حوار مع المفكر الفلسفي الأستاذ علي محمد اليوسف حول التيارات الفلسفية الامريكية (2) - حاوره: الأستاذ مراد غريبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

استكمالا للحوار الفلسفي مع  المفكر الأستاذ علي محمد اليوسف، هذه الحلقة الثانية خصصناها حول التيار الفلسفي الأمريكي الأول الذي كان  فيه لوليم جيمس تاثيرا قويا مباشرا على ستة فلاسفة امريكان, في اصدارهم كتابا موحدا تحت عنوان (الواقعية الجديدة) وريثة الفلسفة الذرائعية  الامريكية..
إليكم نص الحلقة الثانية من الحوار:

س1- أ. مراد غريبي: تكلمنا في القسم الاول من حوارنا حول تيار الفلسفة الامريكية (الواقعية الجديدة The new Realasim) هل تبين لنا بمن تاثرت من فلاسفة رواد فلاسفة الذرائعية الامريكية الام , ريتشارد بيرس, جون ديوي, وليم جيمس, وأي افكار فلسفية براجماتية كانت مرتكزا فلسفيا اتخذته الواقعية الامريكية بدايات لها؟

ج1- أ. علي محمد اليوسف: في العام 1904 اصدر وليم جيمس مقالة مهمة بعنوان جذاب (هلي الوعي موجود؟) ولاقت افكار مقالة جيمس هذه صدى كبيرا وتاثيرا مباشرا تمهيديا في انبثاق تيار فلسفة الواقعية الجديدة, واعتبر الفلاسفة الاوائل المؤسسين لهذا التيار الفلسفي انهم الوريث التجديدي للفلسفة الذرائعية الامريكية ورفعوا شعار انهم المجددون لها.

كان ابرز الرواد الثلاثة للذرائعية الامريكية وليم جيمس الذي اخذوا فلاسفة الواقعية الجديدة منهجهم الفلسفي عنه الذي يتحدد بالمرتكزين التاليين :

الفكرة الاولى: لا وجود لمادة أو لكيفية أولى خاصة بالكائن تتميز عما به تكوّن الموضوعات المادية, بل ثمة وظيفة بالتجربة تؤديها الافكار, والوظيفة تكمن بالمعرفة......

ما نفهمه من العبارة أن الوعي بالمدركات الحسية تجربة معرفية محايدة, ووظيفة بمعنى الوسيلة أو الوسيط وليس كيانا جوهريا أستدلاليا معرفيا قائما بذاته يمكننا الاحتكام له كحقيقة منطقية متعالقة بالعقل من جهة وفي التعبير اللغوي والفكري عن مدركات الموجودات الحسية من جهة أخرى...

فالوعي هو تصورات الافكار العقلية لمعرفة العالم والاشياء وليست موضوعا قائما بذاته مدركا من غير صاحبه وقد ناقشنا هذا الطرح في عدة مقالات سابقة لنا نوضّح جانبا منها لاحقا بضوء الفهم الذرائعي للوعي عند وليم جيمس.

الفكرة الثانية: التي اخذتها الواقعية الجديدة الامريكية عن جيمس هي التجربة الخالصة لا لزوم قسمتها الى وعي والى مضمون وعي, فتجاربنا ليست موجودة وحسب بل هي معروفة, والكيفية الواعية يمكننا تفسيرها من خلال علاقاتها المتبادلة,.

من الحقائق الفلسفية التي بدأها كانط وأعتمدها هوسرل بمنهجه الفينامينالوجي(الظاهراتي) أن الوعي يحمل ويدّخر موضوعه أي (مضمونه) في المسكوت عنه الخفي في عجز اللغة الاحاطة به.. وليس هناك وعي سليم طبيعي لا يكون قصديا يحمل معه هدفه.. والوعي بلا مضمون ثرثرة وهراء لا معنى له, وقد أعتمد هذه المّسلمة الفلسفية كلا من هوسرل ومن بعده كلا من هيدجر وسارتر, والأهم أعتمدها جون سيرل وهو من فلاسفة الذرائعية الامريكان المعاصرين ألمتأخرين....لكن الفضل الاول في إلزام الادراك بالوعي القصدي كان لبرينتانو.

نحن مع أستحالة أن يكون هناك غير المعنى الحقيقي لقول فلاسفة الواقعية الجديدة (لا لزوم الى قسمة التجربة الى وعي والى مضمون وعي) فليس من الممكن حدوث مثل هذه القسمة التي تحذر الذرائعية السقوط المعيب فيها كون الوعي وحدة ادراكية معرفية كلية لا تقبل القسمة على نفسها كوعي صفة بلا مضمون والى وعي محتوى بمضمون. الوعي هو تجريد لغوي يتخذ شكل اللغة والمضمون.

الوعي هو ادراك عقلي فكري واحد من التجربة المعرفية ذي وجهين,أي هو وعي واحد بمضمون موحد وألا وقعنا في أستحالة أدراكية من حيث أن الوعي بلا مضمون هو وعي غير ممكن عبثي عشوائي لا يحمل معنى الوعي الحقيقي ولا يمكننا التأكد من أمكانية حدوثه عند الشخص السوي في وعيه لذاته ولموجودات العالم...الوعي مضمون عقلي فكري مادي وليس تجريدا لفظيا لغويا فقط في التعبير عن المدركات...

س2- أ. مراد غريبي: هل من الممكن إعطائنا مرتكزات عن الفلسفة الامريكية البراجماتية بروادها الاوائل الثلاث ريتشارد بيرس , جون ديوي, وليم جيمس؟ وهل لا زال تاثيرهم الفلسفي فاعلا بالفكر الفلسفي الغربي والامريكي تحديدا؟

ج2- أ.علي محمد اليوسف: دعني أستاذ غريبي اصارحك بشيء كنت اجهله او اتجاهله ان الفكر الفلسفي البراجماتي توقف تاثيره وشاخت نظريته الا اني اتضح لي بعد ان كتبت سبعة مقالات عن التيارات الفلسفية الامريكية توصلت لحقيقة ان الفلسفة البراجماتية ليست فلسفة افكار تجريد بعيدة عن فهم ما هو المطلوب منا كي نفهم الحياة كما نرغب منها ان تسعدنا وتحل مشاكلنا. والفكر البراجماتي حيّا شغّالا لانه يحتكم الى منطق التجريب العلمي وليس منطق التجريد الفكري الفلسفي. وكذا الماركسية الند لها.

الفلسفة البراجماتية هي فلسفة التطور العلمي الذي بضوئه يتحدد مستقبل حياتنا, البراجماتية منهج علمي بالتفكير ربما يهتدي العلم به ولا يهتدي هو بالعلم. لقد ارادت الفلسفات الالمانية والفرنسية والانجليزية انقاذ تاريخ الفلسفة من نفقه المظلم في اجتراره افكاروقضايا لامعنى لها, وإفتعل إشكاليات باسم الفلسفة لا قيمة حقيقية لها. فوصلوا مع تيارات فلسفة اللغة المتشعبة المتنوعة الى طريق مسدود قفلته على نفسها ضمن احتضان وليدها اللغة وعلوم اللسانيات وما يتعالق بها.

