إن المتأمل في السياسة الإصلاحية للمنظومة التعليمية المغربية يستنتج أن الهدف الحقيقي لهذا الإصلاح هو تكريس التفاوت الطبقي في بنية المجتمع المغربي، تفاوت تحافظ بموجبه الطبقات المحظوظة على مصالحها وعلى كل الامتيازات التي راكمتها منذ الاستعمار إلى الآن. وذلك بإعادة توسيع الهوة بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء الطبقة الغنية. هذه السياسة إلاصلاحية تصنع من أبنائهم طبقة مؤهلة ومن أبناء الشعب أيادي عاملة تشتغل في ضيعات ومصانع ومعامل الطبقة الغنية المنتشرة على طول ربوع الوطن. أليس هذا ما تريد أن تكرسه مدرسة اليوم وفق التصور الجديد للإصلاح؟
إذا تمعنا في المدرسة المغربية لن نجد هناك مدرسة واحدة، بل ثلاث مدارس هي:
-المدارس الفرنسية؛
-المدرسة الخصوصية؛
-المدرسة العمومية
المدرسة الأولى تستقبل أبناء الأعيان، أبناء الطبقة المحظوظة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا والمتحكمة في دواليب الحكم في المغرب والمستغلة لخيراته وثرواته..والثانية هجينة وتتميز بالتفاوت الصارخ بين مدرسة وأخرى، فهي ليست على نفس المقياس، فالمدرسة الخصوصية في المدينة ليست هي المدرسة الخصوصية في البادية...كما أن في المدينة الواحدة تجد تفاوتا كبيرا بين المدارس الخصوصية ليس في الأثمنة فقط، بل في جودة التعلمات كذلك، وهذا ما يؤسس لتفاوت صارخ في مستوى التلاميذ، بين من يلج مدارس خاصة راقية سواء في خدماتها وجودتها، بل حتى في أثمنتها المرتفعة جدا لهذا لا يلجها سوى أبناء الأغنياء، ومن يلج مدارس خصوصية رخيصة في تكلفتها، ومتدنية في جودتها، تنتشر في هوامش المدن وتعرف حالة من الاكتظاظ، وغياب المرافق الرياضية والترفيهية، ومدرسون لا يمتلكون الكفاءات اللازمة للتدريس، وبناية غير صالحة للتدريس لكونها مجرد مرآب أو طابق لبناية مأهولة بالسكان ...إلخ.
أما المدارس العمومية التي راكمت من التجارب الفاشلة طيلة عقود من العبث والتدبير العشوائي والإصلاحات التي تهدف إلى محاربتها، ومحاربة المجانية، فهي مدرسة لا تتوفر على شروط التحصيل العلمي، حجرات متهالكة، طاولات وسبورات وكراسي لا تحمل من تلك الصفات سوى الاسم تعود إلى العصر الحجري، تعرف حالة من الاكتظاظ، حيث قد تجد في القسم ما يقارب الخمسين تلميذا وفي بعض الاحيان تصل إلى حدود الستين تلميذا في الحجرة الواحدة...
إن دل هذا على شيء فإنه يدل على ان التعليم في المغرب تعليما طبقيا بالدرجة الأولى، تعليما يرسي أسس اللامساواة والطبقية... فَحينَ تقوم المدارس الفرنسية وبعض المدارس الخصوصية التي تستقر في الحواضر الكبرى كفاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير بإنتاج النخب وتأهيلها لمتابعة دراستها في الخارج لتعود لتدبير الشأن العام في المغرب سياسيا واقتصاديا... تقوم باقي المدارس الأخرى العمومية منها وجل المدارس الخصوصية بإنتاج طبقة هجينة لا تستطيع إكمال دراساتها، وقد ساهمت الاصلاحات المتعاقبة في الهدر المدرسي وحكمت على التمدرس منذ السنوات الأولى بالهدر ومغادرة مقاعد الدراسة مبكرا ولأسباب موضوعية. وفي مقالنا هذا سنركز على نقطة أساسية من بين النقاط الكثيرة الذي تضمنها الإصلاح والتي تؤسس لهذا التفاوت منذ بداية المسار التعليمي التعلمي؛ إنها مسألة التعليم الأولي، كما سنبين أيضا كيف جاء هذا الاصلاح لمحاربة المدرسة العمومية ومجانية التعليم والدفع بعجلة الخوصصة لتدوس على المدرسة المغربية وذلك من خلال ملف الاساتذة المتدربين.
