أفريكوم مخطٌط امبريالي أمريكي في أفريقيا-الطٌاهر المعز

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاستعود العلاقات "الحميمة" بين أمريكا وأفريقيا إلى عدٌة قرون خلت, حيث مكٌن الإستنزاف البشري لأفريقيا (صيد ملايين الشٌبٌان السود لاستعبادهم في المزارع والبيوت) من التراكم البدائي لرأس المال,  وتطوٌره حتى مرحلة الإمبريالية...ثم أسٌس العبيد الأمريكيون المحرٌرون دولة "ليبيريا" التي أصبحت قاعدة أمريكية, في السٌاحل الغربي لآفريقيا... لكن الولايات المتٌحدة لم يكن لها تاريخ استعماري تقليدي(رغم عدواتاتها العسكرية العديدة منذ قرنين) مثل بريطانيا وفرنسا, اللتين تقاسمتا افريقيا والعالم, غير أنها استفادت من الحربين العالميتين, لتقوية نفوذها الإقتصادي والعسكري(عكس بريطانيا وفرنسا)... بالتوازي مع إضعاف الإمبرياليات الأروبية, زاد نفوذ الإتحاد السوفياتي وحلفائه, وكانت افريقيا ساحة للصراع بين المعسكرين "الغربي" بزعامة أمريكا, و"الشرقي" بزعامة الإتحاد السوفياتي (الكونغو, أنغولا والموزمبيق, افريقيا الإستوائية, مصر وغيرها)... مثٌل انهيار الإتحاد السوفياتي, وأروبا الشرقية وحلف فرصوفيا, فرصة للهيمنة المطلقة على عديد مناطق العالم, ومنها افريقيا, برغم التنافس الأمريكي الفرنسي (قبل عشر سنوات كانت لفرنسا 100 قاعدة عسكرية في القارٌة, و20 دولة افريقية كانت نشيطة في الدفاع عن الفرنكفونية), خصوصا بعد الإكتشافات البترولية في بعض المناطق الافريقية وأهمٌها منطقة خليج غينيا... منذ 2006 أصبحت أمريكا تطرح استراتيجيا شاملة, عسكرية هيمنية, توٌجتها بتنصيب قيادة لأفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية الموحٌدة في افريقيا – يونيتد ستايتز أفريكا كوماند), أي تكوين "القيادة السٌادسة" الخاصة بمراقبة افريقيا, بعد أن كانت القارة الافريقية من مشمولات القيادة العسكرية الأمريكية بأروبا (ومقرٌها شتوتغارت – ألمانيا), باستثناء مدغشقر (من مشمولات قيادة المحيط الهندي) أما مصر (وبها أكبر سفارة أمريكية في العالم قبل احتلال العراق) فكانت ولا زالت "تتمتٌع" بوضع خاص, بعد تطبيع علاقاتها كلٌيٌة مع الكيان الصٌهيوني...
مقدٌمات أفريكوم:
منذ عام 1994, بدأت أمريكا, بواسطة الحلف الأطلسي, تطرح حوارا متوسٌطيٌا/أطلسيٌا, مع سبع دول متوسٌطيٌة من غير  أعضاء الحلف, "بهدف التٌرويج للأمن والإستقرار الإقليمي", ولعبت تركيا دور الوسيط, ليجمع "الحوار" كلاٌ من الحلف الأطلسي من جهة مع موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن والكيان الصٌهيوني (نتائج أوسلو الكارثيٌة),  من جهة أخرى. وفي 2003 أثمرت هذه الجهود عن انعقاد قمٌة في اسطمبول جمعت 26 دولة بهدف "تنمية إطار الحوار المتوسٌطي", وإدماج الكيان الصهيوني في عمليات تدريب ومناورات مشتركة مع بلدان المغرب العربي, بداية من 2002 بالنسبة للجزائر ومنذ 1995 بالنسبة للبقيٌة, تحت إشراف الحلف الأطلسي, بدعوى الإنقاذ أو مقاومة الكوارث أو حماية البيئة...ومنذ 2001, بدأت أمريكا تبدي اهتماما خاصٌا واتسمت سياستها بحركيٌة مريبة في المغرب العربي (شمال افريقيا كما تسمٌيه), وركٌزت عام 2002 برنامجا أسمته "ميبي" (ميدل إيست برتنارشيب أنسيتيف) أو مبادرة الشراكة للشرق الأوسط, بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي, وتحت إشراف إدارة شؤون الشرق الأوسط , بوزارة الخارجية (كعنوان فرعي لأطروحة الشرق الأوسط الكبير, الممتد من المغرب إلى أفغانستان وحدود الصٌين وروسيا), وتعاونت أمريكا في عديد المناسبات مع أروبا (وفرنسا بشكل خاص)حول تبادل الخبرات والمعلومات وتدارس الاستراتيجيات المستقبلية...كل هذا بالتوازي مع السياسات الأروبية الخاصة كمسار برشلونة, وعلاقات الشراكة والحوار الأورو-مغاربي, قبل طرح فرنسا مشروع "الإتحاد من أجل المتوسٌط", بعد وصول ساركوزي للرئاسة...