دعني اعطيك مثلا أستاذ غريبي، في احدى مقالاتي ذهبت الى ان الفلسفات الفرنسية تحديدا التي قادت تاريخ الفلسفة لخمسة قرون ويزيد تحت لعبة وهمية ابتدعتها تحت عنوان التحول اللغوي وفلسفة اللغة ونظرية فائض المعنى, وانه آن الاوان لتصحيح تاريخ الفلسفة المليء بالاخطاء من خلال البدء بملاحقة تصحيح معنى اللغة في الفكر الفلسفي.

واستطيع الجزم القاطع ان هذه الدعوة الاستغفالية الفلسفية ادخلتنا بمتاهتها الفلسفية البنيوية في بداياتها وتاثرها بمرحلة ما بعد الحداثة, وسبقتها الوجودية في الهجوم على الماركسية التي اوهمتنا على حد زعمهم بكتاب راس مال ماركس انه الكفيل بحل اشكالية العالم الدائمية القائم على التفاوت الطبقي بين من يملك كل شيء وبين من لا يملك شيئا.

وجاءتنا الطامة الكبرى في تاولية بول ريكور وتفكيكية دريدا وعدمية جياني فيتيميو التي القت كل اخفاقات تاريخ الفلسفة القائم على خيانة اللغة بالمعنى ووصل الفرنسيين والالمان والانجليز الى الاصطدام بجدار الوهم ولكن اين الحل في تصحيح مسار تاريخ الفلسفة الذي اغتالته مخاتلة اللغة في عدم امكانية اعطائنا حقيقة تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية؟ ما هو المتحقق في تصحيح مسار فلسفة اللغة في نقد معنى اللغة المتلاحق المستمر؟ لم يستطع احد الاجابة.

ربما تقول أستاذ غريبي، ولكن اين الاجابة عن سؤالي من استعراضك لهذا التيه الفلسفي؟ الان اضع امامك ما استطعت الالمام به أن الفلسفة الامريكية لم تمت لأنها فلسفة العلم وليس فلسفة انشاءات تجريدة غامضة غائصة في لامعنى دلالي غير موثوق بصدقها. علما اني اجد مستقبل البشرية يحتاج انماط اشتراكية وليس انماطا تعزز تجذيريا الواقع الكارثي الذي سيصله مستقبل البشرية اكثر من حاضرها. وبهذا لا استبعد سيكون مستقبل الفلسفة مع العلم. ولا القي باللائمة على عالم الفيزياء ستيفن هوكنج مقولته الفلسفة ماتت امام منجزات العلم المذهلة.

ساسرد لك بعض ما أردته انت اجابة عن تساؤلك عن اقطاب البراجماتية الامريكية الثلاث لتجد كيف قلبت تاريخ الفلسفة خارج لعبة التحول اللغوي وفلسفة اللغة, هذه المنطلقات البراجماتية التي نسفت تاريخ الفلسفة كانت بدايتها علي يد ريتشارد بيرس منذ عام 1878 في مقالة له نشرها بعنوان (كيف نوضح افكارنا؟) متاثرا بكانط ما جعل وليم جيمس الطبيب وعالم النفس ينهض مرددا بيرس يحملني تكملة رسالة ماكان يراودني واتجه نحو دراسة الفلسفة.علما أن أهمية تمرد البراجماتية بهذه الراديكالية عل التشكيك المطلق بزيف تاريخ الفلسفة كان سبق, تمرد فلسفة اللغة في الدعوة  لتصحيح تاريخ الفلسفة القائم على اوهام فلسفية.

نبدأ مع بيرس في رؤوس نقاط :

  • يعتبر بيرس الكلمات والفكر هي ادوات للتنبؤ المستقبلي في البحث عن كيفية صنع سعادتنا الارضية بالحياة. وبهذا المعنى ادان بيرس كل تاريخ الفلسفة القائم على مقولة وظيفة الفكر وصف الواقع أو التعبير عنه بالكلمات. وليس من مهام الفلسفة تغيير الواقع ولا تبديله. حتى ماركس امتعظ من عشوائية تاريخ الفلسفة وتوزع الفلاسفة بانقسامات مفتعلة لا تمتلك ادوات تجديدية خاصة بها يؤخذ بها.
  • معظم معلومات الفلسفة حسب ريتشار بيرس مثل طبيعة المعرفة, اللغة, المفاهيم, المعنى, المعتقد, العلوم. افضل الوجوه التي يقبلها العقل التجريبي لها يكمن في قابلية استخدامها العملي ونجاحها بالتطبيق. واضح بيرس كان يرى اهمية تبديل الواقع على اساس من تحقيق المنفعة هو الاجدى صرف الجهود له بدلا من المعارك الفكرية الفلسفية المتطاحنة عبر العصور.
  • انكر بيرس على العكس ما اؤمن انا به بالاستناد الى علم وظائف اعضاء المخ, ان يكون الادراك اول مدارج المعرفة, وقال ما نعتقده يختلف كثيرا عما يتعين علينا التفكير به. ربما بالمرور في متن هذا الحوار الرد على سؤال استاذ مراد في الفرق بين الادراك والوعي يمنحني وجهة نظر فلسفية قد يكون تقديرها جداليا صائبا أو خاطئا في اني لا زلت اعتبر الادراك الحسي اولى درجات الوعي..

انتقل الى جون ديوي الفيلسوف البراجماتي الرائد الثاني ماذا يقول:

  • جون ديوي يعلنها واضحة صريحة مباشرة ان كل موروثنا في تاريخ الفلسفة باطل ولا معنى حقيقي له بضوء البراجماتية وليس بضوء تيارات فلسفية اخرى لا تزال تلوك وتجتر الكوجيتو قال ديكارت وقال نيتشة وهلم جرا.

ديوي يستند فلسفيا إدحاضه تاريخ الفلسفة القديمة أنه يبدا بالتصورات الذهنية المجردة التي ترغب تطويع قضايا الواقع في مطابقتها الفكر المسبق عنها, وبمقدار صدق التصورات تكون النتائج. فالفلسفات القديمة تدعو الواقع ان يفرض على البشر معنى الحقيقة. ليس هناك حق او حقيقة ابتدائية تفرض نفسها على الواقع. هكذا يرى ديوي تحليل الامور بما يتحاشى تسميته ماديا بل يطلق عليه واقعيا.

في تعقيب مقتضب ديوي يدين التصورات التفكيرية القارة المسبقة التي بضوئها يتحدد نتائج النجاح او الاخفاق في حين المطلوب ان تكون التجربة هي من يحدد صلاحية افكارنا من خطئها. بمعنى اوضح التجربة التطبيقية تسبق ثانوية الفكر الذي نحاول تغيير الواقع به لا تغيير الواقع التجريبي تصوراتنا الذهنية وقناعاتنا المسبقة.

  • يذهب جون ديوي الى ان العقل ليس اداة للمعرفة وانما هو اداة لتطور الحياة وتنميتها, فليس من وظيفة العقل ان يعرف وانما القيام بخدمة الحياة.

هنا أجد جون ديوي مخطئا بعبارته من ناحية التقديم والتاخير في صياغته لعبارته, عندما نقول العقل اداة للمعرفة منذ عصر ديكارت هذا لا ينفي أن دور العقل لا يبني الحياة بالمعرفة. اذن كيف يكون العقل اداة في خدمة الحياة اذا لم يكن مزودا بالمعرفة؟ تطور الحياة تقوم على وظيفة العقل في مراكمته المعارف وبغير ذلك يفقد العقل وسيلة كيف يقوم بوظيفته خدمة الحياة.

