يرى جورج جورفيتش G.Gurvitch سوسيولوجيا القرن التاسع عشر، إذا كانت، ربما تتميز بأحادية البعد فإن سوسيولوجيا القرن العشرين وقبل كل شيء متعددة الأبعاد، إنها سوسيولوجيا، العمق(1). وليس مصادفةً أن تتعدد ميادين السوسيولوجيا، لتعدد الظواهر الاجتماعية وتعقد المشاكل المعاصرة، التي صاحبت التطور الحضاري والصناعي للمجتمع البشري، وأضحت السوسيولوجيا علماً متعدد الاختصاصات ومن بين هذه الاختصاصات تحتل سوسيولوجيا التربية مكاناً مهماً لدورها الكبير في إعداد مستقبل المجتمعات الإنسانية. قال البروفيسو Jean Fourastié سنة: 1958 «Un pays sous développé est un pays sous-enseigné» معلناً بذلك الرباط القوي بين التربية والتقدم الحضاري، ويضيف أن البحث في التربية هو رأس مال مصير الإنسانية، والأطفال الذين يعتبرون حالياً الساكنة التعليمية يتم تحضيرهم لأعمال المستقبل من خلال التربية إلا أن أهميتها الاقتصادية تظهر للبعض الآن كميدان غير مربح، وتقدم التعليم لا يتوقف فقط على العوامل الديمغرافية، بل أيضاً على الظروف الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية والتي تعتبر فعلاً موضوع تحليل سوسيولوجيا التربية.
من هذا المنطلق أصبح ضرورياً الاحتفاظ لسوسيولوجيا التربية بدراسة مختصة ومحددة كسوسيولوجيا الاقتصاد، السياسية والدين وغيرها... وقد عرف بعض المتخصصين الأمريكيين هذا الميدان بكونه يبحث في تحديد طبيعة المجال الاجتماعي والسيكولوجي المكون من طرف المدرسة وقياس مدى تأثير هذا المجال على التلاميذ في كل مراحل تكوينهم: التحصيل المعرفي، تحسين السلوك أو تحضيرهم قيميا، وتقوم أيضاً بدراسة منظمة للعوامل المؤثرة خارجياً على المدرسة نفسها، آخذة منابعها سواء من خلال متطلبات مختلف المهن أو المتطلبات الحالية للمجتمع(2). كما أن هذه التربية المأمولة والتي تهدف إلى تعليم الطفل كيفية العيش والحياة والاندماج في المجتمع أكثر من تعليمه كيفية العمل الملقن داخل المدرسة، تظهر الآن، غير قادرة على أداء هذا الدور المنوط بها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المضمون الثقافي والاجتماعي الذي من خلاله يمكن أن يكون البناء فعالاً، وكل بحث علمي يجب أن يحدد موضوعه بدقة، رغم أن الخطاب العلمي المعاصر لم يعد أكثر صرامة حين يتعلق الأمر بالقطيعة الإبستمولوجية بين الفعل والمعرفة، وسوسيولوجيا التربية هي الميدان الأكثر ملائمة لدراسة ما نحن بصدده، وتتضمن مستويين: الأول: يحلل وظيفة المدرسة في إطار المجتمع والعلاقات التي توجد بين المدرسة والمجتمع، والثاني: يحلل المؤسسة التعليمية بصفتها مجتمعاً مصغراً، ويحاول إيجاد روابط العلاقات بين هذا المجتمع المصغر والمجتمع الكلي انطلاقاً من مشاكل مجسدة في المؤسسة المدرسية.
تهدف سوسيولوجيا التربية بصفة عامة إلى البحث في العلاقات بين النظام الخاص للتربية والمجتمع الكلي الذي تنتمي إليه، بكل جوانبه التنظيمية، التاريخية والإيديولوجية... وتسليط الضوء على تأثير هذا النظام على السيرورة التكوينية للجماعات والأفراد، في اكتساب المعرفة التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في الحراك الاجتماعي أو اللامساواة الاجتماعية، وتندرج في هذا الإطار دراسات كبار سوسيولوجيي التربية المعاصرين P.Bourdieu وJ.C.Passeron اللذين يريان في المدرسة آلة لإعادة إنتاج المجتمع الطبقي وتلعب دوراً في المحافظة على البنية الاجتماعية القائمة.
