المواطن والإنسان ذو البعد الواحد - سلمى بالحاج مبروك

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاستمهيد
      إن ما يبرر اهتمامنا بمسألة المواطن من خلال كتاب ماركوز" الإنسان ذو البعد الواحد" أن ماركوز-باعتبار انتمائه لمدرسة فرانكفورت النقدية –تسعى للكشف عن تحول العلم والتقنية إلى إيديولوجيا أمكن من خلالها أحكام قبضتها على الإنسان ، وتحويل عقله من عقل أنواري إلى مجرد عقل أداتي . وقد نجح ماركوز في الكشف عن عنف الاستغلال النسقي للطبيعة والإنسان. فالفكر تم احتواؤه من قبل السلطة وجرد من حق الرفض وأصبح سلعة واللغة بدورها تشيأت ولم تعد تمثل مأوى الوجود ومسكنه وإنما أداة للإشهار السلعي تمر عبره تربية الجمهور وتطويعهم مما يهيئ لحمق سياسي . وتم تسخير العلم لممارسة التسلط التي ازدادت حدتها في الواقع الاجتماعي ،فإرساء قوانين عامة للظواهر الطبيعية تلاه نقل القالب نفسه الذي مهد لإخضاع الشعوب وفقا لمراسيم وقوانين المستبدين ،وإخضاع المواطنين لأوامره وقوالبه مجندا إياهم تجنيدا شموليا تنظمهم على الشاكلة نفسها وتتحكم بهم قسرا .وحتى العلوم الإنسانية لم تسلم هي الأخرى من التسخير من طرف السلطات السياسية والاقتصادية ."فمثل هذا المجتمع قد يتطلب تقبل مبادئه ومؤسساته.فلا يعود من دور للمعارضة غير مناقشة
 الاختيارات والحلول السياسية البديلة والبحث عنها داخل الوضع القائم وسواء كان النظام مستبدا أم غير مستبد، فليس لذلك من أهمية مادام يعمل على التلبية المتدرجة للحاجيات."ص38
إن هذه الصورة الحقيقية للمواطن في عصر التقنية هي التي دفعتنا لاختيار كتاب "الإنسان ذو البعد الواحد "من أجل اختبار الوضع الحقيقي للمواطن،خاصة ونحن نشهد عصرا يكثر فيه الحديث عن حقوق المواطن داخل الدولة وضرورة احترام مبدأ المواطنة حتى أصبح تقدم الدول وحداثتها مرهون بمدى استجابتها لاحترام مواطنيها. فهل نجد حقا مثل هذا التقديس للإنسان والمواطن بصفة خاصة داخل الدول الصناعية أم أن مواطن هذه الدول حاله حال المجتمعات النامية يعيش اضطهادا وتهميشا تحجبه غشاوة السعادة التي خرجت من معطف صناعة التسلية والترفيه وثقافة الاستهلاك؟
 لما كانت المواطنة هما فلسفيا بامتياز انشغل بها مؤسسو الفلسفة السياسية الحديثة واعتبروها من مقومات الدولة الحديثة نظرا لارتباطها بقيم الحرية والمساواة والمسؤولية وابتغاء الخير العام ، فإنه لابد من ربطها بأصلها وهو الإنسان حتى نفهم مدى استجابة فكرة المواطن لطموح الإنسان في أن يعيش الحرية والعدالة والمساواة. وهو ما يدفعنا للبحث والتساؤل عن طبيعة علاقة الإنسان بالمواطن .
