المعالم الكبرى للبحث العلمي في الدراسات المقارنة للأديان ـ د.بشيرعزالدين كردوسي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

pein02102011 (Qui n,en connaît qu,une n,en connaît aucune )
Max -Muller
يمثل البحث المقارن،عنوانا مقبولا عند الكثيرين من الباحثين وخاصة في مجال علم مقارنة الأديان بل يعد اليوم من أخصب الدراسات منهجا وأصعبها لتشابك قضاياه في الزمكانية وكذلك في دائرة المقدس واللامقدس.
ولهذا فان هناك ثمة مقاربات متعددة للبحث المقارن حول ماهية المقارنة كعنصر جوهري في الدراسات المقارنة للأديان والذي تنطلق منه الدراسات والأبحاث لتحديد المفاهيم الأساسية للبحث المقارن للأديان والتي حددت في:
فهم ظاهرة أو فكرة ما وتحديد مجالات التباين والاشتراك والتأثير والتأثر وتفسيرها.
ومن اجل الوصول إلى نتائج موضوعية يتم على أساسها وضع التصورات المتنوعة لكشف الأبعاد الخفية والحقيقية.
وهذا كله يجرنا إلى تحديد نطاق المقارنة في علم مقارنة الأديان.فالتحديد يدفع بنا إلى معرفة العوامل المتنوعة والتي لها الدور الأساس فيه.فالمؤهلات الشخصية وإمكانيات البحث من مادية ومعرفية هي التي تحدد هذا الإطار.
وهذه المسائل يتم من خلالها استيعاب البحث المقارن في الأديان بل هي التي تضيء الطريق نحو نجاح المقارنة وتكون ضمن خمس مراحل:

1

تعريف المسالة.

2

تحديد نطاق المقارنة.

3

تتبع الحد الأقصى من مستويات الاشتراك والتباين حتى الشكلية منها.

4

الانتقال من المستويات الشكلية إلى الحقبقبة فيما يتصل بالاشتراك والتباين.