إن على السوسيولوجي أن يتذكر أنَّ مجاله هو دراسة مقارنة ووراثية للواقعة الاجتماعية كما يرى Gaston Richard. ويقوي ذلك بالمقارنة بين الأفكار البيداغوجية للأنظمة التربوية السائدة، وكذا اكتشاف قوى عميقة للتطور الاجتماعي في ميدان التربية، كما لا يجب إنكار التأثير المتبادل بين البنية الاقتصادية والاجتماعية والنظام التعليمي والأفكار الثقافية السائدة في المجتمع، وكل خلل في البنية الاجتماعية يعلن بشكل مباشر عدم كفاية الأنظمة التربوية، وأخطاء التوجيه الدراسي ونقص التكوين.
تحاول سوسيولوجيا التربية تبعاً لذلك إيجاد الحلول، أو على الأقل جعل كل ما يؤثر في المؤسسة المدرسية من بعيد أو قريب موضع تساؤل مستمر، أملاً، في إيجاد الصيغة التربوية الكفيلة للنهوض بمجتمع ما، وضمان فرص تعليمية متساوية لأبنائه، من أجل مستقبل أفضل وتفادياً لهفوات تربوية تعيق تنمية المجتمع وتؤثر سلباً في تنشئة اجتماعية سليمة للجيل الصاعد، إلا أن العمل من أجل ترسيخ هذه التربية الحديثة وتوفير شروط نجاعتها يتطلب جهداً كبيراً لصنع المستقبل المرتقب لأطفال يولدون اليوم، يقول عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم: «إن أسوأ صورة للمستقبل هي تلك التي تنتج عن الموقف السلبي من محاولة صنع المستقبل، موقف التخلي عن الإرادة الإنسانية، وترك الأحداث تصنع مستقبل الناس».
إن الهدف الحقيقي للتربية ومناهجها يجب أن يراعي بكل موضوعية حاجيات العدالة الاجتماعية لجعل العلم والتجربة يساهمان أكثر في فهمنا للطفل والفرد والمجتمع(3). وقد حددت المجموعة الفرنسية للتربية الحديثة (G.F.E.N) والتي يرأسها Gaston Mialaret، أهداف التربية في ثلاثة: أولاً على التربية الحديثة أن تتماشى والحياة الحاضرة، ثانياً: التربية الحديثة يجب أن يكون هدفها المستقبل الذي سيعيشه أطفال اليوم، ثالثاً: التربية الحديثة يجب أن تشارك في تحديد وخلق الإنسان ومجتمع الغد(4).
التربية في معناها العام هي فعل اجتماعي، وأكثر من ذلك تواصل أفكار، فن وتقنيات، إنها من أجل الكينونة والفكر ورد الفعل، والتربية تتضمن في عين السوسيولوجي سيرورة تثقيف Un processus d'acculturation ومن خلالها يتم تحديد ميكانيزمات الوظيفة التربوية للمجتمع وطرق إدماج الفرد في هذا المجتمع، إلا أننا لا يمكن أن نتحدث عن تربية فعالة إلا في مجتمع ديمقراطي حيث هناك توازن بين المتطلبات الاجتماعية وحقوق الأفراد، والديمقراطية كما يرى Emmanuel todd تتحقق تلقائياً في أي مجتمع حين تصل نسبة المتعلمين 70% حيث يصعب الحديث عن الديمقراطية في مجتمع أمي، إن التربية بهذا المفهوم تهدف إلى بناء مجتمع ديمقراطي وترفض مفهوم النظرة السلبية نحو المستقبل، إنها تريد خلق الإنسان القادر على مواجهة عالم الغد، ليس كائناً متفوقاً، وليس خاضعاً، ولكن إنساناً واعياً بسلطته، بمسؤولياته وحقوقه، إن التربية الحديثة لا تحمل حلولاً تطبيقية لكل المشاكل وإنما تبحث في طرق ووسائل حلها، وتلعب الأسرة والمدرسة دوراً ريادياً في ميدان التربية والتنشئة الاجتماعية، فالمؤسسة التعليمية لا يمكن فصلها عن المجتمع باعتبارها مؤسسة اجتماعية وهي بالتالي عكس Reflet لحالة اجتماعية، وأحد عوامل التحول الاجتماعي. والمجتمع هو المكان الذي يحتضن المدرسة، وفي نفس الوقت منبع التحفيز للطفل، وتغيير وإصلاح المدرسة لا يمكن أن يتم دون حدوث تغييرات اجتماعية، وكل نظام تربوي يجب أن يجيب عن سؤال رئيسي: أي نوع من الأفراد المكونين لأي نوع من المجتمع؟ وهو سؤال له علاقة وطيدة بنمط الإنتاج السائد.
