بيداغوجيا الإدماج(*) ـ إعداد د. محمد حالي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

integrationمقدمــــة
تعرف المجتمعات المعاصرة، محليا ووطنيا ودوليا، تحولات متسارعة في مجالات المعرفة والتشريع والقيم والتقنيات والإنتاج، مما يجعل التجديد التربوي ضرورة ملحة حتى تستمر المدرسة في أداء وظيفتها المتمثلة في المحافظة على التراث ونقله للأجيال وتكوين الأفراد وتمكينهم من تحقيق تكيف إيجابي في مجتمعاتهم، وحتى تواكب تحولات الوسط الاجتماعي وتستجيب للمنافسة الحادة بين الأمم والمجتمعات. ويعتبر تأهيل العنصر البشري من خلال تحسين جودة خدمات قطاع التربية والتكوين وسيلة المدرسة لتحقيق هذا الرهان. وإذا كانت مسألة بناء المناهج التعليمية وتخطيط مكوناتها على أسس سليمة ومتابعتها من أولويات المراجعة والتجديد في كل نظام تربوي، فإن من واجب البيداغوجيا الحديثة كفكر نظري وتطبيقي دراسة النظام التربوي لإيجاد أفكار فعالة علمية وعملية موجِّهة للممارسة اليومية للعملية التعليمية- التعلمية لتحقيق الغايات والكفايات المستهدفة.
تعتبر بيداغوجيا الإدماج في بلادنا إطارا منهجيا لتطبيق المقاربة بالكفايات، تماشيا مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتنفيذا للمخطط الاستعجالي. والحديث عن بيداغوجيا الإدماج لا يتأتى ولن يستقيم بدون طرح بعض التساؤلات ومحاولة الإجابة عنها من قبيل:

ما هو السياق العام الذي ظهرت فيه هذه البيداغوجيا الموسومة ببيداغوجيا الإدماج والذي تم تبنيها في إطاره ببلادنا ؟ ما علاقتها بالمقاربة بالكفايات؟ ما هي أهم مفاهيم وآليات اشتغال هذه البيداغوجيا ؟ وكيف يمكن أجرأتها إلى خطوات عملية تغني الممارسة التربوية داخل الفصل الدراسي وتمكن ناشئتنا من التكيف الإيجابي مع المحيط الجتماعي والانخراط الفاعل في قضايا المجتمع المحلي والدولي؟
1- السياق العام لظهور وتبني بيداغوجيا الإدماج ببلادنا
تضمنت وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الخطوط العريضة للفلسفة التربوية الموجِّهة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وحددت بذلك ملامح شخصية المواطن المرغوب في تكوينه في الغايات والمثل العليا التي تجعل منه مواطنا وإنسانا متفاعلا مع قضايا المجتمع الدولي من حوله. وانسجاما مع هذه القيم فإن "الوثيقة الإطار للاختيارات والتوجهات التربوية" كجزء من الكتاب الأبيض،  رسمت الغايات الكبرى التي عملت المناهج التربوية على أجرأتها وترجمتها إلى كفايات معرفية، ومنهجية، وإلى اتجاهات ومواقف ينتظر أن يكتسبها المتعلمون. وتنبع هذه الغايات والمواقف من الحاجات المتجددة للمجتمع المغربي، ومن الحاجيات الشخصية للمتعلمين(1). وقد أدى صدور هذه الوثائق وغيرها من النصوص التي جاءت لتفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى إطلاق أوراش واسعة ضمن مسلسل الإصلاح والتجديد التربوي في المدرسة المغربية، تمثلت أساسا في منتديات الإصلاح التي كانت تروم تحقيق تعبئة الممارسين في الحقل التربوي وضمان انخراطهم في الدينامية الجديدة للإصلاح والتجديد التربوي الذي تبنى مقاربة الكفايات في مراجعة مناهج التربية والتكوين بدلا من النموذج السلوكي القائم على الأهداف التربوية والذي أبان عن حدوده. وقد قررت وزارة التربية الوطنية تطبيق بيداغوجيا الإدماج باعتبارها إطارا منهجيا لتطبيق المقاربة بالكفايات، وذلك تماشيا مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتنفيذا للبرنامج الاستعجالي(2)، الذي يمتد على مدى أربع سنوات 2009- 2012، والذي اعتمد في صياغته على التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها، الصادر عن المجلس الأعلى للتعليم سنة 8 200(3)، وبعد مرحلة تجريبية لبيداغوجيا الإدماج انطلقت مع الموسم الدراسي 2008-2009 في عينة من المدارس الابتدائية في أكاديميتين اثنتين، تلتها مرحلة تعميم المخطط التجريبي خلال الموسم الدراسي 2009-2010 على مختلف الأكاديميات، على أن تعمم التجربة لتشمل كافة المؤسسات التعليمية، بعد تقييم المراحل التجريبية، ومراجعة العدة البيداغوجية، بما فيها مناهج التربية والتكوين(4)، وتوسيع قاعدة التكوين الأساسي والمستمر، وتسريع وتيرته قصد خلخلة البنيات البيداغوجية السائدة وضمان تعبئة وانخراط الفاعلين في مجال التربية والتكوين في هذا المشروع البيداغوجي الطموح، الذي يستجيب للانتظارات الرامية إلى رد الاعتبار للمدرسة الوطنية، وجعلها قاطرة التنمية المستدامة ببلادنا.