جاء في "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" القسم الثاني "مجالات التجديد ودعامات التغيير" المجال الأول: نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، الدعامة الأولى: تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب.
24-يشمل نظام التربية والتكوين التعليم الاولي والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والتعليم الثانوي والتعليم العالي والتعليم الاصيل. ويقصد بتعميم التعليم، تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من سن 4 إلى 6 سنوات وبالابتدائي والإعدادي من سن 6 إلى 15 سنة".[1] يتضح من خلال دعامة الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن التعليم الأولي هو التعليم ما قبل الابتدائي، وهو تعليم يحظى بالأهمية القصوى في هذا الإصلاح بحكم كونه اللبنة الأولى في التعليم والأساس الذي سيبنى عليه التعليم برمته؛ وهذا ما تؤكده الدعامة 25 من الميثاق التي تقول:"خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين، المعلنة بمقتضى هذا الميثاق، سيحظى التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي بالأولوية القصوى، وستسهر سلطات التربية والتكوين، بتعاون وثيق مع جميع الفعاليات التربوية والشركاء في إدارات الدولة والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، على رفع تحدي التعميم السريع للتعليم الأولي والابتدائي والإعدادي في جميع أرجاء المملكة، بتحسين جودته وملاءمته لحاجات الأفراد وواقع الحياة ومتطلباتها..."[2] فهل فعلا تم تعميم التعليم الأولى على جميع أرجاء الوطن؟ وهل فعلا تم الحرص على تقديم عرض تربوي في التعليم الأولى يتصف بالجودة؟ وهل فعلا هناك توزيع متساوي وعادل للتعليم الاولي في كل ربوع المملكة؟ أليس التعليم الأولي هو أول نقطة في المنظومة التربية المغربية تخلق اللاتكافؤ واللامساواة في التعليم وتساهم في خلق الهدر المدرسي وإنتاج جيل معطوب والحكم على أبناء الشعب بمغادرة مقاعد الدراسة منذ السنوات الاولى للتعليم؟ كيف ذلك؟
إن التعليم الأولي يشكل اللبنة الأولى في التعليم والتي سيبنى عليها التعليم الابتدائي، فبرامج التعليم الابتدائي بُنيّت بشكل يراعي سنوات التعليم الأولي، وهو ما يؤكد عليه الميثاق:"تتضمن الهيكلة التربوية الجديدة كلا من التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي والتعليم العالي، على أساس الجذوع المشتركة والتخصص التدريجي والجسور على جميع المستويات"[3] أن هذه الدعامة تؤكد على الجسور الرابطة بين التعليم الأولي والتعليم الابتدائي، فالتعليم الأولي يشكل القنطرة الضرورية للمرور إلى التعليم الابتدائي، لهذا السبب يجب أن يكون تعليما جيدا وموزعا بشكل جيدة على كل التراب الوطني، وألا يكون فيه نوعا من التفاوت واللامساواة، فهو بمثابة أساس كل الواجبات التي ستبنى عليه، أو كما يقول كانط:" إنه الواجب الذي ستبنى عليه كل الواجبات الأخرى"[4]. فهل فعلا جعلت الدولة التعليم الأولي من أولى اهتماماتها وأولته الأهمية التي يجب أن يحظى بها أم أن ذلك ظل حبرا على ورقة وأن التعليم الأولي كان مجرد خطوة مقصودة لخلق هوة لا يمكن ردمها بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء المحظوظين الأغنياء؟
