سقراط لم يجد نفسه في أي موقف من تلك المواقف. لقد فكر بالتأكيد كثيرًا في المشكلات التي وجهها بعد ذلك إلى الآخرين (خاصة بفضل المقابلات السابقة). كان لديه بالتأكيد وجهة نظر مفصلة حول هذه القضايا، المربكة وحتى المكلفة في بعض الأحيان - كما رأينا في مرافعة افلاطون. (سوف أعود إلى هذه النقطة لاحقا). لكن كما رأينا، لم يقتنع بأي رأي من آرائها، رغم أنه عاش وفقا لها ما دام لا يرى أي سبب للشك فيها.
كان على استعداد تام لمزيد من التفكير فيها إذا لزم الأمر، حتى يتم تأكيد حقيقة كل واخد منها. بالنسبة لأي شخص يميل إلى هذا الحد، يبدو من المعقول أن يعتقد أن الدور المناسب في المناقشة الفلسفية هو الدور الذي يتمسك يه سقراط: استجواب الآخرين، مع الاستمرار في فحص الأفكار أثناء المحاورة وبالتالي في العمل. وفي حالة عدم اقتناعه بأي رأي من الآراء، فإن الانتقال من دور السائل إلى دور المجيب سيكون محرجًا من الناحية الفكرية (وبالنظر إلى موضوع المناقشة، من الناحية أالأخلاقية). إن القيام بذلك يعني التأكيد على أنه ملم، أو مقتنع بما يكفي برأي لتاكيده بافتراض أنه صحيح وأنه من المؤكد أنه سينجح في تبريره تماما.
تبقى هناك نقطتان يجب تناولهما، ولكنهما أقل أهمية. بادئ ذي بدء، صرح سقراط في مرافعة افلاطون أن أولئك الذين شهدوا اختبار العلماء استنتجوا بصفة عامة أنه يجب أن يكون هو نفسه (بشكل إيجابي) ملما بموضوع دحوضاته. استنادا إلى هذه السمعة، فإن تقديم آرائه الخاصة والتعهد بشرحها وتبريرها أمام الآخرين كان من شأنه أن يجعل الآخرين، ولا سيما الشباب، يأخذون كلمته على انها الحقيقة. بعد ذلك لن يكونوا مستعدين أو يشعرون بالحاجة إلى التفكير فيما يعتبره سقراط مرضيا (بتسكين الراء) ولن يفكروا في الأمر بأنفسهم.
وعليه، فإذا كان هناك شيء واحد يريد أن يعلمهم إياه، فهو هذا. علاوة على ذلك، وفقا لسقراط ، فإن أي شخص يرغب في اختباره وآرائه من خلال تولي دور السائل لا يمكنه إثارة الصعوبات التي يجب فحصها بشكل كافٍ، أو إبراز مدى تعقيد هذا الموقف أو ذاك - هذا ما برع فيه سقراط عندما كان بفحص آراء الآخرين. وبالتالي، من غير المرجح أن يقوم أي شخص يحضر المقابلة بتقييم التعقيد والصعوبات التي كان يجب التغلب عليها قبل أن يدعي أنه يقتنع بآراء سقراط. وبهذا المعنى أيضا، سيكون من قبيل المجازفة أن يأخذ الآخرون كلماته على أنها الحقيقة. نظرا لأنه كان من الأهمية بمكان بالنسبة لسقراط ألا يشعر المرء أبدا بأن لديه إجابة نهائية عن الأسئلة، لذلك كان من المهم أيضا أن يتجنب لعب دور المجيب أثناء المحاورة والفحص، وان يتبني فقط سؤال السائل - بحثا عن الحقيقة.
يعتقد قراء المحاورات (مثل ثراسيماخوس في الكتاب الأول من الجمهورية) أحيانا أنه عندما يرفض سقراط الخضوع للفحص والتحليل من قبل الآخرين بخصوص تصوراته الأخلاقية، فإنه يتجنب الصعوبات المرتبطة بموقف المجيب، ويريد تذوق انتصاره على أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالهزيمة. ومع ذلك، تُظهر الحجج التي قدمتها للتو أن موقع سقراط وموقفه ليسا معنيين كما يبدوان في الظاهر. على العكس من ذلك، فهما يستندان بحزم إلى تصوراته الخاصة وطموحاته الفلسفية.