2- حدود بيداغوجيا الأهداف
نقرأ في ديباجة المخطط الاستعجالي 2009-2012 أن المبدأ الجوهري لهذا البرنامج حُدِّد:" في جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين مع تسخير باقي الدعامات الأخرى لخدمته"(5)، مما لا يدع شكا في أن الإصلاح التربوي الجديد شأنه في ذلك شأن كل مشاريع التجديد التربوي عبر العالم، اعتبر المتعلم محور العملية التعليمية- التعلمية، ولعل التحول الأكثر بروزا في المشهد التربوي المعاصر- فيما ذهب إليه د. محمد الدريج- يكمن في السعي نحو نشر فكرة ضرورة تمحور التعليم على المتعلم ذاته، هذا التمركز حول المتعلم ، خاصة عندما يتشخص فيما يعرف بالتعلم الذاتي, يعني أن التلميذ هو الذي يبني معلوماته وعلمه وأن لا أحد يمكن أن يحل محله و أن يعوضه في هذه العملية. غير أن ذلك لا يعني تهميش دور المدرس، بل بالعكس، إن المدرس يعمل باستمرار على اكتشاف أخطاء التلاميذ في منطقهم الخاص وفي أسلوبهم في التفكير وفي أدائهم و إنتاجاتهم الشخصية. والكشف عن دلالات تلك الأخطاء و بالتالي عن كيفية إصلاحها و تجاوزها(6).
يندرج نموذج التدريس بالأهداف ضمن البيداغوجيات الفعالة التي تتمحور حول المتعلم وأداءاته التي تتجلى في شكل سلوكات قابلة للملاحظة والقياس، ويستند تصور بيداغوجيا الأهداف إلى ثلاثة مبادئ أساسية وهي: 1- العقلنة أي التنظيم المنطقي والنسقي للفعل الديداكتيكي لبلوغ أهداف محددة، وإخضاعه لطرق الفحص الموضوعية والتجريب؛ 2- الفعالية وتعني توظيف الوسائل التي تمكن من تحقيق النتائج المرجوة عن طريق التدخل المستمر لتصحيح المسار وضبطه وسد ثغراته؛ 3- المردودية وتعني أن فعالية التعليم تقاس بالنتائج المحصل عليها والتي تقدم معلومات حول نجاعة الوسائل المعتمدة في بلوغ الأهداف المرجوة(7). هكذا يتضح أن نموذج التدريس بالأهداف يتمركز حول تعديل سلوكات المتعلم من خلال أنشطة ديداكتيكية، وبالتالي تجزيء الفعل الديداكتيكي إلى سلوكات قابلة للتحديد والقياس وذلك بتأثير من الاتجاه السلوكي(8). وقد سجلت عدة مآخذ على "التدريس الهادف" كطغيان تلك العلاقة الميكانيكية بين المثيرات والاستجابات الحاصلة عنها على الفعل الديداكتيكي، وتجزيء وحدات التعلم إلى مكونات عدة بدءا من الأهداف العامة للمادة التعليمية إلى الأهداف الإجرائية، مما كان له تأثير سلبي على البنية العقلية للمتعلم الذي يجد نفسه في الأخير أسير أفعال وردود أفعال، تنتج عنها بالضرورة، لكنها تبقى مفتتة ومنعزلة، ومن ثم فبالرغم من تعلمه مهارات محدودة، فإن تعلماته المعرفية  لا تتلاءم و طبيعة المشاكل والوضعيات التي يصادفها في حياته، وبالتالي تبقى الرساميل التي  راكمها عبر مساره التعلمي رساميل نائمة. مما استلزم التفكير ليس في إحداث قطيعة مع نموذج "التدريس الهادف"، بل في كيفيات وسبل مد الجسور بين المنتوج المدرسي من جهة ومتطلبات الحياة العملية للمتعلم من جهة أخرى، وما سيصادفه هذا المتعلم مستقبلا من وضعيات  وإشكالات(9). إن كثرة الأهداف وتجزيئ المضامين إلى حد يفقدها دلالتها لدى المتعلم، بحيث لا يجد لها صلة بحياته اليومية، لا يمكن أن يكون مبررا كافيا لتجاوز بيداغوجيا الأهداف بشكل مطلق، فالمقاربة بالكفايات لا تلغيها بل تستند إلى إيجابياتها لتغنيها(10).
3- المقاربة بالكفايات
في ضوء المقاربة المتمركزة حول نمو شخصية المتعلم، ينطلق النموذج البيداغوجي من مبدإ اعتبار الشخصية الإنسانية شخصية متحررة في جوهرها من أية ضغوط خارجية، وأنها قادرة على تحقيق ذاتها بذاتها، وعلى التطور والنمو، وبالتالي فهي قادرة على التعلم الذاتي، وهذه المرجعية تنسجم مع بيداغوجيا الكفايات(11).
وقبل الحديث عن بيداغوجيا الكفايات، يجدر بنا تعريف مصطلح الكفايات.
