مع المفكر الفلسفي علي محمد اليوسف: حوار حول تيارات الفلسفة الأمريكية المعاصرة - الذرائعية الواقعية الجديدة (1) - مراد غريبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

مفتتح
جاء هذا الحوار الخاص حول اهم خصائص الفلسفة الأمريكية المعاصرة ( النشأة و التطور، الأعلام و الرواد  ثم المباحث و التحولات) ضمن مسار ضرورات مقاربة أهم التيارات الفلسفية المؤثرة في المشهد الفكري و الثقافي العربي المعاصر، حيث كان لنا هذا اللقاء مع المفكر والباحث الفلسفي الاستاذ علي محمد اليوسف، كونه تناول موضوع الفلسفة الغربية المعاصرة بعمق و كان مسحا متفردا لأبعاد تياراتها في العديد من كتاباته، وبهدف تعريف القارىء العربي اين وصلت الفلسفة الذرائعية الأم أمريكيا في تداخل تياراتها المتجددة المعاصرة، في المقدمة  الفلسفة الذرائعية الواقعية الجديدة. التي ارتأينا البدء منها عبر الاسئلة التمهيدية التالية  كحلقة أولى:

س1- أ. مراد غريبي: كمنطلق لحوارنا حول الفلسفة الذرائعية الأمريكية، بعد استلام الفلاسفة الاميركان راية فلسفة اللغة من الفلاسفة الفرنسيين تحديدا، هل كانوا متجاوبين مع قاعدة أن مبحث التحول اللغوي في الفلسفة هو الطريق الوحيد الذي بقي امام الفلسفة المعاصرة في محاولتها تصحيح المسار الخاطىء لتاريخ الفلسفة؟

ج1- أ. علي محمد اليوسف : أجد البداية أستاذ غريبي، لابد من تبيان أن فلسفة اللغة موقعها الطبيعي المؤثر في تيارات فلسفية سادت اوربا قبل انتقالها الى امريكا هو علاقة اللغة بتصحيح تاريخ الفلسفة الذي اعتمده الفلاسفة عبر العصور، على انه كان تعبيرا قاصرا على امتداد تاريخ الفلسفة الذي ورثناه بزيفه ولا معنى غالبية قضاياه.

اللغة في تعبيرها الفكري عن الاشياء والموضوعات دائما ما تكون قاصرة عن الاحاطة والتطابق التكاملي مع ما يدركه الوعي والفكر من تلك الموضوعات في وجودها الحقيقي الواقعي, والفكر والموجودات يبقيان مختلفين من حيث علاقة التفاوت في ترابط الفكر- اللغة بالموجود في حقيقته...

ويبقى الفكر الإدراكي اللغوي التجريدي عاجزا عن إستيعاب الوجود تماما، الذي يبقى على الدوام محتفظا بما يراه الفكر مدّخرا فيه كفائض معنى غير مكتشف ولا مدرك في العديد من الجوانب المحجوبة عن الادراك الحقيقي للموجودات والظواهر..الوعي الادراكي الحسي للموجودات وتناول العقل لاحساسات تلك الموجودات الواصلة اليه ليس شرطان كافيين للتسليم بحقيقة الاحاطة والالمام الكامل بتلك الموجودات..فالواقع الحقيقي للاشياء يختلف عن الوعي الادراكي لها والتعبير عنها بمنطق ولغة العقل..

س2- أ. مراد غريبي : كيف ترى علاقة الفكر واللغة بمنظومة العقل الادراكية؟

ج2- أ. علي محمد اليوسف: العالم الارضي بما يحتويه من موجودات وطبيعة وظواهر لا حصر لها هو فضاء لا متناه لا تحّده عقولنا المحدودة الادراك ولا اللغة المعبّرة عنه في كل أشكال تمّثلاته الذهنية.. ويعتبرلودفيج فينجشتين أن حدود اللغة عند الفرد التي يعبّر بها عن العالم هي ذاتها حدود أدراكه وفهمه عالمه بما يستطيع الأحاطة به من خلال تعبير الفكر - اللغة عنه....لذا فلغة الانسان لا تستطيع فهم وادراك العالم ليس على حقيقته وحسب وأنما حتى على صعيد عدم معرفة مكوناته وظواهره اللامحدودة.

ونخلص أن إدراك موجودات العالم بتصوراتنا الذهنية اللغوية هي وحدها تكون حدود معرفتنا العالم الذي ندركه ولا يمكننا الاحاطة التامة بحقائق موجودات العالم من خلال لغة التعبير عنها فقط....وما يخرج عن هذا الإلمام المعرفي المتقّطع المجزأ من العالم الذي لا ندركه كاملا بمجمله تماما، يكون هو الوجود الحقيقي الذي نجهله في معظم تجلياّته المحجوبة عن الاحاطة بها أدراكيا من قبلنا....ويبقى عالم الموجودات محتفظا بحقيقته الجوهرية التي لا تدركها محاولاتنا معرفتها مرارا وتكرارا..

mohamed ali alyoussefأ. علي محمد اليوسفولا يعني هذا أن ما لانستطيع ادراكه بالفكر والتعبير عنه باللغة غير موجود فهذه ابتذالية ساذجة في التعبير والفهم قبل ابتذالية عدم أدراكنا الوجود على غير حقيقته.

