مظاهر الخلل في الكتاب المدرسي:كتاب اللغة العربية للثانية بكالوريا آداب و علوم إنسانية نموذجا

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
khelladi.jpgد. عبدالرحيم الخلادي
تقديم:
يضطلع قطاع التربية و التكوين بأدوار طليعية للدفع بعجلة التقدم في كل الدول و لدى كل الأمم... لذلك لما استشعر المغرب ما آل إليه حال هذا القطاع من مكانة حضيضية دونية، تبنى شعار الإصلاح و أرفقه بالعديد من الإجراءات القانونية و العملية و البيداغوجية...الخ، ومن ضمنها تغيير المناهج و المقررات الدراسية. ففي مادة اللغة العربية استحضر الإصلاح التربوي بيداغوجيا الكفايات و نظام المجزوءات، رافعا شعارا مركزيا هو "الجودة" و مواكبة المستجدات الثقافية و الإبداعية و النقدية؛ فأنتجت ثلاثة كتب في مستوى الثانية بكالوريا، آداب و علوم إنسانية، سأحاول التوقف عند أهمها و هو كتاب "في رحاب اللغة العربية" (الدار العالمية للكتاب – مكتبة السلام الجديدة. طبعة 2007 )، لتتبع أهم مظاهر الخلل الكامنة فيه، أو المرتبطة به، في محاولة لتقديم أسئلة الإصلاح من زوايا أخرى  لا تقل أهمية عن غيرها...      
1)    الأخطاء المعرفية:
       من أبرز مظاهر الخلل الكامنة في الكتاب المدرسي إيراد معلومات خاطئة، أو تفسيرات تجانب الصواب، فتفسد فهم التلميذ المتلقي الأول للكتاب. تطالعنا هذه الأخطاء المعرفية منذ المدخل الأول، ففي الصفحة (12) وابتداء من السطر (11) نجد حديثا عن معايير القصيدة العربية الذي حددها الناقد المرزوقي في عمود الشعر، وفيه: (( و يمكن رد هذه المعايير حسب تعبير الناقد المرزوقي إلى ثلاثة أسس هي: شرف المعنى و صحته و جزالة اللفظ واستقامته و الإصابة في الوصف)). وهذا خطأ فادح، أولا لأن المرزوقي حدد سبعة معايير، يمكن العودة إليها في مقدمة شرحه لحماسة أبي تمام، ثانيا لأن هذه الثلاثة المذكورة ليست أهم من المعايير المتبقية كملاءمة المستعار منه للمستعار له، أو التحام أجزاء النظم والتئامها...الخ ثالثا هذا تمثل تجزيئي لنظرية عمود الشعر التي لا تقبل التجزيء في مثل هذا السياق الذي وردت فيه، و قد أسهب العديد من النقاد في بيان أهمية التكامل بين عناصر العمود مشبهين إياها بفقرات العمود الفقري أحيانا و بمواد البناء المتنوعة أحيانا أخرى...
إذا انتقلنا إلى الصفحة (78)، و ابتداء من السطر (14) نجد ما يلي: (( و تحدد أسباب ثورة رواد الشعر الحر على القافية في ثلاثة: أولا عدم القدرة على استعمال قافية واحدة (...) فإذا كان في وسع الشاعر الجاهلي أن يكتب قصيدة على قافية اللام مثلا، تتألف من ستين بيتا، فإن الشاعر الحديث لا يستطيع السير على هذا المنوال الرتيب، لعدم الحاجة إليه و تعارضه مع وظيفة الشعر في العصر الحديث)). يتضمن هذا المقتطف العديد من الأخطاء، أبرزها تقزيم الشاعر الحداثي و نعته بالقصور إلى درجة جعله غير قادر على توظيف قافية موحدة، مع العلم أن معظم شعراء تكسير البنية انطلقوا تقليديين ثم تحولوا إلى التحديث، ومن الأخطاء أيضا محاولة ربط عدم الاستطاعة بالقول (لعدم الحاجة إليه) و كلها تناقضات و أخطاء، سيصححها نص نازك الملائكة في الصفحة (80) الموالية، حين أكدت صاحبته أن الشاعر الحديث كان على علم بكل آليات الكتابة الشعرية القديمة، لكنه رفض الوقوف عند قافية موحدة تبدو شامخة تبني جدارا يصعب على المعنى أن يتخطاه، وقدمت مبررات فنية...
