من تحديات النهضة الفكرية في المغرب - د. عبد الرحيم الخيضر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

في مطلع القرن الماضي كان النبوغ المغربي في مجالات الفكر والأدب محط تساؤل من قبل هيئات ثقافية قومية ودولية، فقد غيب الأدب المغربي عن مصادر الأدب العربي، وتجاهلت أخرى الحديث عن وجود إبداع أدبي مغربي يضاهي ما أفرزته أنامل الشرق، فكانت هذه النظرة وتلك امتدادا لما استقر في أذهان نقاد قدامى من تصور مضمونه أن الشرق ينتج والغرب الاسلامي يقرأ، مما حذا ببعض أسلافنا الأجلاء كمحمد بن العباس القباج وعبد الله كنون ومحمد بن تاويت إلى وضع منتخبات تضم بعض ما جادت به أقلام المغاربة، كما انشغل رواد آخرون مثل: عبد العزيز بن عبد الله ومحمد حجي وأحمد زياد بالبحث في التاريخ الفكري والأدبي على عهد الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، من أجل تصحيح التمثلات الخاطئة لدى المشارقة حول المشهد الأدبي والفكري في المغرب على مر العصور، وهو ما أثبت مكانة المغرب ثقافيا على الصعيد العربي، وليست دعوة عميد الأدب العربي طه حسين العلامة المغربي عبد الله كنون لإلقاء محضرات أمام طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية لجامعة الدول العربية سوى اعتراف وإقرار قومي بأن جانبا مهما من الأدب العربي لم يعرف طريقه إلى القارئ في المشرق، إما بحكم البعد الجغرافي  والمتغيرات السياسية والاجتماعية، وإما بتأخر ظهور وسائل الطباعة والنشر في المغرب.

ففي بداية القرن العشرين أحست نخبة من المثقفين المغاربة بضرورة أن تخرج إلى الوجود صحافة وطنية تنطق بلسان حالها، وكتب علال الفاسي في بداية الثلاثينيات مقالا يبرز فيه أهمية الدور الذي تقوم به الصحافة في الرقي بالأمم، يقول في هذا السياق: "إن الأمة التي لا تملك من الصحافة ما يسد حاجتها، ولا من حرية القول، ما يكفل لها الدفاع عن نفسها، والنضال عن شؤونها، وبث الروح العلمية والثقافية فيها، لأمة عديمة لكل وسائل الرقي والتقدم"  نفهم من هذا القول أن الصحافة كانت موجودة في المغرب قبل هذه الفترة لكن تطلعات المثقفين المغاربة هي انتشارها على نطاق أوسع، كي يتاح للمصلح التواصل بشكل فعال مع القراء. من هذا المنطلق طالب بعضهم بفتح آفاق للصحافة العربية في البلاد، وضرورة تهييئ مجال فسيح للنشر والاطلاع، ونستعرض هنا نصا مرفوعا إلى سلطان البلاد يقول فيه صاحبه: "فإن لنا رجاء لعل جلالتكم لا تخيبوه، وإن لنا أملا نرجو من مكارمكم أن تحققوه، ذلك أن أمتكم التي قد عرفتم أمرها يا مولانا ما عرفتم، وسوف لا ترون منها بحول الله إلا ما يسركم، تشكو مر الشكوى من عدم وجود صحافة عربية حرة وطنية تعبر عن آرائها وتنطق بلسانها. وإنه لمن المخجل يا مولانا لأمتكم بين الأمم، أن تكون المنطقة السلطانية وسكانها يعدون بالملايين. ليست فيها جريدة عربية حرة يدير شؤونها مغربي حر من رعاياكم المخلصين، مما يجعل شعبكم المغربي العظيم أمام العالم كشعب أخرس لا لسان له، وأن له لسان ولكن لا يستطيع أن ينطق به..." . وتشير هذه الرسالة إلى الوضع العام للصحافة بالمغرب في فترة الحماية؛ إذ كانت الحاجة ملحة لأن تظهر صحافة عربية في مقابل تلك الناطقة بلسان الحماية، لأن المغاربة استشعروا حدود النقص الذي يعتور الساحة الثقافية بالمغرب لعدم وجود منابر إعلامية تنبه إلى خطورة الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يهدد البلاد.