بهذا المعنى نجد نيتشه كان مصّرا على وجوب الاقرار بحقيقة أن اللغة لا يمكن أن تكون غير تعبير مجازي في تعبيرها عن المدركات الحقيقية دائما.. عليه اللغة تعطينا صفات الاشياء المدركة خارجيا ولا تعطينا الواقع في حقيقته كما نرغب معرفته... لذا تكون ادراكاتنا للاشياء خادعة ليس من الاحساسات الواردة عن طريق الحواس وحسب بل خادعة منقوصة أيضا في لغة الادراك التعبيري عنها فكريا بالوعي..

س3- أ. مراد غريبي: هل تتفقون مع وجهة نظر دي سوسير حين يقول علاقة اللغة بالعالم هي لغة اعتباطية لا تدل على الواقع تماما؟

ج3- أ. علي محمد اليوسف : حسبما أوردته في إجابتي السابقة أستاذ غريبي، يوجد فرق كبير بين عجز اللغة عن القيام بتمام الادراك عن الواقع في تطابق معه, وبين ما اطلق عليه سوسير اعتباطية لغة التعبير عن الواقع.  ونفهم من هذا أن اللغة في الوقت الذي نجهد فيه أنفسنا أن تكون معبّرة تعبيرا صادقا عن مدركاتنا تماما, نفاجأ أن اللغة لا تستطيع التعبير بأكثر مما هو متاح إدراكه لنا عقليا وتعبيرها عنه من تلك المدركات.. ومن ادراكنا بعض موجودات هذا العالم غير المحدود بمحددات مجتزأة وقطوعات غير مترابطة منه لا علاقة بينها تجمعها في أدراكاتنا الفكرية العقلية لها..

إننا غالبا ما نتناسى حقيقة أن الافكار لا تأخذ كامل مدياتها في التعبير عن مدركاتنا اللأشياء وتمظهرات العالم من حولنا كما هي على حقيقتها في الواقع بسبب محدودية ادراكنا لتلك المدركات ومحدودية التعبير عنها لغويا من جهة..وفي عجز العقل الإلمام بها كاملة من جهة أخرى وقبل ذلك قصور حواسنا..

الفيلسوف الانكليزي والترسكوت 815 - 877 يعتبر الواقعي ليس هو كل ما نستطيع التفكير به أو حوله.. بهذا المعنى نذهب الى أن جميع أفكارنا عن الاشياء مجازات من التعبير اللغوي كما عبر عنه نيتشه لتصورات ذهنية بعضها مستمد من تمظهرات الواقع العصّي على استيعاب اللغة له في حقيقته الماهوية الانطولوجية..

وبعضها الآخر يكون أكثر تعقيدا في عجز التفكير الذهني التعبير عن موضوعات إدراكه غير المادية في العالم الخارجي ونقصد بها مواضيع الادراك الخيالي المستمدة من خزين الذاكرة.. فالخيال الذي هو نتاج الفعالية الذهنية الخيالية أوسع فضاءا من امكانية اللغة التعبير عنه وأمكانية الفكر الاحاطة به... فعجز اللغة الاحاطة بالمدركات المادية في الطبيعة يكون مضاعفا مئات المرات في عجز اللغة التعبير عن مدركات المخيّلة المستمدة مواضيعها من الخيال والذاكرة.. خيانة اللغة في عجزها أو في مخاتلتها التعبير عن الخيال العقلي هي أكثر بكثير من خيانة اللغة التعبير عن الواقع المادي.. ولو اني لا اؤمن بنظرية خيانة اللغة قبل خيانة الفكر الفلسفي.

س4- أ. مراد غريبي: معروف من كتاباتكم أن التاريخ لا يستوعبه منهج, وغالبا ما تكررون أن مسار التاريخ مسار اعتباطي عشوائي تقاطعه الصدف غير الضرورية التي تعيق تقدمه الى الأمام نحو أهدافه المرجوة المطلوبة, هل لا زلت تعتبر الصدفة طارئة وتقاطع التاريخ ولا يلزمها منهج تطوري صاعد؟

ج4- أ. علي محمد اليوسف: ما ذكرته استاذ غريبي في سؤالك، انا ملتزم به تماما رغم اني لا اؤمن لا بالعدمية التاريخية من جهة، ولا بالمثالية الساذجة التي تجد الافكار هي التي تصنع الواقع والتطور التاريخي. انا لا اقول الصدفة هي منطلق استثارة لتقدم التاريخ بل هي عامل اعاقة تلازم التاريخ. عندما ربطت الماركسية الصدفة بالضرورة الملزمة لها اوقعت الضرورة في مطب اللامعنى الضروري لها.

المفارقة التي غالبا ما نمرر الكثير من خلالها  الافكار غير المستوفية شروطها المنطقية بنفس المنهج البراجماتي (الذرائعي) الذي يحاول تطويع وسائله التعبيرية لمقتضيات النتائج المتوخاة المطلوبة، من حيث أن المنهج البراجماتي لا يهمه كيفية تناول الافكار بالفهم والمعرفة ماديا أو مثاليا بقدر أهتمامه بنتائج تلك الافكار عملياتيا في التحقق من صحتها بالتطبيق المنهجي المحكوم بالتجربة التي تحقق منفعة.. وليس بما تحويه من اتساق نظري فلسفي منطقي متماسك ظاهريا بما نرضى نحن عنه بالحدس المنطقي.. فالمنطق الفلسفي هو نظريات مجردة لا يمكن الركون لها والأخذ بصحتها إلا من خلال التطبيق العملاني لها بحسب المنهج الذرائعي في المعرفة..