      ولننظر إلى نموذج آخر من الأخطاء ورد في الدعم و التقويم الخاص بالمجزوءة الأولى، إذ نجد زلة واضحة في السؤال الرابع الوارد في بداية الصفحة (75)، و الذي يقول: (( زاوج الكاتب بين أسلوب الاستفهام وأسلوب النداء، ما دلالة ذلك؟ )). يبدو السؤال مميزا و هادفا، لكن إذا عدنا إلى النص، فلن نعثر على أي أسلوب للنداء (وأساليب النداء معروفة كأساليب تخضع لمكونات محددة)، بل إن الزلة تتعاظم نظرا لوجود الأداة (يا) مرتين في البيت الرابع، و لكنها لا تفيد النداء لأنها تلعب هنا دور الأداة (كم) للتكثير... و ها هو المثال :
     فيا ما عثرت و ما من مقيل        و يا ما رجوت و ما من كرام
       وسأختم هذه الأخطاء المعرفية بالإشارة إلى وجود خلل واضح في بعض الشروح اللغوية المساعدة على فهم النصوص الأدبية، فمثلا في الصفحة (15) و بالإضافة إلى الخطإ في شكل كلمات (نضب – حسن المنظر) نجد كلمتين وردتا بالإضافة في النص هما ( تطريز الأغاريض) بحيث تم شرح الكلمة الأولى و هي الأوضح بالنسبة للتلميذ، وتركت الثانية التي تحتاج بالفعل إلى الشرح. ونفس الشيء حصل في الصفحة (66) حيث تم شرح كلمات سهلة مثل ( الخشوع – الصدى – المرام ) وتركت كلمات أولى بالشرح مثل ( الرمم – ربا عليين ).
       وبالانتقال إلى الصفحة (24) نجد في محور التفكيك من درس التعبير و الإنشاء ما يلي: (( اعتماد بحر الوافر و تفعيلته مفاعلتن تتكرر ست مرات في كل بيت)). وهذا خطأ سواء عدنا إلى العروض العربي  حيث لم يستعمل الشعراء هذا البحر إلا بصورة (مفاعلتن مفاعلتن فعولن ) أي بعروض و ضرب مقطوفين؛ أو عدنا إلى التقطيع العروضي للنص قيد الدراسة. و يتكرر هذا الخطأ أيضا في السطر العاشر من الصفحة (35)...
2) الأخطاء المنهجية:
       لعل أكبر مشكلات الكتاب المدرسي طريقة تمثل المفاهيم وأجرأتها، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث مستقل، لذلك سأواصل قراءتي شبه السطحية لعدد من مظاهر الخلل حتى تبدو واضحة للجميع...
       لقد افتتح الكتاب المدرسي بأخطاء منهجية، حيث نجد نص التقويم التشخيصي الذي يضطلع بوظيفة مهمة للتأسيس لمجزوءات المقرر، جاء بخلل منهجي نظرا للتنافر الشديد بين مقدمة النص و خاتمته، حيث توحي المقدمة بأن الإشكالية تتعلق بتمثل الحداثيين لمفهوم القديم و الجديد في علاقة بعمود الشعر،بينما عاد بنا النص إلى بعض الإشكالات القديمة المرتبطة ب (القديم و المحدث ) ، ثم ختم برأي باهت للمرزوقي، دون أن يلامس الموضوع المطروح في البداية. و إدا كان اختيار هذا النموذج قد جاء في سياق التذكير بنظرية عمود الشعر، فلماذا جيء بنص يطرح إشكالية في مقدمته ثم يتركها يتيمة دون أن يحرك من قضاياها شيئا. بل جاء النص عقيما يصدم التلميذ في أول حصة دراسية.
       يمكن أن نعتبر كذلك النص النظري "الفن القصصي" في الصفحة (143) مبتورا لأنه لم يختم بخاتمة ملائمة، إذ استعرض أهم الأسس الكلاسيكية للقصة، و انتقل إلى بعض مظاهر التجديد و التجريب، ليتوقف فجأة دون أدنى استنتاج. أما في الصفحتين (249 – 250 ) فقد عزل نص محمد مفتاح عن سياقه و تم اعتباره نموذجا للمنهج البنيوي، نعم إن ما ورد في هذا المقتطف يستعرض أهم محطات القراءة البنيوية (صوتيا و معجميا وتركيبيا...)، لكن الجزء المغيب يحيلنا على خارج النص أي خارج البنية، لأن تحليل الدكتور محمد مفتاح في هذا المضمار يمثل المنهج البنيوي السيميولوجي .