هكذا، بالمعنى الدقيق للكلمة، كل الآراء التي تم التعبير عنها وكل الالتزامات التي تم التعهد بها في إطار هذا التبادل للأسئلة والأجوبة - أي المحاورة الجدلية التي كرس لها سقراط حياته كفيلسوف - صادرة عن المجيب وليس عن السائل. المجيبون هم الذين يبدأون بعرض الأطروحة. هؤلاء المجيبون هم الذين، بموافقتهم افتراضا على مناقشة هذه الأطروحة مع سقراط، يجب عليهم أن يجيبوا على الأسئلة التالية بعد الموافقة أو رفض المقدمات الإضافية التي قدمها لهم السائل. وإذا استنتجنا من جميع الردود نتيجة تثبت أنها غير متوافقة مع الأطروحة الأولية، أو على الأقل لا تتفق معها تماما، فإن موقف السائل يقع في حرج. ثم تبين أن أطروحته الأولية تتعارض مع الآراء الأخرى التي جعله السائل يصوغها.
لكن حتى السائل يصاب شخصيا بالحرج. إنه يثبت أنه ليس حكيما، وهو أمر محرج بالتأكيد لكل من يدعي امتلاك معرفة أخلاقية وفكرية، سواء كان المرء يسمي نفسه سفسطائيا أو يدعي أي مهارة أخرى. حتى لو لم يقدم هذا الادعاء (كما هو الحال مع العديد من محاوري سقراط في المحاورات السقراطية لزينوفون وأفلاطون)، فإنه يظل محرجا. أولئك الذين يقولون إنهم يتطلعون إلى الصداقة أو الاعتدال أو بعض الأشياء القيمة الأخرى التي يقتنعون بها بما يكفي ليقولوا ما يفكرون فيه أثناء المحاورة، كان عليهم التفكير مليا في الشيء الذي يسعون وراءه حتى يتمكنوا من التحدث عنه بشكل مرض. يجب عليهم تجنب التناقض مع أنفسهم أو الوقوع في اللامعقولية الساحقة عند محاولة تبرير أنفسهم. لكن على أي حال، فيما يتعلق بما يعتقده سقراط أنه الأكثر قيمة في حياة الإنسان، فإن المحاور سيكون قد أظهر إهماله تجاه ما لديه، وهو روحه. بدلاً من الإجابة على أسئلة سقراط الملحة، يجب أن يجعله نقطة شرف في حياته، كما فعل سقراط، ليصبح السائل في هذه المحاورات، وأن يسعى باستمرار من أجل معرفة أكثر صلابة، كما هو مفصل وواضح بقدر الإمكان النطاق الواسع للقيم الإنسانية. إن العناية الجيدة بروح سقراط ، كما رأينا، لا تتطلب أقل من ذلك.
أثناء المحاورة، يُتوقع من المستفتى أن يقول ما يفكر فيه حقا، ليس فقط عند صياغة الأطروحة الأولية التي يفحصها سقراط بعد ذلك، ولكن أيضا عند الإجابة على الأسئلة ذات الصلة. بشكل عام، يُتوقع من المستفتى أن يفكر بجدية في ما يعتقد أنه أفضل إجابة وأكثرها منطقية على أي سؤال يطرح عليه، مثل شخص يؤمن بقوة بالأطروحة التي قدمها.
من الواضح أن هذه هي الطريقة التي تساعد بها أسئلة سقراط الآخرين على اختبار أنفسهم وصقل أفكارهم، وبالتالي أرواحهم، الشيء الذي أعلن سقراط أنه أعز أمنياته. ينطبق هذا الشرط أيضا على محاورات سقراط عند كل من زينوفون وأفلاطون. في الواقع، يعلن سقراط أحيانا أنه يريد أن تعكس إجابات المستفتى معتقداته الحقيقية (أثناء المقابلة). هذا مهم بشكل خاص عند التحدث مع رجل يعلن نفسه عالما ومخاولة خدش كبريائه. ولكن ليس من الضروري أيضا الإيفاء على هذا المبدأ - "قل ما تؤمن به" - عند الإجابة على الأسئلة لتحقيق هدف سقراط.
