ويندوز ليس مجرد نظام تشغيل، إنه كيان خلّاق لديه حساسية ضد التغيير. فكِّر في الأمر على أنه عمل فني عزيز يحتاج إلى صيانة منتظمة، الجميع سعداء بالألوان الأكثر إشراقا واللمعان المنعش، لكن لا أحد مسرور بالخطوط المعاد رسمها، أو المرسومة فوق الشوائب، أو مُحيا وجه شخصية في لوحة أعيد ترميمها بشكل سيئ.
ليس عليك أن تكون مؤرخا أو متتبعا لتاريخ أنظمة تشغيل النوافذ (ويندوز-Windows) لترى نمط البينغ بونغ الذي تتبعه مايكروسوفت في تحديثاتها لنظام التشغيل التابع لها، الجميع يتذكر ويندوز XP حتى الآن، بعض المستخدمين يفضلونه حتى هذه اللحظة، ثم أتى بعده ويندوز فيستا (Vista) الذي على النقيض تماما من سابقه، لا يتذكره أحد بعدما فشل فشلا ذريعا.
أنقذت مايكروسوفت سمعتها بنظام التشغيل ويندوز 7 الذي حقق نجاحا ساحقا، ثم أتبعته بنظام آخر فاشل يشبّهه المستخدمون بمجموعة من القرود التي تدير جهاز حاسوب، وهو ويندوز 8. تاليا، ظهر ويندوز 10 لإنقاذ الموقف تماما كأحد الأبطال الخارقين. أترى ما المقصود من لعبة البينغ بونغ؟ صعود ثم هبوط، قمة ثم قاع. النظام الأخير، ويندوز 10، كان البطل الذي أنقذ مايكروسوفت، كان القمة، هل سيكون نظام التشغيل الجديد (ويندوز 11) هو القاع؟ هل ستتابع مايكروسوفت المشي على النمط نفسه؟
إذا كنت تلعب بالاحتمالات، فستراهن على أن ويندوز 11 سوف يفشل. لكن الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت "ساتيا ناديلا" قال مازحا: إن الرقم 11 هو رقم الحظ لمايكروسوفت.(1) تخطط الشركة للدخول في الإصدار الرئيسي التالي من ويندوز، كما أنها تستعد بهدوء لإقفال الباب في وجه نظام التشغيل "ويندوز 10" البالغ من العمر 6 سنوات.
لم تصدر مايكروسوفت أي بيان رسمي بخصوص هذا الأمر الأخير، الذي اكتُشف بالصدفة من قبل مراقبي نظام التشغيل ويندوز، مثل بول ثاروت على صفحة "دورة حياة ويندوز"(2)(3) التي تقول إن الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2025 سيكون هو "تاريخ نهاية الخدمة لنظام التشغيل ويندوز 10". ساعتها، سيكون مرّ ما يقرب من 10 سنوات منذ إطلاق إصدار النظام الذي أعاد تنشيط مايكروسوفت بعد السقوط المدوّي لنظام ويندوز 8.
للمفارقة، لا يختلف "ويندوز 10" جوهريا عن نظام التشغيل "ويندوز 3.1" الذي ربما تكون أحد سعداء الحظ الذين عاصروا صدوره عام 1991. خلال الثلاثين عاما التي تلت ذلك، عاصر المستخدمون عددا لا يحصى من التكرارات في التعديلات على الأنظمة، كل منها يعد بوظائف وأداء وفائدة أفضل. في بعض الأحيان، كانت هذه العملية أشبه بمشاهدة شخص تحبه وهو يتقدم في السن برشاقة، إلى درجة أنك إذا غبت عنه لفترة من الوقت فلن تلحظ دائما التغييرات الطفيفة. فمع ويندوز، وبرغم التحديثات المتتالية، لم تتغير العناصر الأساسية، مثل "File Manager" و"Task Manager" و"Device Manager" و"Registery Editor"، منذ عقود.
ما يعنيه برنامج نهاية الخدمة (End of life) أو اختصارا "EOL" لمستخدمي ويندوز هو أن مايكروسوفت تتوقف عن تحديث الخدمات أو تعديل الواجهة أو حتى التعامل مع إصلاحات الأخطاء الطفيفة. ومع ذلك، هناك حياة أخرى تتمثل في: الدعم الممتد، وهو خدمة مدفوعة تستهدف عادة فئة رواد الأعمال الذين يرغبون في الحفاظ على نظام سقطت عنه التحديثات، وفي العادة يُستخدم مع أنظمة متداعية مثل ويندوز XP.