بالانتقال الى الرائد الثالث المميز بالفلسفة البراجماتية وليم جيمس نجده يقول:

  • يرى جيمس في البراجماتية ان المنفعة العملية المتحققة هي المقياس الوحيد لصحة الشيء. ويؤكد ان البراجماتية منهج متحرر بالكامل في التفكير.

لو نحن سمحنا لانفسنا دحض هذا التفكير فان الهدف القصدي المسبق الذي يسعى تحقيق المنفعة في التجربة والتطبيق سلفا انما يكون بذلك صادر حرية الفكر من التعبير عن نفسها. تلك الحرية المفتوحة التي ينادي بها اقطاب الفلسفة البراجماتية المؤسسين جيمس اشدهم تحمسا.

هنا جيمس يصادر تصوراتنا عن معرفة الاشياء ما لم نضع بحسابنا مسبقا كل تفكير لا ينجب لنا من خلال التجربة والتطبيق منفعة هو تفكير خاطيء لا معنى له. وبهذا تكون نتائج التجربة بالمنفعة ألزمت الافكار قبل التحقق من امتلاكها الحرية في عدم الزامها وجوب تحقيق منفعة. ليس صحيحا ان تكون جميع تصوراتنا عن الاشياء والعالم خاطئة لمجرد انها لا تحقق منفعة بالتطبيق.

  • كما يرى وليم جيمس "مطابقة الاشياء لمنفعتنا, وليس مطابقة الافكار للاشياء"هذا هو المعيار الحقيقي الذي يجده جيمس يخدمنا بالحياة العملانية التي نعيشها.
  • كما يؤمن جيمس ليس على طريقة شوبنهاور التشاؤمية ان الارادة الانسانية الذاتية كفيلة بتحقيق المعجزات للانسان الذي يعتمدها بصدق. وطبق مقولته هذه حين مرض بمرض خطير تمكن من استعادة صحته بقواه الذاتي الارادة. بالمناسبة لا يبدو غريبا ان مؤسسي البراجماتية الثلاث جلهم درس الطب وتخصص به قبل انتقالهم للفلسفة.

س3- أ. مراد غريبي: هل ترى انه بعد ان استقر الوعي على ملازمته صفة القصدية عند هوسرل وسارتر وهيدجر ليكون اخيرا مبحثا مثيرا لدى الفلاسفة الاميركان بعدما ظل يتجنب الفلاسفة الخوض في معتركه لما يحتويه من جوانب شائكة معقدة اهمها هو ان الوعي وسيلة ادراك الاشياء والموجودات وليس موضوعا لادراك عقلي في تجريده عن الادراك وتعبير اللغة, كيف توضح لنا هذا التداخل في مبحث الوعي؟

ج3- أ.علي محمد اليوسف: لا يوجد وعي خالص كما أدانه سارتر كمصطلح فلسفي رافق المذهب الظاهراتي, بمعنى التجربة القائمة بذاتها التي ليس لها مضمون واقعي في عالم الموجودات بسبب محال الفكر واللغة قدرتهما التعبير عن وعي خال من المعنى والمضمون....

الوعي وظيفة عقلية في نقل الفكر وهو جزء لا ينفصل متعالق مع العقل كجوهر... ومن غير المجدي أن نضع محددات الوعي على أنه تجربة محايدة فقط وليس جوهرا فاعلا مستمدا من تخارجه مع جوهر العقل..والوعي الخالص ربما يكون نوعا من التجربة الصوفية أبعد منه أن يكون وعيا وجوديا لا يمكن بلوغه ولا يمكن تحققه لدى الشخص العادي غير المتصوف.. الوعي الخالص في حال إمكانية تحققه يصبح الانسان عالما قائما بذاته يعيش لذاته فقط وهو امر لا يؤخذ امكانية تحققه الافتراضية مطلقا في حال كان الوعي سويا غير انفصامي مرضيا.

وعندما حاول ديكارت في كوجيتو أنا أفكر اذن انا موجود..أن يجعل الوعي تجربة ذاتية خالصة في أدراك وعيه الوجود أنهالت عليه الانتقادات الشديدة من كل حدب وصوب التي بدأها كانط ومن بعده هوسرل وهيدجر وسارتر ولم تقف عند حدود فلاسفة البنيوية أبرزهم شتراوس وفوكو ولاكان والتوسير وصولا الى كونديرا على وجه التحديد في أدانة مقولة ديكارت, معتبرين الوعي الفردي أو الخالص ذاتيا ليس كافيا لأثبات الوجود...فالوعي لا يتمكن التعبير عن نفسه الا بمغايرة وعيه لغيره من الذوات أو الموجودات من جهة وأرتباطه الجوهري بالعقل من جهة أخرى..وبغير هاتين الصفتين الملازمتين للوعي يتحدد أن يكون وعيا حقيقيا له معنى أو لا يكون. ولم يخلص ديكارت حتى من أولئك الذين دافعوا عنه على أعتبار ديكارت قرن وربط تحقق الوعي الذاتي الانطولوجي بالفكر وهو ما لم يسبقه به أحد من الفلاسفة.. التفكيرالانفرادي وحده لا يكون سببا كافيا لاثبات تحقق الوجود الانساني.

س4- أ. مراد غريبي: ماهو الوعي الانساني وكيف يدرك الانسان ذاته؟

ج4- أ.علي محمد اليوسف: موجودات الاشياء بالطبيعة لا يمكنها أن تعي بعضها البعض الآخرفي تبادل أدراكي مثمر كما في علاقة الانسان الادراكية مع تلك الموجودات.....لذا تبقى حاجة الانسان لوعي الطبيعة والاستفادة منها قائمة وضرورية, في حين تعجز الطبيعة أدراك ذاتها ولا تعي غيرها من الموجودات والكائنات فيها أو من حولها... أن وعي الذات الانسانية للطبيعة هو في أن يعقل الانسان وجوده وفي أن يعقل ويدرك وجود الموجودات والاشياء في الطبيعة وفي العالم الخارجي من حوله كموضوعات يتخارج معها معرفيا في ادراكه لها... والانسان يكون وعيه لذاته والاخرين من نوعه أو من غير نوعه كموجودات يتم بالتمايزالنوعي المفارق بينهم جميعا,,, وعي الذات أدراك أنساني لذاته كونه متعالقا وجودا ومتغايرا مفارقا مع وجوده (في – ذاته) الذي هو حالة من الوجود الذي لاقيمة حقيقية له سواء أدركه الانسان أم لم يدركه, لكنه بالنسبة لموجودات الاشياء في الطبيعة من غير الانسان يكون الوجود (بذاته) السمة الجوهرية السالبة الغالبة على وجودها الطبيعي كمدركات للعقل الانساني في وقت لا تعي هي (ذاتها) ولا تبادل الانسان أدراكه لها, والنومين أي الوجود (بذاته) في أشياء وموجودات الطبيعة هو ضرورة انطولوجية لها في أدراك الانسان لها كموجودات بصفاتها الخارجية فقط من غير معرفة ماهياتها, والوجود بذاته في موجودات الطبيعة من غير الانسان, أنما هو جوهر ملازم طبيعي أن تمتلكه الاشياء في الطبيعة غير العاقلة الجامدة ولا يمتلكه الانسان ولا يسعى الانسان أمتلاكه لأن الموجودات بذاتها هي مواضيع أدراك العقل الانساني في صفاتها وليس في ماهياتها غير المدركة, لكن في تمايز الانسان عنها أن الانسان لا يكون موضوعا مدركا لها أي لموجودات الطبيعة....