س5- أ. مراد غريبي: هل تستمدون نظرتكم في عدم خيانة اللغة للمعنى المطلوب الدلالة من فلاسفة سابقين بهذا المنحى؟

ج5- أ. علي محمد اليوسف: اقولها لك ولقراء الحوار لم اقرا لفيلسوف قام بتبرئة اللغة من الخيانة وكان سببا مؤثرا في طرحي هذا الاجتهاد الفلسفي الذي ربما يؤاخذني البعض عليه في مصادرة رأيي باعتماده اقصر الطرق انه لا انفكاك بين الفكر واللغة, عليه تكون خيانة اللغة هي نفسها خيانة التعبير عن الفكر في مدركاته.

وغالبا كما أوضحت في سطور سابقة تكون الافكار المجردة النظرية موضع ريبة وشك لا تفي التعبير الفكري اللغوي حقّه من الاستقامة المنطقية والصدق والتي تحمل تناقضاتها بأحشائها الداخلية التي نلمس بعضها تصدر على لسان فلاسفة الذرائعية الامريكية وليم جيمس وتشارلز بيرس وجون ديوي وآخرين جاؤوا من بعدهم.. فتشارلز بيرس يبيح (أن يكون العلم يقبل المصادفات) وهو تعبير يمكن القبول المحدود به إذا ما أخذنا توالي بعض الصدف في سياقها العلمي الصرف وضمن اشتغالات العلم التخصصية التجريبية، ولكن يصعب تمرير هذا الفهم بمنطق المنهج الفلسفي البراجماتي الذي يرى صدقية وسلامة أفكارنا، إنما تكون من خلال مرورها من مصفاة مرشّحات وفلترة التجربة العملانية في تحقيق النتائج المطلوبة المتوخاة من الافكار.. وإلا كانت تلك الرؤى والنظريات والافكار لا قيمة ولا معنى لها.. الصدف تلعب محورا هاما في علوم السوسيولوجيا (الاجتماع والتاريخ) اكثر مما تلعبه الصدف غير المحسوبة في تقاطعاتها مسارات العلوم باختلافها.

س6- أ. مراد غريبي: هل ماذكرتموه حول الصدف له نفس المعنى المنهجي في الماركسية ؟

ج6- أ.علي محمد اليوسف : الماركسية أرادت إنقاذ التاريخ الانثروبوجي للانسان من ورطة عشوائية الصدف الذي لا ينتظمها التفسير الواقعي المادي الحتمي في صنع التاريخ فعمدت الى ربط الصدفة بالضرورة التطورية الحتمية التي تحكم مسيرة التاريخ حسب ما تذهب له..          لذا حسب الماركسية تكون الصدف التي تحدث في حياة الانسان بما لا يحصى إنما تحكمها الضرورة والهدف المسبق الذي يعمل على تسريع تقدم التاريخ الى الأمام، بدلا أن ترجعه الصدف غير المتوقعة الى الوراء أو إيقافه لفترات طويلة في مرحلة معينة.. وهو ما يحتاج لتفسير يحدد لنا تأثير الصدف المتتالية في صناعة التاريخ من دون أي ارتباط لها بالضرورة، و لمن أراد التفصيل يمكنه الرجوع الى مقالتنا المنشورة على موقع صحيفة المثقف ومواقع أخرى تحت عنوان وهم نهاية التاريخ.

 س7- أ. مراد غريبي: هل تمتلكون رؤية منهجية حول دور الصدف في صناعة التاريخ بعيدا عن كل من التفسير المثالي من جهة, والمنهج الماركسي من جهة اخرى؟

ج7- أ.علي محمد اليوسف: في كتابي (العولمة بضوء نهاية التاريخ وصدام الحضارات) شرحا وافيا لمفهومي الخاص حول اهمية لعب الصدف تقاطعها العشوائي غير المحسوب في اعاقة تقدم التاريخ بانتظام نتمناه بالنظريات الاجتهادية لكنا لا نجده يتحقق لا في التاريخ ولا في الحياة التي تحكمنا فيها الصدف في كل شيء بالحياة قبل التاريخ.

والمصادفات في التاريخ والسوسيولوجيا والسياسة هي وقائع ربما ندركها على نطاقهما الانثروبولوجي والمعرفي بأكثر أهمية و وضوح وجلاء عنه في مجال العلم التجريبي التخصصي من حيث صرامة التجارب العلمية في المعرفة بالقياس لانفتاح المجال السوسيولوجي المتاح لتمرير المصادفات على أنها من طبائع الامور بالحياة الاجتماعية التي تحكم الحياة وتحكم التاريخ الانساني معا,,...فالمصادفات هي وقائع ندركها في واقع الحياة اليومية على صعيد السوسيولوجيا ولا نتقبّلها أن تلعب دورا كبيرا في مجال العلم التجريبي بل ولا قيمة علمية لها – اي للمصادفات - بإعتبارها استثناءا تشذ وتخرج عن القاعدة العلمية المستنبطة من سلسلة التجارب العلمية والنظرية في نسقها العلمي المتماسك..

والمصادفات لا تصلح أن تكون مواضيع غير حدسية قبل توّقع حدوث وقوعها.. كما أن حياة الانسان يغلب عليها توالي الصدف التي لا يستطيع درؤها أو معرفة زمن وقوعها ولا يمتلك إرادة دفعها عنه, فالصدف تكون خارج التوقعات وخارج إرادة الانسان التحّكم بها... أن دور المصادفات العفوية اللاضرورية تلعب دورا كبيرا في تصنيعها لحياة الانسان والمجتمع من غير إرادتهما, وليس تصنيع الانسان لحياته بإرادته القاصرة التي تتلقى عشوائية الصدف بلا حول ولا قوة لمنعها أو إيقافها.. فالصدف غالبا ما تقوم بصنع حياة الانسان ولا يتمكن من إيقافها بإرادته فهي تعمل بغير و بمعزل عن إرادة الانسان وتوقعاته لها.. وكذا الحال مع المصادفات غير المتوقعة التي تصيب المجتمعات وترسم الكثير من تاريخها دونما إرادة مجتمعية لها.. عرقلة صدف مسار التاريخ واجب تصحيحها ارادة الانسان فقط.

