يعيش المتعلمون ظروفا لا تربوية قاسية ، فور إحساسهم بانعدام العدل داخل الفصول الدراسية ، مما يسبب لهم الكآبة ، ويؤدي بهم إلى النفور والثورة ، وأحيانا إلى العنف كتعبير سلبي عن الرفض وعدم الرضا .
إن العدل داخل الفصل شكل من أشكال احترام حقوق المتعلم ، فمتى أحسن هذا الأخير بأن حقه في التعلم محفوظ ، ومساواته مع غيره مضمونة ، تقل أسباب الثورة لديه وتنتفي دوافع العنف المضاد .
والعدل التربوي –إن صح هذا التعبير – يتخذ أشكالا عدة ، فيمكن تلمسه مثلا في تبادل الأفكار والمعلومات بين المدرس والمتعلمين بشكل عادل ونزيه ، في نطاق من الاحترام المتبادل لحق الغير في التعبير والمساواة. كما يمكن أن يتمظهر في حالة العقاب أو الزجر ، والعدل يكمن هنا في تفادي التحيز والتمييز أثناء معاقبة المتعلمين، إما لدواع اجتماعية أو عنصرية. فالمتعلمون الصغار أكثر ملاحظة لنوعية ردود أفعال المدرسين عند الزجر أو العقاب ، خاصة عند تشابه مخالفاتهم .
ما قلناه عن عدالة العقاب ، يمكن تعميمه على عدالة الجزاء والثواب ، فالمتعلم يحس بالحرمان والظلم عند انتفاء عدالة التوزيع لدى المدرسين ، توزيع التعزيزات والحوافز والعلامات وما يرتبط بها . فالمتعارف عليه والعادي جدا ، أن تكون العلامة الكبرى للمتفوقين والدنيا للمتعثرين ، والمساواة بينهما ظلم سافر لكليهما لوجود فروقات واقعية بينهما ، في الذكاء، والقدرات العقلية، والسلوك، ودرجات التركيز والانتباه ، إضافة إلى اختلاف الميولات والدوافع والرغبات .
على أنه يجب على المدرس في هذه الحالة أن يراعي هذه الفروقات أثناء بناء تعلماته ، محاولا تقليص الهوة بينها باختيار التقنيات البيداغوجية المناسبة والبرامج الأنجع في التنفيذ ، مع فتح المجال أمام الجميع لإبراز المكنونات وتطوير القدرات ، بعيدا عن نظام الامتيازات ، الذي يرمي المحرومين داخل الفصول في دوامة من البؤس والشقاء ، ويكدسهم في فئات متمردة ترفع صوتها ، عندما يبلغ السيل الزبى ، مطالبة بحقها في المساواة ، ويكون رد فعلها في البداية بالنقد الصامت الخفي ،الذي يتحول إلى اعتراض علني ، ثم تظاهر عفوي ، فإضراب سلمي محدود، يكون مثلا برفض المشاركة في الأنشطة والتفاعلات الصفية ، وقد ينتهي بالعنف حسب نوعية العلاج وكذا نوعية المتضررين، وبيئة تواجدهم، ودوافع ثورتهم .
إن إنصاف المتعلمين رهين بانجاز المدرسين لواجبهم التربوي على أكمل وجه، مؤثرين الواجب على الحق والمصلحة العامة على الخاصة ، ساهرين على تكريس مبدأ تكافؤ الفرص ، بل يفترض فيهم أن يتجاوزوا العدل بين المتعلمين إلى الإحسان إليهم ، وهذا لعمري السبيل الأمثل لتلطيف الأجواء المشحونة أصلا ، وتحبيب التعلم إلى قلوب النافرين المشمئزين .
إن إحساس المتعلم بالعدل داخل الفصل الدراسي، حلقة أولى من حلقات إعداده لتلمس العدالة الاجتماعية خارج أسوار المدرسة ، في البيت والشارع والمجتمع عموما ، مما يكفل له التمتع بالمواطنة الحقة ، ويضمن له السيادة والأمن والعيش الكريم .
أحمد السبكي المغرب .
إن إحساس المتعلم بالعدل داخل الفصل الدراسي، حلقة أولى من حلقات إعداده لتلمس العدالة الاجتماعية خارج أسوار المدرسة ، في البيت والشارع والمجتمع عموما ، مما يكفل له التمتع بالمواطنة الحقة ، ويضمن له السيادة والأمن والعيش الكريم .
أحمد السبكي المغرب .