- فالوجود بذاته -  حالة سلبية يتعذر على الانسان السوي نشدان تحققها ذاتيا في (أناه) فهي تقعده تماما عن أداء دوره ومهمته كفرد منتم لمجتمع...والمدركات بذاتها في موجودات الطبيعة هي مواضيع للادراك العقلي الانساني على الدوام متفاعلا معها من حوله وفي حالة حركة دائبة مستمرة من التفاعل والتخارج المعرفي معها,,,توجب على الانسان أن يكون جزءا منها ومعايشا لها في الطبيعة, لكنه مفارق ومتخارج معها متمايز في أدراكه لها في عجزها هي أدراكه.

س5- أ. مراد غريبي: ماهو الوعي تحديدا؟ وهل الوعي وظيفة عضوية يقوم بها الدماغ ام هو وظيفة تجريدية تتبع منظومة العقل الادراكية التجريدية؟

ج5- أ.علي محمد اليوسف: اذا قلت لك أستاذ غريبي، الوعي هو الاثنين معا، أبدو لك اني أجمع نقيضين متضادين في دلالة التعبير عن معنى واحد, اوضح لك كيف؟

علماء واطباء اختصاصي علم وظائف اعضاء الدماغ وتحديدا دراسة فسلجة المخ عرفوا منطقة في القشرة الدماغية تحتوي ملايين الخلايا العصبية الموجودة المسؤولة عن الوعي بالمدركات العقلية, لكن عندما تاتي لتعريف ما هو الوعي كمتعين عضوي تقف حائرا ؟ لان الوعي المتحرر من هيمنة العقل البايولوجي اصبح تجسيدا لوعي ادراك الاشياء في العالم الخارجي تجريدا إفصاحيا لغويا وفي وعيه الاستثارات الاحساسية الداخلية التي تصدرها اجهزة جسم الانسان من حاجته لاشباع غرائزه البيولوجية مثل الجوع والعطش والجنس والعواطف. الوعي القصدي عند الانسان منشاه التخليقي هو الدماغ لكنه في وعيه مدركات العقل يصبح وسيلة تجريد وليس موضوعا مستقلا للعقل كون الوعي في حقيقته ناتج تخليق العقل له.. عنما نقول نعقل الشيء نعني الوعي به ولا فرق بينهما سوى ان وسيلة الوعي في التعبير عن مدركات العقل تلازمه اللغة.

الوعي الذاتي المتفرد به الانسان يكون فرديا شخصانيا ولا يمكن تعميمه, ولا يمكن تحققه الا بتوفره على جملة أشتراطات ندرج بعضها بأقل الكلمات:

  • أن الوعي هو الوعي الذاتي بالآخر المفارق المختلف عنه,ويبقى الوعي منقوصا أذا ما كان وعيا ذاتيا مثاليا خارج الوجود- في – عالم.(مستفيد من تعبير هيدجر).
  • والثاني لا وجود لوعي ذاتي بلا مضمون قصدي يحركه كهدف يسعى له يريد بلوغه والوصول له..(مستفيد من تعبيرات هوسرل وهيدجر وسارتر ورورتي وسيرل)
  • والوعي لا يكون موضوعا لذاته, أي أن الوعي هو الذات كجوهر قائم منفصل عن مدركاته من جهة وتجريده من أرتباطه بالعقل من جهة أخرى..فمثلما لا يكون العقل موضوعا للعقل ذاته كذلك لا يمكن أن يكون الوعي موضوعا لوعيه الذاتي المتطابق معه.. ان العقل والوعي كلاهما وجهان لعملة واحدة يتبادلان الادراك ليس لمعرفة الموجودات والاشياء وحسب وأنما لمعرفة ذاتيتهما المتداخلة معا.... لذا يكون من الصعب الاستدلال على الوعي من دون تداخله مع مصدره العقل ومن خلال تعبير الفكر واللغة عنهما..
  • الوعي هو تفكير العقل بوسيلة اللغة.
  • الوعي يعي ذاته في مدركاته المغايرة له...الوعي يتحقق حين يكون الوعي بشيء يدركه مغايرا له... كما لايمكننا تصور وعيا بلا مضمون ..مضمون الوعي هو الوعي الحقيقي في مرجعية الاحتكام فيه للعقل.. والوعي بلا مضمون لا يمكن حصوله وحدوثه كونه مجردا عن مداخلة العقل في مدركاتهما الاشياء وفي التعبير عنها.
  • والوعي تجربة شخصانية منفردة تسعى لأشباع هدفها فرديا ولا يمكن تعميمها, فلكل وعي أنفرادي هدفه المسبق المراد تحقيقه ولا وجود لوعي من دون قصدية...(مستفيد من تعبير هوسرل وجون سيرل)
  • والوعي تتعّطل وظيفته الادراكية حينما لا يكون تعبيرا عن معنى...أي بلا مضمون.

س6- أ. مراد غريبي: ارغب أستاذ علي الاجابة عن الفقرة التالية التي وردت على لسان احد فلاسفة الواقعية الجديدة الاميركان ( التجربة الخالصة لا لزوم الى قسمتها الى وعي ومضمون وعي, فتجاربنا ليست موجودة وحسب بل هي معروفة ) ما هو رأيك بهذا التعبير؟

ج6- أ.علي محمد اليوسف: لاحظ أستاذ غريبي  ليست المشكلة في امكانية تقسيم الوعي ام لا. العبارة الفلسفية صادرت الوعي باسبقية (التجربة الخالصة ) عليه, وهو شيء سليم صحيح ولا يبقى بعد التجربة قسمة الوعي او لا قسمته. اكرر استاذ مراد لاحظ التاكيد منصّبا في العبارة على التجربة الخالصة التي اكتسبت موثوقيتها التجريبية القاطعة ولا مجال لوعي يقوم بالتداخل التغييري لها.

 بعد تحقق التجربة الخالصة لا يبقة اهمية  التركيز على الوعي المعرفي في امكانية وعدم امكانية تقسيمه الى وعي ومضمون وعي. لذا تجد اسبقية التجربة التي هي معروفة من (المعرفة) وليس من الادراك. وليست موجودة انطولوجيا فقط بل اصبحت جزءا من معرفة كلية اشمل. هذا لا يبقي أية أهمية معرفية للوعي كون الوعي لا يمتلك خواص التجربة المفروغ من نتيجتها ليتحول الوعي الى ادراك عابر لتجربة اثبتت معرفتها وليس موجوديتها فقط.