إن واقع الحال يبين بالملموس أن الفروق واضحة فيما يتعلق بالتعليم الأولي بين المدن والبوادي من جهة، وداخل نفس المدينة من جهة أخرى. فإذا كانت المدن تمتلك رياضا لاستقبال الأطفال وتعليمهم المبادئ الأولى للقراءة والكتابة، فإن البوادي لا تمتلك رياضا مخصصة لذلك، أقصى ما يمكن أن تتوفر عليه "مسيد" يسهر فيه فقيه المسجد على تحفيظ بعض الآيات القرآنية للناشئة بالاعتماد على السمع، وعندما ينتقلون إلى التعليم الابتدائي يجدون أنفسهم لا يستطيعون تمييز الحروف، لا العربية ولا الفرنسية، في الوقت الذي يكون فيه أبناء المحظوظين يتكلمون باللغة العربية والفرنسية بشكل سلس وجيد. هذه الفروقات تحتم على أبناء القرى مغادرة أقسام الدراسة منذ السنوات الأولى بسبب عدم مجاراتهم ايقاعات التعلم وافتقادهم للمبادئ الأولية للتعلم، خصوصا وكما سبق الذكر -وهنا مربط الفرس- أن مقررات التعليم الابتدائي تبنى على أساس أن التلميذ قد درس من سن 4 إلى سن 6 في روض الأطفال. وهنا نطرح السؤال: كيف يعقل أن ينحج التلميذ في التعليم الابتدائي وهو لم يتلقى تعليمه الأولي؟ هذا الواقع الحالك الذي يتخبط فيه أبناء البوادي وبعض أبناء المدن من الطبقة المسحوقة لا يعاني منه أبناء المحظوظين. ففي المدن التي تنتشر فيها رياض الأطفال تجد التلاميذ قد أتقنوا الحروف الأبجدية العربية والفرنسية، بل منهم من يتكلم باللغة العربية والفرنسية بطريقة جيدة لا يتكلمها حتى تلاميذ التعليم الثانوي في البوادي في الوقت الذي تنعدم فيه هذه رياض الأطفال في بوادي وقرى ومدارس المغرب العميق أليست هذه هي الطريقة المثلى لصناعة التفاوت والطبقية؟ ألا يتناقض هذا مع ما يصرح به الميثاق في هذه الدعامة:"يرمي التعليم الأولي والابتدائي إلى تحقيق الأهداف العامة الآتية:
أ-ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة، منذ سن مبكرة، للنجاح في مسيرهم الدراسي وبعد ذلك في الحياة المهنية، بما في ذلك إدماج المرحلة المتقدمة من التعليم الأولي"[5] هل فعلا القول يصاحبه الفعل أم أن واقع الحال يكذب كل ما صرح به الميثاق الذي يحمل هما واحدا هو خوصصة التعليم والقطع مع المجانية حتى يتسنى له التخلص من عبء أبناء الشعب وجعلهم مجرد عمال في مصانع الأثرياء وضيعاتهم؟ أليس هذا ما يصنع الهدر المدرسي الذي يحاولون محاربته بالشعارات الرنانة؟ كيف يمكن لتلميذ لم يتلقى تعليما أوليا أن يصقل مهاراته وأن ينمي قدراته وأن ينجح في مساره الدراسي اللاحق وهو لم يتلقى التعليم السابق؟ ألا يقود هذا إلا حرمان أبناء الشعب من حقهم في تعليم يحفظ كرامتهم ويجعلهم يرتقون اجتماعيا؟ ألا يتنافى هذا مع الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة سنة 1960 والتي ترى أن التمييز في التعليم هو انتهاك لحقوق الإنسان، حيث تصرح الاتفاقية في المادة 1:"لأغراض هذه الاتفاقية، تعني كلمة "التمييز" أي ميز أو استبعاد أو قصر أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الحالة الاقتصادية أو المولد، يقصد منه أو ينشأ عنه إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الإخلال بها، وخاصة ما يلي:
أ-حرمان أي شخص أو جماعة من الأشخاص من الالتحاق بأي نوع من أنواع التعليم في أي مرحلة؛
ب-قصر فرض أي شخص أو جماعة من الأشخاص على نوع من التعليم أدنى مستوى من سائر الأنواع؛
ج-إنشاء أو إبقاء نظم أو مؤسسات تعليمية منفصلة لأشخاص معينين أو لجماعات معينة من الأشخاص، غير تلك التي تجيزها أحكام المادة 2 من هذه الاتفاقية؛
د-فرض أوضاع لا تتفق وكرامة الانسان على أي شخص أو جماعة أشخاص.