ظهرت ،في أعقاب هذه المطالب، صحافة وطنية نشرت على صفحاتها ضروب الإنتاج الفكري، كما عملت على معالجة شؤون المغاربة، والدفاع عن حقوقهم، وأخذ الفكر الأدبي المغربي نصيبه من النشر، حيث خصصت جل الدوريات محورا خاصا للإنتاج الأدبي وفتحت صفحاتها لبعض الأجناس الأدبية التي كانت سائدة في تلك الفترة، ومن ضمنها الشعر والمقالة الأدبية، في حين تخصصت بعض هذه الدوريات في الثقافة والأدب، كما هو الشأن بالنسبة إلى جريدة "التقدم" الصادرة في سلا، يقول عبد الله كنون مبرزا الدور الذي اضطلعت به الصحافة الوطنية، وبخاصة الصحافة الأدبية، في تطوير حركية الفكر الأدبي وتوجيه الحركة الأدبية نحو النهضة الحقيقية"، وكان للصحافة الوطنية التي نمت في هذا العهد نموا ظاهرا وخاصة الأدبية منها، يد طولى في توجيه النهضة الأدبية ورعايتها، لاسيما وقد انبرت الأقلام المثقفة لنقد الإنتاج الأدبي علنا لأول مرة. وكان النقد قبل ذلك قليلا وإنما يقع في المجالس الخاصة. فلما كثر وأصبح ينشر في الصحف السيارة، صار الأدباء يعرفون ما يقولون ويحرصون جهدهم على الإجادة. وهكذا قل التطفل على الأدب، ولم يبق يدعيه كل من هب ودب" .
يفهم من كلام عبد الله كنون أن الوضع الأدبي تغير ولم يعد كما كان من قبل، فقد أصبح الأديب المغربي يحرص على الإجادة في إنتاجه الأدبي نظرا لأنه لم يعد حديث مجالس الترفيه أو مادة تتداول بين الأصدقاء، بقدر ما أصبح موضوعا للافتحاص والنقد، ومادة تعرض على فئة كبيرة من القراء، ومن ضمن هؤلاء من كان خبيرا بمجال الصناعة الأدبية، وفي هذا الإطار، ومن خلال الصحافة، بدأت تظهر الإرهاصات الأولى للنقد الأدبي الحديث بالمغرب.
وعن أثر الإعلام والصحف في الترويج للإنتاج الأدبي( الشعر) بالمغرب يقول مصطفى الشليح: "إنها لحظة تاريخية مهد لها ترويج إعلامي مثلته مجلتان:" السلام" و"المغرب" باستقطاب أقلام شابة جديدة، فبرزت كتابات مخالفة، شعرا ونثرا، للمتداول المطبوع في جريدة السعادة، ثم امتدت إلى البدايات الأولى للإعلام الوطني في منتصف سنة 1937 جسدته جرائد مثل "المغرب" و"الوداد" و"التقدم" و"الأطلس" قبل الاحتذاء بجرائد ومجلات في الرباط وتطوان وغيرهما. هذه الواجهات الإعلامية احتضنت الممارسة الأدبية والفكرية، وكان لها دور جلي في التنوع والتعدد، وفي تحريك الحياة الثقافية وتنشيطها بما كان له تأثير في الأنشطة الإبداعية وغيرها بوجه عام" ووسم الشليح هذه المرحلة التاريخية بمرحلة "تكسير النموذج"  ، ويقصد بالنموذج: "صحيفة السعادة"، التي قلنا سابقا أنها كانت تخصص حيزا لنشر قصائد بعض الشعراء المغاربة.