هنا ارغب لو سمحت استاذ مراد اطرح انا عليك السؤال مالفرق بين الادراك والوعي؟ الادراك هو المرحلة البدئية الاولى في نقل احساسات الحواس الى الذهن كانطباعات اولية عن الاشياء المدركة خارجيا وليس معرفتها العقلية, الادراك هو بدئية معرفة خواص صفات الاشياء الخارجية المنقولة للذهن. والوعي هو ردود الافعال التي يصدرها الدماغ عن مدركاته الحسية. سبق لي في الاجابة عن سؤال سابق لك ان بيرس انكر اسبقية الادراك على الوعي ولكن لا زلت مقتنعا برأيي بالاستناد الى علم وظائف اعضاء الدماغ.

بمعنى توضيحي الادراك حسي يسبق الوعي. كما وليس من مهام الوعي اجراء تجارب على مدركات العقل. والتجربة ليست هي الوعي ولا تمثله. وعدم امكانية تقسيم الوعي مفروغ منها ان الوعي وحدة كلية معرفية وليست ادراكية. والتجربة الخالصة كما وردت بالعبارة هي واقع حال ادراكي ثابت, وليست واقع حال وعي يروم المعرفة والتغيير.

س7- أ. مراد غريبي: كي ننهي اعتماد الوعي كركيزة هامة في الفلسفة الواقعية الامريكية الجديدة, كيف تجد انت علاقة الوعي بالادراك والفكر واللغة؟

ج7- أ. علي محمد اليوسف : الافكار هي معارف أدراكية يطلقها الوعي المرتبط بمنظومة العقل الادراكية الذي هو وظيفة أنطولوجية - أبستمولوجية, ولا يمتلك الوعي قدرة الحكم على الاشياء منفردا كتجربة محايدة مستقلة عن العقل في أكتساب المعرفة التي هي من أختصاص المخ تحديدا قبل الوعي الذي غالبا ما يتجسّد بتعبيرالفكر واللغة عنه...

والوعي القصدي الهادف هو الذي نراه متشّكلا كموضوع في تعبير اللغة ويحمل أفكارا مصدرها تخليق العقل للاشياء ومدركاته وليس خلقها بالفكر بما يضفيه عليها من مقولاته التفسيرية البنائية...من الخطأ أن نعامل الوعي على أنه تجربة محايدة في نقل أحساسات مدركاته عن الحواس بمعزل عن تداخله الصميم بمقولات العقل المعبّر عنها باللغة فالوعي هو العقل غير المحايد في تعبير اللغة.

الوعي الذاتي هو وعي الأنا الذي يسترشد بالعقل على الدوام في بيان حقيقة الاشياء والحكم عليها بمقولاته النقدية والتكوينية للمدركات... والوعي وظيفة عقلية أبستمولوجية لا يكون موضوعا لذاته ولا موضوعا لمدركاته من غيره..فهو وظيفة أدراك الاشياء والموضوعات المغايرة له..والوعي يعي ذاته كماهية جوهرية تخصّ الانسان الفرد ولا يكون الوعي الفردي موضوعا لغيره بمعنى لا يمكن تعميم ما يدركه الوعي منفردا على وعي المجموع..

فالوعي الذاتي هو ماهية الانسان التي لا يدركها غيره, والوعي خاصية أنسانية لا يمتلكها الحيوان ولا كائنات الطبيعة..والعقل يعي ذاتيته وماهيته كموضوع تأملي صامت, ويدرك ذاتيته في وعيه وأدراكه لغيره من الاشياء والموجودات المغايرة له.

س8- أ. مراد غريبي: قلت أن الحيوان لا يمتلك وعيا لكنه يمتلك وعيا. ما هو الفرق بين وعي الانسان ووعي الحيوان؟

ج8- أ. علي محمد اليوسف: وعي الحيوان يختلف عن وعي الانسان بما يلي:

  • الحيوان يمتلك الادراك الحسي للاشياء وليس الوعي المعرفي بها كما هو وعي الانسان الذي تلازمه قصدية معرفية وليس قصدية إدراكية حسية فقط.
  • وعي الانسان يقترن بتعبير اللغة الفكرية المعرفية عن مدركاته والحيوان وعيه تعجزه اللغة مجاراة الانسان بها.
  • وعي الحيوان يقترن بخاصية المحدودية التي لا تتجاوز ردود الافعال. في حين يكون وعي الانسان بالتعبير عن مدركات العقل التفكيرية لا تحده حدودا معرفية يتوقف عندها وعي الادراك ليس كما هو الادراك لدى الحيوان المحدود بوعيه الحسي وليس وعيه المعرفي.
  • واخيرا وعي الانسان لمدركات العقل هو وعي زماني وهو مالا يتوفر عليه الحيوان.

س9- أ. مراد غريبي: هل انت مع تعبير الفلسفة الواقعية الجديدة قولها لا حاجة ملزمة لنا تقسيم الوعي الى وعي مجرد والى وعي بمضمون بعد التجربة الخالصة؟

 ج9- أ.علي محمد اليوسف: لا يمكننا تقسيم الوعي الى تجربة وعي محايدة والى وعي بمضمون لا يأخذ شكل التعبير عن نفسه وهو ماذهبت له الفلسفة الواقعية الجديدة الذرائعية, فالوعي جوهر كلي(شكل ومضمون) كما هي علاقة شكل اللغة بمضمون الفكر.

الوعي جوهر تفكيري عقلي لا ينقسم على نفسه حاله كمثل حال جوهر العقل فنحن لا يمكننا تقسيمه الى عقل مجرد والى مضمون عقلي. فالعقل  جوهر بمضمون هو قدرة التفكيرفي كل الاشياء والتخارج المعرفي معها, وعي الذات هو مضمون الوعي الذي يدرك ذاته ويدرك موضوعاته على السواء ولا يكون الوعي موضوعا مدركا من غيره مالم يصدره العقل على شكل تعبير لغوي حسي عن الاشياء.. ومضمون الوعي هو الوعي الحقيقي ولا يمكننا تصور وعي لا يتعالق بموضوعه والا كان وعيا زائفا بلا معنى...بعبارة ثانية ليس هناك وعي لوحده كتجربة محايدة ولا هناك وعي بمضمون يختلف عنه بعد التجربة...

س10- أ. مراد غريبي: ما علاقة الوعي بالفكر واللغة؟

ج10- أ. علي محمد اليوسف: إن الوعي هو تصورات الذهن وتمثلاته لمدركاته داخليا, والوعي فكر ولغة تعبيرواحد يصدره العقل خارجيا في معالجة مدركاته الخارجية.. الوعي الذاتي بين أنسان وآخر- أي داخل النوع الواحد – هو وعي نوعي مفارق ومغاير لكل منهما تجاه الاخر المدرك كموضوع..وحين يجد كل منهما في الانسان الآخر موضوعا لوعيه وأدراكه, يكونان بهذه المغايرة التعالقية من الوعي المتبادل بينهما يعرف كلا منهما حقيقة وعيه الذاتي ...وعي الذات لا يتم الا بوعي المغايرة عن موضوعه.