إلا أنه في الدول الثالثية، تمارس الهيمنة الخارجية ضغطاً أيضاً على المستوى الثقافي، والأنظمة التعليمية في هاته البلدان ليست إبداعات محلية وإنما موروثة من العهد الكولونيالي، أو منقولة طبق الأصل لأنظمة الدولة المتقدمة، حيث لا تراعي الخصوصيات التي تميز كل مجتمع، مما يجعل المضامين والطرق المتبعة لا تلبي الحاجيات الحقيقية للأغلبية الساحقة لأبناء الشعب ولا تساعد على معرفة المشاكل ولا على حلها. يقول J.Bordua: إن كل جيل لا يتيح الفرص المقابلة وحل المشكلات الجديدة، بل يبدأ بالحلول الموروثة عن الأجداد وهذا هو السبب في أن الجهود العلاجية المبذولة تتقدم ببطء.
الهوامش :
(1) G-Guritch; la vocation actuelle de la sociologie; P.U.F. Parid; 1950. De. J. Ardoino. Edudation et Relation Bordas. Paris. 1? édit. 1980.
(2) P. Jaccard. Sociologie de L'éducation. P B Payot. Paris. 3? est. 1962.
(3) Définition propose par le ligue internationale d'éducation nouvelle, dans les premier s n? de pour l'ére nouvelle qui datent de janvier 1922.
(4) Publié sous la direction de Gaston Mialaret, Education nouvelle et monde moderne, P.U.F. Paris, ler edition 1966
إن على السوسيولوجي أن يتذكر أنَّ مجاله هو دراسة مقارنة ووراثية للواقعة الاجتماعية كما يرى Gaston Richard. ويقوي ذلك بالمقارنة بين الأفكار البيداغوجية للأنظمة التربوية السائدة، وكذا اكتشاف قوى عميقة للتطور الاجتماعي في ميدان التربية، كما لا يجب إنكار التأثير المتبادل بين البنية الاقتصادية والاجتماعية والنظام التعليمي والأفكار الثقافية السائدة في المجتمع، وكل خلل في البنية الاجتماعية يعلن بشكل مباشر عدم كفاية الأنظمة التربوية، وأخطاء التوجيه الدراسي ونقص التكوين.
تحاول سوسيولوجيا التربية تبعاً لذلك إيجاد الحلول، أو على الأقل جعل كل ما يؤثر في المؤسسة المدرسية من بعيد أو قريب موضع تساؤل مستمر، أملاً، في إيجاد الصيغة التربوية الكفيلة للنهوض بمجتمع ما، وضمان فرص تعليمية متساوية لأبنائه، من أجل مستقبل أفضل وتفادياً لهفوات تربوية تعيق تنمية المجتمع وتؤثر سلباً في تنشئة اجتماعية سليمة للجيل الصاعد، إلا أن العمل من أجل ترسيخ هذه التربية الحديثة وتوفير شروط نجاعتها يتطلب جهداً كبيراً لصنع المستقبل المرتقب لأطفال يولدون اليوم، يقول عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم: «إن أسوأ صورة للمستقبل هي تلك التي تنتج عن الموقف السلبي من محاولة صنع المستقبل، موقف التخلي عن الإرادة الإنسانية، وترك الأحداث تصنع مستقبل الناس».
