هناك عشرات المؤشرات على إقبال غير مسبوق تاريخيا على الشبكات الاجتماعية، وكأنها حمى اجتاحت العالم فجأة، وظهر هذا واضحا من خلال فيسبوك، تويتر، تطبيقات الدردشة على الموبايل، وغيرها، وتسبب هذا الإقبال الخرافي في حجمه مقارنة بكل الظواهر الإعلامية والاتصالية في تاريخ الإنسانية إلى ارتفاع هائل في تقدير قيمة شركات الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي فتح الأعين على سؤال هام: هل الشبكات الاجتماعية مجرد فقاعة؟
من الناحية الاقتصادية، هناك تحليلات عديدة تتوقع انهيارا لما تسميه "فقاعة الشبكات الاجتماعية"، لأنها ترى أن هناك مبالغة وانحياز في تقييم شركات مثل فيسبوك (توقعات بأن يتم تداولها بحوالي 100 مليار دولار أي حوالي 50 ضعفا لدخلها السنوي الحالي)، وسكايب (اشترتها ميكروسوفت بـ8.5 مليار أي 10 أضعاف دخلها السنوي) ولينكدان (قيمتها السوقية الحالية حوالي 9 مليار أي 45 ضعف لدخلها السنوي) وغروب اون (تعد لطرح أسهم بقيمة 25 مليار أي 32.5 ضعف لدخلها السنوي) وتويتر (بلغت قيمتها السوقية حوالي 7.7 مليار أي 50 ضعف لدخلها السنوي)، وهذا الانهيار سيشبه في حجمه وتأثيره –حسب هذه التحليلات- انهيار الدوت كوم في عام 1999م، وسيسبب إفلاسا لعدد من هذه الشركات.
السبب الرئيسي لهذا التقييم المبالغ فيه هي أرقام المشتركين الضخمة التي تملكها هذه المواقع والنمو السريع جدا، مما يعطي الإيحاء للمحللين الماليين بنمو في الدخل والأرباح، ولكن هذا قد لا يكون صحيحا لاعتبارات عديدة والتي تتوقع أن يتوقف هذا النمو عند حد معين لتبدأ بعدها منافسة طاحنة على الدخل بين هذه المواقع.
هناك أيضا رؤى نقدية لواقع الشبكات الاجتماعية في حياة الناس، وبعض هذه الرؤى النقدية تقول بأن الشبكات الاجتماعية مجرد "لهاث جماعي" سيكتشف الناس قلة جدواه، وسيكتشف المعلنون قلة جدوى الإعلان عليه بسبب تزاحم الرسائل، وبسبب الظواهر الاجتماعية السلبية الناتجة عنه، وتستشهد هذه الرؤى النقدية بدراسات تؤكد أن عدد قراء "التغريدة" في تويتر ينحدر سريعا، وبدراسات مشابهة عن فيسبوك، وهذا تابع لمسألة النمو الهائل في إقبال الناس على الشبكات الاجتماعية.
دراسات نقدية أخرى تتحدث عن أن فيسبوك صار "مرتعا للأصدقاء المزيفين" بل إنها ترصد انزعاجا لدى الناس من تأثير هذه الصداقات المزيفة والسطحية على الحياة الاجتماعية والصداقات الحقيقية، وهناك انزعاج أوسع من تأثير الاستهلاك الواسع للشبكات الاجتماعية على الحياة الأسرية، ويزداد هذا الانزعاج في أوساط النساء أكثر من الرجال.
المتحمسون للشبكات الاجتماعية يردون بأن هذا الخلل هو أمر طبيعي للتغير السريع في عاداتنا الاتصالية، وأن الناس مع الزمن ستتعلم التأقلم مع القادم الجديد (تماما كما حصل مع التلفزيون) ومعالجة كل ظواهر الخلل هذه وخاصة أن التكنولوجيا نفسها تمنح باستمرار أفكارا جديدة للجمهور لفلترة الرسائل التي تصلهم وتصنيفها وترتيب أولوياتها، كما أن الجمهور سيتعلمون كيف يعيشوا حياة طبيعية دون أن يعني ذلك التوقف تماما عن المشاركة في الشبكات الاجتماعية.
لكن المؤكد بالنسبة لي بين كل هذه النقاشات أن الشبكات الاجتماعية جاءت لتبقى، وقد غيرت الطريقة التي نتعامل بها مع المعلومات ومع الإنترنت ومع الآخرين للأبد، وأن اعتمادنا على التكنولوجيا سيزيد ولن ينقص، ولكنني لا أستبعد أن هناك مبالغة جماهيرية عامة في استخدام الشبكات الاجتماعية والتعامل معها، وأن تراجعا في هذا الاستخدام قد يحصل، مما سيترك آثارا سريعة على المعلنين وعلى تقييم أرباح الشركات، وقد يقود فعلا لانفجار فقاعة الشبكات الاجتماعية في السوق الأميركية.
قبل أسابيع كتبت مقالا بعنوان "سوق ناشئ اسمه تحويل الشركات لكائن اجتماعي" والذي تناول استخدام الشركات التسويقي للشبكات الاجتماعية، ووعدت بمقال آخر عن مستقبل التسويق عبر الشبكات الاجتماعية، ولكنني أحسست أن التعرض للجدل حول مستقبل مواقع الشبكات الاجتماعية هي مقدمة هامة للحديث عن مستقبل التسويق.
التكنولوجيا تغير حياتنا بسرعة لا توصف، وهذا يأتي بالكثير من الظواهر السريعة التي تظهر وتختفي، كما تأتي بالكثير من المشكلات، لأنها تفقدنا القدرة على التأقلم التدريجي اجتماعيا وإنسانيا مع تلك الظواهر، مما يجعل كل النتائج متوقعا، هذا زاد أهمية الدراسات والتفكير المستقبلي في عالمنا اليوم، ولذا تطور علم المستقبل في السنوات الأخيرة كما لم يتطور من قبل، والقراءة في هذا المجال أصبحت لزاما على كل من يحاول فهم عالمنا الرقمي.
في النهاية الرهان على العمق الإيجابي لدى الإنسانية لمعالجة المشكلات و"الارتقاء" نحو عالم أفضل..!