لماذا كل هذا القلق على الحكومة؟ - تيسير خالد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسأمامي التقرير الربعي الأول للحكومة الفلسطينية الثانية عشرة، التي يرأسها د. سلام فياض، وهو تقرير يتحدث حسب العنوان عن الإنجازات، التي حققتها الحكومة في الفترة الممتدة من السادس عشر من حزيران وحتى الرابع عشر من تشرين أول من هذا العام.
لم أقرأ التقرير بعد، وهذا تقصير أعترف به، مع أن عناوين فصوله  أو أجزائه الأربعة تغري المعنيين بمتابعة الشأن الحكومي وسياسة هذه الحكومة بقراءته. كنت أفضل أن أبدأ بقراءة هذا التقرير والتعليق عليه، لأقف على أرضية صلبة في مناقشة ما يدور في الأروقة حول هذه الحكومة، هل نقلق عليها أم نقلق منها ومن سياستها، لنتصرف في ضوء أي من القلقين.
القلق وارد بالتأكيد، ومن منا لا تدفعه الأوضاع، التي نمر بها إلى القلق، أو حتى بعض الممارسات الحكومية، وخاصةً ما يتصل منها بالشأن الأمني وما يتصل منها كذلك بإرساء أسس ودعائم نظام سياسي ديمقراطي يحترم بحزم التعددية السياسية والحزبية والحريات العامة والديمقراطية والحقوق الأساسية للمواطن وللقوى ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الحق في حرية الرأي والتعبير والتظاهر والمسيرات والاحتجاجات السلمية. وإلى أن أقرأ التقرير الربعي الأول للحكومة الثانية عشرة، فإنني أحتفظ بالحق في مناقشة القلق من السياسة الاجتماعية – الاقتصادية لهذه الحكومة، رغم أنني أقدر الظروف الصعبة التي نمر بها والإرث الثقيل،الذي جاءت هذه الحكومة تحمله على أكتافها بفعل سياسة الحصار والإغلاق وتجفيف الموارد، التي مارستها الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل بشكل خاص، بما في ذلك السطو اللصوصي على أموال الضرائب الفلسطينية غير المباشرة، ومارسها المجتمع الدولي بشكل عام ضد الشعب الفلسطيني، على امتداد أكثر من عام ونصف، بعد انتخابات المجلس التشريعي التي جرت مطلع العام 2006.
القلق وارد بكل تأكيد، ولكنه غير القلق، الذي يملأ الدنيا ضجيجاً انطلاقاً من اعتبارات فئوية خالصة، واستناداً إلى معايير سياسية فجة وغير مقبولة، كالقول مثلاً، هناك قلق من هذه الحكومة، هل هي حليف راسخ لفتح أم بديل وهمي عنها. المبالغة هنا واضحة، والتعبير عن القلق بهذه الطريقة وهذا الأسلوب يختصر النظام السياسي بحزب واحد، وينزع إلى التعامل مع الوطن كما لو كان مزرعة بملكية خاصة لا تقبل حتى أن تكون ملكية مختلطة. لم يطرح القلق من هذه الحكومة أو القلق على هذه الحكومة استناداً إلى مقاييس ومعايير وطنية شاملة، كقربها مثلاً من منظمة التحرير الفلسطينية ومدى التزامها ببرنامجها وسياستها وتوجهاتها العامة، بل انطلاقاً من حشرها في زاوية الولاء للحركة، التي لا يختلف اثنان على مكانتها ودورها في ساحة العمل الوطنية.
قلق البعض من هذه الحكومة أو على هذه الحكومة يتجاوز حدود قلق المواطن على أمنه وحياته وممتلكاته ومستوى معيشته  وحقه أن يعيش في نظام سياسي فيه شيء من العدل وتكافؤ الفرص. هذا القلق فئوي إلى أبعد حدود الفئوية ويصدم بمنطقه الرأي العام بدون رحمة.  يقال لنا أن هذه الحكومة تعمل من خلال وزرائها بسياسة كيدية، تغتنم الفرص لممارسة سياسة إقصاء وظيفي، ولكن ضد من. هنا تقع الصدمة، حيث يمارس الإقصاء الوظيفي ضد أبناء حركة فتح وعلى أيدي هذه الحكومة.
هل حقاً تمارس هذه الحكومة سياسة إقصاء وظيفي ضد أبناء حركة فتح. حدود علمنا أن أغلب أعضاء هذه الحكومة هم من أبناء حركة فتح، وأن وكلاء الوزارات هم حصراً من أبناء الحركة وأن أكثر من تسعين بالمائة من المدراء العامين هم كذلك من أبناء الحركة وأن جميع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من أبناء الحركة، وأن موقع المحافظ في جميع محافظات الوطن محجوز حتى إشعار آخر على أبناء الحركة، وكأن هذا الشعب قد أصيب بالفقر في الملاكات والكادرات الوظيفية والكفاءات، إلا من انتمى أو من انتسب إلى الحركة، التي لا يختلف اثنان على مكانتها ودورها في ساحة العمل الوطني، مرةً أخرى.
لا تقلقوا أيها الإخوة من الإقصاء الوظيفي الذي لا يقوى أحد عليه، لأننا نعيش في ظل نظام سياسي قام على أعمدة متينة من الفئوية في مجمل بنائه.
ويبقى الأخطر من كل ذلك في التعبير عن القلق من الحكومة أو القلق عليها ، وهو محاولة حشرها في زاوية سياسية ضيقة، والتعامل معها كما لو كانت حكومة للاستخدام وحسب. رئيس الحكومة، كما يؤكد القلقون ،  رجل طيب ومعقول، وينبغي الحفاظ عليه، أما وزراؤه فغير ذلك ولا بأس إن هم رحلوا أو بعضهم على الأقل.
لماذا هو رجل طيب ومعقول، رئيس الحكومة هذا. الجواب يأتينا  بسيطا وفي متناول يد القلق، فلاعتبارات غير خافية على أحد، ينبغي الحفاظ على رئيس الحكومة من أجل ما بعد أنابوليس وزيارة الرئيس جورج بوش المرتقبة ومؤتمر باريس بالغ الأهمية بالنسبة للفلسطينيين.
حشر الحكومة ورئيسها في هذه الزاوية السياسية لا علاقة له بالقلق على الحكومة أو القلق من سياسة الحكومة. إنه إهانة للحكومة ورئيسها، وهي على كل حال حكومة الرئيس محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
إذا كان هذا هو أحد اعتبارات كل هذا القلق من الحكومة أو القلق على هذه الحكومة، فمن الأفضل لها أن ترحل، فلا حاجة للمواطن ولا حاجة للوطن لحكومة بهذه المواصفات وهذه المقاييس، مع كل الاعتذار لرئيسها ووزرائها.
هنا أختم وأتوقف، وأقول كفى، فقد جاء الدور على الأخ الرئيس ليقول كلمته
-----
بقلم: تيسير خالد
 عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