5

تفسير حالات الاشتراك والتباين


.وهذه المسائل تقودنا إلى تحديد المعالم الكبرى للبحث العلمي في الدراسات المقارنة للأديان والتي توفر للباحث فضاء منهجيا يسير وفقه للاستيعاب الجيد لماهية المقارنة بين الأديان ومسائلها الجوهرية
وجملة هذه المعالم الكبرى تتلخص في:
1-تحديد الإطار التاريخي والمعرفي:
إن العقائد والطقوس والأفكار الدينية...تتكون في بداياتها في إطار معرفي تاريخي متشابك  واستيعاب هذه الثنائية تمنح الباحث فهما أعمق  للمعالم الأخرى وتتيح له تجاوز المقارنة المباشرة  والذهاب إلى ماهو ابعد.
فاستيعاب الإطار التاريخي المعرفي لمسالة عقدية مشتركة بين ديانتين يبعدنا عن النتائج الاستباقية بل يدفعنا إلى معرفة الجوهر البشري مثلا،في التشابه في بعض الأفكار الدينية.
2-المصادر والمراجع الأصيلة والمتخصصة:
لتحقيق هذا الاستيعاب الجيد يجب بالضرورة استيعاب مقوماته الأساسية وهي المصادر والمراجع الأساسية لأصحابها والتي تحدد الاتجاه العلمي الرصين والصحيح والجاد وإلا سيكون البحث أعرج ويدخل في نطاق بحوث العامة التي تعتمد الديماخوجية الخطابية التلفيقية.
فلا يتصور أن  ندرس قضية دينية لدين ما ونعتمد على مصادر ومراجع غيره لتحديد نطاقها وماهيتها...
ويؤدي هذا التسيب إلى تسرب معلومات خاطئة وناقصة لا قيمة لها كما يؤدي في النهاية إلى عقم وشلل البحث.
وكلما استعان الباحث في مقارنة الأديان بمصادر ومراجع ،أصيلة تمثل أصحابها،كلما كانت حجته أقوى واستقراؤه أكمل وكثيرا ما عانى كبار الباحثين الأمرين من اجل الحصول على مصادر أصحابها حتى يكون التوثيق من منبعه ليزيد قيمة للبحث..فقد تحمل أبو ريحان البيروني( 326-440ه   )  المشاق أربعين عاما بحثا للحصول عن كتاب ماني-سفر الأسفار- حتى عثر عليه لأنه أدرك قيمة المصدر والرجوع إليه.
كما أن التأملات المنهجية في حقل البحث الديني والاتجاه البيوتخصصي في تاريخ مقارنة الأديان في الحقل الأكاديمي اليوم،يجد أن ابن حزم    (384/456هـ) (994/1064م)   قد انطلق من مقدمات وركائز منهجية في دراسته للكتاب المقدس اليهودي-التوراة-وهي:
-الرجوع للمصادر الأصلية.
-المعرفة العلمية التطبيقية لأصحاب الاعتقاد،وهو من صميم المنهج  في علم التاريخ المقارن للأديان اليوم،بعدما كان مستعملا فقط في الانتروبولوجية،مكتفيا الباحث في تاريخ الأديان الاعتماد على كتب الرحلات والانتربولوجيين، وهذا مايقصد به ابن حزم عندما ،قال:مجاراتهم ومجادلتهم لمعرفة حالهم.
إن هذه المنطلقات المنهجية هي التي فرضته في أن يكون احد فطاحله علم تاريخ الأديان المقارن في العالم بل يعزى إليه التأسيس الأول .   
3-معرفة المنظومة الفكرية أو البرادايم:
وهي المنظومة التي تشكلت من خلالها الأفكار الدينية أو المنظومة الدينية للأديان وتشكيلاتها التاريخية والمعرفية حتى نبتعد عن التصورات الخاطئة والنتائج الخاطئة.
كما انه لا يعقل  أن ننطلق من مصادر غير أصحابها لدراستهم فكذلك الحال لا يمكن أن ننطلق من منظومة فكرية لا تمثل أصحابها  لتحديد معتقدات  أو طقوس أساسية عند الآخر بمفهومات واعتقادات لا تمثلهم.
فهذه المفهومات هي المادة الأولية التي تعطي دورا مهما في تشكيل نتائج البحث.  وهذا يؤدي بنا إلى الكف عن رؤية الآخرين كما نحب أن نراهم وكذلك الابتعاد عن الجدل الديني العقيم apologétique combative.
فمسألة العهود في الكتاب المقدس اليهودي –المسيحي، أختلف في تفسيرها المفسر اليهودي عن المسيحي بل أن داخل الكتلة المسيحية يوجد اختلاف جوهري فيما بينهم.
فهذا يدعونا إلى تتبع المنظومة الفكرية وتياراتها المختلفة وتطورها داخل الحركة المسكونية وتيارات الفكر المسيحي، بل يفرض علينا التمييز بين المسيحية الكاثوليكية والأروتوذكسية و البروتستانتية.... 
.4-مبدأ تقدم الفهم على النقد:
إن إشكالية فهم القضايا المقارنة قد تطرح تسؤولات مبدئية عند الباحث قد لا يستوعبها للوهلة الأولى لكن هي من الضروريات المعرفية في البحث المقارن فدراسة النبوة أو الوحي عند اليهود أو المسيحيين ومقارنته بما عند المسلمين مثلا،يتطلب فهما واستيعاب  لمفهوماتهم العقدية والتشكل التاريخي ولن يكون نقد نظرتهم مجديا إلا إذا كان مسبوقا باستيعاب كامل لها.
-5-تجنب الشمولية:
نلاحظ إن تقاليدنا التربوية والتعليمية دفعت باحثينا إلى اعتماد طريقة شمولية في البحث، فنجد الكثير من مشاريع الماجيستر أو الدكتوراه في مقارنة الأديان أو حتى في العلوم الإسلامية الأخرى ،يعمد أصحابها إلى استدعاء أوسع المسائل وأكثرها تعقيدا،ويعيشون هاجس العثور على كل شيء.فقد لاحظنا ذلك عند تفقدنا لهذه المشاريع أو مناقشاتها. والمثير إن بعض الدارسين يعارضون مثل هذا الطرح الذي يركز على معالجة قضية محدودة على نحو لا شمولي ،وهذا ناشئ بالتأكيد عن غياب الرؤية المنهجية .
فغير مقبول ،  أن يتناول باحث قضايا كبرى إضافة إلى تنوعها كمسألة الألوهية في ديانتين ، فسعة البحث هنا تجعل منه بحثا موسعا يتناول مسائل وقضايا قد تكون بحجم كبير غير أن عمقها لن يتجاوز بضع سنتمترات.
فهنالك،علاقة عكسية بين منهجي الشمولية والعمق،فكلما كان موضوع البحث أكثر شمولا تراجع مستوى العمق في البحث .

---------------------------------------

المصادر والمراجع المعتمدة:
1-مناهج البحث في الدراسات الدينية ،احد فرامرز قراملكي،ترجمة:سرمد الطائي،نشر،معهد المعارف الحكمية بيروت،ط،2004م.
2-   ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، وبهامشه الملل والنحل للشهرستاني، دار المعرفة، بيروت 1983، المجلد الأول .
3-le comparatisme en histoire des religions.sous la direction de francois  boespflug et francoise dunand .les éditions du cerf .paris.1997.
Comparer les comparatismes perspectives sur l,histoire des -4 religions,édite par,maya burger et Claude calame,revue de la faculté des lettres de l,université de Lausanne,2005-
5-التجربة الميدانية في مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