 فمن المفارقات التي يخفيها الموجود الإنساني أنه ينتمي لمملكة الطبيعة وللعالم الحسي التجريبي من جهة ، ولمملكة الحرية والعالم العقلاني من جهة أخرى. فهو حيوان سياسي معرض للأهواء وفساد المآل من ناحية أولى وكائن عاقل يتوق إلى السمو والتجاوز ويقدر على احترام مقتضيات العقل والالتزام بالمواثيق والعهود من ناحية أخرى ،إنه يتواتر بين الحقوق والواجبات ، وهو كائن يملك فردية وخصوصية ويدافع عن حريته  وهو كذلك يحتاج للاجتماع مع الآخر ، وهذا الاجتماع يفرض عليه جملة من القيود . إن هذه التوترات الاحراجات هي التي تشرع لضرورة استنطاق الوجود الإنساني وتنزيله المنزلة التي يستحقها والتعرض للصعوبات التي تثيرها مسألة اندراجه ضمن عالم قيمي
 وسياسي وحتى اقتصادي. وقد آثرنا كتاب "الإنسان ذو البعد الواحد " لأنه يكشف هذه المفارقة .
فما مدى أصالة الإنسان المواطن في مجتمع الإنسان ذو البعد الواحد ؟ وهل نحن في حقبة المواطن خاصة وأن هذا العصر لا يدعي لنفسه أنه نجح في ترسيخ مبدأ المواطنة فحسب بل تعداها للحديث عن المواطن العالمي في ظل انتشار ثقافة حقوق الإنسان . فهل نجحنا حقا في ترسيخ مبدأ المواطن؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد أن نتعرف لأهم التحولات التاريخية التي أوصلت الإنسانية إلى فكرة الإنسان من جهة وفكرة المواطن من جهة أخرى ، خاصة وأن مبدأ المواطن لا يمتلك مشروعية إلا داخل نظام سياسي بمعنى آخر داخل الدولة ،على خلاف مفهوم الإنسان الذي يبدو أكثر عمومية أو هو مفهوم متعالي ومجرد وبالتالي فهو ليس مشروط بزمان أو مكان محدد.فمفهوم الإنسان يبقى تصورا قبليا على خلاف المواطن الذي يتمتع بقبلية ولكنها عملية بما أنه يتنزل في سياق حقوقي وسياسي. ومما يعقد المسألة  أن البعض يعتبر أن سؤال ما هو الإنسان هو سؤال حديث طرحه كانط في كتاب "المنطق" عندما رد الأسئلة التالية :
- ماذا يمكنني أن أعرف؟
                -ماذا يجب علي أن أفعل؟
                -ما الذي يجوز لي أن آمل
إن السؤال المركزي في الفلسفة هو سؤال "ما الإنسان"؟ وبالتالي فإن الإنسان كما يقول فوكو في" كتابه " الكلمات والأشياء " في الفصل المخصص للعلوم الإنسانية "الإنسان مخلوق جديد في الحقل المعرفي واختراع حديث العهد أبدعه العلم"، ويؤكد أن ما كان موجودا قبل القرن الثامن عشر ليس الإنسان بل العالم والكائنات البشرية والنظام أما الإنسان فقد كان غائبا . والفلسفة عبر مختلف أشكالها قد رسخت هذا النسيان. إذ قامت الفلسفة الإغريقية على تمجيد الطبيعة ونظام الكوسموس المتميز بالتفاضل والتناغم وعلى اعتبار الموجود البشري خلية صغرى ضمن النظام الكلي للعالم . في حين كان مفهوم المواطن حاضرا آن ذاك .فقد وردت كلمة المواطن في كتابات الفلاسفة القدماء إلى جانب كلمات الأمة والشعب كتعبير عن أفراد المجتمع ،مما يدل على أبعاد المواطنة وأهميتها منذ القديم . غير أن المواطنة اليونانية كانت مشروطة بعدة شروط ،فانبنت على التفرقة والتمييز ولم تشمل كل الناس بل انحصرت في فئة معينة انطلاقا من الانتماء الجنسي والعرقي والطبقي وبقي الأطفال والنساء والغرباء والعبيد والمرضى خارج دائرة الإنسانية والمواطن . ولم يسمح بالحراك السياسي