 وزاد من معاناة النهضة الأدبية بالمغرب ما كانت تواجهه بعض المجلات والجرائد من الرقابة المفروضة عليها، فتارة تحذف المقالات وتارة أخرى يستنطق مدراء الصحف والمجلات وفي مرات عديدة يصادر بعضها، كما هو حال مجلة السلام التي نشر صاحبها مقالا يبرز فيه معاناته من الاحتلال في سبيل نشر مجلته بالمنطقة السلطانية، وحرمانه من عائدات أملاكه الموجودة في طنجة والتي كانت المصدر الذي ينفق منه على المجلة . لكن تلك الممارسات لم تثن عزيمة من كان يرى في الصحافة منبرا مخلصا، شريف المبدأ سامي الغاية، قادرة على سد الفراغ الهائل، فتقوم بما يجب القيام به، وتكون حلقة وصل بين الكتاب و جمهورهم. وحول دور النشر والإذاعة  في التعريف بخصوصية كل جزء من أجزاء الوطن العربي يقول العقاد: "إن إصلاح النشر والإذاعة، هو من أهم الوسائل التي يجب أن يشتغل بها محبو التقرب بين أجزاء العالم العربي. ولا بأس مع ذلك من عقد المؤتمرات الأدبية والعلمية في عواصم هذا العالم من حين الى آخر، كي يشهدها رجال الأدب والثقافة، ويفصح كل منهم عن وجهة نظره، ومبلغ الحضارة والترقي الفكري في بلاده، فتحصل بذلك الألفة والتجاوب الروحي بهذه الوسيلة" ، فالعقاد يرى في عقد المؤتمرات الأدبية والعلمية سبيلا إلى تحقيق النهضة الفكرية والأدبية، وبذلك فهو يوازي بين العلم والأدب وهو ما يوحي به قوله: "إن الأمم التي تطلب المنافع وحدها، إنما تسوقها الضرورة كما يساق الجائع إلى إشباع معدته، والعاري إلى وقاية جسمه، أما التي تحتفل بالفنون، وتطلب متعة الجمال في مظاهره النفسية والحسية، فهي لا تساق للضرورة، بل تملك حق الاختيار والتمييز، وهذا هو أكبر عنصر من عناصر الحرية السياسية، حتى تعرف الحرية قبل ذلك في أذواقها الفنية"  
ومعلوم أن من جملة المشاكل التي واجهتها النهضة الأدبية في المغرب، صعوبة الاتصال بين الأديب وجمهوره، خاصة أن الصحافة الأدبية في المغرب لم تستطع أن تستقل بذاتها، فبعضها كان يصدر تحت اسم هيئة وطنية معينة أو حزب سياسي ، وهو ما وضع العراقيل أمام الأديب من طرف المستعمر بفرض الرقابة على الإنتاج الأدبي، ومن لدن إدارة النشر وذلك بالاستناد إلى اعتبارات غير أدبية للنشر على أعمدة الصحف والمجلات، وهو ما يفسره عبد العلي الوزاني في قوله: "و من تلك الأسباب الصعوبة التي كان الأديب المغربي يجدها للاتصال بجمهوره الضيق الصغير، فوسائل النشر من مجلات وصحف كانت محدودة جدا، ومقصورة على طائفة معينة لا تتجاوزها. ووفاء للحقيقة والتاريخ أذكر أن الصحافة الأدبية كانت خاضعة أحيانا كثيرة لاعتبارات غير أدبية في جملتها وتفصيلها، حيث كان ينظر للشخص الذي صدر عنه الإنتاج، لا إلى الإنتاج نفسه...وفي ظلال هذا الوضع ضاع إنتاج أدبي غزير، وتعطلت مواهب كانت جديرة بالبذل والعطاء... ولذلك نرى أدباء يكتبون إنتاجهم في نسخ خطية، ويوزعونها على بعض أصدقائهم، ومنهم من كان يصدر مجلة خطية لا تتجاوز محيط الطلبة...وكنتيجة لضيق مجال النشر عبر وسائل الاتصال بالجمهور، ظل الأديب المغربي مادة خام معطلة، يقدم رجلا ويؤخر أخرى..."  لم تتح هذه الظروف في نظر الوزاني الاتصال المباشر بين الأديب المغربي وجمهوره على نطاق واسع رغم نشاط الصحافة الوطنية، مما فتح الأبواب لرواج الإنتاج الأدبي الذي تنشره الصحف والدواوين المطبوعة الوافدة من المشرق العربي.
من جانب آخر مورس نوع من الإقصاء المنهجي على الإنتاج الأدبي والفكري في المغرب خلال نفس الفترة من قبل السلطات الفرنسية، ولعل الباحث في الصحف والمجلات المغربية خلال فترة الحماية الفرنسية، سيقف عند الرقابة التي كانت تمارس على إنتاجنا الأدبي والفكري، من خلال حظر نشر وتوزيع بعض الصحف والمؤلفات، وبتر المقالات بحذف بعض فقراتها، كما أن سلسلة الاعتقالات التي استهدفت رواد الحركة الوطنية، والذين كانوا يمثلون آنذاك رواد الفكر والأدب بالمغرب، مثلت شكلا آخر من التهميش الذي ابتلي به المغرب، فقد انطفأت شموع ومواهب في السجون الفرنسية، ولم تتجرأ أخرى على الإنتاج لخوفها من تلقي نفس المصير، فضاع على المغرب، تبعا لذلك، كنز فكري وتراث أدبي.
