طبعا، المناولة تشير هنا إلى الأستاذ (أستاذ الفلسفة)، الشيء الذي جعلنا نشير أولا و قبل كل شيء إلى أن طريقة المناولة تتطلب وعيا من لدن المدرس لما لهذه التمثلات (تمثلات المتعلمين) من أهمية في الدرس الفلسفي و ذلك لأن "عدم أخذها بعين الاعتبار و رفض إنشاءات التلاميذ الشفوية أو الكتابية بصددها داخل الفصل، بحجة أنها لن تزيد فكرهم إلا غموضا، و اللجوء في مقابل ذلك إلى جعلهم متصلين عنوة بالمعرفة الفلسفية الأصلية، من شأنه أن يؤدي في أسوأ الحالات إلى : الدفع بالتلميذ إلى إبداع مواقف عدائية، قد تكون أحيانا رافضة لتدريس الفلسفة. و في أحسن الأحوال إلى إضفاء صبغة شبه علمية على تلك التمثلات "( ). يتبين إذن أن وعي المدرس أو عدم الوعي هو الذي يحدد طريقة مناولته لتلك التمثلات، إذ أن عدم الوعي، و كما يتبين من خلال القول، يؤول بالمدرس إلى مناولة التمثلات مناولة عمودية، تصدم المتعلم و بدون سابق إنذار بغزارة معرفية وإسقاطها عليه عنوة، حيث تصادر منه كل الحقوق الفكرية و التعبيرية، هذه الطريقة التي لا محالة تكون لها ردود أفعال من طرف المتعلم، تتجسد في رفض متطرف، و في أحسن الأحوال إظهار تطرف أقل حدة، بإظهار تمثلاته في حلة شبه علمية،" صبغة تتحلل و تنهار بمجرد ما أن تتاح لها الفرصة فاسحة المجال للتمثلات السابقة بشكل أقوى أحيانا مما كانت عليه من قبل، أو قد تمتزج بها لتشكل خليطا عجيبا"( ).إن هذا الجهل من طرف المدرس بما للتمثلات من أهمية، يشكل مركز المناولة العمودية إذ عليه تبنى ومنه تنهل خصائصها، و من بين خصائص المناولة العمودية للتمثلات:
• فيها تغييب لشخصية المتعلم.
• التنقيص من قدرات و مؤهلات المتعلم.
• تقوية المقاومة من طرف المتعلم.
• تغليب المعرفي على المنهجي في الدرس الفلسفي.
• مركزية المدرس و هامشية المتعلم.
• جمود و تقاعس المتعلم.
• ملل و نفور من المادة، و أحيانا من كل ما يحيط بالعملية التعليمية التعلمية.
• الاتكالية و انتظار الجاهز.
• عرض الدرس الفلسفي، و المفاهيم الفلسفية عوض بنائه، و بناء المفاهيم الفلسفية.
• تمرد و عصيان من طرف المتعلم.
• ضجر و فتور من طرف المدرس.
• ...
إن هذه الأفعال و غيرها تكون لها مخلفات على مستوى الواقع الفعلي لكل من المتعلم والمدرس، إذ أن المتعلم يلجأ إلى كثرة التغيبات، و إن حضر فيكون حضورا شكليا، أو ربما لتجنب عقوبات قد تنزل به، و ذلك كتعبير عن التهميش و النفي الذي يتعرض له من داخل الفصل الذي كان يعتقد أنه سيحتضنه و يفتح أمامه حرية التعبير و إبداء رأيه، بعد أن رفضه و حرمه.....غيره. ليس هذا فحسب بل ينعكس الوضع أيضا على المدرس، وخصوصا عندما يُقوّم ما قدمه، و بعد أن يكون قد اعتقد أنه أبلى بلاءا حسنا في إنجاز الدرس و تقديم المفاهيم، فإذا به يصاب بخيبة أمل، لكنه ينسى بأنه لم يتناول الأمر كما ينبغي أن يتناول، و أنه لم يدخل من المدخل الذي كان عليه أن تدخل منه، و أنه اختار طريقا فيها من التمركز حول ذاته ما ليس في غيرها، إنه لم يدخل من مدخل التمثلات، هذه الأخيرة التي قد تنتهي بمن أهملها إلى تدمر و سخط، لكن الأسوأ من ذلك أن يتماذا المدرس في عمله معتقدا بأن المشكلة ليست مرتبطة به بقدر ما هي لصيقة بالمتعلم، ويبقى في بُرجه العالي منتظرا ذلك اليوم الذي سينخرط فيه المتعلم بكل حماس، تاركا ما استدمجه في مساره الاجتماعي ومخلفاته الثقافية ،ويتخلى عن المقاومة وينخرط في بناء الدرس ومواكبة مساره، والدفاع عن المادة وتشجيع الإقبال عليها ...- كفاك حلما !!!- إن هذا لن يتحقق و بدون شك، دون اعتبار للتمثلات و ما للإشتغال عليها من أهمية في توجيه مسار تفكير المتعلم، إذ بين إدراك أهميتها وعدم إدراكها يوجد مسار الدرس الفلسفي، كحلقة متوسطة، و داخل المادة كحلقة كبرى وبناء المفاهيم كنواة داخل المادة .إذن ما العمل، أيكفي القول بالأهمية (أهمية مناولة التمثلات في مسار الدرس الفلسفي )ونكران المناولة العمودية. بالطبع هذا لا يستقيم أمام محاولة الكشف عن السبل التي تمكننا من إعطاء فاعلية للدرس الفلسفي، وبناء المفاهيم بناءا ديداكتيكيا، والسير بمادة الفلسفة كمادة مدرسة نحو القبول الجمعي والدعم الفردي والجماعي والمؤسساتي، لذلك سنحاول مقاربته أو على الأقل إحدى السبل لتحقيق شيء من ذلك، إن لم يكن كله، وذلك من خلال ما سميناه بالمناولة الأفقية أو الميكروسكوبية للتمثل.