 وظهرت نظرة سكونية للأشياء وللأشخاص دعمها الفكر الديني في القرون الوسطى عندما اعتبر التقوى إحدى مقومات الشخصية الإنسانية وعندما أصبحت الملكية تحدد إنسانية الإنسان، فالإنسان إنسان بقدر ما يملك ،يملك ذاته ويسيطر على نوازعه ثم يملك سلطانا على الأشياء أما العبيد فهم خارج دائرة الإنسانية و المواطن لأنهم ملك لغيرهم . أما الحق الإنساني فهو تابع للحق الإلهي أو لحق الأقوى ولم يكن شاملا أو كونيا بل كانت المساواة في عدم المساواة . ولئن انبنت النظرة القديمة للإنسان والطبيعة على التراتبية والتفاضل وأنشأت خطاب سياسي يحتقر الإنسان العادي ويبحث عن أفضل النظم فإن النظرة الحديثة انطلاقا من رؤيتها العلمية والآلية قد أحدثت قطيعة مع التصور الأنطولوجي واستبدلته بتأسيس أنتروبولوجي ينطلق من فكرة الطبيعة الإنسانية في حالة الطبيعة ومبررات انتقالها للحالة الاجتماعية من خلال العقد الاجتماعي ولم يكن ذلك ممكنا إلا بتصور الأفراد على أنها مجرد قوى متصارعة من أجل حفظ الكوناتوس.
هذا التساوي في القوى سيؤدي إلى إلغاء النظرة التراتبية للإنسان وهو ما سينعكس فيما بعد على مفهوم الفرد داخل الدولة أو المواطن . ومن هنا ستنشأ فكرة المواطن الذي سيحدد من خلال منظومة الحقوق والواجبات بتعميم مبادئ الحرية و العدالة والمساواة دون تمييز .فهل معنى ذلك أن مفهوم المواطن لا يكتسب دلالته الحقيقية إلا داخل مؤسسة الدولة ؟ بمعنى آخر هل عندما نكون خارج الدولة لا نكون مواطنون وعندما نكون داخل الدولة نكون مواطنون ؟
أليس "الإنسان ذو البعد الواحد " هو داخل الدولة ولكنه في نفس الوقت قد فقد هويته كمواطن؟ ثم أليس الإنسان ذو البعد الواحد هو إنسان المجتمعات الصناعية التي انبنت على أسطورة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطن هي نفسها التي تنتهك المواطن وحقوقه فكما يقول ماركوز "الديمقراطية هي التي تلغي بنفسها وبكل دعة واطمئنان مبادئ الديمقراطية". وعلى الرغم من تبني مفهوم المواطن في كافة الدساتير والبرامج السياسية والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان فإن هذه الفكرة الجذابة والجميلة للمواطن وكأنها ظلت مجرد نوايا حسنة لا تعكس صورة المواطن كما هو في الواقع الدولي . فأمام تضخم مقولات حقوق الإنسان والمواطن في مستوى نظري وتكثف حضورها في الخطاب السياسي ،لم يعادله نفس الاهتمام في الواقع. فهاهي المجتمعات الصناعية المتقدمة كما يرى ماركوز "تتطور نحو مجتمعات مغلقة بدون معارضة" ،إنه مجتمع ينحو نحو التوتالتارية بسب مركب علم- تقنية- إدارة وأشكال جديدة للمراقبة وهو ما يعني أن ما يسمى بالعلم والتقنية هي مشبعة بالإيديولوجيا وتختلط بالسياسي والاجتماعي. وكتاب ماركوز بما يحمله من توصيف لواقع تداخل فيه العلمي