  مباشرة بعد سقوط جدلر برلين, والإتحاد السوفياتي, أظهرت أمريكا عدوانية شديدة فاعتدت عسكريٌا على الصٌومال عام 1992, ودمٌرت يوغسلافيا والعراق, وتدخٌلت في ليبريا وسيرا ليوني, وقصفت عام 1998 مصنع أدوية بالسودان بعد تفجير سفارتيها في دار السلام (تنزانيا) ونيروبي (كينيا), وغذٌت الحروب الأهلية الخ. أمٌا بالنسبة لأفريقيا تحديدا, فبعد 3 أيٌام من تاريخ 11 سبتمبر, أي في 14 سبتمبر 2001, دعت وزارة الخحارجية الأمريكية السفراء الأفارقة, وطلبت من دولهم الدخول في تحالف "لمحاربة الإرهاب", بالتعاون الكامل مع وكالات الإستخبارات الأمريكية, وفرض مزيد من الرقابة على المواطنين وتحركاتهم داخل بلدانهم وعلى الحدود, وتسليم المشتبه فيهم إلى أمريكا, ومراقبة كل من له "نوايا عدوانية ضد أمريكا ومصالحها...", تلاه اجتماع ثان يوم 18/09/2001... فتجاوبت الدول الافريقية, بشكل عام, مع هذه المطالب, مع بعض التحفٌظات (جنوب افريقيا مثلا), وضغطت الولايات المتحدة على 34 دولة افريقية, اتهمتها بعدم "التعاون الكامل لمحاربة الإرهاب", ومنها ليبيا والجزائر والسودان وكينيا وتنزانيا وليبريا...
عام 2002, طرحت أمريكا "مبادرة السٌاحل الافريقي والصٌحراء", في اجتماع ضم رؤساء الأركان في كل من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومالي والسنغال والنيجر ونشاد ونيجيريا, بهدف "التعاون في مجال مكافحة الإرهاب", كما شارك حوالي ألف جندي أمريكي في تدريبات عسكرية مشتركة بأفريقيا, وخصٌصت أمريكا 6,25 مليون دولار لتعزيز القدرات العسكرية لسلاح البر في مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر, وتدريب الجنود عن طريق خبراء أمريكيين "للبحث عن الإرهابيين الهاربين من أفغانستان"!... في نفس السٌنة, ركزت أمريكا 2000 جندي في قاعدة "جيبوتي", وصادق الكنغرس على ميزانية إضافية ب500 مليون دولار "لمكافحة الإرهاب بشمال وغرب افريقيا"... كما عرفت افريقيا نشاطا حثيثا لمدير المخابرات الأمريكية "مايكل هيدن" الذي زار الدول المرشٌحة لاحتضان القواعد العسكرية وقيادة أفريكوم... أما مساعد وزير الدفاع لشؤون التخطيط والسياسات فقد قام بجولة شملت المغرب والجزائر وليبيا ومصر وجيبوتي وأثيوبيا...كما زار وزير الحرب الأمريكي "دونالد رامسفيلد" ارتريا وأثيوبيا وجيبوتي, ووافقت البلدان الثلاثة على "التعاون الكامل مع القوات العسكرية الأمريكية, وتقديم المعلومات لها, وعلى استخدام أراضيها جوٌا وبحرا لضمان أمن البحر الأحمر" (دسيمبر 2002)
عام 2003 تدخٌلت أمريكا عسكريا في ليبيريا (آب/أوت 2003), وعزلت "شارلز تايلور" الحليف السٌابق, وفرضت على المتخاصمين وقف الحرب الأهلية (التي استمرت حوالي 15 سنة)... عاشت البلاد شيئا من الإستقرار, مكٌن أمريكا من بناء مطار "طروبرتسفيلد" الذي تستعمله القوات العسكرية الأمريكية, للتموين, وبناء قاعدة "أوميغا", وهي إحدى أكبر القواعد البحرية, ومحطٌة تجسٌس لوكالة المخابرات المركزية (سي آي أ) تغطٌي القارة الافريقية, بثٌا وإرسالا والتقاطا, وقامت القوات الأمريكية بحماية أكبر مزرعة للمطٌاط في العالم, الكائنة قرب المطار الدولي بالعاصمة "منروفيا" ... وكانت ليبريا(ومطارها الدولي) قاعدة هامٌة لنقل الأسلحة إلى الحركات اليمينية المسلٌحة في افريقيا مثل "يونيتا" الأنغولية, وجزء من المتمرٌدين الطوارق الذين ارتموا في أحضان أمريكا والكيان الصهيوني, وهم يصرحون بذلك بفخر واعتزاز...
