهين لابثين !! ..