س8-  أ. مراد غريبي: ننتقل الآن استاذ علي الى جانب مهم يخص الفلسفة الذرائعية الامريكية (البراجماتية) ونتساءل كيف نظر وليم جيمس رائدها الى الميتافيزيقا رغم استماتة الفلسفة البراجماتية بالتجربة والعمليانية في التطبيق للتاكد من نجاعة الافكار الفلسفية تحقيقها المنفعة ؟

ج8- أ. علي محمد اليوسف : نعود لنمضي مع ريتشاردز بيرس الذي أعتبره وليم جيمس الاب الروحي للفلسفة البراجماتية التي أعتمدت كثيرا على أفكار دارون التطورية وأفكار لامارك في بيولوجيا تطور وظائف الاعضاء عند الحيوان والكائنات الحيّة في الطبيعة, أيضا على اعتبار قانون الانتخاب الطبيعي وبقاء الاصلح نزعة علمية في تفسير الحياة على أسس من استقراء بيولوجي - أنثربولوجي متماسك الحلقات تقريبا بالنسبة لخصوصية كل عصر..

كما اعتمدت الذرائعية منجزات العلم التجريبي غير النظري والدفاع عنها رغم ما شابها الكثير من أفكار الميتافيزيقا عند بيرس - وليم جيمس.. يوضّح بيرس قائلا: (الذرائعية أو البراجماتية ليست عقيدة ميتافيزيقية ولا هي تحاول أن تحدد حقيقية الاشياء, إنها ليست سوى منهجا لتقرير دلالة الكلمات والمفاهيم المجردة ) هذه الافكار لبيرس على مقدار ما تحمله من فتح جديد في تأسيس الفلسفة الذرائعية الا أنها لا ترقى الى مستوى طروحات وليم جيمس الناضجة فهو لا ينكر أن تكون الذرائعية منهجا عملياتيا يلاحق الافكار كي يتحقق من جدواها بالتجربة والتطبيق وهي وأن التقت بتعبير بيرس وديوي مع الذرائعية منهجا لتقرير دلالة الكلمات والمفاهيم المجردة بالتجربة ونتائجها, إلا أن جيمس نجده يسقط بورطة ميتافيزيقية أكثر استهجانا من بيرس قوله: (إن إرادة الايمان تشكل حاجزا على مبدأ الذرائعية التي يكون فيها الله وليس المنهج هو المبدأ الاول والاخير لمعرفتنا دلالة الافكار في تعالقها مع معرفة الاشياء)... وهو تعبير ميتافيزيقي غيبي يحاول جيمس التشبث به لتحقيق ما يعجز إثباته بقواه وقدراته الفلسفية, كان بيرس حذّر منه قوله الذرائعية ليست ميتافيزيقا كما ذهب جيمس نفس المنحى لكنهما بالمحصلة لم يكونا كليهما حذرين بما فيه الكفاية من الانزلاق في التعابير الميتافيزيقية التي وقعا بها، وهو ما يتعارض مع المنهج البراجماتي العملاني النفعي والنسق الواقعي للذرائعية بالصميم..

الحقيقة التي لا تقوى الذرائعية نكرانها أو التخلص منها هي رغم ما يبدو في صلب فلسفتها من منهج صارم يقوم على تجريبية واقعية تطبيقية إلا أن أفكار فلاسفتها الثلاث بيرس وجيمس وديوي لم يتخلصوا من نزعاتهم المثالية والميتافيزيقية, فهم في الوقت الذي لا ينكرون وجود العالم الخارجي المستقل الا أنهم يلتقون مع المثالية الابتذالية في معالجتهم العالم المادي من منطلقات ميتافيزيقية مثالية هم أيضا..إن الشيء المهم الذي يحسب للذرائعية الامريكية هو تغطيتها نزعتها المثالية في تسويق مقولتها التي تقوم على أن صدق و صوابية الافكار والنظريات لا يتم إلا من خلال المرور بفلترة تلك الافكار بالتجربة العملانية والوقوف على نتائجها التطبيقية في المنفعة..

س9- أ. مراد غريبي: نفهم من صرامة منهج التجريب في التطبيق الميداني في الفلسفة الذرائعية انها لا تهتم بالافكار النظرية؟

ج9- أ. علي محمد اليوسف : بالضبط تماما التجربة البراجماتية اولا ثم يعقبها اهمية الفكر النظري بعد فلترته بمبدأ الصح والخطأ بمعيار تحقق المنفعة من عدمها.

الحقيقة البراجماتية التي يجمع عليها جيمس وديوي ليست هي الفكرة المجردة التي لم تمر بمختبر مصفاة ترشّيح وفلترة التجربة لها التي هي وحدها تجعل من الافكار وقائع ميدانية عملانية تعطي مردوداتها ونتائجها في تحقيق المنفعة وتخدم قيم تقدم الحياة العامة..فكيف يربط وليم جيمس بين وجود الله ومعرفتنا الاشياء كونه العّلة الاولى في معرفتنا حقائق الاشياء؟

كما أن الذرائعية تدين الاتجاه الذي يرى في الافكار المجردة أنها تعطي دلالاتها التامة من خلال إحالتها على أفكار أخرى مجردة هي الاخرى لم تكن أخذت فرصتها الاختبارية التجريبية للتأكد من صحتها كي تصلح أن تكون معيارا مرجعيا مقبولا لجعل الافكار المجردة المضافة لها التي اكتسبت منها الخروج من خانة التجريد الفكري الى واقع التجربة العملية والتحقق من النتائج المتوخاة المطلوبة منها..