1.3 - مفهوم الكفايات
يطرح گزافيي روجيرس Xavier Roegiers  في كتابه: (2006) La pédagogie de l’intégration en bref السؤال الموالي: ما معنى الكفاية؟ ويحددها بقوله: نقول عن فلان إنه كفء ليس فقط لأنه يمتلك بعض المكتسبات (معارف، مهارات، إجراءات، مواقف، إلخ...) ولكن بصفة خاصة عندما يعبئ مكتسباته تلك بطريقة ملموسة لحل وضعية إشكالية محددة. ويضيف: بشكل أدق الكفاية هي "إمكانية تعبئة مجموعة مندمجة من الموارد من طرف الفرد لأجل حل وضعية- مشكلة تنتمي إلى عائلة من الوضعيات"( Roegiers, 2000)، والحديث عن الكفايات يفترض أن نستحضر في نفس الوقت: -الموارد، أي المعارف والمهارات والمواقف التي سيقوم التلميذ بتعبئتها؛ - ثم الوضعيات التي ينبغي أن يعبئ التلميذ موارده في إطارها (12).
بينما ذهب د. محمد الدريج إلى اعتبار الكفايات تشكيلة من قدرات معرفية ومهارية ووجدانية، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على توظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها  بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة، وأضاف أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة الملحة في تمكين التلميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل والتحويل(13). أما " قاموس بيداغوجيا الإدماج" الصادر عن "المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب"، فإنه يترجم عن گزافيي روجيرس في كتابه(2004) l’école et l’évaluation مفهوم الكفاية، ونقرأ فيه مايلي: "الكفاية هي الإمكانية ، لتلميذ ، لتحريك مجموع المعارف، المهارات والسلوك لحل الوضعيات"(14)، ويعرفها ذ. عبد الكريم غريب في مؤلفه " بيداغوجيا الكفايات" :" على أنها هدف- مرمى Cible للتكوين المتمركز حول تكوين قدرة المتعلم، بشكل مستقل، من أجل التحديد والحل الناجع للمشاكل الخاصة بنمط وضعيات وباعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية مدمجة وملائمة"(15).
استنادا إلى هذه التعاريف، ودون الدخول في تحليل مضامينها، يمكن القول أن الكفايات في المجال البيداغوجي، هي قدرات ومؤهلات واستعدادات شخصية، تمكن المتعلمين من تعبئة مكتسباتهم المعرفية ومهاراتهم ومواقفهم، لإيجاد حلول لوضعيات إشكالية أو وضعيات مركبة وُجدوا أمامها، في سياقات تعلمية أو غير تعلمية (أي متصلة بحياتهم العامة). والوضعية- المشكلة أو الوضعية- المركبة هي وضعية تستدعي إدماج موارد سبق تعلمها من قبل التلاميذ، لكن في سياق مغاير، بهدف حلها. غير أن الإدماج ها هنا ليس تطبيقا بسيطا لموارد ومكتسبات سابقة كالمعارف والمهارات، بل هو تكييف جديد للمكتسبات والخبرات السابقة مع وضعية- مشكلة لتجاوزها، مما يمكن التلاميذ من حسن التكيف والاندماج في محيطهم المدرسي والاجتماعي. وبهذه الكيفية تصبح التعلمات المدرسية ذات معنى، وتتحقق الغاية المثلى لكل منظومة تربوية والمتمثلة في الإعداد للحياة، أي أن الكفايات لا تنتهي بانتهاء التعلمات، بل إن بيداغوجيا الكفايات تركز على أثر التعلم وامتداداته في حياة المتعلمين العامة والعملية والمهنية. وبالتالي فإن هذه البيداغوجيا تطمح إلى تثمين العنصر البشري من خلال تكوين أفراد قادرين على تعبئة امتدادات تعلماتهم وتكويناتهم لتحقيق اندماج اجتماعي إيجابي عبر مختلف مراحل حياتهم، والإسهام في التنمية المستدامة لمحيطهم الاجتماعي.
2.3- الكفايت المستعرضة والأساسية
1.2.3- الكفايت المستعرضة
ذهب گزافيي روجيرس  Xavier Roegiers في الورقة التي قدمها المكتب الدولي للتربية والتكوين (BIEF) ببلجيكا، في شهر شتنبر 2005، إلى " المنتدى حول المقاربة بالكفايات" الذي نظمه المكتب الدولي للتربية التابع لليونيسكو (BIE/UNESCO) إلى القول بإنه من الخطأ الاعتقاد بوجود نموذج واحد لبيداغوجيا الكفايات في مجال المناهج التربوية، فهناك مقاربات متعددة، وهو يقدم منها اثنتين غير متعارضتين برغم اختلافهما من حيث الأولويات التي ترمي إليها كل منهما:
المقاربة الأولى تقوم على:
1- تنمية الكفايات المستعرضة في المدرسة، وهي تستهدف متعلمين لا يعانون إشكالات متصلة بالمكتسبات الأساسية، وهي تروم إعادة توجيه التعلمات بجعلها تعلمات نشطة؛ فبدل الخضوع لدروس إلقائية، يجد المتعلمون أنفسهم مدعوين إلى حل وضعيات- مشكلات، وتقوم التعلمات على الطرق الفعالة.      2- إدماج الكفايات المرتبطة بالحياة في التعلمات الصفية وداخل الحياة المدرسية.
