الإسلام السياسي والبعد الديني في الخطاب والممارسة: نموذج راشد الغنوشي - ذ.مراد زوين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسلن يكون اهتمامنا في هذه المقالة بموضوع الإسلام السياسي من زاوية التأريخ لنشأته ومساره أو من زاوية الوقوف على تأويلاته للنص القرآني والسنة النبوية. بل سنحاول التعامل معه من خلال مرجعياته النظرية والسياسية كمذهب سياسي يصارع المذاهب السياسية الأخرى الموجودة في الساحة. أين يلتقي وأين يختلف معها. ما هي خصوصياته ومميزاته الايديلوجية والسياسية التي تميزه بعيدا عن ثنائية الوحي/السنة. وما هي حدود علاقة الديني بالسياسي في خطاباته وممارساته. بالإضافة إلى كيفية تعامله مع المفاهيم النظرية الحديثة وخاصة مفهوم الديمقراطية وعلاقته بالشورى أو المفاهيم الأخرى المرتبطة به في علاقتها بالشريعة. او في  تأطيره النظري لمفهوم السلطة في الاسلام .
من هذه الزاوية حاولنا تتبع هذه العلاقة بين الديني والسياسي في الخطاب والممارسة عند أحد منظري الحركة الإسلامية في العصر الحالي راشد الغنوشي من خلال كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية".علي ان نعود الي تتبعها في مقال ثاني عند أحد أكبر جماعات الإسلام السياسي في المغرب: جماعة "العدل والإحسان" من خلال بياناتها وكتابات مرشدها عبد السلام ياسين.

● راشد الغنوشي "والدولة في الإسلام".

مسألة العلاقة بين الدين والدولة عند راشد الغنوشي هي في عمقها صراع بين "أنصار التبعية للغرب"، وأنصار "استقلال أمة العرب والإسلام ووحدتها وعزتها وتواصل حركة التحرر والاستقلال". ص 90. وفي هذا جواب على موقف علي عبد الرازق وكتابه "أصول الحكم في الإسلام" من فصل الدين عن السياسة في النبوة، وأن النبي لم يكن إلا مبلغ رسالة وعدم دينية منصب الخلافة.
واستند أصحاب ربط الدين بالسياسة في نظر الغنوشي على أكثر من دليل نذكر منها:

الدليل التاريخي: ويتمثل هذا الدليل في قيام مجتمع سياسي "متميز مستقل بدفعته الترابية وبنظامه القانوني والموحد وقيادته" ص 90. وقد قام هذا المجتمع في نظر الغنوشي بكل وظائف الدولة من دفاع وقضاء وإبرام معاهدات وابتعاث الغارات وغيرها من الوظائف، معتمدة في قانونها الأساسي على الكتاب والسنة والاجتهاد كمصدر ثانوي.
ص. 90.
دليل الاجتماع: في نظر الغنوشي إن إقامة نظام "الحكومة الإسلامية" واجب شرعي لإنقاذ الشريعة وخدمتها. "عملا بقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ويستند في موقفه هذا على شمولية مضامين الشريعة. ففي الشريعة يقول الغنوشي: "أوامر عامة كإقامة العدل والشورى والمساواة، وفيها شرائع تفصيلية تأمر بوسائل محددة لكفالة المحتاجين وتوزيع الثروة منعا للتكريس... إلخ وفيها أمر للأئمة بالعدل والشورى، وللأمة بالسمع والطاعة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (وواضح هنا علاقة الحاكم بالمحكوم في الشريعة حسب الغنوشي، حيث لا تخضع لمبدأ العقد الاجتماعي ولا للآليات الديمقراطية، بل تخضع للسمع والطاعة والنصيحة) وفيها نظام مفصل للأسرة ونظام دولي للعقوبات ونظام للتعليم" ص. 91.

وإذا نظرنا إلى كل الشرائع التي جاءت قبل ظهور الشريعة وبعد ظهورها نجد أنها تتوفر على عدة نظم لتنظيم حياة الناس، لكن المشكل الذي لم يجب عليه الغنوشي هو ليس في هل هناك نظم أم لا، بل في مضامينها ومسايرتها للتحولات الاجتماعية والسياسية، وهل هي صالحة لكل المجتمعات في أي زمان ومكان.
ج-   دليل السلطة الاجتماعية: إن السلطة لازمة لأي اجتماع بشري ولا مناص لهم منها تقيم العدل بينهم، فقيام هذه السلطة في نظر الغنوشي تكون على جملة الشرائح التي جاء بها الإسلام. وإن كان الغنوشي يعترف أن الإسلام لم يأمر مباشرة بإقامتها "لأن سنن الاجتماع تقتضي ضرورة قيام تلك الوظيفة عادلة أو ظالمة، تماما كما هو الشأن مع وظائف الحياة" فإنه ينظر إليها – السلطة في الإسلام – على أنها وظيفة اجتماعية لازمة: "تمثل موقفا وسطا بين موقف الدهريين (اللائكيين) نفاة هذه الوظيفة... وبين طائفة من المسلمين ذهبوا في غلو وإن اختلفت درجاته إلى اعتبار السلطة في الإسلام وظيفة دينية كالصلاة والصيام قد نص عليها الوحي" ص. 92.
فما يمكن استخراجه من هذا الموقف هو أن الغنوشي يقر بأن الإسلام لم يفرض سلطة معينة، ولكنها في نظره وظيفة اجتماعية لحراسة الدين والدنيا. "ولا تختلف عن الديمقراطيات المعاصرة إلا من حيث علوية سيادة الشريعة أو التقنين الإلهي على كل سيادة أخرى في هذا النظام". ص 92. وبهذا الموقف لم يبتعد الغنوشي عن نظرته التيوقراطية للسلطة، وبالتالي بقي حبيس نظرة الفقهاء القدامى، في كون الشريعة هي أساس الحكم في أي نظام حكم يسمى إسلاميا. وهنا يضرب أحد أهم الأسس التي اعتمدتها الديمقراطيات العصرية ألا وهي المساواة والحرية في الاعتقاد كحق من حقوق الإنسان وفي نفس الوقت فصل المعتقد السياسي عن المعتقد الديني: "إن الدولة الإسلامية ليست إلا الجهاز السياسي لتحقيق مثل الإسلام الأعلى في إيجاد أمة تقف نفسها على الخير والعدل، تحق الحق وتبطل الباطل في الأرض كلها". ص 93. لهذا يعتبر الغنوشي أن دولة الإسلام واجب شرعي ومصلحة وطنية وإنسانية واستراتيجية. ص 94. دولة الإسلام القائمة على الكتاب والسنة