إن دلالة الكلمات والمفاهيم المجردة من منظور ذرائعي لا تعطي دلالاتها الحقيقية بأحالتها الى أفكار مجردة غيرها, بل يتم ذلك بإحالتها الى أفكار تطبيقية هي نتيجة تجارب اختبارية تؤكد حقيقتها وسلامتها في تحقيق المنفعة حسب ما تدعو له الذرائعية، عندها تصبح الافكار المجردة متراجعة كمعيار في الحكم وهي قيد التجربة والامتحان..

س10- أ. مراد غريبي: هل كان تأثير ريتشارد بيرس رائد الفلسفة الذرائعية الامريكية في نزعته اللاهوتية المسيحية تأثيرا مباشرا على تفكير كل من وليم جيمس وجون ديوي بهذا المنحى الميتافيزيقي؟

ج10- أ. علي محمد اليوسف: يحشر بيرس اللاهوت المسيحي في بعض من مفرداته الاكثر ميتافيزيقية في هذا المثال الذي نورده على لسانه ( إن الكاثوليك والبروتستانت يعرفون جيدا أن ليس للخبز ولا للخمر الصفات الطبيعية للحم ولا للدم, والمسألة تتعلق بتأثيرها على نفوس المؤمنين لذا – والكلام لبيرس – لا نفهم شيئا سوى ما يحدث بالحواس من آثار مباشرة وغير مباشرة, والتحدث عن غرض له كل الخصائص المادية التي للخمر كما لو كانت بالفعل دما, ماهي الا رطانة خالية من المعنى ).

ما الذي يحاول بيرس البرهنة عليه من مثاله اللاهوتي الميتافيزيقي الذي مررنا عليه وهو لا يحتاج الى جهد كبير في معرفة تأويله المجازي على المستوى العام قبل المؤمنين الذين قصدهم من الكاثوليك والبروتستانت المسيحيين..؟؟

من المفروغ منه أن مفاهيم الأديان جميعها وبلا استثناء إنما تقوم على أفكار الميتافيزيقا (غيبيات ما وراء الطبيعة) التي لا تضيف مناقشتها رصيدا فلسفيا يمكن أعتماده.. لذا تكون أفكار اللاهوت الديني بعيدة عن محاكمتها بمنطق الفلسفة خاصة الذرائعية التي ترى أن كل المفاهيم والرؤى والتصورات لا قيمة حقيقية لها إن لم يجر(ي) تمريرها من مصفاة التجربة العملية, لذا نجد بيرس أقحم قضية دينية ميتافيزيقية في معالجات تنظيرية خاصة بالبراجماتية كفلسفة بعيدة جدا عن مناقشة قضايا دينية لا يجب معاملتها بمنطق الواقع.. هذه الافكار الدينية اللاهوتية جعلت وليم جيمس يقتفي آثار بيرس في مؤلفاته من منطلقات إيمانية دينية غيبية تتقاطع بالصميم مع التنظيرات الفلسفية البراجماتية في جوهرها العملاني الواقعي والا فما معنى ان يقوم جيمس في مناقشة كيفية الاستدلال على وجود الله من منطلق أخلاقي براجماتي قوله (إن الافكار الدينية تتيح لنا أن نحيا بشكل جيد, وأن الله وليس المنهج هو المبدأ الاخير لدلالة الاشياء ).., لا تختلف هذه التعابير عما سبق لبيركلي القول به في ابتذاليته المثالية الذاتية الساذجة التي عزا فيها عجزنا ادراك أي شيء ليس مهما إذا ما علمنا أن الله يدركه بما لا ندركه نحن أنه موجود...وهل تكفي مدركات الله لمعرفة مدركاتنا التي تحتاج الى منظومة فكرية عقلية في تمشية امورنا بالحياة؟؟ هنا انا اؤكد على ان الله ضرورة حياتية للانسان, وبين ما ذهب له وليم جيمس أن الله هو المبدأ الاول لدلالة الاشياء على حد قوله.

والشيء الأهم أن وليم جيمس لم يكن الفيلسوف الوحيد الذي يكشف عن إيمانه الديني بوجود الله لكن إقحام الافكار الدينية الميتافيزيقية في تفسير قضايا فلسفية تقوم على مرتكزات منطقية لا يمكن تمريرها بسهولة في وقت نبحث فيه عن الاتساق النسقي الفلسفي في الذرائعية في موازاة ملازمته منهج التطبيق العملاني الواقعي...وفي وقت نجد البراجماتية في صلب توجهاتها أن ليس هناك للكلمات والمفاهيم المجردة أية قيمة سوى ما تتركه من أثر ملموس في مفاعيل تلك المفاهيم على المتلقين لها من نتائج عملية بالحياة, وإلا فهي لا تستحق الوقوف عندها..أين هذه التوجهات الذرائعية بضوء تناقضات بيرس حين يقول ( الذرائعية منهج لا يستبق شيئا سوى نتائج تطبيقه) ومن بعده جون ديوي تأكيده (حين نريد اكتشاف دلالة الفكرة علينا التفتيش عن نتائجها في التجربة).. وكلها منطلقات واقعية تجاربية صرفة بعيدة جدا عن أي تفسير ميتافيزيقي أو لاهوتي ديني.

