على الرغم من توصل العالم إلى مفارقات وإنجازات هائلة في التعامل مع العقل البشري والكشف عن مكوناته الجنينية وأساليب تفاعلة مع ذاتة وغيره لم يزل ينقصنا الكثير من الجرأة والبحث في خضم الخفايا وظواهر الغوص في ألذات الإنسانية علينا امتلاك القدرة على التعبير بوضوح تام عن كل ما يجول في الخواطر الإنسانية ووضعها في المتناول المعرفي لجميع البشر علينا البحث في السبل الكفيلة بخلق الوضوح بدون عقاب فالكتمان آفة الإنسانية عبر تاريخها الطويل ومن خلال الكتمان يتم تدمير الإنسانية في عمقها الواعي والعالم في وجودة الموضوعي كل إنسان في هذا الكوكب قادر على الاستغراق في ذاتة يدرك أنة يحمل منظومة سرية من الإحساسات والتصورات والمعتقدات الضمنية يكبتها ويعزلها وينشط السلوك للوصول إلى ماهيتها بعيدا عن رقابة الأخر ولو كان الأخر يظهرها على دائرة الضوء والوضوح هذا الأسلوب في التخفي يظهر الإنسان شكلاً ويعزله مضموناً , ويسعى لتحقيق غايته من خلال التراث وجميع الأفكار المعلقة في ذاته كإرشادات يري من خلالها أسلوب الخلاص المزيف , لا يوجد شيء يهدد القوة غير الإحتمال فهما حميمان في التفاعل من البداية وحتى النهاية , فقد علم إبليس قوة الله وقدرته الهائلة في التصرف ولسيطرة والخلق والتحكم والتحريك فهو قوة ما فوقها قوة وقدرة تفوق كلّ اقتدار فلو يكن أمام إبليس غير الاحتيال لاخترق قوانين الله فدخل فيها من أماكن ضعفها وحدث ما حدث . وكل الإنسانية تواجه اليوم لعنات إبليس وتسعى للتخلص من مظاهر احتياله البدائي الأول . فالعمل مستمر لتفكيك الطاقة الإنسانية الكاملة في داخلها وإدخالها موسوعة الأرقام القياسية وكأن الحياة مجرد أرقام نتفاعل معها لنعطيها من وجودنا ما يجعلها تتحرك بكل الاتجاهات , إبداءً من أن التفاعل الإنساني وجود رقمي وكل ما يتفاعل مع هذا الوجود من علاقات وأفكار وأحاسيس واندفاع وإبداع يندرج في واقع إحصائي رقمي يعبر عنه صانعوا القرار في العالم . فالحضارة العالمية الجديدة مبنية على الوجود الرقمي والصناعات الرقمية واختراق متاهات الكون الواسع والتعرف عليه هو من فاعلية الاستخدام الرقمي والتشكيل القادر على تحقيق مظاهر الصناعة الفائقة الدقة في التصميم .
فالحصيلة المعرفية للبشرية هي التفاعل مع كمية هائلة من المعلومات والبيانات يمكن أن تصل إلى كافة الشعوب . وتبقى رهينة العمل في هذه البيانات ومعالجتها وبالتالي ينشأ التقاعس المستمر للتفاعل مع وجود إنساني عليه الاتفاق على قواعد وأساليب محددة للعلاقات . ليبقى العلم مستمرا في تعميق البعد الإنساني وتكوين الذاكرة الإنسانية بديلا عن الذواكر المتهرئة منذ أصبح إبليس جزءا من كيانها الخاص يتفاعل معها ومع معطياتها .
فالتقدم التكنولوجي المعاصر متواصل الحلقات باعتماده على الأقمار الصناعية في الإرسال التلفزيوني وشبكات الاتصال الأخرى وتفاعل المعلومات الكونية للتخفيف من حدة الشكوك والشعور بالعداوة تجاه الغير وكسر الطوق الحديدي لاحتكار الصحافة لتوجيه الخبر من خلال توفير قنوات متاحة بكثرة لجميع الآراء والأذواق المتعددة في المجتمع والعمل لتأسيس نظام صحفي تحرري يمكن أن يترافق مع ظهور الإعلام المنزلي ويعزز المشاركة الشعبية الكاملة في عمليات صنع القرار الحكومي .
فالسياسة التكنولوجية المعاصرة تسعى لإشاعة المفهوم القائل بأنها تتطور خارج مفاهيم التاريخ وهذا ما يجعل الفكر التاريخي بالنسبة إليها شيئا مغايرا في تطوره . فيتقلص التفكير بخلق مستقبل مشرق للوجود الإنساني وينحصر التفكير التكنولوجي بالكيفية المتاحة لتوصيل تكنولوجيا المعلومات إلى القواعد التحتية في المجتمع . و توجيه إرسال مركز وبث كمي هائل من المعلومات المتباينة يستحيل من خلالها القضاء على الأمراض الاجتماعية وان الغاية من استغلال هذه المعلومات لأغراض تجارية ومصالح اقتصادية غير ميالة لإقحام نفسها في تحقيق المعادلة الإنسانية كقيمة أغلى من كل ما تسعى لترويجه . فالمصالح الإنسانية والتوافق الإنساني يظل دائما هو الاعتبار الأخير . فالمصالح العسكرية والتجارية تسيطر على تكنولوجيا الإعلام والمعلومات وتغذي التفاعل الدعائي كجانب مستقل في غايته كفعل محرك لنشاط السوق العالمية . ومهما توسعت الأنظمة المتعددة القنوات لن تنحصر في الدفاع عن المصالح العامة والحاجات التعليمية والثقافية للشعوب .