يتضح هذا بشكل خاص عندما يكون الشخص الذي يتحدث معه شابا جادا قد يكون غير مقتنع بجميع الأسئلة التي تطرح عليه. ومع ذلك، يمكن تشجيعه على موازنة إيجابيات وسلبيات إجابة تبدو للوهلة الأولى جذابة عند مواجهته بالسؤال لأول مرة. من ذلك يمكنه استنتاج الكثير. لكن هذا ينطبق في معظم الأحيان على من يدعون أنفسهم علماء. يتضح أن رجلا من هذا القبيل ليس عالما وقد تعرض للإذلال الودي، بمجرد أن أظهر (دون "قول ما يعتقده") أنه غير مؤهل بما فيه الكفاية في مجال القيم (و المنطق) لمنع موافقته على نقاط معينة أثناء المحاورة من الوقوع في تناقض مع الأطروحة التي صاغها في البداية، أو على الأقل من تضمين نتائج غير معقولة دون القدرة على تبريرها. وهكذا، في معظم الأحيان، فإن حقيقة أن سقراط يتوقع من محاوره أن يقول ما يؤمن به عند صياغة أطروحته وعندما يجيب على الأسئلة هي مجرد فرضية، وليست بأي حال من الأحوال قاعدة من قواعد الجدل السقراطي. من المهم هنا أن نفهم، على الرغم مما يقوله فلاستوس، أن سقراط لم يقل أبدا أن "قول ما تؤمن به" قاعدة يجب على المستفتى مراعاتها في هذه المقابلات "الجدلية". عندما يقول ذلك، فإنما بخصوص الأسئلة التي تتلو صياغة الأطروحة، ودائما في الظروف الجدلية الخاصة.
تبدأ كل محاورة سقراطية، كما رأينا، بعرض أطروحة من قبل المحاور المقتنع بها، مع التركيز على القيم الأخلاقية وأفضل طريقة لتوجيه حياته. إذا أردنا الاقتراب قدر الإمكان من الحكمة، كما يفعل سقراط، فلا ينبغي أن نقصر الفحص على هذه الأطروحات، بل نوسعها لتشمل المزيد من الآراء المتعلقة بهذه القيم أو القيم الأخرى التي يقتنع بعض الناس بأنها حقيقية. لذلك يجب أن نوسع أفق المراجعة. يجب النظر في جميع أنواع الآراء، سواء تم التأكيد عليها من قبل شخص يمكن أن يشارك في المحاورة أم لا. نحن لا نعرف، وهذا ما حرص سقراط عليه، ما إذا كان مينون يؤمن إيمانا راسخا بكل ما يقوله عندما يحاول شرح وتبرير أطروحة عن الفضيلة المستوحاة من جورجياس. وينطبق الشيء نفسه على جميع من تحاور معهم سقراط (باستثناء بعض الحالات التي ذكرتها). فأن يؤمنوا بما يقولونه أم لا عند الإجابة على الأسئلة بعد صياغة أطروحتهم، ليس له أي تأثير على أغراض سقراط. من حيث المبدأ، ينطبق الأمر نفسه على صياغة الأطروحة الأولية. ومع ذلك، يبدو أن محاوري سقراط مقتنعون دائمًا برأي حول الفضيلة، مثلا، أو حول فضيلة معينة، وكما أوضحت، فإن عملية إخضاع أطروحة ما لنقاش جدلي جاد يفترض أن يكون الشخص الذي صاغها مقتنعا بها. وبالتالي، فإن الأطروحة الرئيسية أو سلسلة الأطروحات التي طرحها المحاورون هي في الواقع انعكاس لمعتقداتهم.
على أي حال، استفاد سقراط من كل هذه المحادثات لاختبار اتساق معرفته بالقضايا الأخلاقية، مع توسيع حدودها، من خلال مواجهة الأسئلة الصعبة والمثيرة للجدل والمتعلقة بالطبيعة والفضيلة الإنسانيتين، بفضائل الإنسان الخاصة وهي الشجاعة والاعتدال والعدل والتقوى والحكمة، وكل ما كان موضوع محاوراته ومناقشاته اليومية. في الوقت نفسه، كان يساعد الآخرين للتقدم على طريق المعرفة. لا حاجة لقاعدة "تقول ما تؤمن به" لتحقيق هذه الأغراض، ولم يعتقد سقراط أن ذلك ضروري.