كأساس الشرعية والشورى كأصل ثاني بعد النص و"أصل من أصول الدين ومقتضى من مقتضيات الاستخلاف أي أيلولة السلطة الربانية إلى العباد الذين أعطوا الميثاق إلى الله أن يعبدون". ص 109. ومن تم في نظر الغنوشي كانت الشورى العمود الفقري في سلطان الأمة، ونهوضها بأمانة الحكم على أساس المشاركة والتعاون والمسؤولية بين "أولي الأمر" أو "أهل الشورى" أو "أهل الحل والعقد". ومن بين هؤلاء "العلماء المجتهدون وأهل الرأي الذين يشكلون القيادة الفكرية وحتى السياسية للأمة الإسلامية" ص 113.
هذا المبدأ أو تفاصيله يجعلنا نتساءل عن علاقة المفاهيم التي أتت بها الشورى بمفهوم الديمقراطية، ومفهوم البيعة بمفهوم العقد الاجتماعي، وأهل الشورى بمبدأ الانتخاب.
وأصحاب الحل والعقد في الشورى حسب الماوردي يجب أن تتوفر فيهم أربعة شروط وهي جزء من الشروط التي يجب أن تتوفر في الإمام: 1- الإسلام. 2- الرجولة.
3- البلوغ والعقل. 4- سكن دار الإسلام.
فإذا كان الشرطان الثالث والرابع ضروريين لأي حاكم في أي نظام حكم قديم أو حديث، فإن الشرط الأول والثاني يطرح عدة أسئلة حول مسألة التمييز الديني وبالتالي مسألة تيوقراطية الحكم في الأول، وحول مسألة التمييز الجنسي وبالتالي مكانة المرأة في المجتمع في الشرط  الثاني. وهذا راسب من رواسب "الثقافة الذكورية الأبوية – وأشكال الحكم الاستبدادي التي فرضت قيمها وتصوراتها على القراءات المختلفة للدين.
إننا بهذا المعنى لا نريد أن ننظر إلى الحكم بشكل عام كسلطة سياسية من زاوية إسلام / غرب. أو من زاوية السياسة الشرعية وغير الشرعية.
فالمفاهيم والمصطلحات السياسية ونظم الحكم في العالم لا تخضع لهذا المعيار الذي يريد الغنوشي أن يفرضه علينا، بل تخضع لمعياري التقليد والحداثة. إما أن يكون نظام الحكم تقليديا تغيب فيه المؤسسات ويكون فيه التسيير بالنزوات، أو عصريا يحترم المعايير الدولية في تسيير الحكم من ديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

فمفهوم الإجماع من زاوية بسيكوسوسيولوجية  لم ولن يحصل حتى في جماعة محدودة العدد، فما بالك في أمة أنتربلوجيا تختلف فيها الثقافات والأعراف والمذاهب !
أو مفهوم الشورى مثلا. فكيف الأخذ به والمسلمون أنفسهم يختلفون في تحديد "أهلها" ثم الاختلاف الكبير الموجود بينها وبين آليات الديمقراطية.
فالديمقراطية لا تعني انتخابا وبرلمانا فقط، بل هي سلوك وتربية وعقلية تحوي مجموعة من المفاهيم والسلوكات الأخرى من احترام الآخر وحق الاختلاف في الرأي والعقيدة والتسامح وفصل السلط والعقد الاجتماعي... إلخ.
الديمقراطية بهذا المعنى أصبحت مطلبا كونيا وإنسانيا يتجاوز المحلية والجهوية والخصوصية، تستند على وعي الشعب في صيانتها والدفاع عنها وعلى الفرد في علاقته بالمجتمع وليس بالقبيلة أو العشيرة. فمدلولها عند اليونان لم يعد هو نفسه مع فلسفة الأنوار، فقد تجاوزت حدود النخبة الأرستقراطية إلى مجموع الشعب ومكانة الفرد كمواطن داخل المجتمع.

ذ.مراد زوين- جامعة الحسن الثاني – كلية الآداب المحمدية

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