 بالتقني والسياسي يوفر لنا أرضية نقف عليها للبحث عن دلالة المواطن ومنزلته كما نظرت له الفلسفة السياسية الحديثة ثم اختبار هذه المنزلة على ضوء ما جاء في كتاب ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد" من تشخيص لحالة المجتمع الصناعي الرأسمالي. فهل نجح هذا المجتمع في صناعة صورة مثالية وراقية للمواطن أم أن رغم ما تدعيه هذه المجتمعات من تقدم علمي وتقني وادعاء باحترام لحقوق الإنسان لم يعمل في حقيقة الأمر إلا على تشظي فكرة المواطن والعمل على سحقها تحت ركام الإنتاج والاستهلاك لتظل فكرة المواطن مجرد صورة واهمة لا توجد إلا في خيال الفلاسفة ومنظري السياسة؟ ما هو مفهوم المواطن والقيم المرتبطة به؟ وما علاقة المواطن بالإنسان ذو البعد الواحد هل توجد مسافة وتباعد بينهما أم أن المواطن ما هو إلا الإنسان ذو البعد الواحد؟
ولعل المعضلة الأكبر تتمثل في ارتباط ترسخ مفهوم المواطن بتقدم المجتمعات الصناعية وفي نفس الوقت سعي هذا المجتمع إلى تربية أفراده على حبهم لذواتهم وحبهم لمنافعهم ومصالحهم الخاصة وتحقيق سعادتهم على حساب شقاء الآخرين . فهل يمكن لمثل هذا المجتمع أن يصنع منهم مواطنين أحرار؟ وهل يمكن القول أن ما يكشف عنه ماركوز هو تقلص المسافة المفترضة بين المواطن الحقيقي والإنسان ذو البعد الواحد. فهل من مخرج لهذا المأزق الذي وقع فيه المواطن ؟ وكيف يتحقق ذلك ؟ هل بإعلان الثورة على هذه الصورة النمطية للمواطن الذي فقد بشكل هادئ مواطنته خاصة وأنه لم يعد له ما يخسره سوى أغلاله ؟ أم أن الثورة على هذا الوضع بات مستحيلا ومستبعدا في عالم يخشى أن يفقد مع الثورة امتيازاته؟  وما نراهن عليه في هذا البحث هو كشف زيف ادعاءات العقل التقني بأنه بلغ مرحلة من احترام الإنسان و حقوق المواطن إلى مرحلة نهائية ومثالية وكشف حقيقة الديمقراطية بلغة ماركوز التي أصبحت كما يقول "إن الديمقراطية تدعم السيطرة بشكل أقوى من الحكم المطلق ".
في التمييز بين الإنسان والإنسان ذي البعد الواحد
-أ- ماهو الإنسان؟
يعتبر سؤال "ماهو الإنسان ؟ " من أعقد الأسئلة وأصعبها لتناقض الفلاسفة فيما بينهم وعجزهم عن إيجاد تعريف موحد له ولعل هذه الصورة تؤكد أن الإنسان في الفلسفة ليس إنسان أحادي البعد بل متعدد الأبعاد والدلالات إذ لو كان الإنسان أحادي البعد لاتفق الفلاسفة فيما بينهم على إيجاد تعريف موحد له . وإذا انطلقنا من القرن الثامن عشر الذي عرف انشغالا حقيقيا بالإنسان كما أشار إلى ذلك ميشال فوكو ، والقرن الذي سبقه وهو عصر الثورة العلمية ،فإن ملامح هذا العصر عرفت تحولات كبيرة من بينها توحيد قوانين الطبيعة وفي نفس السياق تم إدراج الإنسان ضمن جسم اجتماعي واقتصادي وسياسي ،ووحد ديكارت كل البشرية تحت نفس الصفة وهو العقل وأعلن أنه أعدل الأشياء قسمة بين الناس وقام بتحديد الإنسان انطلاقا من جوهرية التفكير فتحول الإنسان إلى مفهوم جوهري وكوني وفي نفس السياق تم كسر التحالف القديم بين الإنسان والطبيعة واستبدلت بمقولة الغزو والسيطرة وحددت أهداف الإنسان "أن يصبح سيدا على الطبيعة ومالكا لها" فأعلي من شأن الإنسان وتمجيد الذات وبدأت تتشكل صورة ريادية للإنسان تتمحور حول الذاتية والفردية والحرية ،وتمخض عن هذا الاهتم