       من مظاهر الخلل المنهجي أيضا أن النصين اللذين تم اختيارهما في محور سؤال الذات، ورغم أنهما يختلفان في الموضوع بين شاعر يغلق غرفته و يغوص في ذاته، و آخر يخرج إلى الساحل دون أن يستطيع الخروج من ذاته؛ إلا أنهما يتشابهان في الخصائص الفنية إلى حد أن التلميذ يتصور و كأن التجربة الرومانسية تقوم على الشطرين المتساويين و نظام المقاطع مع وحدة القافية في كل مقطع و تعددها بين هذه الأخيرة...الخ، مما يضاعف مجهود الأستاذ لإفهام تلاميذه عكس هذا المعطى، ثم للبحث عن إطار زمني يستطيع أن يضيف فيه نصا آخر يختلف من حيث الخصائص الفنية، و منها الإيقاعية حيث توجد نصوص رومانسية تتباين أبياتها أو مقاطعها من حيث الطول بصورة محددة، و أخرى تلغي البياض بين الشطرين...الخ
       بعد نصوص سؤال الذات التي ظلت تغوص في الذاتية، و هذا أمر بديهي، ينتقل الكتاب إلى محور الشعر الحر، بدءا من تجربة تكسير البنية، بعد مدخل يلامس أبرز عوامل ظهور هذا الخطاب، و منها التأثر بالحداثة الغربية، ومخلفات نكبة 1948... الخ، ليتم الإتيان بنصين ( في الليل ص 89 – طيف ص 98 )  لا يبرحان يفارقان الذات إلى حد يجعل الأمور تختلط على المتعلم فيسأل بما يفيد الاحتجاج: أين هي المضامين الجديدة للشعر الحر؟ و أين هي أهم بصمات  التمرد و الثورة التي يتضافر في تحقيقها الشكل و المضمون؟  لقد كان الأحرى أن يتم اختيار نص ينطلق من الذات بهذه القوة- تجاوزا-  و آخر يعالج قضايا موضوعية، اجتماعية و قومية و دينية، يحمل الشاعر بصددها رؤية ما، تجعل التلميذ يلامس تجليات كون هذه التجربة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية و نكبة فلسطين، هي بالفعل تجربة التمرد والفعل والمشاركة...
       نفس الخلل نجده في محور "أشكال نثرية حديثة" حيث كان الأحرى هو اختيار قصة أولى تحمل المواصفات و المعايير الأساسية ( أو الكلاسيكية بصورة واضحة حتى يتعرفها المتعلم تطبيقيا، و قصة ثانية تمثل مظاهر الخروج عن هذه الأسس كانعكاس لتجربة التطوير و التجريب. و نفس الشيء ينطبق على النصين التطبيقيين للمسرحية.
       وتتعدد مظاهر الخلل المنهجي في درس التعبير و الإنشاء أيضا، أدرج منها هذا النموذج الوارد في الصفحة ( 151 ) حيث جعل المحور الثالث من التفكيك للرؤية السردية، و الرابع للشخصيات، بينما العكس هو الصحيح، لأننا يجب أن نتعرف أولا على الشخصيات  بمواصفاتها المتعددة ودرجات حضورها في الأحداث، قبل الحسم في مدى تساوي أو تفاوت معرفتها بمعرفة السارد، بل لا يمكن الحديث عن هذا قبل التعرف على موقع الحوار في النص بأبعاده ووظائفه...
       وبالعودة إلى الكتب الثلاثة، فإن الخلل واضح فيها جميعا من الناحية المنهجية، فرغم تبنيها لبيداغوجيا الكفايات، إلا أنها لم تلتزم بما تفرضه هذه البيداغوجيا من وضع المتعلم أمام وضعيات تنتقل من الأسهل إلى الأصعب، و هو ما يربك الأستاذ نفسه إذا كان مجتهدا يريد ملامسة هذه الكفايات بصورة متقنة.

3) مطبات الدرس اللغوي:
       في الحقيقة لست أدري ما الهدف الذي يمكن أن يحققه المنهاج الجديد من إغراقه الكتاب المدرسي بهذا الكم الهائل من الدروس في مكون "الدرس اللغوي"؟...؟
       هذا من جهة، من جهة أخرى يمكن وضع اليد على العديد من مظاهر الخلل في هذا الكتاب، لعل أولها عدم استثمار بعض النماذج من مكون النصوص، لأن اللغة العربية تشكل وحدة متكاملة، وقد دعت التوجيهات التربوية إلى جعل الدرس اللغوي درسا وظيفيا بالدرجة الأولى، وذلك بالانطلاق من الدروس القرائية لرصد الظاهرة، ثم الاستعانة بنصوص أخرى منتقاة للإلمام بها...  لكننا لا نعثر إلا على نموذج وحيد ورد في درس "الصورة الشعرية: مكوناتها 1 " في الصفحة ( 41 )، و هو مقتطف من نص " أريج المسك " لابن إبراهيم.
