لا يرتبط طرح هذه المسألة الأكثر عمومية بإطار ذاتوي بل يتطلّب الخروج من باراديغم النفعية للرأسمالية الفلاحية- الغذائية و بإيتيقا مرتكزة على ألم الأفراد. إلا أنّ هذا، على وجه الاحتمال، لم يصبح ممكنا إلاّ قريبا بسبب الأزمة البيئيّة التي نمرّ بها وتحقّق الوعي الإيكولوجي على الصعيد الأخلاقي. فالإيكولوجيا تعلّمنا بشأن دور النباتات أكثر من تعرّفنا بقيمتها النفعيّة للإنسان. ينتج عن هذا، أنّه في الفترة الانتقالية الحالية، كانت النباتات ممزّقة بين منزلتها التقليدية كموضوع – مصدر objet-source محايد قيميّا وبين شروط إمكان مطلقة لكلّ حياة على الأرض. يبدو أن الهوّة الأخلاقية سحيقة. كيف يمكن تجاوز الانفلاق الأقصى الذي يضع من جهة، من يستغلّ زيت النخيل مزيلا بنشاط الغابات من الأرض التي يشعر أنّه سيدها ومالكها، في مواجهة المدافع عن الجزرة والمستعدّ لأن يعزف لها الموسيقى الكلاسيكيّة كي يلطّف طبائعها، من جهة أخرى؟ إن الحلّ على ما يبدو حلاّ وسطا.فلا يتعلّق الأمر بردع استغلال أو تحوير غير مرشّد للنباتات بتعلّة عدم إلحاق الضرر بها، ولا بالطبع الدفاع عن شكل من تدمير للنباتيّ حيث لن يسمح بقتل أقلّ نبتة لأكلها. فباعتبار أنّ النباتات كائنات مثبّـتة في محيطها، هي شروط الإمكان وهي في الآن نفسه، متميّزة بوصفها أنظمة عضوية تمام التميّز، تستدعي التفكير وفق طريقة أكثر تمركز إيكولوجي تكون فيها الأولويّة للمحافظة على نوعيّة العلاقة بين العالم العضوي واللاعضوي.
إلاّ أنّ النباتات تبدو، بما هي أنظمة عضوية، مستفيدة بقيمة كامنة تعبّر عن ذاتها في حدّ أدني في مبدأ اللاإضرار،لا بل احترام حياتها وظروف وجودها. إنّ الاعتراف بهذه القيمة يمكن أن يستنتج من كون أيّ سلوك إنساني يهدف إلى قتل أو المساس إراديا أو اعتباطيّا ( أي دون أي رهان نفعي) بالنباتات و/أو محيطها يعتبر في العموم سلوكا مستهجن أخلاقيا. وبالرغم من أنّ هذه القيمة النظرية معترف بها ضمنيّا ، فإنّ ذلك لا يعني أنّها موضوع احترام من قبل الجميع وبصورة مطلقة (بمثل ما قد نقبل ونقوم بتعريض شامبانزي لموت اعتباطي بصورة أقلّ يسرا من قبولنا لموت جعل، قد نقوم بحرق غابة بصورة أقل يسرا من اقتلاع أقحوان ). فالمزاوجة بين فكرة التألّم من جهة وفكرة الشرّ (الأخلاقي) والضّرر( القانوني) من جهة أخرى يسمح بوجود إيتيقا بيئيّة حاملة لهمّ الحياة النباتيّة. وهذا لا يعني في الخضمّ ضياع إيتيقا رفاهية الحيواني. غير أنّه يجب أن يكون هناك استجابات مختلفة لكائنات مختلفة.فلكي نقدر على حماية النباتي حماية ناجعة علينا أن نبدأ بطرد الأحكام المسبقة التقليدية بشأنها والتي هي على طرفي نقيض من أهميّتها الإيكولوجية. يتجلّى بدون شكّ التفكير في الحياة النباتية لا على نمط الفرد الحيواني، بل على نمط بيئوي أكثر نجاعة. إنّ ما يقترح هنا هو أنّنا لا يمكن أن نفكّر في الحياة النباتيّة بمعزل عن وسطها وبالعكس، لا يمكن أن نفكّر في الأوساط بمعزل عن الحياة النباتيّة. إنّ العلاقة المتميّزة للنباتات بالعالم اللاعضوي، علاقة توالد بين أوساط حياة وكائنات حيّة نباتيّة. لا يجب أن يفكّر في هذه العلاقة بحظّ أوفر مثلما هو الحال في علاقة الفرد بوسطه، بل بما هي نتيجة ديناميكيّة جماعيّة.كثيرا ما تكون إرادة الحفاظ على التنوّع البيولوجي" ماذا علينا أن نفعل لحماية هذا النوع الحيواني؟" غاية في حدّ ذاتها، كما لو أنّ الحيوان يمكن أن يكون مجرّدا من وسطه ( هذه حجّة القائمين على حدائق الحيوانات مثلا الذين يزعمون بانّ حماية الأنواع يكون بفصلها عن بيئتها الأصليّة). بيد أنّ إرادة الحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية هي أيضا بالضرورة إرادة الحفاظ على الحياة في مظاهرها المختلفة، وحياة الأنظمة الإيكولوجية مرتبطة بالنباتات التي هي قاعدتها( أي أنّ الحفاظ على حياة الباندا في حدائق الحيوانات ليس إلاّ نظريّا،حماية التنوّع البيولوجي بما أنّ الوسط النباتي للخيزران (نبات البونبو) bambouseraie الآتية منها تستمرّ في التدهور). يتّفق الإيكولوجيون والنّباتيون عامّة على فكرة مفادها أنّه يمكن لكثير من نباتات الأنظمة الإيكولوجية أن تتكيّف على غياب الحيوانات، في حين أن العكس مستحيل. إنّ حماية ناجعة للحياة تتطلّب أولا حماية النباتات لأنّها شروط الإمكان. وبالمثل، فإنّ حماية الجبل، والوادي أو الأرض لابد أن تعود قبل كلّ شيء إلى حماية خصوصية النشاط النباتي على هذه البيئة التي تجعل منها أنظمة إيكولوجية حقيقيّة وأوساط للكائنات الحيّة التي تسكنها. إنّ فكرة حماية ماء وأرض وبيئة أو طبيعة لاعضوية باعتبارها محرّكا للحياة على الأرض هي خيار يمكن أن ينكشف على قدر من الخطورة نظريا ، خطورة أكبر من تسريح ضفدعة في طريق الانقراض في مستنقع. وبالفعل ، فإنّ الشجرة تصنع الغابة والعشب يصنع المرج، وكلّ من هذه الأنظمة العضوية النباتية يمكن أن يتعرّض لضرر( يستحق الاستهجان أخلاقيا، سواء أكان مبررا أم لا) له انعكاساته على البيئة. في هذا المعنى، ترغمنا النباتات على إيجاد توازن صعب بين مركزية بيولوجية ومركزية إيكولوجية.
