مراجعات في فكر كونفوشيوس - مصعب قاسم عزاوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

إننا نعرف القليل من المعرفة اليقينية حول حياة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس وهو اسمه المحور باللغات اللاتينية عن أصله الصيني، والذي هو "كونغ فو زي" والذي يعني الربان، أو المعلم، أو القائد، أو السيد كونغ. يقال إنه ولد في الصين عام 551 قبل الميلاد؛ وربما كان طالباً لمؤسس الفلسفة الداوية الداو لاو تزه. وفقاً للإرث الشعبي حول كونفوشيوس، فقد بدأ الخدمة الحكومية عندما بلغ من العمر 32 عاماً، وخدم في العديد من الأدوار، بما في ذلك كوزير الجريمة في عهد الحاكم دينغ في ولاية لو. ومع ذلك، عندما بلغ كونفوشيوس من العمر 56 عاماً، تم تنحيته هو والحاكم بسبب تجاوزات ذاك الأخير، وهكذا غادر كونفوشيوس المحكمة وولاية لو، وتجوّل مرتحلاً بين ولايات الصين الأخرى لمدة اثني عشر عاماً.

ولقد قدم كونفوشيوس نفسه على أنه "جهاز إرسال لم يخترع شيئاً"، لأنه كان يعتقد أنه كان يُدرِّس المسار الطبيعي لإدراك أسس السلوك الجيد الذي ينتقل من كبار السن إلى الأصغر منهم. وفي حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، تم جمع أعمال كونفوشيوس في تعاليم (لان يو يي [بالصينية])، وهي مجموعة من الأقوال التي كتبها أتباعه نقلاً عنه. إن هذه ليست دائماً وصايا، لأن كونفوشيوس لا يحبذ فرض قواعد صارمة. وبدلاً من ذلك، اعتقد أنه إذا عاش ببساطة بشكل مستقيم إلى الأبد، فسوف يلهم الآخرين على فعل الشيء نفسه. على سبيل المثال، أحد المقاطع القصيرة في تعاليم كونفوشيوس هو:

"لقد احترق الإسطبل عندما كان كونفوشيوس في المحكمة. وعند عودته، قد قال: "هل أصيب أي شخص؟" ولم يسأل عن الخيول".

في هذه القصة البسيطة المكونة من ثلاث جمل، يمكننا أن نفكر في القيمة الضمنية لحياة البشر من لحم ودم قبل الاكتراث بأي شيء مادي آخر مثل الثروة والمال، ونتساءل عما إذا كنا سوف نرتكس مثلما فعل كونفوشيوس في مثل تلك الظروف.

من السهل التعرف على بعض الأخلاق التي كان كونفوشيوس يُدرِّسها - وأبرزها نسخته من "القاعدة الذهبية": "لا تفعل للآخرين ما لا تريد أن يتم فعله لك." بالفعل نحن بحاجة إلى نصائح كونفوشيوس في زمننا المعاصر؛ إذ أنه بمثابة ترياق للمشاكل التي نواجهها حالياً. فيما يلي بعض الأمثلة عما يساعدنا كونفوشيوس على تذكره:

  • أولوية المراسم والطقوس

إن تعاليم كونفوشيوس عبارة عن كتاب طويل وغير منظم – على ما يبدو - للأحداث القصيرة، وهو مليء بالمحادثات الغريبة بين كونفوشيوس وتلاميذه، مثل هذا المثال:

"قال المعلم: "تسزي، إنك تحب الخراف؛ وأنا أحب المراسم."

في البداية يبدو هذا على أنه أمر محير، إن لم يكن به أيضاً روح الدعابة. لكن كونفوشيوس يذكر تسزي - ويذكرنا - بأهمية المراسم وأصول الكياسة والطقوس.

في العالم الحديث نميل إلى تجنب المراسم ونرى أن هذا أمر جيد كما لو أنه علامة على العلاقة الحميمة، أو عدم وجود تَظَاهر. ويسعى الكثير منا إلى أوضاع غير رسمية ولا يودون أكثر من أن يقال لهم "تصرف على طبيعتك فحسب" عند زيارة صديق ما. لكن كونفوشيوس أصر على أهمية الطقوس. والسبب في أنه كان يحب المراسم أكثر من الأغنام هو أنه كان يؤمن بقيمة الطقوس (لي [في الصينية]): وتعني الآداب والتقاليد والمناسك.