في نفس السنة 2003, أمضت الولايات المتحدة اتفاقيات مع الكامرون والغابون وغينيا الإستوائية, لاستخدام مطاراتها (عسكريا), وتفاوضت مع نيجيريا وبينين وساحل العاج بشأن استخدام قواعد جوية بأراضيها... في نفس العام كثفت أمريكا من تحرٌكاتها لإخماد الصٌراعات في "مناطق التٌوتٌر" المتواجدة بها شركات النفط الأمريكية, التي كانت تستثمر حوالي 10 مليار دولار عام 2003 ... وتواترت تصريحات لمسؤولين مدنيين وعسكريين أمريكيين, عن "عدم الإستقرار بمناطق كثيرة في افريقيا, تفتح المجال لنشاط الإرهابيين, ولتجارة المخدٌرات, والهجرة السٌرٌية", لذا أعلن الجنرال "جيمس جونز" عن نية وزارة الدفاع, إنشاء مراكز للتدخٌل السريع في افريقيا والعالم, وجعل القوات الأمريكية أكثر قدرة على التحرٌك (أفريل 2003), وهذا الجنرال هو أعلى مسؤول عسكري أمريكي في أروبا, التي تتبعها افريقيا , في التخطيط العسكري الأمريكي, وأصبح فيما بعد (عام 2005) مستشارا عسكريا بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني كما عمل في مصر والصٌومال... في جويلية 2003,  زار الرئيس الأمريكي "جورج بوش الأبن" خمس دول افريقية: السنغال, جنوب افريقيا, بستوانا, اوغندا ونيجيريا, وأعلن اهتمام أمريكا ببؤر التوتر في ليبريا وساحل العاج والسودان ومنطقة البحيرات الكبرى, ويظهر من مجمل أحاديثه نزوع امريكا إلى تأمين احتياجاتها من الطاقة, عن طريق الهيمنة على مصادرها ( الخليج العربي وبحر قزوين وخليج غينيا الإستوائية...) وضمان قواعد عسكرية تستطيع من خلالها ضرب أي قوة "معادية" لها أو حتى مجرٌد منافسة, والسيطرة على المعابر التجارية, البحرية خاصة, المحيطة بافريقيا... عام 2003, أعلنت أمريكا عن "مبادرة (عسكرية) ضد الإرهاب عابر الصٌحراء", ومقرٌهيئة أركانها داكار, وخصٌصت لها ميزانية 100 مليون دولار سنويا لمدة 5 سنوات, ورفعت وتيرة "التعاون" العسكري مع موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسنغال والنيجر ونيجيريا ومالي, بتعلٌة مقاومة الإرهاب والعصابات الخطيرة وقطٌاع الطٌرق الحدودية, المحاذية لمنابع النفط, وشارك في المناورات العسكرية فرنسا وبريطانيا ودنمارك والبرتغال...كما نشطت القاعدة العسكرية الأمريكية ب"سيغونيلا" (إيطاليا) في استقبال وإرسال بعثات مراقبة وتجسٌس, وعمليات سرٌية "لمحاربة الإرهاب", وزادت أهمٌية القواعد الأمريكية بايطاليا وأسبانيا والبرتغال واليونان منذ احتلال أفغانستان والعراق, وبشكل عام كثٌفت أمريكا من الزيارات العسكرية والمناوات المشتركة, مع بلدان كان تأثيرها فيها ضعيفا أو منعدما, كالجزائر التي صرح بوش عام 2004 انها "حليف استراتيجي", بمناسبة إجراء مناورات بحرية مشتركة, قبل زيارة وفد عسكري جزائري إلى واشنطن, وتوقيع اتفاق حول التكوين والتدريب والتجهيز العسكري الخ. صادف تعزيز العلاقات العسكرية الجزائرية الأمريكية, مصادقة البرلمان الجزائري على قانون يمكٌن الشركات الأجنبية (منها الأمريكية) من دخول السوق المحلٌيٌة في مجال استغلال وتجارة وصناعة المحروقات...