س11- أ. مراد غريبي: كيف ظهرت الفلسفة الواقعية الجديدة, وهي في حقيقتها تيار فلسفي ولد من رحم الفلسفة الذرائعية الأم؟

ج11- أ. علي محمد اليوسف: الواقعية الجديدة وريثة الفلسفة الذرائعية, ظهرت  تحت عنوان ((The new Relatism كفلسفة أمريكية خالصة شأنها شأن الذرائعية تحت عنوان :                                                                                       

A program and first platform of six Realists                             

كونها تضمنت مشاركة ستة فلاسفة في شرح ماذا تعني الفلسفة الواقعية الامريكية الجديدة. واستعارت الواقعية الجديدة الامريكية وريثة الفلسفة الذرائعية عن وليم جيمس فكرة :

1- (إن الوعي ليس جوهرا بل وظيفة )

2- (إن الوعي تجربة صرفة لا طبيعية ولا عقلية بل محايدة)..

والعبارتان بما تخصّان (الوعي) تحتاجان الى مناقشات ليس لها بداية ولا آخر, وسنتناولهما هنا بما يسمح به المجال في عدم خروجنا عن متن موضوع السؤال.

لتوضيح عبارتي وليم جيمس هي أن تكون الافكار معارف يستقبلها ويطلقها الوعي ليس كجوهر متعالق ومتداخل بها من جهة ومتعالق مع العقل من جهة أخرى, بل الوعي في المنهج البراجماتي وسيلة معرفية شأنها شأن اللغة في توصيلها المدركات العقلية, والوعي محور مركزي في وظيفة تمكين العقل معرفة الاشياء والمدركات, من حيث يتعذر علينا الفصل بين الوعي والعقل تجريديا كما يرغبه جيمس قوله: الوعي تجربة محايدة وليست عقلية ولا طبيعية, والوعي في الوقت الذي يكون فيه وسيلة استدلال معرفي وحلقة وصل وظيفية بين العقل ومدركاته لا يمكننا اعتباره وظيفة أو تجربة محايدة في عملية الادراك حسب تعبير وليم جيمس ايضا, فالوعي ليس (موضوعا) لإدراك عقلي كي يكون جوهرا منفصلا محايدا بل الوعي هو تفكير متداخل في صلب العقل المعرفي للاشياء, والوعي بدون ملازمته التداخلية الصميمية بالعقل لا يمكن أن يكون هناك إدراك سليم لموجودات العالم الخارجي  فلا وجود وعي قصدي,ولا حيادية قائمة يمكن الركون على سلامة وقوعها للوعي بإعتباره تجربة محايدة صرفة قائمة بإنفراد ليست عقلية ولا طبيعية بل هي محايدة..

الوعي ليس تجربة محايدة من خلال اعتباره وظيفة حسب الفهم البراجماتي, بل هو جوهر نافذ ومتنفذ غير منفصل عن منظومة الادراك العقلي بالقيام بدور معالجة المدركات الواردة ونقل مقولات العقل بشأنها أيضا في تداخله الصميم كحلقة وصل إيصال المحسوسات للعقل ونقل وإصدار ما يعطيه العقل من تفسيرات وعلاقات لها.. الوعي هو التجسيد الحقيقي لمنظومة الادراك بدءا من الحواس والى الذهن عبر الجهاز العصبي وأخيرا نقل الوعي أفكار العقل في تعبير اللغة عن الاشياء بالعالم..لذا يكون الوعي حلقة من حلقات منظومة الادراك العقلي ولا يكون موضوعا مدركا مستقلا..

ربما تكون حيادية المحسوسات التي مصدرها الحواس في علاقتها الادراكية المعرفية بالعقل هي أقرب الى الاقتناع من قولنا الوعي تجربة محايدة لا طبيعية ولا عقلية حسب ما تقول الذرائعية والواقعية الجديدة... والأنا كجوهر هي وعي ذاتي يسترشد العقل على الدوام في بيان معرفة حقيقة مدركاته ولا يمكن للوعي أن يكون تجربة محايدة في الادراك..وإذا جاز لنا التعبير أن العقل يكون موضوعا مدركا من العقل ذاته, عندها يصبح جواز القول أن الوعي هو موضوع محايد بمعزل عن العقل.. والعقل موضوع محايد عن الوعي....وهو ما يدخلنا في سفسطة لغوية منطقية تعبيرية لا معنى حقيقي لها..

س12- أ. مراد غريبي: كيف ترى الفروقات الفلسفية الجوهرية التي خرجت من رحم الذرائعية الامريكية, خاصة لدى فلاسفة الواقعية الجديدة؟

ج12- أ. علي محمد اليوسف : تقوم أطروحات الواقعيين الامريكان الجدد الذين يرومون تطوير الفلسفة الذرائعية الأم على ثلاث مرتكزات في تداخلها معا هي:

  • فلسفة المعرفة ليست أساسية من الناحية المنطقية, بعبارة أخرى لا يمكننا استخلاص طبيعة الواقع من طبيعة المعرفة.
  • لا وجود للقضايا الوجودية أو غير الوجودية تكون سابقة على فلسفة المعرفة.
  • المعرفة بوصفها علاقة فهي تنتمي للعالم نفسه الذي ينتمي إليه موضوعها, وبالتالي يكون كل موضوع هو حاضر بشكل مباشر في الوعي, والفرق بين ذات الوعي وموضوع الوعي(المعرفة) ليس فرقا بالكيفية ولا بالجوهر بل فرقا بالدور أو في الموقع أو في التشّكل..