فالموضوع يكون مادة يدركها الانسان بمقدار أهميتها وحاجتها له , وهي أي المواضيع لا تدرك ولا تعي مبادلة الانسان وعيه وحاجته لها, وهذه العلاقة الادراكية الواعية القصدية بين الانسان والموضوع المادي تختلف عن علاقة أدراك الانسان للانسان من نوعه... فالموضوع يكون موضوعا مدركا ثنائيا بشرط أرتباطه التعالقي المتخارج بمن يدركه وهو الانسان...بمعنى أن الانسان يدرك ذاته ويدرك موضوعه ويدرك غيره من نوعه أنسانا آخر بصفاته الخارجية فقط وليس بماهيته الجوهرية, بأختلاف جوهري هو قدرة الانسان العقلية والمحسوسة في أدراكه الموضوعات والاشياء من غير نوعه في الطبيعة ولا تشاركه هي الادراك ولا تبادله معه... ولا يدرك الانسان غيره من نوعه بنفس (الكيفية) التي يدرك بها الاشياء وموجودات الطبيعة... فأدراك الانسان لنوعه أي الانسان الآخر, يكون ضمن علاقة جدلية وتخارجية نوعية تواصلية تتعدى حدود أدراك الانسان للموجودات, ولا يمارس الانسان نفس الالية في أدراكه الموضوعات في الطبيعة كما في تواصله الادراكي مع غيره من نوعه, فمدركات الطبيعة مادية لا تبادل الانسان وعيه بها, وأدراك الانسان للانسان من نوعه هو تبادل وعي عقلي أدراكي بين محاور ومتلق أدراكي يماثله ويحاوره أو يتقاطع معه في بعض جوانب خلافية, أما وعي الانسان لموجودات الطبيعة فهو يختلف حين يكون الادراك الانساني لها أحاديا من جانب واحد فقط, وموجودات الطبيعة لا تدرك نفسها ولا تعي أهمية تعالقها بوعي الانسان وأدراكه لها...

أن الانسان في هذه الحالة يدرك ذاته وموضوعه معا , في وقت لا يدرك ويعي الموضوع ذاته – بأستثناء الانسان حين يكون موضوعا لغيره من نوعه كأنسان – ولا يعي الموضوع غير الانسان في وعيه به وأدراكه له...وأغلب مواضيع الادراك من موجودات الطبيعة والمحيط والعالم الخارجي للانسان تكون فاقدة الوعي الادراكي الذاتي والموضوعي معا وهو ما لا ينطبق على الانسان حين يكون موضوعا مدركا لانسان آخر من نوعه..وفي وعيه لذاته أيضا.

ربما تتمتع الطبيعة بنوع من الروحانية غير المدركة ماديا,في أنواع من التمظهرات المادية والجوهرية أيضا لكن كلتا الحالتين لا تمتلكان عقلا منظّما يديرهما في وعي الذات أوفي وعي الآخر, وهنا تعتبر الطبيعة في تجليّاتها المادية وغير المادية الساحرة وجود سلبي لأنها غير عقلانية حتى في قوانينها الازلية العامة التي تحكمها وتحكم الانسان معها بها في استقلالية عن الانسان...القوانين العامة التي تحكم الطبيعة لم تخترعها الطبيعة لتحكم الانسان بها فكليهما الانسان والطبيعة محكومين بها أزليا وتعمل باستقلالية تامة عن رغائب الانسان والطبيعة معا,وأقصى غاية يمتلكها الانسان حيال تلك القوانين هو محاولته أكتشاف بعضها وتسخيرها لوجوده في علاقته بالطبيعة,, بعكس قوانين الانسان التي يخترعها والتي يبغي فيها هيمنته وسيطرته على الطبيعة لتحقيق مصالحه في الوجود المتعالق مع الطبيعة..

س11- أ. مراد غريبي: هل تجد فروقات جوهرية مهمة بالوعي بين التفكير الفلسفي المثالي يقاطع مفهوم الوعي بالتفكير المادي الماركسي؟

ج11- أ. علي محمد اليوسف:  أخذ الفلاسفة الماديون الماركسيون (هيجل ,فيورباخ, ماركس) ومعهم فلاسفة الوجودية سارتر وهيدجر, مسلمّة أسبقية مادية الكون أن الوجود سابق على إدراكه والوعي به في إدراك ظواهره غير الماهوية أي بصفاته الظاهرة المدركة خارجيا فقط, بخلاف الفلاسفة المثاليين الذين يرون العكس من ذلك أن الفكر والوعي في وجود الاشياء في الطبيعة هو الذي يحدد الادراك بها والوعي بمعرفتها وقيمتها الحقيقية هي في الذهن وليس في وجودها المستقل ضمن عالم الاشياء الخارجي.

الشيء الاكثر أهمية أن بعض الفلاسفة غير الماركسيين لم يكتفوا بذلك بل ذهبوا بأن وعي الوجود الذاتي يقترن ب (قصدية) كما في تعبير هوسرل, وأضاف هيدجرعليها أن وعي الذات مرتبط ارتباطا وثيقا ب(هدف) يسعى تحقيقه أطلق عليه(ديناميكية) وعي الذات, معتبرا ديناميكية وعي الذات هو الوعي الحقيقي الفاعل في وجود الانسان في تعالقه المتعايش مع جميع ظواهر الطبيعة من حوله وفي كونه جزءا لايتجزأ من الكلية المجتمعية التي تحتويه ووعي الذات الحقيقي يكون متحققا في - عالم... وهذه الديناميكية الهيدجرية مستمدة من هوسرل أستاذه في الدعوة أن وعي الذات لا يكتمل ألا بارتباطه بنوع من القصدية الهادفة التي تعيّن هدفها مسبقا يحققها له أندماجه بالكليّة المجتمعية سلبا أو أيجابا.

وأراد سارتر أقتفاء أثر هوسرل وهيدجر في أن وعي الذات لا يكتفي من أجل أثبات وجوديته الفردية السلبية كما هي في الكوجيتو أنا أفكر أذن انا موجود... في ربط ديكارت تحقق الوعي الذاتي بالتفكيرالمجرد, ودعا سارتر الى أن وعي الذات الاصيل هو الالتزام بالحرية المسؤولة التي ينوء بحملها الانسان الفرد كونه كينونة أجتماعية يحمل همومها وتبعاتها بمسؤولية عن ذاته ومسؤولية عن نوعه الانساني في مجتمعه والعالم, رغم أن انسان سارتر يعيش عدمية وجوده الملازمة له الذي تقعده كحقيقة وجودية فردية عن أي التزام مصيري بالآخرين.

س12- أ. مراد غريبي: هل تجد فلاسفة اوربا في معالجتهم مبحث الوعي كانوا انضج فلسفيا من الامريكان فلاسفة التيارات المنبثقة عن الذرائعية الامريكية؟ نرجو توضيح العلاقة الاختلافية حسب رأيك؟

ج12- أ. علي محمد اليوسف: أستطيع القول أستاذ غريبي مراد، قبل الدخول في تفاصيل الاجابة, ان السؤال يحمل تداخلا مزدوجا ارغب توضيحه, مبحث الوعي منشأه الفلسفي الاصلي الحديث والمعاصر هو عند الفلاسفة الفرنسيين والالمان تحديدا, وقالوا بمبحث الوعي فلسفيا ما لم يجرؤ فيلسوف امريكي ذرائعي اعطاء ابعاد فلسفية له اكثر رصانة فلسفية من الفرنسيين والالمان. لكن بعد افول نجم الوجودية والظاهراتية وتحديدا الفلسفة البنيوية بظهور التحول اللغوي وفلسفة اللغة ونظرية فائض المعنى, اصبح اهتمام الفلاسفة الاميركان امثال رورتي, وسيرل وجلبرت رايل الانجليزي, وكواين, وغيرهم لهم قصب السبق في دخولهم معترك فلسفة اللغة والوعي وفلسفة العقل وغير ذلك.