قبل هذا القرار بضرورة إيجاد قيادة عسكرية أمريكية خاصة بافريقيا, أجهضت الولايات المتحدة عددا من المحاولات التي قام بها حلفاتؤها الأروبيون (تنافس بين الإمبرياليات؟), ومنظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة الخ, بغية "خلق آليات إقليمية وجهوية (افريقية) لحل النزاعات..."
عسكرة الإقتصاد الأمريكي, أو الجيش في خدمة الإحتكارات النٌفطية:
 عام 2001 , كانت نسبة النفط الذي تستورده أمريكا من خليج غينيا تبلغ 10% من جملة وارداتها, وأصبحت النسبة 15% عام 2007 وستتضاعف تقريبا عام 2025 ( عن "ناشينال إينرجي بوليسي")... في ماي 2001, قال ديك تشيني (نائب الرٌئيس) " يجب أن نخفٌف من اعتمادنا على بترول الدٌول المعادية مثل فنزويلا شافيز, ونعوٌضه بنفط خليج غينيا"...في حديث لصحيفة "وول ستريت جرنال", قال الجنرال "شارلز واد", قائد القوات العسكرية الأمريكية في أروبا: " تقع على عاتق قواتنا المسلٌحة في افريقيا, مهمٌة أساسية, تتلخٌص في ضمان السٌيطرة الكاملة على المناطق النفطية في نيجيريا وما حولها, لأن 25% من حجم الواردات الأمريكية للنفط ستأتي من هناك في المستقبل القريب", وقد زادت واردات أمريكا من النفط الافريقي من 1,6 مليون برميل يوميا عام 2000 إلى 2,7 مليون برميل يوميا عام 2007... هنا تكمن الأهداف الحقيقية ل"أفريكوم"...
عام 2008 عزٌزت الشركات النفطية وجودها في كل من الجزائر وأنغولا والكامرون وتشاد والكونغو بجزئيه وغينيا الإستوائية والغابون وليبيا ونيجيريا, وحسب وزير الطٌاقة "سامويل بودمان" (2008) فإن الحكومة الأمريكية تشجع الشركات النفطية على توسيع نفوذها في كل من مدغشقر وبينين وساو تومي وغينيا بيساو...في نفس الوقت عزٌزت الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية وباعت أسلحتها (بشكل مباشر) إلى أنغولا والجزائر وبستوانا وتشاد وساحل العاج والكونغو (برازافيل) وغينيا الإستوائية وارتريا وأثيوبيا والغابون وكينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا وأوغندا, ويدرس البنتاغون تركيز قواعد عسكرية بكل من السنغال ومالي وغانا, إلى جانب القواعد البحرية الموجودة بساو تومي (في عرض ساحل الغابون)... وأعلن الجنلرال "جيمس جون" قائد القوات العسكرية الأمريكية في أوروبا, أن البحرية الأمريكية تدرس خفض تواجد بوارجها في البحر الأبيض المتوسٌط, لتعزٌز حضورها في الساحل الغربي لأفريقيا وخليج غينيا (حيث حقول النفط وطريق مرور النٌاقلات)... في عهد الرئيس بوش زادت الإستثمارات الأمريكية في افريقيا ثلاثة أضعاف, خصوصا في مجال الطٌاقة والمناجم, ووقٌعت الولايات المتحدة عددا من المعاهدات العسكرية مع عدٌة دول أفريقية, لحماية مصالحها ولمواجهة المنافسة الصٌينية, ولتوفير إسناد لوجيستي لاحتياجاتها الإقتصادية, وقواتها العسكرية التي تحمي الشركات الأمريكية العاملة في افريقيا... إن أهمٌيٌة الصحراء (المستهدفة من مشروع أفريكوم) تكمن في اتساعها وقلة عدد سكانها وقربها من منابع النفط والعديد من المعادن الثمينة الأخرى, وهي على مسافة واحدة بين أروبا والمشرق العربي, وكذلك على نفس المسافة بين الجزائر ونيجيريا, أول وثاني منتج للبترول في افريقيا التي تزود امريكا ب15% من حاجاتها النفطية, خاصٌة بعد عودة الشركات النفطية الأمريكية إلى ليبيا وإمضائها عقودا هامة في مجال البحث والإستكشاف واستغلال الطاقة, منذ 2004... أما موضوع الإرهاب فإنه يساعد البلدان المتاخمة للصحراء والإمبريالية في نفس الوقت, للتغطية وتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية الداخلية والإبقاء على الأوضاع القائمة كما هي: الفقر (في نيجيريا رغم البترول) والمجاعة (في النيجر رغم اليورانيوم والمعادن الأخرى), والفساد واستثراء أقلٌية على حساب الأغلبية...