3- إيلاء أهمية بالغة للعلاقات التفاعلية بين المواد الدراسية.
إنها مقاربة غنية وطموحة يطبقها مدرسون ذوو كفاءات مهنية عالية في فصول دراسية بأعداد منخفضة من المتعلمين و بفضاءات مناسبة وعدة ملائمة، وبالتالي فإن هذه البيداغوجيا تنجح في الأوساط المحظوظة ذات الإمكانات والوسائل المادية الكبرى، مما يجعلها وسيلة لتوسيع النخبوية في البلدان الفقيرة والسائرة في طريق النمو، وأداة لتعميق الفوارق بين الأوساط والمجالات والفئات الاجتماعية المحظوظة وغيرها. كما تصبح مهمة تقويم مكتسبات المتعلمين عملية جد صعبة ومن ثم استحالة معالجة الصعوبات التي تعترض المتعلمين المتعثرين. إضافة إلى أن هذه المقاربة بالكفايات المستعرضة لا توفر أي جواب حول نوعية مكتسبات المتعلمين وعلاقتها بحياتهم الخاصة، إذ تغادر أغلبية المتعلمين المدرسة وهم غير قادرين على استعمال ما تعلموه بطريقة ناجعة، وغير مؤهلين بالتالي للاندماج في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لبلادهم(16).
من خلال رؤية گزافيي روجيرس Xavier Roegiers ، يمكن القول بأن الكفايات المستعرضة قدرات يطورها المتعلمون ويكتسبونها انطلاقا من مناهج مواد دراسية متعددة وخلال مراحل تعليمية- تعلمية تمتد على فترات طويلة قد تطال المسار التعليمي- التعلمي للمتعلم بأكمله، واستنادا إلى طرق تعليمية- تعلمية نشطة وفعالة. ويمكن أن نضرب لها مثلا بالكفايات المتصلة باكتساب الخطوات العقلية والمنهجية والإجرائية للمنهج العلمي. وتشترط الكفايات المستعرضة في المتعلمين ضرورة اكتساب القدرة على توظيف الكفايات الأساسية التي يتم تطويرها عبر مناهج المواد الدراسية المختلفة، كما يرتبط توظيف الكفايات المستعرضة بسياقات ووضعيات تعلمية، وغير تعلمية أي متصلة بحياة المتعلمين ما بعد المدرسة. ونادرا ما تخضع عناصر هذه الكفايات للتقويم أثناء تنفيذ المناهج الدراسية المعتادة، وبالتالي يصعب اكتشاف أخطاء المتعلمين ومعالجتها، ومن ها هنا يمكن أن نستنتج أنها بيداغوجيا صالحة لأنظمة تربوية متطورة، يؤدي تطبيقها في الأوساط الاجتماعية الفقيرة والهشة إلى تعميق الفوارق بين المتعلمين الذين يمتلكون الكفايات الأولية المرتبطة بالمواد الدراسية، وزملائهم المتعثرين في نفس الصفوف الدراسية، ومن ثم فهي بيداغوجيا تعمق النخبوية والفوارق الاجتماعية والمجالية. وهو ما يجعلنا نخلص إلى نعت بيداغوجيا الكفايات المستعرضة بغير المنصفة.
2.2.3- المقاربة بالكفايات الأساسية / بيداغوجيا الإدماج
-1.2.2.3 المفاهيم الأساسية في المقاربة بالكفايات الأساسية
1.1.2.2.3- الموارد
هي بصفة خاصة المعارف والمهارات والمواقف الضرورية للتلميذ حتى يتمكن من التحكم في كفاية ما. وتنبثق هذه الموارد عن التعلمات التي يستفيد منها المتعلم في المدرسة، والتي تتخذ من هذه الموارد موضوعا لها، سواء أكانت تلك التعلمات تتم بطريقة تقليدية أم عبر وضعيات- مشكلات ديداكتيكية، يوضع من خلالها المتعلم في مركز التعلمات, وهناك موارد أخرى يتم استدعاؤها من قبل المتعلم انطلاقا من تجاربه أو في شكل إجراءات تلقائية .وزيادة على الموارد الداخلية الخاصة بالمتعلم أو بصفة عامة بمن يطور الكفاية، هناك موارد خارجية ضرورية لتنفيذ الكفاية، ومن جملتها الموارد والوسائل المادية(17).
2.1.2.2.3- مفهوم الوضعية "الهدف"
الوضعية "الهدف" هي وضعية تعتبر انعكاسا للكفاية المراد تمكين التلميذ منها، ويمكن أن تكون بمثابة الفرصة السانحة لممارسة الكفاية، أو كفرصة لتقويم الكفاية. في إطار المقاربة بالكفايات الأساسية، عندما نتكلم عن الوضعيات، نقصد الوضعيات "الأهداف"، نتحدث عن وضعيات إعادة الاستثمار، عن وضعيات الإدماج (كل هذه العبارات هي مرادفات)، وهذا من أجل حسن تمييزها عن الوضعيات الديداكتيكية التي تتجلى وظيفتها في تطوير تعلمات جديدة خاصة بالمفاهيم، والمهارات، إلخ. بعض الكتاب يستعملون عبارة "مهمة مركبة" لتمييز وضعية "هدف". إنها عبارة مهمة - في رأي گزافيي روجيرس Xavier Roegiers- لكنها غير كافية للتمييز بين مهمة تعد فرصة لاكتساب معارف ومهارات جديدة في إطار جماعة الفصل (وضعية- مشكلة ديداكتيكية) ومهمة مستهدفة عند نهاية مجموعة من التعلمات الصرفة لأن هذه المهمة الثانية تمثل كفاية ينبغي اكتسابها (كفاية "هدف"). إن هذه الوضعيات " الأهداف" هي وضعيات- مشكلات مركبة، وليست تمرينا بسيطا(18).