ضمن الخطوط العريضة التي اقترحتها سابقا، ذكرت جانبا من الفلسفة كطريقة للعيش وفقا لسقراط التي غضضت الطرف عنها. ركزت دراستي حتى الآن على الاستدلال والنقاش الفلسفيين، اللذين يشكلان إلى حد ما جوهر الطريقة السقراطية في الحياة. لكن بمعنى آخر، إنها بالأحرى نتيجة للفكرة القائلة بأن روح كل فرد تشكل القيمة العليا، بالإضافة إلى صحته التي هي جوهرها: إنها مسألة الالتزام الذي يقوم به سقراط عندما يتصرف في الحياة اليومية، عندما يحترم واجباته كمواطن، أو عندما يتعين عليه اتخاذ قرار صعب ومحفوف بالمخاطر، ليتوافق مع الآراء حول القيم الإنسانية التي توصل إليها (في تلك اللحظة بالتحديد) خلال تأملاته وأبحاثه الفلسفية.
أول هذه الآراء، بالطبع، هو الرأي القائل بأن الروح وصحتها تمثلان القيمة العليا - الحكمة أو المعرفة المطلقة فيما يتصل بكل ما يتعلق بالقيم الإنسانية وتسلسلها الهرمي. لكن الحكمة، حسب رأيه، هي نفس الشيء مثل الفضائل اليونانية التقليدية: العدالة، التقوى، الاعتدال، الشجاعة، وهي التي كان على الفلسفة شرحها والتعبّير عنها. لذلك، فيما يتعلق بالعمل في الحياة اليومية وجميع القرارات العملية، بالنسبة لسقراط - كما هو الحال في الواقع بالنسبة لكل التقليد اليوناني اللاحق حول موضوع الفلسفة كطريقة للعيش - فأن يعيش الإنسان فلسفته كان يعني أن يعيشها وفقا لتصور فلسفي حول العدالة، التقوى، الاعتدال، الشجاعة، تلك الفضائل التي تعتبر خيرات أساسية بالنسبة للإنسان.
في النص المقتطع من مرافعة أفلاطون الذي أحلت عليه سابقا (في بداية القسم الثالث) حيث أعلن سقراط أنه يرفض التوقف عن التفلسف علنا حتى لو تمت تبرئة ساحته في المقابل، جرى تقديم"الحكمة والحقيقة" على أنهما أفضل حالة تكون عليها الروح. لكنه يقول بعد ذلك عن الفرد (الافتراضي) الذي كانت روحه في هذه الحالة أنه يمتلك "الفضيلة". يمكن لسقراط بعد ذلك أن يكرر ما قاله للتو عن أسبقية الحكمة والحقيقة على الثروة والشرف والسلطة، لكن هذه المرة يتم استبدال الكلمتين الأوليين بالفضيلة:
"لم أقم سوى بالذهاب والإياب لأقنعكم، شبابا وكهولا، بألا تهتموا بجسدكم وبثروتكم بقدر أكثر أو مساو من الاهتمام الذي يجب أن يكون لديكم فيما يتعلق بكيفية جعل روحكم أفضل ما بمكن، ولأقول لكم: ليس من حيازة الثروة تأتي الفضيلة، لكن بامتلاك الفضيلة تصبح الثروة وكل الأشياء خيرًا للأفراد كما للدولة."
تحيل كلمة "الفضيلة" هنا، باعتبار أن سقراط ذكر قبلا الشر الذي يمثله الفعل الجائر، إلى العدالة وغيرها من الفضائل التقليدية. إذن، بالنسبة لسقراط، فإن التمسك بقيمة الحكمة، وهو ما تتجلى في تكريس الذات للفحص الفلسفي والفحص الذاتي، يتجلى أيضا في تجنب ارتكاب أي فعل شرير سواء كان نتيجة ظلم أو جبن أو رضا عن النفس ذي صلة بالهوان. أي سلوك من هذا القبيل يؤدي بالفرد إلى قبول منظومة قيم خاطئة - منظومة تضع صحة الروح (الحكمة وغيرها من الفضائل) في مرتبة أدنى من المرتبة التي تستحقها، مع إعطاء الأفضلية لكل خير مزعوم من أجله يتصرف المرء بشكل غير عادل أو جبان أو برضا عن النفس.