يقول "مارك فرانشر", عضو المجلس الأمريكي للمحامين السٌود (أن سي بي أل) :"إن القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا – أفريكوم- ليست إلا وسيلة لضمان الموارد النفطية للشركات الأمريكية, وكل من يعارض هذا الهدف أو يحاول عرقلته, يصبح إرهابيٌا, ويضاف إسمه إلى قائمة اهداف الجيش الأمريكي..." وجاء في الموقع الإلكتروني لأفريكوم " إن هدف هذه البرامج العسكرية والمدنية, هو تركيز مناخ قار, يكون سندا لسياستنا الخارجية وتوجهاتها وبرامجها التي تعمل بدورها على تركيز مناخ سلمي يساعد على تطور الأعمال والمبادلات والتعاون, فالعلاقة بين الأمن والتطور لا تحتاج إلى برهان..." إن أفريكوم هي الذراع العسكري للسياسة الخارجية ولمصالح الإحتكارات الأمريكية...
مرحلة الإنجاز:
في العشرين من ديسمبر 2006, قرٌرت أمريكا "تعزيز الأمن والإستقرار في خليج غينيا" وفي7 فبراير 2007, أعلن جورج بوش عن تكوين القيادة العسكرية الأمريكية السادسة, "أفريكوم" أو القيادة العسكرية الأمريكية الموحٌدة في أفريقيا, بهدف "تطوير التعاون العسكري مع الدول الافريقية, والقيام بعمليات عسكرية حربية عند الإقتضاء, في القارة الافريقية, بقرار من الحكومة الأمريكية, لضرب قدرة المتطرٌفين المسلٌحين على قتل المدنيين الأبرياء..." ويقدم رئيس قيادة افريكوم تقاريره مباشرة إلى الرئيس الأمريكي... تزامن هذا الإعلان مع الندوة التي أقيمت في داكار (07/02/2007), "لمكافحة الإرهاب العابر للصحراء", بمشاركة رؤساء أركان كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا والنيجر ومالي والتشاد ونيجيريا والسنغال, وأشرف عليها الجنرال "وليام وارد" (ذو الأصول الافريقية), مساعد قائد القوات الأمريكية في اروبا, آنذاك, والذي أصبح قائدا لأفريكوم... يقول روبرت غيتس وزير الحرب الأمريكي آنذاك ان أفريكوم هي تحديث للإستراتيجيا الامريكية, لتصبح اكثر تماسكا وفعالية, بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة... ورصدت آنذاك موازنة سنوية لأفريكوم بحوالي 90 مليون دولار, و392 مليون دولار لمركز القيادة, المتركٌبة من حوالي 500 خبير في الإستخبارات والاتصالات والتحاليل والتقارير الاستشرافية, وخبراء من وزارات الخارجية والمالية والأمن والتجارة والطٌاقة والزراعة, ومن مكتب التحقيقات الفدرالي أف بي آي,  وسيصبح عدد الموظفين الدٌائمين 1300 بعد مدٌة قصيرة...تدٌعي الحكومة الأمريكية أن أفريكوم هي قيادة من نوع جديد لأنها لا تقتصر على الجانب العسكري, بل تدمج في إطارها هياكل وموظفين مدنيين من "يو آس آد" (الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي) ومؤسسات الإغاثة والعمل الإنساني والمنظمات غير الحكومية..."لخلق مناخ مناسب للتطور الإقتصادي, والحكم الرشيد والتصرف السليم في الموارد الإقتصادية والبشرية, والوقاية من الأمراض والأوبئة والآفات, مما يعود بالمنفعة على المواطنين في ميادين التعليم والصحة والتأهيل...ليتمتٌعوا بظروف عيش أفضل". تقول السيدة "هنريتٌا فور", مديرة "يو آس آد" : "عرفت افريقيا في ظرف 25 سنة, 21 نزاعا مسلحا, بمعدل 7 سنوات لكل منها, ويجب انتظار 17 سنة لتعود نسبة النمو لما كانت عليه قبل هذه النزاعات, ودور أفريكوم هو الوقاية من النزاعات, وتقديم المعونة للسكان, ومساعدة الحكومات والمواطنين زمن الكوارث الطبيعية, بالتعاون مع شركائنا في القطاع الخاص, والمساعدة على تجاوز الصعوبات الإقتصادية والنزاعات العرقية والمرض والجريمة, وهي آفات خطرها يعادل خطر الحروب والنزاعات...".  إنه برنامج عسكري, يستعمل المعونات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية "والعمل الإنساني", لتلميع صورة الولايات المتحدة لدى المواطنين, الذين تظاهروا بكثافة ضد احتلال افغانستان والعراق وضد االجرائم الصٌهيونية المتكررة, كما هو محاولة لتغطية الحضور العسكري...