وتظل تسعى لإثارة الخرس الاجتماعي من خلال إخفاء الحقائق وإضاعتها بين الكم الهائل من المعلومات فالشركات العملاقة والعابرة للقارات تحتكر جميع المعلومات الخاصة بضمان خصائصها الذاتية وكمية الإمكانيات النقدية الوردة إليها من خلال تسويق الأعمال والإنتاج وتندرج طبيعتها الاقتصادية كقوة هائلة غير واضحة المضمون يختفي من خلالها أسماء المساهمين الأساسيين في بنيتها الملية وهذا ما يجعل الشعوب مغيبة عن معرفة قادتها الحقيقيين لان التداخل بين ماهو وطني وما هو عالمي مبني في أساسة على مصلحة المساهمين في الأسواق المالية فالاتجاه المعتمد والمقصود للسرية داخل الحكومات يعزز ويدعم سرية الشركات ويمكن أن تتوصل هذه الشركات إلى نتائج باهرة من حيث القيمة فهي تساوي بين سعر البطيخة وسعر أي كوكب سماوي ومهما كثرت وتعددت خطوط وغزارة الإنتاج في شركاتها وقدرتها على ضخ كم هائل من السلع في الأسواق لرفع دخلها يمكن أن تقارن ربحها مع ربح دكان لبيع المواد الغذائية وهذا ما يؤدي إلى تزويد إلى تزويد جميع الحقائق الاقتصادية في العالم ويجعل أصحاب رؤوس الأموال في حالة عوز دائم للمال ويمكن تصويرهم بأنهم متسولون أمام البنوك.
فالسرية المتبعة في العمل التجاري تخفي في مضمونها كل المعلومات عن سياسة الإرباح ويلتزم جميع السياسيين والإداريين بالأدب في علاقاتهم مع أصحاب الشركات لان العلاقة القائمة بين الفريقين هي علاقة التوافق بين احتكار السلطة واحتكار الاقتصاد ولان التزاوج بين السلطتين يضمن سلامة قواعد اللعبة كما يؤدي إلى اندماجيهما مع المكونات التكنولوجية والإعلامية الجديدة وإظهار تطابقهما مع المصالح القومية والاجتماعية للدول , ويمكن أن يتم توزيع السلطة بينهما وفق تخطيط معالج في برامج الكمبيوتر, بحيث يمكن صوغ القرارات والقوانين وإخراجها من خلال البرامج الخاصة بالكمبيوترات العملاقة , أما الشركات المختصة بصناعة وتجميع الكمبيوترات وبرامجها فتحرص دائماً على تحديد العناصر المكونة لنوعية البيانات التي يمكن استيعابها وتشغيلها من خلال الأجهزة المذكورة , ولا يمكن لصناع المعدات الاليكترونية العملاقة أن يجعلوها تقوم بتصميم وتخطيط منظومة من المعلومات تشكل تحدياً لسيطرتها , فتكنولوجيا المعلومات مهما بلغت من الاقتحام في جميع المجالات الحيوية للأعمال الإنسانية لا يمكن أن تحل المشكلات الاجتماعية وأمراض العصر الراهن بل غالباً ما تضيف مشاكل جديدة لهذا العصر.
وبمقدار القدرة على توليد وإنشاء المعلومات على نطاق واسع تتولد أساليب جديدة ودقيقة للسيطرة عليها وهذا يعني أن الديمقراطية الالكترونية مجرد وهم فالحرية التي تخضع للمراقبة هي في الحقيقة ليست حرية , فالكمية الهائلة من المعلومات غير القابلة للتحديد لايمكن أن يستوعبها لضخامتها وبالتالي يجري غربلتها بناءاً على خبرة مهندسين مختصين بحيث يتم بث مجموعة من المعلومات ذات أهمية حيوية ضمن كم هائل من المعلومات السطحية يصعب انتفاء ما هو مفيد منها ويجعل المتتبعين للمعرفة في حالة ضياع ,فالطاقة المستقبلية الناتجة عن التراكم المعرفي والتكنولوجي تحتاج إلى عقل فاعل قادر على التفاعل معها ولا يمكن الاعتماد على عقلية حفظية تريد أن تطبق ما قاله الرسل على منظومة المعلومات الرقمية وشبكات الانترنت إذ لابد من الفصل التام بين المفهوم الأخلاقي للإنسان وبين نظام البرمجيات لأنها بعيدة عن العاطفة وتتوخى الدقة التامة بغض النظر عن أي اعتبار لوجود إبليس .