إن النبش في تاريخنا من جميع جوانبه ومجالاته، يظهر أن مرحلة ولادة فكر وأدب حديثين في المغرب لم تكن بذلك اليسر الذي قد يتبادر إلى ذهن المتلقي في وقتنا الراهن، فقد صادفت هذه المرحلة ظروف مخاض عسير؛ إذ لم تأخذ الحملة الفرنسية على المغرب صبغة عسكرية فحسب، ولم تقتصر النوايا الاستعمارية على استنزاف ما هو مادي؛ بل اتسعت لتشمل ضرب مقومات الهوية الوطنية، فكانت كتابات ومقالات الفرنسيين عن المغرب الثقافي والاجتماعي في تلك الفترة مجردة عن الموضوعية، وتنزع إلى إضفاء صفات الجمود والتخلف والجهل على المجتمع المغربي.
وقد فطن المغاربة إلى هذه الحملة الثقافية من المستعمر، مما شجع النخبة ومن ضمنهم المرحومين علال الفاسي ومحمد الحجوي الثعالبي إلى تحديث الفكر المغربي من خلال " النقد الذاتي" وإصلاح منظومة التعليم وفق ما يتطلبه العصر "جامع القرويين مثلا". مثل هذه المبادرات شجعت المغاربة للانفتاح على الثقافة الغربية، وفرضت اللغة الفرنسية نفسها بوصفها مدخلا للمثاقفة مع الآخر، فزاد إقبال المغاربة على تعليم أبنائهم في المدارس النظامية التي أنشأتها سلطات الحماية، بعد أن
ولا يمكن في الآن ذاته تجاهل ما اعترض سبيل تحديث الفكر والأدب في المغرب من المغاربة أنفسهم، فالظرفية التاريخية وظهور مقولات مرتبطة بالقومية وبالأصالة في الإنتاج الفكري والأدبي، شجع فئة من المغاربة على شن حرب ضد الكتاب المغاربة الذين اختاروا اللغة الفرنسية وسيلة للتأليف أو النشر، ومنهم من دعا إلى إقصاء الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية من الأدب المغربي، لأنه يتنافى مع أحد مقومات الهوية الثقافية (اللغة)، وبالتالي يفقد مصداقية الأصالة وتنزع منه صفة القومية.
هذه التحديات لم تكن لتزيد المغاربة إلا إصرارا على مواكبة ما استجد في حقلي الفكر والأدب العالميين؛ إذ ولى المغاربة وجوههم شطر الغرب منبع المعرفة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وأصبحت الثقافة الغربية رافدا مباشرا للثقافة المغربية، واستلهمت التجربة المشرقية الحداثية في الأدب بشقيه الشعر والنثر، فانبثقت محاولات في الشعر الحر والرواية التاريخية والسيرة الذاتية. ونتيجة لهذا الانفتاح تعزز الإنتاج المغربي باللغتين العربية والفرنسية، وجارى المغاربة نظراءهم المشارقة في مختلف ميادين الثقافة والأدب.
إن فترة الانتقال بالثقافة المغربية في شقيها الفكري والأدبي من السبات إلى اليقظة والتحديات التي واكبتها كانت مرهونة بمدى استعداد المجتمع لقبول التحديث في شتى المجالات، ومن ضمنها التعليم؛ إذ أضحت الجامعة العصرية مطلبا ملحا بعد الاستقلال فأنشئت أول نواة جامعية بالرباط، وكان لها الفضل في إرساء معالم البحث العلمي بالمغرب، وقد استفاد الطلبة من خبرة الأكاديميين المشارقة والفرنسيين في هذا المجال، دون إغفال الكفاءات المغربية التي تكونت خارج أرض الوطن ونقلت خبراتها في البحث العلمي إلى المشهد الثقافي المغربي.