قد يبدو هذا قديماً جداً ومحافظاً من الوهلة الأولى. ولكن في الحقيقة الكثير منا يتوق إلى طقوس معينة. إننا نفهم أن بعض الإيماءات المتعمدة والمدروسة والدقيقة تثير عواطفنا بعمق. إن الطقوس توضح نوايانا، وهي تساعدنا على فهم كيفية التصرف الصالح في مختلف الظروف. لقد علمنا كونفوشيوس أن الشخص الذي يجمع بين التعاطف (رن [في الصينية]) والطقوس (لي [في الصينية]) بشكل صحيح هو "رجل متفوق"، وفاضل، وقوي من الناحية الأخلاقية.

2. ينبغي لنا أن نعامل والدينا بأقصى التوقير

كان لدى كونفوشيوس أفكار صارمة للغاية حول الطريقة التي يجب أن نتصرف بها تجاه والدينا. لقد اعتقد أنه يجب علينا أن نطيعهما عندما نكون صغاراً، ونعتني بهما عندما يكبران في العمر، ونحزن طويلاً عندما يرتحلان من وجه البسيطة، ونقدم تضحيات وقرابين في ذكراهما بعد ذلك. وقال: "في خدمة والديه، قد يتجول الولد معهم، ولكن برفق." و "عندما يرى أنهم لا يميلون إلى اتباع نصيحته، فإنه يظهر درجة أكبر من التوقير، لكنه لا يتخلى عن هدفه؛ وإذا قاموا بشكمه، فهو لا يسمح لنفسه بالتذمر." حتى أنه قال إننا يجب ألا نسافر بعيداً بينما يعيش آباؤنا على قيد الحياة. وهذا الموقف هو المعروف باسم طاعة الوالدين (شياو).

قد هذا يبدو غريباً في العصر الحديث، وخاصة في العالم الغربي المعاصر، بينما يغادر الكثير منا منازل والدينا كمراهقين وقلما ما نعود للزيارة. في النهاية، إن والدينا في منزلة لا يمكن المساس بها، على الرغم من كل نقائصهما. ومع ذلك، فقد أدرك كونفوشيوس أن الحياة الأخلاقية تبدأ من نواح كثيرة داخل العائلة. لا يمكننا حقاً أن نكون مهتمين، وحكيمين، وممتنين، وذوي ضمير ما لم نلب واجب طاعة الوالدين.

3. ينبغي أن نكون مطيعين للأشخاص الشرفاء

إن المجتمع الحديث هو القائل بالمساواة بين البشر إلى حد كبير. إننا نؤمن بأننا مولودون على قدم المساواة، وأن كل فرد منّا فريد من نوعه، وينبغي أن نكون قادرين في نهاية المطاف على أن نقول ونفعل ما نحب، ونحن نرفض العديد من الأدوار الجامدة ذات التسلسل الهرمي. ومع ذلك، فإن كونفوشيوس أخبر أتباعه: "دع الحاكم يكون حاكماً، والتابع يكون تابعاً، والأب أباً، والابن ابناً."

قد يبدو هذا ناشزاً، لكن من المهم في الواقع أن ندرك أن هناك أشخاصاً يستحقون التبجيل العميق. إننا بحاجة إلى أن نكون متواضعين بما يكفي للتعرف على الأشخاص الذين تفوق خبرتهم أو إنجازاتهم تجربتنا وإنجازاتنا. وينبغي علينا أيضاً أن نتدرب على القيام بهدوء بما يحتاجه هؤلاء الأشخاص أو يطلبونه، خاصة إن كانوا من أصحاب الفضل السابق علينا سواء كانوا معلمين أو مرشدين أو ما كان على شاكلة ذلك. وقد أوضح كونفوشيوس: "العلاقة بين الرؤساء والتابعين هي مثل العلاقة بين الريح والعشب. يجب أن ينحني العشب، عندما تهب الرياح عبره.".