بضوء التمهيد السابق نناقش رأي ميرلو بونتي المحسوب على أقطاب البنيوية, في تعالق وعي الذات بالظاهراتية (الفينومينولوجيا) التي جاء بها هوسرل في الفلسفة الحديثة, التي ترجع أرهاصاتها الاولية الى فلسفة افلاطون (بالمثل) وفلاسفة آخرين قبل وبعد افلاطون أبرزهم كان أرسطو, الذي وضع  حدا لعالم المثل دام ما يقارب أكثر من الف عام أعلى فيه شأن العقل في تأكيده على الانسان في وجوده الأرضي... وظلت آراء ارسطو فاعلة ومؤثرة بالقرون الوسطى الاوربية مدعومة من رجال اللاهوت, الى أن أنتهى مآلها في النهضة الاوربية في القرن الثامن عشر وما بعدها وتم تجاوزها في تبني أولوية الانسان والعلم ومنجزاته في عصري النهضة والانوار وفي مرحلة متأخرة من  الحداثة الاوربية.

يقول ميرلوبونتي :(نظرية الظواهر ترتبط أرتباطا مباشرا بوعي الذات, فهو ليس حقيقة خارجية خالصة , ولا عملا عقليا صرفا). عبارة دقيقة وصحيحة وهي أمتداد لمقولات هوسرل وهيدجر وسارتر ليس من حيث الصياغة الفلسفية لغويا, بل من حيث المعنى الذي تستبطنه اللغة التعبيرية في أحشائها كمحمول دلالي تأويلي متعدد المعنى. وفي تعبيره أن الوعي ليس عملا عقليا صرفا هي أدانة لديكارت فقط, ولا يمكن الأخذ بها من حيث الدلالة الوظيفية للعقل والادراك والشيء المدرك والمعبر عنه لغويا أو غير لغوي لا يقتصر دوره – العقل -  ولا ينحصربهذا التوصيف المقتضب,ويأتي التوضيح في الاسطر لا حقا.

أن ظواهر الاشياء التي يدركها العقل حسيّا – داخليا تتم في عملية (تخارج) متبادل جدلي بين الوعي ووجود الاشياء الخارجية, وهذه العملية التخارجية الجدلية لا تجعل من الوعي وجودا خارجيا مستقلا, كمثل وجود الموضوع المدرك عقليا ذاتيا في وجوده الخارجي المستقل في الطبيعة, وأن التخارج المتبادل بين الذات والموضوع وتعالقهما لا يلغي أستقلالية وجودهما المفارق كلا عن الآخر, وهما في هذا التخارج التعالقي بينهما يتحدد وعي الوجود من جهة ويتعين وجود الاشياء المدركة والموضوعات من جهة أخرى...والقول بأن وعي الذات ليس عملا عقليا صرفا أدانة صائبة بحق مقولة ديكارت المثالية السلبية (انا افكر إذن انا موجود ) على ما تحمله العبارة من تأويل فلسفي متعدد متضاد في تعبيرها ومعناها في الوعي المثالي السلبي غير المادي رغم الاجماع الفلسفي على أن ديكارت هو أبو الفلسفة العلمية الحديثة في تركيزه أعتماد التفكير الفلسفي العقلي الذي يسهل مهمّة العلم, لكن في الكوجيتو حصر ديكارت أثبات الوجود في/ عن ناتج التفكير الذاتي المجرد المكتفي بذاته في أثبات وجوده الانفرادي وحده , ويعتبر ديكارت أمكانية وعي الذات في التفكير العقلي المحض الذي يحدد الوجود المادي المفكّر به, وبذلك يمكننا أدراك الذات تفكيرا عقليا مثاليا خياليا في أي موضوع مستمد من الذاكرة يكون مادة أدراكية للعقل لا يفصح عنها, وديكارت في الكوجيتو ربط وعي الذات بالموضوع المفكر به خياليا ذاتيا فقط ولم يتعداه الى مدركات المواضيع الاخرى في وجودها المادي المستقل في عالم الاشياء التي هي مواضيع أدراكية للعقل لا تقل أهمية بل تزيدها في الاهمية التي هي مواضيع العالم الخارجي والاشياء... كما يصبح وعي الذات في الكوجيتو تفكيرا خارج أدراك وجود العالم الخارجي المستقل بالتعبير عن ذاتيته الوجودية صمتا سلبيا غير معبّر عنه لغويا أوغيرها من وسائل أثبات الوجود التواصلي...

س13- أ. مراد غريبي: أين تضع افكار ميرلوبونتي وسط مزاحمة فلاسفة الوجودية والظاهراتية والى حد ما فلاسفة البنيوية؟

ج13- أ. علي محمد اليوسف :  إن وعي الذات (الديناميكي)  عند هيدجر , والوعي (القصدي) الهادف كما عند هوسرل لا يتحقق الا في تخارج الوعي التناوبي مع موضوعه في جدلية ديالكتيكية تخارجية من التأثر والتأثير التي تعطي الذات فاعليتها الوجودية , وتمنح الموضوعات وجودها المتعالق بالوعي والادراك الحسي والعقلي لها,كما تعطي كلا من الذات والموضوع تمايزهما النوعي بأستثناء وعي الانسان بمثيله النوعي الذي هو الانسان الآخر في تبادلهما الادراك التواصلي بكيفية مغايرة عن علاقة وعي الانسان بالموضوعات والاشياء اللاعقلانية.

الاشياء ومواضيع العالم الخارجي ومظاهره التي لا تحصى كثرتها هي وجود مستقل سواء جرى أدراكها أو بعضها أم لا, ووعي الذات كما ذكرنا لا قيمة حقيقية وجودية له في حال أحتفاظه بوجوده المستقل بذاته عن أدراك الاشياء(نومين), لذا يستلزم وجودهما الادراكي(الذات والموضوع) تخارج جدلي متبادل بينهما كي يأخذ كل منهما معناه ووجوده... وبذا يمكننا أعتبار وعي الذات الديناميكي الهادف عند هيدجر, أنما يكون  وجودا أنسانيا لذاته وليس سلبيا بذاته, كنتيجة لعملية التخارج المتبادل مع الموضوع, الكفيل بتحققه وعنه وبواسطته يكون أثبات وجودهما الانطولوجي لكليهما معا الذات وموضوعه المدرك.

في عودتنا الى ميرلوبونتي ثانية قوله (يكون الموضوع حقيقة مباشرة تفرض نفسها أمام الوعي, والموضوع يتوقف على الوعي به من حيث هو جوهرفي وجوده,). 