لن أتطرق هنا إلى مسألة لماذا يعتقد سقراط أن الحكمة هي نفسها، أو على الأقل توحي، بالعدالة، بالشجاعة، وبالفضائل الأخرى. تستند الحجج التي يقدمها في محاورة بروتاغوراس لإثبات تماثل الحكمة مع الفضائل الأخرى على تصورات حول فضائل معينة لا يمكن أن تشكل أساسا فلسفيا كافيا للحفاظ على هذه العلاقة (التماثل). وباستثناء الكتاب الأول من الجمهورية - تلك حالة خاصة جدا - يبدو أن محاوراته تظهر أن العدالة والشجاعة، مثل الحكمة، فضيلتان، وأنهما يساهمان في صحة الروح، التي كشف عن بعض مظاهرها. يظهر مرافعة أفلاطون أن لديه بالتأكيد دواعي فلسفية وجيهة للتفكير في ذلك.
ولكن بما أنه هو من يطرح الأسئلة في محاوراته، وبما أننا لا نراه أبدا يدعم بوضوح أطروحته بواسطة حججه، فإن الهامش ضيق لمعرفة ماهية تلك الدواعي. يتمثل جزء كبير من الأخلاق اليونانية اللاحقة في تحليلات فلسفية للروح والطبيعة الإنسانيتين بحيث أنها تؤسس لهذه التصورات السقراطية. يبدأ هذا الجهد التأسيسي بالكتاب الأول للجمهورية، ولهذا السبب قلت قبل حين إن هذا المحاورة السقراطية متميزة جدا. ويستمر هذا الجهد في التألق عبر بقية الجمهورية وفي محاورات أفلاطون الأخرى. أضاف أرسطو والرواقيون تصوراتهم الخاصة، وواصلوا دائمًا نفس الجهد لبناء نظرية فلسفية. لكن يكفينا، فيما يتعلق بفلسفة سقراط كأسلوب حياة، القول إنه وفقًا له، مهما كانت الطريقة التي نحاول شرحها بقدر من الوضوح، فإن الحياة العقلية، الحياة الفلسفية، تعني ضمنا أننا نمارس الفضائل الاجتماعية التي تم الاعتراف بها وتقديرها في أثينا والمدن الي ونانية الأخرى (وبالطبع في بلدنا أيضا) على وجه الخصوص، العدالة، ولكن أيضًا الشجاعة الجسدية والمعنوية، الصدق، التحكم في النفس، احترام الآخرين، موقف ودود وخيري تجاه كل من نلتقي به، إلخ. وبالتالي فإن الحياة الناجحة وفق العقل والفلسفة ستكون حياة يتم فيها نقل الفضيلة الأخلاقية إلى أعلى مستوياتها. سيكون الفيلسوف الحقيقي أيضا الشخص الأكثر فضيلة، أخلاقياً واجتماعياً - على وجه التحديد لأن الفيلسوف وحده سيكون قادرا على ان يفهم بطريقة منطقية ومُعقلّة لماذا تساهم هذه الفضائل (أو بالأحرى نسخة فلسفية منها أكثر تفصيلاً) في صحة الروح.
ختاما، إذا أردنا البحث عن أصل التقليد اليوناني للفلسفة كأسلوب حياة، فإن سقراط هو الذي يجب أن نتجه نحوه. لأول مرة، كانت الحياة الفلسفية - الفلسفة نفسها كأسلوب حياة - هي ما عاشه سقراط، وفًقا لمحاورات أفلاطون (والمحاورات السقراطية الأخرى). كرس حياته لرعاية روحه. لقد تمثلت في ممارسة التفلسف بشكل دؤوب ومستمر، أي مناقشة وفحص نقدي لآراء الآخرين وآرائه حول الحياة الإنسانية وأفضل السبل للقيام بذلك. كان الغرض من هذه الحياة هو جعل العقل، وليس التقليد، العادة، "ما يظهر أنه حسن" أو "ما يبدو صحيحًا"، دليلا لجميع الأفعال، لجميع الطرق أو المناهج لتوجيه سدة الحياة. كانت هذه الحياة أيضا حياة التزام: هي الحياة الفاضلة، على الأقل في حدود ما هو ممكن للإنسان، من خلال دعم معايير جميع الفضائل التقليدية من عدالة وتقوى واعتدال وشجاعة، وذلك بفضل فحصها وتبريرها الفلسفي، وهذا في جميع الأعمال.