 ام خطاب فلسفي يجعل من سؤال "ما هو الإنسان"؟ السؤال الفلسفي بامتياز الذي أدان كل التصورات الميتافيزيقية والدينية والأخلاقية التي تراكمت حول مفهوم الإنسان والذي أرخ لانحلال نمط من التفكير وبشر بنهوض نمط جديد يقلص من حضور الإله في العالم ويكثف من حضور الإنسان. وحتى عندما حاولت العلوم الإنسانية دراسة الإنسان بتحويله إلى كائن اقتصادي واجتماعي وسياسي فإن هذا يؤكد على الإنسان في جوهره كائن متعدد الأبعاد لا يمكن اختزاله في بعد واحد وهو ما جعل بول ريكور ينادي بإيجاد أنتروبولوجيا جديدة بعد الرجة التي حصلت مع كل من نيتشه وماركس وفرويد يقع النظر فيها للإنسان انطلاقا "من إمكانية قيام أنتروبولوجيا فلسفية قادرة على الاضطلاع بجدلية الوعي واللاوعي" سجال التأويلات" بمعنى أخذ كل ما يساهم في تحديد مفهوم الإنسان دون إقصاء أي بعد حتى وإن كان يرمز للضعف الإنساني والهشاشة وهو ما تحاول الفنومينولوجيا تقديمه للإنسان في سياق إنقاذه من الضياع في العالم وتلاشي معاني وجوده . فإذا كان هدف الفلسفة دائما التدخل لفرض وجهة نظرها حول مفهومها للإنسان فمن أجل إنقاذه من الاختزال والابتذال والدفاع عن هويته المتنوع
 ة بوصفه كائن رامز والرمزية تحيل إلى تعدد دلالات ومعاني الإنسان يتراوح وجوده بين العلمي والفني والديني والأسطوري . فإذا كانت حقيقة الإنسان بهذا الثراء والتنوع فلماذا انقلبت إلى صورة متصحرة و شاحبة تنم عن استفراغ دلالي وقيمي ؟ ولماذا أصبح الكائن المتعدد الأبعاد كائن ذو بعد واحد ؟ ثم ما المقصود بالإنسان ذو البعد الواحد ؟
-ب- من هو الإنسان "ذو البعد الواحد"؟
بالعودة إلى كتاب ماركوز "الإنسان ذو البعد الواحد" نستطيع أن نتبين ما الذي يقصده ماركوز بالإنسان ذو البعد الواحد إذ ورد في الفصل الأول من نفس الكتاب والمعنون "أشكال الرقابة " ما يلي "تتحدد إنسانية الإنسان بالحاجة والقدرة على تلبية هذه الحاجة " ويواصل "لم يعد هناك غير بعد واحد ماثل في كل مكان وتحت شتى الأشكال ". ما نلاحظه من هذا التحديد للإنسان أن ما هو حيواني أصبح يحدد ما هو إنساني وهو نفس ما انتهى إليه ماركس عند حديثه عن اغتراب الإنسان في النظام الرأسمالي عندما يقول ماهو إنساني يصبح حيواني وماهو حيواني يصبح إنساني . فالمجتمع الصناعي قد نجح في استبدال الهوية العقلانية بأخرى حيوانية من خلال اختزال إنسانية الإنسان وردها إلى بعد واحد وهو إرضاء الحاجيات أو الاستهلاك فالإنسان إنسانا بقدر ما يستهلك . إن هذه الرؤية الجديدة للإنسان تتناقض مع ما أرادت الفلسفة أن يكون عليه الإنسان وخاصة فلسفة الأنوار ، فإذا كان هذا الفكر يذهب في اتجاه "إيلاء مكانة هامة للإنسان كقيمة مركزية نظرية وعملية " كما يقول هابرماس في كتابه الخطاب الفلسفي للحداثة  ، فإن هذا التصور بدأ يتهاوى تحت ضربات مطرقة من يسم