تكاثرت زيارات الوفود الأمريكية, المتكونة من رجال أعمال ومخابرات وموظفين سامين بوزارتي الحرب (الدفاع) والخارجية, طيلة سنتي 2007 و2008 , إضافة إلى الجولة الافريقية الثانية للرئيس جورج بوش (2008)... كما تعددت المناورات العسكرية التي شملت كافة المناطق الافريقية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها, وشملت كافة أعضاء الإتحاد الافريقي, أي 50 دولة, وأشرف الجيش الأمريكي على تكوين وتأطير 45 ألف جندي و3200 مدرٌب عسكري افريقي, وتمٌت أضخم مناورة في جويلية/تموز 2008 , بمشاركة 21 دولة افريقية, كما زار الجنرال "ويليام وارد" قائد أفريكوم, 30 دولة افريقية ضمن جولة واحدة في فيفري/شباط 2008, وقام خبراء عسكريون بمهام تدريب وإغاثة ووقاية في معظم الدول الافريقية, إلى جانب "المنظمات غير الحكومية", في ميادين عديدة كالصحة والمياه الصالحة للشراب والتموين الغذائي, لتلميع صورة أمريكا وجيشها, و"تلطيف" الحضور العسكري... لكن دولا افريقية كالجزائر وليبيا وجمهورية جنوب افريقيا ونيجيريا رفضت قطعيا انتصاب قواعد عسكرية على أرضها أو على أي أرض افريقية, لأن الحضور العسكري الأمريكي من شأنه أن يثير غضب السكان ويكون سببا في عدم الإستقرار...فاستعملت أمريكا بعض الملفات للضغط على هذه الحكومات كورقة "انعدام الحريات الدينية" في الجزائر وعدم احترام حقوق الإنسان والأقلٌيات,  و الإستفزازات المستمرة للسفراء الآمريكيين الذين لا يحترمون سيادة الدول التي عينوا بها...أما الدول الراغبة في استقبال هذه القواعد على اراضيها (جيبوتي والصومال واثيوبيا وليبيريا وبستوانا) فإنها لا توجد في المنطقة التي ترغب أمريكا في السيطرة المباشرة عليها أي المغرب العربي والدول المتاخمة للصحراء الكبرى... قامت وزيرة الخارجية كندزوليسا رايس بزيارتها الأخيرة (كوزيرة خارجية) إلى المغرب العربي, قبل لقاء عدد من مسؤولي البيت الأبيض مع وزراء خارجية المغرب العربي ودول الساحل الصحراوي, لإقناعهم بقبول تركيز قاعدة تكون مقرا لأفريكوم قبل تاريخ بدإ عملها الرسمي, أي بداية اكتوبر 2008, لكن هذه المساعي فشلت, فبقي مقر أفريكوم في شتوتغارت بألمانيا, مع تحويرات في تمركز الجيوش في قواعد إيطالية مثل نابولي وسيغونيلاٌ وأفيانو, لوضع عدد أكبر من الجنوذ والمعدات قريبا من افريقيا...وقام مسؤولون سامون بوزارتي الدفاع والخارجية بندوات صحفية, بسفارات أمريكا, في 50 دولة افريقية, لشرح "الأهداف السلمية والتنموية, والنوايا الطيبة لأمريكا تجاه افريقيا", ولكنهم في نفس الوقت كانوا يقدمون البديل للقواعد العسكرية القارٌة التي تصوروا أن الدول الافريقية ستتنافس على احتضانها, فركٌزت الحكومة الأمريكية مكتبا لأفريكوم, في كل سفاراتها بافريقيا, يضم مزيدا من الملحقين العسكريين وضباط مخابرات من "سي آي أي" وضبٌاط شرطة من مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي", الذين يفترض فيهم أن لا يحققوا في قضايا خارج تراب الولايات المتحدة, كما كثفت أمريكا من بعثاتها "الإنسانية" ومنظماتها "غير الحكومية" ورجال الأعمال الذين يرغبون في "تطوير التعاون الإقتصادي", وضاعفت من وتيرة المناورات العسكرية المشتركة, كما قامت بحملة دعائية ضخمة حول برامج التأهيل والتدريب التي تقوم بها "لفائدة" النسوة والطلبة والصحفيين ورجال الأعمال, في بلدانهم, لتكوين نخب موالية لأمريكا, بأبخس الأثمان, وضاعفت من عدد الدعوات الموجٌهة إلى "النخب" وأحزاب المعارضة بمناسبة الأعياد القومية