2-لأغراض هذه الاتفاقية، تشير كلمة "التعليم" إلى جميع أنواع التعليم ومراحله، وتشمل فرص الالتحاق بالتعليم، ومستواه ونوعيته، والظروف التي يوفرها فيها"[6] فأين المغرب من هذا رغم نه من المهرولين إلى التوقيع على هذه المعاهدات والاتفاقيات الأممية؟ ألا يتناقض واقع الحال مع هذه الاتفاقية؟ ألا يحمل الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بنوده دعامات نقيضة لهذه الاتفاقية؟ ألا يبشر الميثاق الوطني بالتفاوت والقضاء على كل أشكال المساواة بل حتى على الحق في التعليم بالنسبة للأسر الهشة والمعوزة؟ أليس الاصلاح التربوي المنشود مجرد أكذوبة لخلق هذا التفاوت الطبقي خصوصا وان الدولة قد أخلت بواجباتها اتجاه الطبقات غير المحظوظة والمهمشة والقرى والمداشر وهي التي أكدت على ضرورة اتخاذ جملة من التدابير لتعميم تعليم جيد في المناطق القروية غير المحظوظة كما جاء في الدعامة 29 من الميثاق:"تيسيرا لتعميم تعليم جيد، وسعيا لتقريب المدرسة وإدماجها في محيطها المباشر، خصوصا في الأوساط القروية وشبه الحضرية، ينبغي القيام بما يلي:
أ-إنجاز شراكة مع الجماعات المحلية، كلما أمكن، لتخصيص أمكنة ملائمة للتدريس والقيام بصيانتها، على أن تضطلع الدولة بتوفير التأطير والمعدات الضرورية؛ (فلا هي جهزت هذه الأماكن ولا هي وفرت التأطير والمعدات)
ب-اللجوء عن الحاجة للاستئجار واقتناء المحلات الجاهزة أو القابلة للإصلاح والملائمة لحاجات التدريس، في قلب المداشر والدواوير والأحياء، دون انتظار إنجاز بنايات جديدة في آجال وبتكاليف من شأنها تأخير التمدرس..."[7] ظلت هذه البنود حبرا على ورقة رغم مرور كل هذه السنوات على الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومجيء المخطط ألاستعجالي والدخول في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم. فلا الدولة جهزت أماكن التمدرس في القرى كما وعدت بذلك، ولا هي وفرت التأطير ولا المعدات. الوضع في البوادي لازال على حاله باستثناء بناء بعض البيوت التي يدرّس فيها معلم واحد جميع المستويات من السنة الأولى حتى السادسة ابتدائي في غياب شروط التحصيل العلمي الصحية والسليمة، أما البنايات الخاصة بالتعليم الأولى فلا وجود لها إطلاقا في العالم القروي.
فهل هذا يعني أن المدينة محظوظة بتواجد رياض الأطفال والمدارس الخصوصية التي يتلقى فيها الأطفال تعليمهم الاولي في شروط جيدة؟ أكيد لا. إن المدينة ذاتها تعاني من التفاوت الصارخ واللامساواة، فأبناء الطبقة الميسورة يلجون إلى المدارس الخصوصية المعروفة بالجودة والخدمات الجيدة وذات التكلفة الباهظة في حين يلج أبناء الفقراء المدارس الخصوصية التي تنتشر في هوامش المدن وفي المآرب وطبقات العمارات والتي لا تتوفر على أبسط شروط التحصيل العلمي والتي تكدس التلاميذ في بيوت وليس أقساما في غياب تام للفضاءات الرياضية و الترفيهية، تستغل الطلبة العاطلين أبشع استغلال وتستنزف قدراتهم في شروط بئيسة بأثمنة رخيصة تستغلهم وتفرض عليهم أن يكونوا أسخياء في النقط الممنوحة للتلاميذ حتى يتم استقطاب المزيد من "المزاليط" الذي يستزفون جيوبهم طمعا في حصول أبنائهم على تعليم يؤهلهم للظفر بمنصب يخرجهم من خانة الفقر والبؤس والهشاشة، لكن للأسف مثل هذه المدارس الخصوصية لا تنجب سوى أشباه التلاميذ وما هم بتلاميذ إلا من رحم ربي، وهذا ما يتبين بمجرد التحاق أحد تلاميذ هذه المدارس الخصوصية بالمدرسة العمومية، فلا يستطيع النجاح حتى في الأقسام المشتركة التي تعتمد على المراقبة المستمرة كمعيار للنجاح، غير قادر على مجارات حتى تلاميذ التعليم العمومي الذي يتابعون تعليمهم في مدارس تفتقر إلى شروط التحصيل العلمي والتي يقاتل فيها الأستاذ من أجل حصول أبناء الشعب على تعليم يليق بهم وحيدا بعدما تخل الكل عنه، فأًصبح وحيدا يجابه الصعاب.. أما أبناء الطبقة المحظوظة فيلجون مدارس خصوصية مصنفة في ملكية مستثمرين كبار، مجهزة بكل ما يحتاجه التلميذ من فضاءات وأقسام ومساحات، تقدم تعليما جيدة وتستقطب أساتذة مؤهلين لممارسة التعليم، وتوزع التلاميذ على الأقسام بما يضمن لهم التحصيل الجيد مع الحرص على أن لا يتجاوز عددهم ما بين 20 و25 تلميذا أو على أقصى تقدير 30، لهذا تجدها غير مفتوحة في وجه العموم، بل غالبا ما تجد أصحاب هذه المدارس يقومون بانتقاء التلاميذ الذين يسمح لهم بمتابعة الدراسة، إنها تقتصر أبناء الميسورين فقط.