إن الهدف الحقيقي للتربية ومناهجها يجب أن يراعي بكل موضوعية حاجيات العدالة الاجتماعية لجعل العلم والتجربة يساهمان أكثر في فهمنا للطفل والفرد والمجتمع(3). وقد حددت المجموعة الفرنسية للتربية الحديثة (G.F.E.N) والتي يرأسها Gaston Mialaret، أهداف التربية في ثلاثة: أولاً على التربية الحديثة أن تتماشى والحياة الحاضرة، ثانياً: التربية الحديثة يجب أن يكون هدفها المستقبل الذي سيعيشه أطفال اليوم، ثالثاً: التربية الحديثة يجب أن تشارك في تحديد وخلق الإنسان ومجتمع الغد(4).
التربية في معناها العام هي فعل اجتماعي، وأكثر من ذلك تواصل أفكار، فن وتقنيات، إنها من أجل الكينونة والفكر ورد الفعل، والتربية تتضمن في عين السوسيولوجي سيرورة تثقيف Un processus d'acculturation ومن خلالها يتم تحديد ميكانيزمات الوظيفة التربوية للمجتمع وطرق إدماج الفرد في هذا المجتمع، إلا أننا لا يمكن أن نتحدث عن تربية فعالة إلا في مجتمع ديمقراطي حيث هناك توازن بين المتطلبات الاجتماعية وحقوق الأفراد، والديمقراطية كما يرى Emmanuel todd تتحقق تلقائياً في أي مجتمع حين تصل نسبة المتعلمين 70% حيث يصعب الحديث عن الديمقراطية في مجتمع أمي، إن التربية بهذا المفهوم تهدف إلى بناء مجتمع ديمقراطي وترفض مفهوم النظرة السلبية نحو المستقبل، إنها تريد خلق الإنسان القادر على مواجهة عالم الغد، ليس كائناً متفوقاً، وليس خاضعاً، ولكن إنساناً واعياً بسلطته، بمسؤولياته وحقوقه، إن التربية الحديثة لا تحمل حلولاً تطبيقية لكل المشاكل وإنما تبحث في طرق ووسائل حلها، وتلعب الأسرة والمدرسة دوراً ريادياً في ميدان التربية والتنشئة الاجتماعية، فالمؤسسة التعليمية لا يمكن فصلها عن المجتمع باعتبارها مؤسسة اجتماعية وهي بالتالي عكس Reflet لحالة اجتماعية، وأحد عوامل التحول الاجتماعي. والمجتمع هو المكان الذي يحتضن المدرسة، وفي نفس الوقت منبع التحفيز للطفل، وتغيير وإصلاح المدرسة لا يمكن أن يتم دون حدوث تغييرات اجتماعية، وكل نظام تربوي يجب أن يجيب عن سؤال رئيسي: أي نوع من الأفراد المكونين لأي نوع من المجتمع؟ وهو سؤال له علاقة وطيدة بنمط الإنتاج السائد.
إلا أنه في الدول الثالثية، تمارس الهيمنة الخارجية ضغطاً أيضاً على المستوى الثقافي، والأنظمة التعليمية في هاته البلدان ليست إبداعات محلية وإنما موروثة من العهد الكولونيالي، أو منقولة طبق الأصل لأنظمة الدولة المتقدمة، حيث لا تراعي الخصوصيات التي تميز كل مجتمع، مما يجعل المضامين والطرق المتبعة لا تلبي الحاجيات الحقيقية للأغلبية الساحقة لأبناء الشعب ولا تساعد على معرفة المشاكل ولا على حلها. يقول J.Bordua: إن كل جيل لا يتيح الفرص المقابلة وحل المشكلات الجديدة، بل يبدأ بالحلول الموروثة عن الأجداد وهذا هو السبب في أن الجهود العلاجية المبذولة تتقدم ببطء.
الهوامش :
(1) G-Guritch; la vocation actuelle de la sociologie; P.U.F. Parid; 1950. De. J. Ardoino. Edudation et Relation Bordas. Paris. 1? édit. 1980.
(2) P. Jaccard. Sociologie de L'éducation. P B Payot. Paris. 3? est. 1962.
(3) Définition propose par le ligue internationale d'éducation nouvelle, dans les premier s n? de pour l'ére nouvelle qui datent de janvier 1922.
(4) Publié sous la direction de Gaston Mialaret, Education nouvelle et monde moderne, P.U.F. Paris, ler edition 1966