       أما بخصوص الخلاصات التي توضع للدروس، فتبقى بدون أهمية، لأن الملاحظات والشروح إذا ما كانت موفقة، و أتبعت بالاستنتاجات الجزئية، كانت كافية، لذا ينبغي أن تكون الخلاصة مركزة و ألا تكون مجرد إسهاب و إطناب لا فائدة منهما.
       من جهة أخرى توجد أخطاء في كتابة الأبيات الشعرية، مثلا في المثال الأول من الصفحة ( 30 ) في "درس التكرار" ينتهي الشطر الأول بكلمة ( قلبي )، و إذا قمنا بالتقطيع العروضي نجد أن البحر المعتمد هو " الخفيف "، لذا وجب أن تنقسم الكلمة بين الشطرين (قلـ) في نهاية الشطر الأول و (ــبي ) في بداية الشطر الثاني. ونفس الشيء في البيتين المواليين: ( الولـــ ) – ( ــهى )، ( نفـــ ) – ( ــسي ). كما أضيفت في البيت الثالث ( يا ) النداء خطأ، ويجب أن تحذف حتى يستقيم الوزن. و في المثال الرابع كلمة ( العشب ) يجب أن تبقى منها ( الـــ ) في الشطر الأول و تنتقل ( ـــعشب ) إلى الشطر الموالي. و ينبغي فك تنوين النون في ( النهر ) في البيت الرابع، فتبقى النون الساكنة في الشطر الأول و المتحركة في الثاني، بمعنى أن توضع النون بين الشطرين. وتوجد أخطاء أخرى منها البيت الأول من المثال الثالث، حيث سقط ما يقابل تفعيلة ( فاعلن ) الأولى لأن الأبيات من البسيط، و لم أستطع الوقوف على ما سقط من كلام هنا، و كان الأفضل أن نتفادى مثل هذا النموذج. وسقطت كلمة (ها ) من بيت علال الفاسي في قوله ( فكل ما ها هنا... ) في الصفحة ( 41 ). كما وردت أخطاء في شكل الكلمات في العديد من الأمثلة و الدروس، و نحن نعرف أهمية الشكل بالنسبة إلى الشعر.
       أشير أيضا  إلى نماذج أخرى من الخلل، مثل الاستنتاج الذي وضع لجزء من "درس التوازي "، حيث نجد في الصفحة ( 20 ) : " التوازي نوعان: ..." في حين أن المقصود هو ( التوازي التركيبي نوعان ) هما التام و الجزئي. و قد ورد خطأ في تعريف التجريد في جدول الصفحة ( 43 )، حيث نجد: (( خلع صفات معنوية على المحسوسات، مما يؤدي إلى انتفاء الفروق بين ما هو حسي و ما هو مادي))، لأن الحسي في مجال الصورة الشعرية هو المادي، لذلك فالصواب هنا هو (( انتفاء الفروق بين ما هو حسي وما هو مجرد أو معنوي )).
       ونعثر على خلل في اختيار النموذج المعبر عن الحالة المدروسة في درس "الوقفة العروضية و الدلالية" في الصفحة ( 102 )، في المثال الثاني، للشاعر محمد الخمار الكنوني؛ ذلك أن الشرح المقدم بكون الشاعر ختم السطر الأول بلفظة ( يحيا) يقول: (( ختم السطر الأول بلفظة يحيا مغلبا بذلك الوقفة العروضية على حساب الدلالة و التركيب، و مرد ذلك إلى أن المستوى المعنوي و الدلالي و التركيبي قد انتهى، بينما التفعيلة في بعدها العروضي لم تستوف عناصرها بعد، مما جعل الشاعر يلحق فعل "يحيا" بالسطر الأول)). لكن الحقيقة أن الشاعر و رغم إلحاق هذا الفعل إلا أن التفعيلة لم تكتمل إذ يفتتح السطر الموالي بحركة وساكن هما تتمة التفعيلة، لأن الشاعر يوظف هنا تفعيلة موحدة هي (مفاعلتن) مع ما يلحقها من تغييرات. هذا إضافة إلى الخطإ في شكل كلمة (مقعدي)...