3.1.2.2.3- مفهوم عائلة الوضعيات
كل كفاية ترتبط بعائلة من الوضعيات- المشكلات. إنها مجموعة من الوضعيات " الأهداف" تشكل كل منها فرصة لممارسة الكفاية: فرصة ذات مستوى كافي من التعقيد (في شروط واقعية)، غير أن هذا المستوى لا ينبغي أن يتجاوز الحد المنتظر. كل هذه الوضعيات هي معادلة لبعضها البعض، ومُتعاوضة من حيث مستوى الصعوبة والتعقيد. هناك كفايات في الوسط المدرسي، يمكن تقويمها عبر وضعيتين أو ثلاث وضعيات "أهداف"، أو حتى من خلال واحدة فقط، بشرط أن يتوفر في هذه الوضعيات عنصر التمثيلية للكفاية، وأن تتاح عدة فرص متميزة لفحص وتدقيق كل معيار على حدة. هذا لا يعني أن التلميذ يخضع للتقويم المباشر لكفايته: بل إن له قبل كل شيء فرصة التدريب. فإذا كانت الكفاية تهم مثلا الانطلاق من وضعية معاشة تشخص مشاكل التلوث ومظاهره، للوصول إلى اقتراح حلول مناسبة لتلك المشاكل، فإن عائلة الوضعيات هي مجموع الوضعيات المتباينة التي يمكن أن يواجهها التلميذ، والتي تتدخل بأشكال متغايرة، وفي سياقات مختلفة، في بلورة مشاكل تلوث الماء والهواء والصوت.لا يمكن الإعلان عن كفاءة التلميذ إلا عندما يصبح قادرا على مواجهة كل الوضعيات التي تنتمي إلى عائلة الوضعيات، بشرط أن تكون الوضعية جديدة، غير معروفة من قبله. ومن ها هنا فإن تكرار إنتاج نفس الوضعية، في بساطته، يعد لاغيا. وبالتالي فبالنسبة لواضعي البرامج والكتب المدرسية، ينبغي البحث في إطار كل عائلة من الوضعيات- المشكلات لبناء عِدة وضعيات متشابهة، مع تدقيقات تحدد خصائص وضعيات الكفاية، وهي بمثابة مقاييس لعائلة الوضعيات(19).
يتساءل گزافيي روجيرس Xavier : أين توجد هذه الوضعيات؟ ويجيب بأن المدرس هو من يبنيها، غير أن بعضها يمكن أن تتضمنها كتيبات البرامج، أو تدرج ضمن الوثائق المرفقة بالمناهج، أو في أبناك معلومات وطنية أو جهوية، أو في دفاتر الوضعيات المخصصة للتلاميذ، أو حتى في الكتب المدرسية. 
على المستوى البيداغوجي، عندما يتم إنجاز التعلمات الخالصة التي تُعِد لكفاية محددة، أي حينما يتم التأكد من أن الموارد اللازمة لممارسة الكفاية قد أصبحت في متناول التلميذ، فإننا نقدم له عدة وضعيات مركبة ليمارس كفايته (وهذه تعلمات الإدماج)، أو لتقويم كفايته (وهذا هو التقويم). هكذا فإن كل وضعية تنتمي إلى عائلة وضعيات يمكن استغلالها سواء في التعلم (لنعلم للتلميذ كيف يدمج مكتسباته) أم في التقويم (لتقويم مكتسباته)(20).
4.1.2.2.3- مفهوم الهدف النهائي للإدماج
الهدف النهائي للإدماج كفاية كبرى تغطي مجموع الكفايات، وبالتالي مجموع المعارف والمهارات والمواقف الخاصة بسلك تعليمي. فالهدف النهائي للإدماج يترجم الحصيلة المنتظرة لتعلمات التلميذ عند نهاية سلك تعليمي، في مادة دراسية معينة، أو في مجموعة من المواد الدراسية المنتمية إلى حقل تخصصي واحد. ينبغي تجنب خلط الهدف النهائي للإدماج مع الهدف العام في بيداغوجيا الأهداف الذي يدل كما يتبين من تسميته على النوايا العامة. ذلك أن الأهداف العامة في بيداغوجيا الأهداف تتسم بكونها مبهمة وبالتالي يتم خلطها بسهولة مع الأغراض أو مع الغايات، ومن ها هنا افتقدت دائما إلى عنصر التماسك. عكس الهدف العام فإن الهدف النهائي للإدماج يتميز بدقته طالما أنه، مثله كمثل الكفاية الأساسية، يتحدد عبر عائلة وضعيات- مشكلات جد محددة. نسبيا تتسم هذه الوضعيات- المشكلات بكونها مركبة، بما أنها تغطي أهم مكتسبات التلميذ خلال سلك تعليمي بأكمله في مادة دراسية معينة أو في مجال معرفي محدد. في بعض الأحيان يتم استعمال مفهوم الهدف الوسيطي للإدماج الذي يغطي مجموع الكفايات المنتظر امتلاكها  من قبل التلميذ في نهاية سنة دراسية(21).