يمكننا استخلاص أكثر من ملاحظة فكرية بضوء ما أدرجناه عن الواقعية الامريكية الجديدة:

  • الواقعية الجديدة الامريكية فلسفة تلتقي أنماط المفاهيم الوجودية عند (سارتر, هيدجر) بالمعنى المشترك بينهما كمفاهيم فلسفية مجردة وليس كمفاهيم خاضعة لحتمية التجربة الذرائعية.. فالاشياء في فرادتها الانطولوجية تكون موجودة حتى لو لم يكن لدينا وعي بها وبأدراكها..
  • مقولة الواقعية الجديدة لا يمكن استخلاص طبيعة الواقع من طبيعة المعرفة مقولة تحتاج الكثير جدا من التوضيح للاقتناع والتسليم بصحتها.. الشيء الذي أجده ملفتا النظر انها تعتد بهذه العبارة المنهج المادي الذي يرى بالوجود الواقعي هو خالق المعرفة وليس العكس مع بعض الفلاسفة المثاليين الذين يحاولون تطويع الواقع للفهم التنظيري.
  • الكليات كمواضيع إدراك متعذر علينا الوعي بها ومعرفتها كاملة كما هي إنما هي تظل وجودا قائما بأستقلالية حتى حين يكون لنا وعي عاجز عن إدراكها أكثر من تجزئتها تحليليا .
  • ميزة الواقعية الجديدة في خروجها على الذرائعية أنها أيّدت حقيقة الكليات التي تعارض كل من ديوي وجيمس وذرائعيي مدرسة شيكاغو، إذ لا شك في وجود العالم الخارجي المستقل قبل كل شكل من أشكال المعرفة والادراك.
  • تعتبر الواقعية الجديدة الامريكية الفلسفة الامريكية الثانية وريثة الذرائعية التي حاولت إخراج الفلسفة الامريكية من المستنقع السايكولوجي الاستبطاني والحدسي والمنطقي الارسطي الذي كانت قد انزلقت اليه بهدف حملها الوقوف على أرض صلبة .
  • إن الوعي ليس جوهرا قائما بذاته كما هو ليس تجربة خالصة منّبتة محايدة مبتورة عن العقل,لذا فالوعي وظيفة مادية وعقلية ماهوية مستمدة من جوهر العقل في تعالقهما المشترك وتخارجهما معا في إدراك الاشياء وفهمها وتفسيرها..لذا يكون جوهر الوعي غير منفصل عن جوهر العقل.

س13- أ. مراد غريبي: نفهم مما ذكرتم، تعتبرون الوعي نتاجا نظاميا غير محايد في الادراك المعرفي والطبيعي الذي يقول به وليم جيمس؟

ج13- أ. علي محمد اليوسف: إعتبار الوعي تجربة خالصة كما تذهب له الذرائعية الاميريكية  تعبير لا يحمل معه التفسير البراجماتي العملي والعلمي معا..لأننا لا يمكننا إعتبار الوعي تجربة خالصة محايدة حسب رغبتنا الذرائعية, في حين كل معطيات العلم والمعرفة تؤكد أن الوعي فعل قصدي سلوكي معرفي يتداخل مع العقل ويتكافل معه في معرفة وتفسير مدركاتهما.. وابرز القائلين بهذا هو جون سيرل الفيلسوف الامريكي.

وتجربة الوعي لا تكون تجربة خالصة لوحدها وهي تمثل تجربة العقل في الادراك والمعرفة.. وتجربة الوعي وتجربة العقل واحدة لا يمكن الفصل بينهما من حيث أنهما إدراك مشترك واحد لشيء أو لمجموعة موجودات ومواضيع تتم معرفتها بتداخل الوعي والعقل وظائفيا..         ومن الممكن أن نعتبر الوعي وظيفة أو وسيط في نقل مدركاته الحسية الى العقل وبالعكس في نقل مقولات العقل عن مدركاته في العالم الخارجي, وبهذا المعنى لا يكون الوعي وسيطا ناقلا محايدا بين مدركات الحواس ومدركات العقل, فالوعي هو حلقة متداخلة في منظومة معرفية متكاملة تبدا بالشيء كموجود، ومن ثم بإدراك الحواس له, ومن ثم إستقراره كوعي في الذهن وأخيرا تأتي مقولات العقل النهائية بشأن مواضيع مدركاته... لذا الوعي في حالة إدراكه الاشياء غير العاقلة في الطبيعة فهو لا يدركها ألا كوسيط بين الحواس والذهن..                  لهذا من الخطأ اعتبار الوعي تجربة خالصة لذاتها ومحايدة في أدراكها الموجودات في العالم الخارجي..بماذا نستدل على أن الوعي كاف أن يكون تجربة خالصة؟ كيف؟ ٨ألا إذا ما أخذنا الوعي هو وظيفة أبستمولوجية ليست محايدة ولا منفصلة وليست قائمة كتجربة موضوعية لوحدها من دون أعتبار الوعي حلقة في منظومة معرفية متكاملة تبدا بالوجود ولا تنتهي بالعقل.