الأمريكية أو النشاطات الإعلامية والدعائية التي تقوم بها سفاراتها باستمرار, كما تستدعي قياديين في أحزاب معارضة ونقابيين وصحفيين, وشخصيات مستقلة... لزيارة أمريكا على نفقة وزارة الخارجية, بمناسبة الإنتخابات أو لمعاينة الحياة والممارسة الديمقراطية في بلاد العم سام, لتحضير البدائل الممكنة للأنظمة القائمة, وحتى الموالية لها (أو المحايدة وغير المعادية لسياستها), تحسٌبا لهبوب رياح معاكسة, لم تخطٌط لها ولم تكن في الحسبان (انتفاضات, ثورات, انقلابات), أو بسبب اهتراء الأنظمة التي كانت تساندها أمريكا, وتقلٌص قاعدتها الإجتماعية, فتكون لأمريكا عين على الحكم وعين على المعارضة... أي أن الولايات المتحدة مصمٌمة على احتلال المكانة الأولى في افريقيا اقتصاديا وعسكريا, ومواجهة حلفائها الأروبيين والصين وكل من من شأنه أن ينافسها, وتريد التحكم حتى في إمكانيات تغييرالحكومات... أما الذرائع فهي كالعادة: محاربة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة, ثم أضيف لهذه القائمة: الهجرة السٌرية, التي أصبحت جريمة في نفس مقام الإرهاب...أما المنظمات غير الحكومية فإنها, إضافة إلى ترويج المواد والتقنيات والثقافة الأمريكية, تلطٌف وتزيٌن الحضور العسكري الأمريكي, فتعطيه وجها إنسانيٌا, رحيما بالقفراء, والمرضى والنساء والأطفال والأقليات الأثنية والدينية... 
خاتمة:
بعد الإنتخابات الرئاسية, وتولي باراك أوباما الرئاسة, باسم الحزب الديمقراطي الذي كان ينتقد "عسكرة السياسة الخارجية" الأمريكية, قلٌ الحديث عن أفريكوم,. نظرا للأزمة المالية والإقتصادية الحالية, وإعادة ترتيب الأولويات, لكن تركيز أدواتها متواصل: فبعد تنصيب الجنرال وليام وارد رسميٌا قائدا لأفريكوم يوم 1 اكتوبر 2008, تتواصل المناورات العسكرية, وإعادة توزيع وانتشار القوات بين القواعد العسكرية في أروبا, وكذلك زيارات الوفود العسكرية والمدنية لأفريقيا, مع تغيير طفيف في البرنامج, تمثٌل في تكثيف "العمل الإنساني" للجيش الأمريكي في أكثر البلدان الافريقية فقرا... إن الدول التي رفضت القواعد العسكرية (لأن ضررها أكثر من نفعها) لم ترفض توثيق التعاون الإقتصادي والعسكري مع أمريكا, فالجزائر تستقبل جنودا وبوارج أمريكية للقيام بمناورات بصفة مستمرة, وتقيم علاقات عسكرية وأمنية واقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة... أمٌا ليبيا فقد "قامت بكل ما يجب" لتطبيع علاقاتها مع أمريكا وأوروبا, فخصخصت عددا من القطاعات الإستراتيجية كالنفط والبنوك, وكان نصيب الشركات الأمريكية وافرا...وتستمر كذلك المناورات العسكرية في حوض البحر الأبيض المتوسٌط بإشراف الحلف الأطلسي ومشاركة الكيان الصهيوني إلى جانب كل الدول العربية المطلة (وحتى غير المطلٌة كالأردن) على المتوسٌط, بدون استثناء, لأن الكيان الصٌهيوني يبقى في كل الحالات الحليف الإستراتيجي الثابت لآمريكا والحلف الأطلسي, ويجب فرض حضوره ومشاركته على الجميع, إذ صرٌح دونالد رامسفيلد (وزير الحرب الأمريكي آنذاك), بمناسبة انعقاد اجتماع قمة الحلف الأطلسي بصقلٌية (إيطاليا), في فبراير/شباط 2006 , وبحضور ممثلي 6 دول عربية مع الكيان الصهيوني : " تمثٌل دولة اسرائيل مشكلة لعدد من البلدان, لكن ليعلم الجميع ان أمن دولة اسرائيل هام وأساسي بالنسبة لنا كلنا"(أي جميع أعضاء الحلف الأطلسي), هذا التأكيد مازال قائما في عهد باراك أوباما الذي أحاط نفسه بغلاة الصهاينة, في المواقع الإستراتيجية, في البيت الأبيض ووزارة الخارجية...