كتب گزافيي روجيرس Xavier Roegiers في نفس الورقة المشار إليها سابقا، والتي قدمها المكتب الدولي للتربية والتكوين (BIEF) إلى " المنتدى حول المقاربة بالكفايات" الذي نظمه المكتب الدولي للتربية التابع لليونيسكو (BIE/UNESCO)، عندما تطرق للمقاربة بالكفايات الأساسية قائلا:
المقاربة الثانية تتأسس حول تطوير الكفايات الأساسية، أو ما يعرف أيضا ب" بيداغوجيا الإدماج"  (De Ketele 1996 ; Roegiers, 2000, 2003, 2004) وهي تستهدف قبل كل شيء تمكين كل المتعلمين من امتلاك الكفايات التي ستمكنهم من الاندماج العملي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي. كما تأخذ في الاعتبار كفايات الحياة كقدرات ضمن الكفايات الأساسية بدلا من أن تنضاف بشكل أو بآخر إلى المقررات الدراسية. يعتبر مثلا " إنتاج تعبير كتابي مكون من ثلاث جمل في وضعية تواصلية معبرة"، أو " أيضا حل وضعية- مشكلة تستدعي تطبيق العمليات الحسابية الأربع الأساسية على الأعداد من 0 إلى 1000" كفايات أساسية بالنسبة لطفل في الثامنة من العمر. تسمى هذه الكفايات بالأساسية لأنه لا بد لكل تلميذ من التحكم فيها قبل الانتقال إلى القسم الأعلى(22).
تقوم بيداغوجيا الإدماج على تعلم التلميذ منذ وقت مبكر كيفية تدبير التعقيد: ويتألف هذا التعقيد:
1- من المكتسبات المدرسية: معارف، مهارات، ومواقف؛ 2- من وضعيات الحياة العادية، ومن السياقات التي سيجد التلميذ نفسه في خضمها؛ 3- ومن كفايات الحياة التي سيكون مطالبا  ببتعبئتها لحل وضعيات مختلفة(23).
يمكن القول بأن الكفايات الأساسية هي قدرات أولية من اللازم امتلاكها من قبل المتعلم حتى يتمكن من الانتقال للاستفادة من التعلمات في القسم الأعلى، وهي في ذات الوقت تُعِدُّه لمواجهة وضعيات مختلفة في حياته العملية،  ليست لها علاقات دائمة وملموسة بوضعيات التعلم والإدماج في المدرسة. 
-2.2.2.3 تخطيط وتنفيذ التعلمات في بيداغوجيا الإدماج
انطلاقا من نفس الورقة المشار إليها أعلاه، فإن گزافيي روجيرس  Xavier Roegiersيميز عمليا في تخطيط التعلمات بين تعاقب صنفين من التعلمات: التعلمات المنتظمة، وتعلمات الإدماج.
التعلمات المنتظمة: أثناء خمسة أسابيع ينشغل المدرس بتطوير الموارد اللازمة لتنمية الكفايات كقواعد النحو والصرف والإملاء وتقنيات الحساب. إنها التعلمات المنتظمة التي اعتاد عليها المدرس.
تعلمات الإدماج: في الأسبوع السادس، يتوقف المدرس كليا عن تعليم أشياء جديدة للتلاميذ. على امتداد الأسبوع وفي كل المواد الدراسية، يقترح على التلاميذ حل وضعيات مركبة فيكون التلميذ مطالبا بتعبئة كل ما تعلمه خلال الأسابيع الخمسة المنصرمة من موارد. يشتغل التلاميذ فرادى أو ضمن جماعات صغيرة لحل تلك الوضعيات. تقدم لهم وضعيات متعددة من نفس المستوى: إحداها بقصد التمرين، الأخرى لتقييم مكتسباتهم، والأخرى عند الاقتضاء بهدف معالجة تعثراتهم أوتحقيق التقدم. إثر هذه المجزوءة الأولى للإدماج تتم مباشرة خمسة أسابيع من التعلمات الاعتيادية، وهكذا دواليك أربع أو خمس مرات خلال السنة الدراسية. إذن فالمدرس مطالب بتغيير إنجازاته من حين لآخر، ففي وقت أول يقدم الموارد بطرقه المعتادة، فالطرق الفعالة ليست واجبة في التعلمات، ما هو مطلوب هو أن يعرض المدرس على رأس كل ستة أسابيع على التلاميذ وضعيات مركبة يستخدمون في حلها ما تعلموه سواء من المعارف أم المهارات، أم من كفايات الحياة، وتعرف هذه الأخيرة بأسابيع الإدماج(24).