4) مظاهر أخرى:
       قبل ختم هذا المقال أود أن أشير إلى مظاهر من الأخطاء، يمكن أن تدرج بعضها تحت الأخطاء المطبعية. منها سقوط كلمة (جرى) من مطلع قصيدة البارودي في الصفحة (26) لأن الصواب هو (لكل دمع جرى من مقلة سبب...)، ويعتبر المطلع مهما لأنه أول جزء نفكر في تقطيعه عروضيا للتعرف على البحر الشعري. و في الصفحة (34) نجد عنوانا هو (تحليل بنية النص البلاغية و الإيقاعية) ولم تندرج تحت هذا العنوان أي معلومة حول الإيقاع، إلى أن يظهر عنوان مواز له.. و إذا عدنا إلى الصفحة (11) فهناك خطأ في تحديد سنة حدوث حملة نابليون على مصر (1789) بينما الصواب هو 1798. أما بالعودة إلى التقويم التشخيصي فنجد في السؤال الرابع من الصفحة (9): (أوضح رأي أبي العلاء المعري في الشعراء المحدثين) إذ ليس المقصود هو الشاعر العباسي الشهير، بل عالم اللغة المعروف أبو عمرو ابن العلاء.
       في الصفحة (77) يتحدث المدخل عن كون نازك الملائكة حصرت الأصول الإيقاعية للشعر الحر في التفعيلة، و حددت الأبحر التي يمكن للشعر الحر توظيفها، و تم وضع نقطتين للتفسير، يعني المقصود بذلك هو ( البحور ذات التفعيلة الواحدة المكررة في كل شطر، أو البحور التي تتنوع تفعيلاتها)، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذا التفسير، اللهم إذا كان هناك مظهر ثالث في العروض العربي لا يعرفه إلا الكتاب المدرسي.
       أعود إلى فكرة طرحتها من قبل و هي أن الكتاب المدرسي يعج بالدروس اللغوية إلى حد التخمة، فحين جاءت فكرة تقليص محتوى هذا المكون، صدرت المذكرة الوزارية رقم (157) بتاريخ 10 نونبر 2009 ، تقرر حذف درس من الدورة الأولى و درسين من الدورة الثانية، فتم اقتراف خطإ جسيم بحذف درس "شعرية اللغة"، إذ لا يمكن أن يتصور عاقل في الدنيا أن يحوي مقرر السنة الشعر الحر ويتم حذف هذا الدرس المتعلق بالانزياح، و الذي يعد أهم سمة يجب على التلميذ أن يتعرفها و يفهم آلياتها. و كان الأجدر أن يحذف من الدروس الأولى للصورة الشعرية لتجعل مدخلا لدراسة وظائفها، أو غير ذلك، كما يمكن جعل درسي السطر الشعري و المقطع الشعري في درس واحد... الخ
خاتمة:
       ختاما أؤكد بأني تعمدت استنطاق هذا الكتاب "في رحاب اللغة العربية" لأنه يعد أفضل من غيره، لذلك وجبت الإشارة إلى أنه ليس في نيتي الإساءة إلى المؤلفين الذين أقدر مجهوداتهم و أحترمهم. و لعل التركيز على بعض مكامن الخلل في الكتاب ليس جحودا بما فيه من أفضال... لكن أردت أن أجعل هذا منطلقا لطرح أسئلة أكبر، إذ ما الجديد الذي يحمله هذا المقرر الجديد ؟
       إن هناك تراجعا على مستوى الجودة و التنوع وطرائق العرض و التحليل. وإذا كانت مواكبة المستجدات من أهم أسس المقرر الجديد، فأين هي الأجناس الأدبية الجديدة كقصيدة النثر و الأدب الرقمي...؟ وأين هي منظومة القيم التي يجب أن ترافق هذا المقرر بصيغ مباشرة أو غير مباشرة كالقيم الوطنية و الإسلامية و الإنسانية، وقيم التنوع و الحوار والتسامح و الحوار و الحداثة...؟ تتداعى الأسئلة لتصل إلى جوانب أخرى: ما العوامل المتحكمة في إنجاز الكتاب المدرسي؟ و ما هو الحيز الزمني  والإطار العلمي المحددين له؟ وما هي المعايير المعتمدة في اختيار لجان التأليف؟... أسئلة و غيرها إذا أجبنا عليها بصدق ووطنية يمكن أن نضع قاطرة الإصلاح على سكتها الصحيحة.


  د. عبدالرحيم الخلادي
أستاذ و باحث – أكادير

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