4. المعرفة المصقولة يمكن أن تكون أكثر أهمية من الإبداع

تركز الثقافة الحديثة بشكل كبير على الإبداع كرؤى فريدة من نوعها تأتي إلينا فجأة. ولكن كونفوشيوس كان مصراً على أهمية الحكمة العالمية التي تأتي من سنوات من العمل الشاق والتفكير. وقد أسرد قائمة دعاها "الفضائل الخمسة الثابتة" وهي التعاطف (رن [في اللغة الصينية]) والطقوس الصالحة (لي)، العدالة (يي)، والمعرفة (تشي)، والنزاهة (شين). وبينما كان يعتقد كونفوشيوس أن الناس جيدون بطبيعتهم، فقد رأى أيضاً أن فضائل مثل هذه يجب أن تزرع باستمرار مثل النباتات في الحديقة. لقد قال لأتباعه:

"في الخامسة عشر من عمري، كان لديّ عزم على التعلم. وفي عمر الثلاثين، اتخذت موقفاً واضحاً. وفي سن الأربعين، لم يكن لدي أي شكوك. وفي عمر الخمسين، عرفت مراسيم السماء. وفي سنّ الستين، كانت أذني عضواً مطيعاً لاستقبال الحقيقة. وفي السبعين من عمري، كان بإمكاني إتباع ما يريده قلبي، دون تجاوز ما هو صواب.".

لقد تحدث عن الشخصية الأخلاقية والحكمة باعتبارهما عملاً مستمراً على مدى الحياة.

بالطبع، قد يكون انفجار الإلهام هو ما نحتاجه إليه لبدء أعمالنا أو إكمال مشروعنا الخام أو حتى إعادة اختراع نمط حياتنا. لكننا نحتاج أيضاً إلى تكريس المزيد من الطاقة لتغيير عاداتنا ببطء، لأن جوهر كينونتنا مصمم من قبل أنماط السلوك المتأصلة التي نتبعها في حيواتنا.

بعد سفره لسنوات عديدة، عاد كونفوشيوس إلى وطنه في ولاية لو عن عمر يناهز 68 عاماً وكرس نفسه للتعليم. ويقال إنه توفي عام 479 قبل الميلاد عن عمر يناهز 72 عاماً. مات دون تمكنه من إصلاح وتهذيب الحاكم ومسؤوليه. ولكن بعد وفاته، أنشأ أتباعه المدارس والمعابد تكريماً له في جميع أنحاء شرق آسيا، ومرروا تعاليمه لأكثر من 2000 سنة، لقد احتفظوا أيضاً بشجرة أنساب ذريته، ويدعي أكثر من مليوني شخص حالياً أنهم أحفاده المباشرون. في البداية، تعرض علماء الكونفوشيوسية للاضطهاد في بعض المناطق خلال عهد أسرة تشين (القرن الثالث قبل الميلاد)، ولكن في عهد أسرة هان (القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي)، أصبحت الكونفوشيوسية الفلسفة الرسمية للحكومة الصينية وظلت مركزية في تأهيل البيروقراطية الإدارية للدولة الصينية لنحو ما يقرب من 2000 عام. لفترة من الوقت، تم إتباع تعاليمه بالتزامن مع تعاليم لاو تزه، وبوذا، بحيث اعتبرت الداوية والكونفوشيوسية والبوذية كممارسات روحانية متوافقة تماماً. ولعل الأهم من ذلك هو أن الفكر الكونفوشيوسي كان له تأثير كبير على الأفكار السياسية الشرقية حول الأخلاق والطاعة والقيادة الجيدة.

اليوم، لا يزال الملايين من الناس يتبعون تعاليم كونفوشيوس كنظام روحي أو ديني، ويراقبون طقوس الكونفوشيوسية في المعابد وفي المنازل. ويتم استدعاؤه من قبل العديد من الشخصيات ذات الدرجات العليا، و لا يزال يحظى بالعديد من الألقاب التبجيلية من قبيل "السيد المبجل "، و"المعلم الراحل الأحكم"، و"المعلم النموذجي لعشرة آلاف من الأجيال". بالفعل لا يزال كونفوشيوس مرشداً روحياً ومنارة للملايين من أتباعه حتى اللحظة الراهنة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