المرحلة التالية هي بمثابة تحنيط بطيء لجسم ويندوز المتوفى، تسمى تحديثات الأمان الممتدة (ESU). لمدة ثلاث سنوات، يتم إدخال إصلاحات أمنية مهمة وفعالة، ما يحافظ على تشغيل النظام المتداعي. قد تتساءل: لِمَ قد تفعل مايكروسوفت ذلك؟ هذه التحديثات هي الحبوب السحرية التي تعمل على حماية أنظمة التشغيل التي تشبه الأشباح من التهديدات الجديدة غير المتوقعة، وهذا كل ما في الأمر. كما تقول مايكروسوفت عن تحديثات الأمان(4): "سيتم توزيع تحديثات الأمان الممتدة إذا توفرت. لا تتضمن وحدات (ESU) خدمات جديدة أو تحديثات غير متعلقة بالأمان يطلبها العميل أو طلبات تغيير التصميم".
يعد كل هذا جزءا من خطة مايكروسوفت لمساعدة أنظمة التشغيل القديمة هذه على لقاء حتفها دون إحداث ضرر جسيم بالمستخدمين المُحبين لنظامهم المفضل أيا كان. وبما أن مايكروسوفت اعتادت وداع أنظمتها الجديدة، فلا بد لها من تعليم صغيرها الجديد فرد أجنحته. في النهاية، أطلقت الشركة ويندوز 11 للعالم، وسيكون ذلك على أنقاض ويندوز 10، فهل أنت مستعد؟ لأن الأمر هذه المرة مختلف!
غالبا ما تكون عملية إعادة ابتكار نظام ويندوز -بالنسبة إلى مايكروسوفت- محفوفة دائما بالمخاطر. لذلك تستطيع أن تلاحظ كيف أنها تنقل كل شيء بحذر وهدوء، مع التأكد من استعدادها، هي ومستخدميها البالغ عددهم 1.3 مليار شخص، لتبنّي نظام مُحدَّث أو معاد تخيله بشكل جذري، بطريقة أو بأخرى.(5) عادة ما تعني التغييرات الكبيرة دورة اعتماد بطيئة وتأخيرات في التحديثات، لكن مستخدمي ويندوز الذين يعرفون أن نظامهم الأساسي المحبوب حاليا، ويندوز 10، يلعب في الوقت بدل الضائع سيُجبَرون على الأقل للتخطيط للانتقال الذي لا مفر منه.
الإستراتيجية هنا واضحة ومباشرة: إصدار نسخة حديثة من ويندوز في الوقت الذي أصبحت فيه مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية هي الأعلى في هذا العقد(6)، والفضل في ذلك يعود للوباء قطعا. في الوقت نفسه، يواجه أبرز منافسي مايكروسوفت التقنيين -أبل وغوغل- درجات قاسية من التدقيق بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.(7)
وبينما أعيد تصميم واجهة ويندوز 11، فإنها تمثل طبقة طلاء جديدة أكثر من كونها إعادة تشكيل كاملة. نعم، لقد نقلت مايكروسوفت زر "ابدأ" إلى منتصف الجزء السفلي، ولكن لا تقلق، يمكنك دائما إعادته إلى الزاوية اليسرى. الجديد بحق هو الآتي: تطبيقات الأندرويد! أصبح ويندوز الآن الجهاز الذي يربط كل هذه الأنظمة في بيئتك الإلكترونية.
كانت مايكروسوفت تتباهى بقابلية جهاز الحاسوب "كروم OS" للوصول إلى متجر "Google Play" لتطبيقات الأندرويد و"MacOS" الذي يدير أجهزة أبل مثل آيفون وآيباد، وهي الآن تغلق الفجوة بين الأنظمة المختلفة مع ويندوز 11. وتزامنا مع الإصدار الجديد لنظام التشغيل، أطلقت الشركة متجر مايكروسوفت الجديد الذي سيكون موطنا لجميع أنواع تطبيقات ويندوز وأندرويد. سيتم أيضا دمج تطبيقات من متجر أمازون، وبحسب مايكروسوفت فإن "TikTok" و"Kindle" و"Ring" و"Uber" ضمن الأسماء التي سنجدها في الطليعة.