إلى ما يرمي كل هذا؟ إنه يرمي إلا خوصصة التعليم وضرب المجانية وبالتالي قطع الطريق على أبناء الشعب من أجل الرقي الاجتماعي وتحويلهم إلى أيادي عاملة فقط. وهذا ما يؤكد عليه الميثاق نفسه وبطريقة صريحة، من خلال الامتيازات التي منحها للقطاع الخاص من أجل الاستثمار في التعليم، حيث نجد في المجال السادس:الشراكة والتمويل، في الدعامة 125 مايلي:
"أ-وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى عشرين عاما، شريطة التجديد السنوي للامتيازات الضريبية، في ضوء التقويم المنتظم للنتائج التربوية للمؤسسة المستفيدة ولتدبيرها الإداري والمالي؛
ب-تشجيع إنشاء المؤسسات التعليمية ذات النفع العام التي تستثمر كل فائضها في تطوير التعليم ورفع جودته، وذلك باعفائها كليا من الضرائب. ويمنح هذا التشجيع شريطة خضوع المؤسسات المعنية للمراقبة التربوية والمالية الصارمة، كما يتم التجديد السنوي لهذا الامتياز في ضوء تقويم المؤسسة؛
ج-أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق، على مستوى التعليم الأولي، حسب أعداد الأطفال المتمدرسين بها، وعلى أساس احترام معايير وتحملات محددة بدقة؛
د-تكوين أطر التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق بشروط تحدد بمقتضى اتفاقية للشراكة ودفتر تحملات مضبوطة؛
ه-استفادة الأطر العاملة بالقطاع الخاص من أسلاك ودورات التكوين الأساسي والمستمر المبرمجة لفائدة أطر القطاع العام، وفق شروط تحدد كذلك ضمن اتفاقيات بين السلطات الوطنية أو الجهوية المشرفة على هذه البرامج وبين المؤسسات الخاصة المستفيدة."[8] هل هناك دليل أكبر من هذا على خوصصة التعليم وخلق التفاوت الطبقي وتكريس الهوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء من خلال حرمان أبناء الشعب من التعليم المجاني، ومن التسلق الطبقي والرقي الاجتماعي؟ وهل ما يتعرض له الاستاذة المتدربين هذه السنة يخرج عن إطار خوصصة التعليم؟ وهل فصل التكوين عن التوظيف لا يؤكد ما ذهب إلى الميثاق من خلال الدعامة السابقة التي أقر فيها بتكوين الأطر التربوية وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة؟ إن ما أقدمت عليه الحكومة الحالية من خلال المرسومين الصادرين هذه السنة والقاضيين بفصل التكوين عن التوظيف لهو التطبيق المباشر لسياسة الدولة الهادفة إلى التخلص من مجانية التعليم ورفع يدها عنه من خلال خوصصته وتفويته إلى المستثمرين.
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، سلسلة التشريع التربوي، الطبعة الاولى أكتوبر 2006، دار الحرف للنشر والوزيع، مطبعة دار النجاح الجديدة الدار البيضاء. ص:16.[1]
-الميثاق الوطني، ص-ص:16-17.[2]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:35.[3]
- إيمانويل كانط: أسس ميتافيزيقا الأخلاق".....ص...[4]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:36.[5]
-الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 14 كانون الأول-ديسمبر1960,[6]
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 20-21.[7]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 99-100.[8]