نحو إيتيقا مُلهمها النّباتي
إنّ الدفاع عن فكرة كون النباتات تلعب دور الإنشاء المشترك تجاه الأوساط لا يجب أن يؤدّي إلى المماثلة بينها دون اعتبار الفوارق بين بيئة وأخرى. فلا الشمولية البيئيّة ولا ثنائيّة الأنظمة العضوية وبيئتها تضفي شرفا على دور ومنزلة النباتات. فقد تكمن القيمة أوّلا في العلاقات المنتجة والمتعاونة بين المجموعات النباتيّة الموجودة والموادّ اللاعضوية الخاصّة ، ثمّ بين هذه المجموعات والأنطمة العضوية الحيوانيّة، وأخيرا، بين الحيوانات وبيئتها فحسب. يتبع سلّم القيم هذا نظام الأسباب والمسارات. فكلّ مرحلة هي على نحو ما شرطا لأخرى. فلا يجب على العرض الشكلي لهذه البرهنة أن يجعلنا نعتقد أنّ هناك ثلاث مراحل متلاحقة بدقّة تقابل النباتات بالبيئة والكائنات الحيّة غير النباتيّة. فقد تتدخّل حتّى في مرحلة تكوين النباتات للأوساط، أنظمة عضوية لا نباتيّة وبالأساس بكتيريات وفطريات. وبالمثل، فإنّ لبعض علاقات الحيوانات ببيئتها نتائج مهمّة على حياة النباتات. إلاّ أنه يوجد في مسار الإنشاء المشترك الأنطولوجي للنباتات والأوساط ، انبثاق الحياة وشروط إمكانها التي ندعو إلى التفكير فيها بطريقة جوهريّا مترابطة، بوصفها قاعدة لكلّ إيتيقا مهتمّة بحماية البيئة، والنباتات والأحياء على وجه أشمل. فحينما نفهم سير الحياة النباتية ونقدّرها حقّ قدرها، سيكون من الصعب ، لا بل من التكلّف ومن الشؤم حتى، تصوّر إيتيقا متمركزة حصرا إمّا على الكائن الحيّ ، وإمّا على البيئة ، كما لو تعلّق الأمر باتجاهين متباعدين. ففي بيئة سليمة، يكون ما هو صالح للنبات، صالحا بالطبع لتوازن النظام الإيكولوجي. والحياة النباتيّة تشهد على القوّة والأولويّة التكوينية لهذا الجمع الذي يجب أن يحثّنا على التفكير بطريقة تمثيلية ومحدّدة، في علاقة الأنواع الحيوانيّة بوسطها ( مثلما نفعل ذلك مع بناء الخليّة ). وفي النهاية، تظلّ إمكانية التفكير في القيمة الجوهرية للأنظمة العضوية النباتية أمرا مرجوّا بالنظر إلى اكتشافات عديدة راهنة تخصّ موضوع السلوكيات النباتيّة: التواصل، الذاكرة والقرارت، " والذكاء" ( Trewavas 2014 ترفاس) . فبقدر ما أمكن لنا القيس تجريبيا قدرة النبات على الدفاع عن نفسه ( كيميائيّا) في حال النهب والتمييز بين عدّة وضعيات ( أنواع من الأرض أو الدعامات المختلفة لنباتات متسلّقة) والاختيار بنشاط الوضعية الملائمة، وجب علينا التواضع أكثر والاعتراف بالقيمة التي تكمن في حياتها وبالجهود للحفاظ عليها.
لا يجب على إيتيقا البيئة ذات إلإلهام الّنباتي المتناسق أن تقصي بشكل تعاوني ما يولى من اهتمام لحياة الأنظمة العضويّة، حتّى لو كانت الأكثر "أوليّة"، وللنشاط العام، والبيئوي الذي يظهر لدى الجماعات ويضمن شروط وجودها. إنّ التفكير في النباتات والسيرورات النباتية يتطلب من هنا فصاعدا تعقيدا وانزياحا ملائما للخيارات الفلسفية والإيتيقيّة المتحفّظة عادة عن التفكير في الكائن الحيّ"و" بيئته والتي تفهم هنا بوصفها وجهان لعملة واحدة. إنّ البيئة هي ما يصنع الكائن الحيّ والكائن الحيّ هو من يصنع البيئة. ( انتهى)