وإذا كان الاتجاه التقليدي والرومانسي هما السائدان في المشهد الشعري المغربي إلى حدود الستينيات، وكان للرواية التاريخية حظ وافر في أساليب التأليف الروائي في هذه الفترة، فإن دور الكفاءات التي انفتحت على الثقافة الغربية في أعادة الروح إلى الثقافة المغربية شكل ثاني أهم يقظة بعد فترة الثلاثينيات، خصوصا أن فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عرفت ازدهارا كبيرا للنقد الأدبي في فرنسا وكان للمغاربة قصب السبق في الترجمة والاستفادة من الفكر الأدبي والنقدي الفرنسي، واستطاع جيل الستينيات والسبعينيات أن يصل ما انقطع في الثقافة المغربية، كما بدأت تظهر بوادر تجليات جديدة في الشعر  (الشعر الحر)والرواية (الرواية الجديدة) والسيرة الذاتية (التخييل الذاتي)، كما برزت إلى الوجود أقلام خاضت  في مجالات التاريخ والفكر والفلسفة الحديثة وغيرها، سدت فراغا في المشهد الثقافي المغربي الحديث.  
إن حضور المغرب ثقافيا بالمعرض الدولي للكتاب بباريس في إحدى دوراته بوصفه "ضيف شرف" ، وهي  مبادرة الفرنسية استحسان المغرب،  أمر لا يمكن تجاهل أبعاده ودلالاته، خصوصا أنه أول بلد عربي وإفريقي يحظى بهذه الالتفاتة، ونظرا إلى السياق التاريخي والاكراهات التي رافقت نشأة الفكر والأدب الحديثين بالمغرب، والحملة التي وجهت ضد روادهما خلال النصف الأول من القرن العشرين.
     توجيه الدعوة إلى الكتاب المغربي لتمثيل المغرب فكريا وأدبيا جاء نتيجة لفرض المغاربة تواجدهم ثقافيا وفكريا، كل حسب تخصصه، وما ذلك إلا نتيجة للتطور الذي عرفه المغرب بعد الحماية، فها هي الجامعة المغربية تجود علينا بأدباء ونقاد ومؤرخين ومفكرين لا يتسع المقام لذكر أسمائهم، منهم من لم يمهله الأجل لكي يشهد هذا الإقرار الفرنسي بمكانة الفكر والأدب المغربيين، ومنهم من تشرف بتمثيل المغرب خلال هذا المحفل الثقافي، وهناك طائفة أخرى لم توجه إليها الدعوة لكنها عملت وتعمل في الخفاء من أجل هويتها الثقافية، لكل هؤلاء نوجه تحية التقدير والامتنان لما قدموه خدمة للثقافة المغربية المكتوبة.
ولكي لا نطفح بشرا واغتباطا بهذا الاحتفاء وننسى دعوات كل من المرحومين محمد بن العباس القباج ومحمد المختار السوسي وغيرهما إلى جمع تراثنا ونفض الغبار عنه، وجب التفكير في وضع موسوعة مغربية تضم الإنتاج الفكري والأدبي بالمغرب على غرار ما قامت وتقوم به بعض الدول التي تسعى إلى الحفاظ على كيانها الثقافي، من أجل وضعها بين يدي الأجيال اللاحقة من جهة، ومن أجل عرضها في الملتقيات الثقافية العالمية من جهة ثانية، لإقناع العالم أن لهذا الوطن تاريخا ثقافيا تتعدد جوانبه، وتختلف مكوناته باختلاف وغنى مقومات هويته الثقافية.
وبالرغم من كون الثقافة المغربية قد سجلت حضورها في خضم تلك التحديات؛ إلا أن ما يواجهها اليوم هو أصعب من ذي قبل، فإذا كان ضعف القراءة وقلة الإقبال على الكتب الورقية من المشاكل التي تواجه الثقافة العالمية تحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي، فإن وضع تصور جديد للقراءة يساير مقتضيات العصر يعد مطلبا ملحا من قبل الهيئات الثقافية الوطنية، عبر الاستفادة من برامج دولية في استراتيجيات القراءة الفعالة والمواكبة لروح العصر  ولقدرات الفرد في الوقت الراهن،  القيم الإنسانية والوطنية، من خلال إعادة النظر في المقروء سواء في المدرسة أو الجامعة.
د. عبد الرحيم الخيضر
أستاذ باحث
     

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