س14- أ. مراد غريبي: هل هناك فلسفة امريكية بلحاظ (بصفات) الفلسفات الالمانية والفرنسية والانجليزية والصينية؟

ج14- أ. علي محمد اليوسف: الحقيقة الشاخصة تاريخيا امامنا ان الامريكان لا يمتلكون الى بداية القرن العشرين غير فلسفة واحدة وحيدة هي (البراجماتية) او الذرائعية، والسبب بذلك ان تكوينات المجتمعات الامريكية ولا اقول المجتمع الامريكي كان هاجسه الوحيد هو النزعة الراسمالية في جني الارباح المالية. بعيدا عن الاهتمام بنواحي فكرية لا تخدم مثل هذه التوجهات العملانية بالحياة... لذا نجدهم اعطوا اهمية استثنائية لمجالات اقتصادية سياسية بعيدة عن الاهتمام بالافكار الفلسفية التي اعتبروها شغل من لا شغل له بالحياة العملية المجتمعية التي تتكالب على الربح وجمع الاموال.

ما جعل هذا يثير حنق وانزعاج الفيلسوف الانكليزي المسيطر على الساحة البريطانية لقرن كامل بيرتراند رسل وصفه الذرائعية الامريكية انها فلسفة نذلة وخسيسة. اما ان الاميركان قبل بداية منتصف القرن العشرين حين تسيدت فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات والتحول اللغوي وفائض المعنى اللغوي العالم باسره نجدهم استلموا الراية من الفرنسيين والاوربيين عموما لينتجوا لنا تيارات فلسفية أخذ فلاسفة فرنسا والمانيا وانكلترا يعتاشون عليها.

س15- أ. مراد غريبي : هل هناك معالم لفلسفة أمريكية؟

ج15- أ. علي محمد اليوسف: اي فلسفة امريكية  ونحن نجد الان الساحة الامريكية تعج بتيارات فلسفية لا حصرلها؟ الفلاسفة الاميركان بعدما وجدوا ان الفلسفة البراجماتية العتيدة تلاشى بريقها ولا اقول تاثيرها السياسي والاقتصادي لجأوا اتباع (حيلة) استقدام ابرز فلاسفة اوربا على اختلاف توجهاتهم العيش في امريكا والتدريس بالجامعات الامريكية منهم مثلا بول ريكور , ودريدا, والاسباني سانتيانا وعشرات اخرين من دول العالم. فاصبحت الجامعات الامريكية في استيعابها هذا التنوع الفلسفي مفاقس تفريخ تيارات فلسفية امريكية جعلت بعض فلاسفة اوربا يعودون الى بلدانهم بغية اعادة تلميع انفسهم وافكارهم الفلسفية التي ابتلعتها وهضمتها تيارات التجديد الامريكي الفلسفي.

اما عن ماهي معالم الفلسفة الامريكية فسأبيح لنفسي ان قصد البراجماتية التي من بعض مميزاتها اختصارا:

  • فلسفة واقعية عملانية لا تؤمن بسحب الفكر العلم والعقل وراءه, لذا لا يمكن تمرير نظرية فلسفية او فكرية او ايديولوجية ما لا تخرج باختبار مصنع التجربة التطبيقية في تحقيقها منفعة.
  • الذرائعية لا تعتبر الفكرة ايا كانت صحيحة في اتساقها التنظيري المقنع حدسيا قبل دخولها مختبرات التحقق من صوابها علميا.
  • كل نظرية لا تحقق منفعة بالتطبيق لا اهمية لها ولا معنى الاهتمام بها.

س16- أ.مراد غريبي: من المثالية والعملانية في مدارس الفلسفة الامريكية المعاصرة يتبادر للذهن تناقضات جوهرية بين القول الفلسفي والمدارات والمديات الفلسفية؟

ج16- أ.علي محمد اليوسف: الذرائعية الامريكية الام التي رافقت تنامي الاتجاه الراسمالي السياسي الامريكي والاوربي عموما, واخذت التماهي مع التطور الاقتصادي – السياسي, كانت فلسفة عملانية بمنطق مؤدلج سياسيا ولم تعر كثير اهتمام بالافكار الفلسفية الموغلة بالتجريد, اما التيارات الفلسفية الامريكية التي اهتمت بفلسفة اللغة فهي اوغلت بالتجريد الفلسفي الى حد الاستعصاء في التلقي وحاولت جاهدة انقاذ الفلسفة البراجماتية الام من احتضارها وتلميع صورتها التسويقية دونما جدوى.

س17- أ. مراد غريبي:  هل عمل رورتي على نقل الفلسفة الامريكية من المنطق الايجابي او   الفلسفة التحليلية نحو التماهي بالمجال الفلسفي الاوربي تأسيسا على مقاربات ديوي لمثالية نيتشه ؟

ج17- أ. علي محمد اليوسف : لو سمحت لي استاذ غريبي افكك التداخل في الانتقالات التي ضمنتها في سؤالك:

  • رورتي لا يمثل الفلسفة الامريكية الموزعة ضمن تيارات فلسفية عديدة تجد لكل فيلسوف يمتلك رؤية فلسفية خاصة به.
  • بعد استلام الفلاسفة الاميركان الراية في فلسفة اللغة من الاوربيين لم يعودوا مستوردين لافكار فلسفية اوربية, بل اصبحو هم المصدرين لها في فلسفات جومسكي, رورتي, سيرل, كواين, وغيرهم عديدين.
  • قد تجد في افكار نيتشه الفلسفية على شكل شذرات تاثيرا بسيطا على فيلسوف بحجم ومكانة جون ديوي. لكن الميراث الفلسفي الذي تركه ديوي لا يقارن بافكار نيتشه التي اخذت اكثر من استحقاقها.

       انتهى و يتبع ح2

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