ورغم أن نظام ويندوز الجديد مُصمَّم للعمل بشكل أفضل مع هواتف أندرويد، قال السيد ناديلا الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت: "إنه يود أن يعمل ويندوز بشكل جيد مع أجهزة آيفون أيضا، على الرغم من أن الأمر يرجع إلى حد كبير لشركة أبل. من المرحب به أن تقدم أبل خدمة iMessage أو خدمات أخرى إلى ويندوز".
إذا كان متجرَا التطبيقات لأبل وغوغل من الحدائق المسورة التي لا يمكن اقتحامها، فإن مايكروسوفت تريد أن يكون متجرها الجديد عبارة عن حقل مفتوح. ولذلك، قررت مايكروسوفت السماح للمتجرَين ولمطوري التطبيقات فيهما باستخدام أنظمة الدفع والأنظمة التجارية الخاصة بهم على متجرها الجديد، مع السماح للمطورين بالاحتفاظ بكامل إيراداتهم (على الرغم من أن Microsoft ستأخذ -عادة- نسبة 15٪ من إيرادات المعاملات).(1)
من وجهة نظر جون شرود، الصحفي التقني المهتم بتغطية أخبار شركة أبل، فإن ويندوز 11 بالتأكيد يشبه نظام التشغيل "Mac" الخاص بأبل في بعض الأمور الرئيسية(9). إن تحويل رموز شريط المهام التي كانت تَشْغل سابقا الجانب الأيسر من الشاشة إلى المركز يجعل بالتأكيد شريط المهام في ويندوز 11 يبدو شبيها بـ"MacOS’s Dock". إذا قاموا بخطوة واحدة إضافية ونقلوا الرموز الموجودة على الجانب الأيمن من شريط المهام إلى الزاوية العلوية اليمنى من الشاشة، فسيبدو سطح مكتب ويندوز بالتأكيد مثل macOS.
يُسقط ويندوز 11 دعمه لتطبيقات 32 بت، وهو أمر فعلته أبل في "ماك أو إس كاتالينا" في عام 2019، رغم أن هذا القرار من المتوقع أن يتسبب بالكثير من الخسائر لويندوز أكثر مما فعل لنظام ماك. ويعلق "شرود" على تجربة اللمس وسياسة الشركتين المتنافستين فيها قائلا: "في كل عام تواصل أبل بثبات القول إنها لا تهتم بجلب اللمس إلى جهاز ماك، في حين فضلت مايكروسوفت منذ فترة طويلة نهج نظام تشغيل واحد لكل شيء، بحيث يصبح ويندوز نظاما مشتركا للحواسيب والأجهزة اللوحية".
لكلٍّ سياسته المفضلة في التعامل مع جهاز حاسوبه المحمول. يُعلّق شرود قائلا: "أنا أُفضّل نهج شركة أبل، لكن النقاش سيظل محتدما. في ويندوز 11، تقدم مايكروسوفت وضعا لوحيا ذكيا جدا. عندما تقوم بفصل جزء الجهاز اللوحي من جهاز 2 في 1 (الأجهزة التي تدعم اللمس والاستخدام التقليدي)، تتغير الواجهة بمهارة لتوفير مساحة أكبر للأصابع".
هذه بالتأكيد هي الطريقة التي يجب أن تصمم بها نظام تشغيل واحدا يدعم طريقتين مختلفتين جدا للإدخال. على الرغم من أن مايكروسوفت تروج لفوائد جهاز 2 في 1 على ما يبدو في كل إعلان تصنعه، فإنه -عمليا- لا يوجد الكثير من المستخدمين الذين يستخدمون الحاسوب في وضع الجهاز اللوحي.
العديد من أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام ويندوز 10 ستكون قابلة للترقية، ويمكنك استخدام أداة فحص أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها لمعرفة ما إذا كان نظامك متوافقا مع ويندوز 11.
"الابتكار يتعلق بالمخاطرة"، كما يقول ناديلا(1)، لكن ما لم تكن المخاطرة تثير غضب الناس حول تحريك زر البدء (Start)، وتغيير هيكلة تجربة المستخدم، فلربما يكون ويندوز 11 هو تجربة متفردة جديدة من مايكروسوفت، ويصبح الرقم 11 هو رقم الحظ بالفعل لها!