هنا كي نعتبر هذا التعبير صحيحا فلسفيا منطقيا, علينا تحديد نوع وماهية الموضوع المدرك عقليا كي يكون الوعي ملزما لنا في تقبّله وفرض أدراكه على الوعي الانساني به,واذا كان الموضوع يمتلك جوهرا أوماهوية لها أهميتها في ألزام أدراكه بأعتباره جوهرا على حد تعبير ميرلوبونتي, فليس كل موضوع يحمل جوهرا لافتا الاهمية في لزوم وألزام الذات الانسانية أدراكه في عملية تخارجية معه, ولا بد لنا من معرفة طبيعة ونوع وأهمية وخصائص الموضوع الذي يطرح نفسه أمام الوعي به كألزام وجودي لأدراكه... ولا يكفي أن يكون للموضوع جوهرا, كي يلزم عنه الوعي الذاتي أدراكه ودراسته, كما أن جوهر الموضوع المحتجب خلف صفاته لا يسبق أدراك (الموضوع) ذاته كوجود وكينونة مستقلة بمجموع صفاتها وجوهرها, ربما تحمل حمولات ماهوية تلزم الذات وعيها بها أو أحتمال كبير أن لا تمتلك كل الموضوعات المدركة مثل هذه الخاصّية المسّماة جوهرا وتكون ملزمة للادراك , فليس كل الاشياء مهمة وصالحة وضرورية أن تكون مواضيع أدراك ذاتي وعقلي محايث يعنى بها الانسان في وعيه لها وأهتمامه بها.

ويعتبر ميرلوبونتي ( أنه لا فكر خارج العالم أو خارج الكلمات).وهي عبارة صحيحة من حيث أن الفكر الذي يتأمله العقل مادة للتفكير داخليا في قطيعة وصمت تعبيري عن العالم الخارجي يكون معطّلا وجوده خارج العقل, وكذلك كي يكون الفكر متعيّنا وجودا خارج ذاتيته يتوجب عليه أن يتوّسل الكلمات الشفاهية الكلام أو اللغة المنطوقة أو المكتوبة أو أية وسيلة تحقق تواصلها في التعبير عن وجود الفكر الكيفي خارجيا.

أن الفكر والكلمات (اللغة) في الصمت الذاتي هي حوار وتفكير جوّاني يحتويه حيّز العقل وظائفيا , ويكون الفكر بهذا هو موضوع التفكير في أستثارته العقلية أيضا غير مفصح عن تحققه الوجودي خارج ملكة اللغة في التعريف به وفي التعبير عنه.

س14- أ. مراد غريبي: هل تجد في الصمت الإدراكي السوي لغة تفكير معطل الافصاح عما يدخّره من افكار, وهل الصمت وعي بمعزل عن تعبير اللغة؟

ج14- أ. علي محمد اليوسف : الافصاح اللغوي عن الموجودات والاشياء لا يتم فقط بلغة التواصل والتداول العادية (الكلام اوالكتابة أو الكتابة الصورية أو حتى الاشارية والرمزية منها),فهناك مثلا تعبيرات لغوية لا تحتاج أن تكون اللغة فيها منطوقة أو مكتوبة أو صورية مرئية أو حتى أشارية سيميائية, وتبقى تداوليتها وأستقبالها صمتا يديره العقل بأفصاحات حركية يقوم بها (الجسد) نيابة عن اللغة تواصليا, كما في التعبير اللغوي الكامن في الجماليات النحتية واللوحات والفنون التشكيلية برمتها,.وكذلك في طقوس العديد من العبادات الدينية الوثنية (اليوغا) التي تكون أيضا فيها اللغة في حالة كمون وجداني أيماني روحاني لا تحتاج معها اللغة المسموعة أو المنطوقة  تعبيرا محتاجا تجسيد الوجد الروحي والتعبدي لها...وكذلك نجد لغة الصمت التواصلية في رقص الباليه في أعتماد حركات الجسد لغة أيحاء تواصلي صامت بمرافقة الموسيقا, ومثلها في المسرح الصامت الذي يتوّسل الجسد حركيا أيمائيا بعيدا عن اللغة المنطوقة أو المسموعة في التداول المعهود تواصليا أيضا بمصاحبة الموسيقا التصويرية...كل هذه التجليات تكون اللغة أوالفكر في حالة  كمون عقلي وليس كما يدعي ميرلو بونتي لا يوجد فكر خارج الكلمات في التعبير...فجميعها تعبيرات لا تتوّسل الكلمات في التواصل الخارجي, بل تتوّسل لغة الايحاءات داخل التفكير العقلي الذي يفصح عن نفسه خارج اللغة المنطوقة أو المكتوبة بحركات الجسد.

من المهم الاشارة الى ضرورة التفريق بين عبارة ميرلوبونتي في أنعدام الفكر من غير التعبير اللغوي عنه , وبين عبارة هيدجر التي يذهب بها أن الكلمات تعطي الوجود تعيّنه الحضوري..هنا ميرلوبونتي في عبارته السابقة مثالي صرف لا يختلف عن هيوم وبيركلي وجون لوك ممن يعتبرون الفكر سابق على المادة ولا وجود لعالم خارجي لاتتمثله الحواس الناقلة للعقل لا تنتجه الافكار ,وأن المادة والوجود هو مجموعة التصورات الذهنية عنهما, وهذه التصورات الذهنية المجردة هي كل ما نعرفه عن الوجود وعالم الاشياء,,أما عبارة هيدجر فهي عبارة مادية وجودية مستمدة من الماركسية ترى أن الفكر هو أنعكاس الواقع السابق علي الافكار المجردة وجودا, ولا وجود لفكر لا يسبقه واقع مادي للاشياء والموجودات.. الوعي في الصمت الإدراكي هو بالمحصلة لا يمتلك قابلية الافصاح عن تفكيره لغويا.

س15- أ. مراد غريبي: هل تجد الوعي هو تحقق الذات ادراكيا؟

ج15- أ. علي محمد اليوسف: الوعي الشيئي هو تحقق الذات المدركة لموجودات العالم الخارجي, وبدون الوعي الذاتي تنعدم فاعلية ادراك عالم الاشياء وقبلها ادراك الذات لنفسها, الوعي لا تحدده مدركات الحواس إنطباعيا بل يحدده الدماغ تفكيريا, لذا الوعي نتاج عقلي وليس نتاج ادراك خارجي للاشياء.

من جهة أخرى فأن العقل يعقل نفسه والعالم الخارجي في كل شيء, ولا يعمل التفكير العقلي في فراغ أنطولوجي أو في عدم موضوعي ولا في فراغ أو عدم لغوي, فالتفكير العقلي هوالفكرة ولغتها المعبّرة عنها في أدراك موضوعها. والعقل في الوقت الذي يعقل ذاته صمتا تخييليا فهو يعقل الاشياء المادية والمجردة منها أيضا على السواء صمتا صوريا أو تعبيرا فكريا لغويا عنها, ولا يوجد منطقة (عدم) لا يكون تفكيرالعقل السليم فيها حاضرا في دور محوري يدخل من ضمن وظائف العقل, ألا في أستثناء الحالات المرضية كالجنون والموت أو غياب الوعي أو الانفصام أو الذهان المرضي وغيرها  من الحالات المرضية التي يعتبر العقل فيها ميّتا سريريا. فالعقل يدرك الموجودات عقليا ماديا, ويدرك ويفكر في الموجودات والاشياء التي ينعدم التفكير المادي بها وجوديا لكن العقل يفكر بها خياليا تجريديا ويعقلها في غير وجودها المادي مثل وعيه بالقيم والسلوك والاخلاق والجمال والفن والموسيقا وغيرها... وفي كل الاحوال العقل لايعمل في فراغ عدمي يمنعه من التفكير في أدراكه المواضيع المادية في العالم الخارجي..

انتهى و يتبع ج3

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