تجدر الإشارة إلى أن هذه الخطاطة التي قدمها گزافيي روجيرس Xavier Roegiers حول تخطيط التعلمات والتي تتعاقب فيها خمسة أسابيع من التعلمات الاعتيادية مع أسبوع مخصص لوضعيات الإدماج على امتداد السنة الدراسية، ليست خطاطة نهائية وصالحة لكل منظومة تربوية، بل لا بد من تكييفها مع التنظيم التربوي للسنة الدراسية وبصفة خاصة مع عدد الأسابيع التي تتكون منها السنة الدراسية، كما تنبغي مراعاة عدد الأسابيع المخصصة للتقويم التشخيصي لتوجيه التعلمات، و للتقويم التكويني/ المرحلي المخصص لعلاج التعلمات، ثم للتقويم النهائي أو الإشهادي، وعموما فإن " دليل بيداغوجيا الإدماج" الصادر عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قد وضع مثالا لتخطيط التعلمات قوامه تخصيص أسبوعين، بعد كل ستة أسابيع من التعلمات الاعتيادية، لمجزوءات الإدماج، يقوم المتعلم خلالها بحل ثلاث وضعيات بالنسبة لكل كفاية نهائية: وضعية للتدريب على الإدماج، وضعية للتقويم التكويني، ووضعية للعلاج أو التقوية، ويتكون النموذج المقترح من الخطوات الست التالية:
1- تحديد فترة خاصة بالتقويم النهائي(التقويم الإشهادي)؛
2- تخصيص فترة في بداية السنة الدراسية للتأكد من تحقيق الكفايات النهائية والهدف النهائي للإدماج للسنة المنصرمة ولعلاج التعثرات (تقويم تشخيصي لتوجيه التعلمات)؛
3- تخصيص فترة للتقويمات التكوينية المرحلية ولعلاج التعلمات؛
-4 تخصيص أسبوعين في نهاية السنة الدراسية لاقتراح وضعيات تعكس الكفايات الأساسية للسنة الدراسية أو الهدف النهائي للإدماج لطور دراسي(إذا كنا في نهاية طور)؛
-5 تخصيص أسبوعين بعد كل ستة أسابيع لمجزوءات الإدماج، يقوم المتعلم خلالها بحل ثلاث وضعيات بالنسبة لكل كفاية نهائية: وضعية للتدريب على الإدماج، يمكن حلها في مجموعات من ثلاثة متعلمين؛ وضعية للتقويم التكويني، ينبغي حلها بشكل فردي؛ ووضعية للعلاج أو التقوية، ينبغي حلها بشكل فردي كذلك؛
-6 توزيع مجموع التعلمات الجزئية المرتبطة بالموارد(المعارف والمهارات والسلوكات والمواقف)على الفترات المتبقية(25).
يتحقق التطور بطريقة منطقية في بيداغوجيا الإدماج، في رأي گزافيي روجيرس Xavier Roegiers ، أثناء مجزوءات الإدماج، وفي نهاية السنة يوضع التلاميذ أمام وضعيات مركبة أخرى، يطالبون بحلها كل على انفراد.
تطبق هذه المقاربة التي تدعمها عدة منظمات دولية (اليونسسيف  UNICE، اليونيسكو  UNESCO، الوكالة البيحكومية للفرنكفونية AIF)، في عدة بلدان أوروبية وإفريقية. وقد بينت نتائج الأبحاث التي أجريت بخصوصها أنها:
1- تلاقي انخراط كل الفاعلين، وبصفة خاصة أولياء الأمور والتلاميذ؛
2- تحقق ربحا على مستوى فعالية المنظومات التربوية، إذ بينت الدراسات التي أجريت في أربعة بلدان أن الربح المتوسط حدد ما بين 10% و 15% بخصوص نتائج التلاميذ(2 نقطتان إلى 3 ثلاث نقط على 20)؛
3- تمكن كل التلاميذ من التقدم: المتفوقون يتقدمون، إلا أن المتعثرين يتقدمون أيضا وأحيانا أفضل من المتفوقين؛
4- تعزز المدرسين، الذين يلاحظون وبسرعة تغيرات في فصولهم الدراسية، ويستطيعون إدخال التجديد كل بحسب وتيرته.
تتصل إحدى صعوبات هذه المقاربة بما تتطلبه من وسائل. إذا أردنا أن تكون فعالة لا بد من توفر كل تلميذ على دعامات لحل الوضعيات المركبة. في عدد لا يستهان به من البلدان التي أخذت بهذه المقاربة تم حل هذه المسألة من خلال توفير" دفتر للوضعيات المركبة" للتلاميذ يكمل الكتب المدرسية المعمول بها(26).
استنتاجات
يمكن تحديد أهم خلاصات هذا التحليل في النقط التالية:
- يعد الإصلاح التربوي مسلسلا دائما ومتجددا، وهو أمر ضروري حتى تضطلع المنظومة التربوية بوظائفها الكاملة في مجال التنشئة الاجتماعية والتكوين العلمي والتأهيل المهني للنشء، وبالتالي  تمكينها من الاستجابة لحاجيات المتعلمين في تطوير مؤهلاتهم والتعبير عنها و تصريف طاقاتهم في تنمية المجتمع والاستجابة لحاجيات تطوره، ومن ثم يتحقق التكيف الإيجابي بين الفرد والمجتمع وتصبح المدرسة أداة لتأهيل العنصر البشري  لرفع تحديات التنمية المستدامة بما تقتضيه من نمو اقتصادي واجتماعي في بيئة سليمة، وفي تفاعل تام مع المجتمع الدولي.