.إن اهتمام الولايات المتحدة بالنفط الافريقي يعود إلى المنافسة التي أبدتها الصين في القارة, وإلى الكلفة الضعيفة لنقل النفط والغاز من غرب افريقيا, عبر الأطلسي إلى السواحل الأمريكية, مقارنة بنفط الخليج العربي... أما المبادلات التجارية الافريقية/الأمريكية, فإن 87% منها متكونة من النفط ومشتقٌاته, ومن حيث الكم فإن الإحتياطات النفطية في ليبيا تقدٌر ب40 مليار برميل وفي نيجيريا ب31 مليار برميل وفي الجزائر ب12 مليار برميل وأكثر من 3 مليار برميل في بقية البلدان المحيطة بالصحراء, وعموما فإن الأنتاج الحالي يعادل 6 ملايين برميل يوميا في منطقة خليج غينيا, الممتد إلى نيجيريا وأنغولا. أما نفط التشاد والكامرون فإنه يصل الأطلسي عبر أنابيب تضخٌ 250 ألف برميل يوميا, مرشٌحة للزيادة...تكمن الأهمٌية الإستراتيجية لأفريقيا في معابرها التجارية وموانئها البحرية التي تطل على المتوسط والمحيطين الأطلسي والهندي, وفي ثروتها النفطية التي تقدر ب8% من الإحتياطي العالمي, إضافة إلى الغاز الطٌبيعي والثروة المعدنية الهائلة والمتنوعة, وستصبح سوقا استهلاكية كبرى, يعد سكٌانها مليار نسمة بعد بضع سنوات, ولا تمثل حاليا سوى 2% من إجمالي التجارة الأمريكية... وتعمل أمريكا على تحسين صورتها بواسطة المنظمات غير الحكومية وما يقدٌم كعمل إنساني أوخيري لفائدة المواطنين, ومنذ الحرب الأطلسية الأمريكية على يوغسلافيا, فإن الجيوش الغازية أصبحت تدٌعي القيام بأعمال إنسانية, أو القيام بدور المطافئ لإخماد نار كانت قد أشعلتها عنوة... والإرهاب هو نار قد تشعلها الإمبرياليات عنوة لتبرير تدخلها فيما بعد "لإعادة الأمن والسلم"... وحيثما حلٌت جيوش الإمبريالية, تكاثرت المليشيات والفقر والنزوح وتزايد عدد اللاجئين, والقتل الجماعي "على وجه الخطإ", وتم تفكيك الدولة والمجتمع, وتقسيم السٌكان إلى أثنيات وقبائل وملل ونحل وأديان ومذاهب, ما كان للناس بها علم قبل الإحتلال (يوغسلافيا, العراق, أفغانستان, الصٌومال)...
 
الطٌاهر المعز
المراجع:
africom.mil الموقع الرسمي لأفريكوم
america.gov موقع وزارة الخارجية الأمريكية
quadrienal defense review 2005
دراسة لمؤسٌسة "أكسفورد أناليتيكا" للأبحاث والدراسات – أيلول/سبتمبر 2003
موقع "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"
صحيفة نيويورك تايمز, 5 جويلية/تموز 2003 – 7 فبراير/شباط 2007 – 5 اكتوبر 2008 – 25 مارس 2009
متابعات من صحف المغرب العربي باللغتين العربية والفرنسية, وموقع "سويس انفو" باللغة العربية, وترجمة لمقالات صحيفة "المنفستو" الإيطالية

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