- من هذه المنطلقات قررت وزارة التربية الوطنية ببلادنا الأخذ بيداغوجيا الإدماج باعتبارها إطارا منهجيا لتطبيق المقاربة بالكفايات، وذلك تماشيا مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتنفيذا للبرنامج الاستعجالي، الذي يمتد على مدى أربع سنوات 2009- 2012، والذي اعتمد في صياغته على التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها، الصادر عن المجلس الأعلى للتعليم سنة 8200.
- تتمحور بيداغوجيا الأهداف على إنتاجات المتعلم التي تتجلى في شكل سلوكات قابلة للملاحظة والقياس، وقد سجلت عدة مآخذ على "التدريس الهادف" كطغيان العلاقة الميكانيكية بين المثيرات والاستجابات الحاصلة عنها على الفعل الديداكتيكي، وكثرة الأهداف وتجزيئ المضامين، بحيث لا يجد لها المتعلم صلة بحياته اليومية. هذه المآخذ لا يمكن أن تكون مبررات كافية لتجاوز بيداغوجيا الأهداف بشكل مطلق، فالمقاربة بالكفايات تعمل على إغناء وتثمين إيجابيات بيداغوجيا "التدريس الهادف".
- الكفايات في المجال البيداغوجي، هي قدرات ومؤهلات واستعدادات شخصية، تمكن المتعلمين من تعبئة مكتسباتهم المعرفية وخبراتهم ومهاراتهم ومواقفهم، لإيجاد حلول لوضعيات- مشكلات وُجدوا أمامها، في سياقات تعلمية أو غير تعلمية(أي متصلة بحياتهم العامة).
- انطلاقا من أعمال گزافيي روجيرس  Xavier Roegiersنميز بين المقاربة بالكفايات المستعرضة والمقاربة بالكفايات الأساسية والتي يعتبرها الباحث مرادفا لبيداغوجيا الإدماج: المقاربة بالكفايات المستعرضة مقاربة غنية وطموحة يطبقها مدرسون ذوو كفاءات مهنية عالية في فصول دراسية بأعداد منخفضة من المتعلمين و بفضاءات مناسبة وعدة ملائمة، وهي تستهدف قدرات يطورها المتعلمون ويكتسبونها انطلاقا من مناهج مواد دراسية متعددة وخلال مراحل تعليمية- تعلمية تمتد على فترات طويلة قد تطال المسار التعليمي- التعلمي للمتعلم بأكمله، يؤدي تطبيقها في الأوساط الاجتماعية الفقيرة والهشة إلى تعميق الفوارق بين المتعلمين الذين يمتلكون الكفايات الأولية المرتبطة بالمواد الدراسية، وزملائهم المتعثرين.
- تستهدف المقاربة بالكفايات الأساسية أو بيداغوجيا الإدماج قبل كل شيء تمكين كل المتعلمين من امتلاك الكفايات التي ستمكنهم من الاندماج العملي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، وسميت كفايات أساسية لأنه لا بد لكل تلميذ من التحكم فيها قبل الانتقال إلى القسم الأعلى، وهي بيداغوجيا يتعاقب فيها صنفان من التعلمات: التعلمات الاعتيادية المنتظمة، وتعلمات الإدماج. وهي تمكن كل التلاميذ من التقدم: المتفوقون والمتعثرون عن طريق استكشاف أخطاء المتعثرين ومعالجتها في الوقت المناسب، وتعزيز مكتسبات المتفوقين وكفاياتهم، ولضمان فعالية هذه المقاربة لا بد من توفر كل تلميذ على دعامات لحل الوضعيات المركبة.
- إن بيداغوجيا الكفايات تركز على أثر التعلم وامتداداته في حياة المتعلمين العامة والعملية والمهنية، وبالتالي فإن هذه البيداغوجيا تطمح إلى تثمين العنصر البشري من خلال تكوين أفراد قادرين على تعبئة امتدادات تعلماتهم وتكويناتهم لتحقيق اندماج اجتماعي إيجابي عبر مختلف مراحل حياتهم، والإسهام في التنمية المستدامة لمحيطهم الاجتماعي. ولبلوغ هذه الأهداف ينبغي تعبئة الممارسين في الحقل التربوي وضمان انخراطهم في الدينامية الجديدة التي خلقها تبني بيداغوجيا الإدماج في المدرسة المغربية، ضمانا لنجاح الإصلاح التربوي وتحقيقا لفعالية منظومة التربية والتكوين وتعزيزا للتوافق والانسجام بينها وبين محيطها الاقتصادي والاجتماعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـهـوامـش:

 

(2) بوابة المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب: http://collab.tarbiya.ma/epi.

(5) مقدمة البرنامج الاستعجالي: http://www1.men.gov.ma/NR/exeres/067A086D-CC6F-4D6E-9237-F45DAACC7C30.htm.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