 يهم ريكور بأقطاب الظنة لتحل محل الذات المفكرة والمريدة والفاعلة والشفافة ذات مكسورة وجريحة وغير عارفة بذاتها خاضعة لحتميات لاشعورية واجتماعية يداهمها اللاعقل والوهم وهي مجرد ذات منفعلة . وهو ما انتبه إليه ماركوز في سياق حديثه عن الحرية في المجتمع الصناعي عندما يبين أن تحول الإنسان إلى مجرد كائن مستهلك لا يهتم إلا بإرضاء الحاجيات المادية قد سلب منه خاصيتي الحرية والعقل وهما جوهر الإنسان في الفلسفة الأنوارية "إن تقنيات التصنيع هي تقنيات سياسية ومن هنا فإنها تدين سلفا أهداف العقل والحرية" ص45
نحن إذن في عصر يعلن انقلابه على مشروع "سيادة الإنسان " وأمام فلسفة تنبني عل أنقاض فلسفة الأنوار معلنة خيانتها لهذا المشروع باستبدالها وثن العقل بوثن اللاعقل فتم اغتيال الكوجيتو الديكارتي واستبداله بصور فقيرة ومرعبة للإنسان ردت وجوده إلى مجرد امتداد طبيعي وبيولوجي . إن هذا الاختزال للإنساني فيما هو حيواني وعلمي ومادي انتهى إلى سلب الإنسان تنوعه و تعدده وحصره في بعد واحد وهو البعد الحيواني مقابل استبعاد للتصور القيمي والأخلاقي الذي يجعل منها كانط مبرر استحقاق الإنسان للكرامة ،وكأننا أمام وضع فلسفي شديد الاختلاف أتقن فيه التقدم العلمي بناء الأشياء ولكنه أفلس وفشل في بناء الإنسان. نحن في وضع نحتاج إلى تحرير ،بمعنى آخر نحتاج للعقل لنتحرر ولكن العقل نفسه يحتاج إلى من يحرره . انطلاقا من ذلك يمكن أن نتعرف لملامح هذا الإنسان فكيف حدد ماركوز هذه الصورة؟
-ج- ملامح الإنسان ذو البعد الواحد
من خلال كتاب ماركوز نستطيع أن نحدد ثلاث ملامح أساسية هي التالية : التشيؤ ،الاستهلاك والاغتراب .
*التشيؤ :
 يقول كيكغارد " إنك تلغيني إذا وضعتني في نظام " وهو نفس ما ذهب إليه ماركوز عند حديثه عن النزعة التشيئية للعلم قائلا "إن هذه الذات تسلب من دورها الأخلاقي والسياسي والجمالي من حيث دورها يختصر في الملاحظة الخالصة والقياس والحساب الخالصين" . فالتشيؤ ظاهرة يصبح في ظلها الناس موضوعات تسيرهم ميولات تكنولوجية واقتصادية في آن معا وتحدد سلوكهم مصالح اجتماعية محددة . إن الفرد في المجتمع التقني الرأسمالي يخوض علاقات تنهض على الكم والتراكم الإنتاجي فيما يتعلق بتعامله مع المواضيع والأشياء. أي أن علاقته تحددها روح المقايضة والمنفعة الخاصة . ومن هنا فإن روح المقايضة تعتبر عاملا كبيرا يساهم في بلورة ظاهرة التشيؤ العامل الثاني هو التملك والتشبث بالأشياء المصنوعة وبنشوة الإستهلاك فليس غريبا أن نرى أن التمسك بالأشياء المصنوعة أيسر من الإلتزام بالعلاقات الإنسانية . إن تحول جميع النشاطات إلى سلع يعتبر أساس حالة التشيؤ وتظهر ظاهرة التشيؤ على ثلاث مستويات :
- أولا:  أن المجتمع الإستهلاكي ينزع على الدوام إلى خلق واستنباط رغبات  جديدة .
- ثانيا: إن حب التملك للأشياء يصبح الحافز الرئيسي للأفراد وهو ما يجعل الأشياء تتحكم في الإنسان .
- ثالثا: أن مقدرة الإنسان تكمن في قيمة الأشياء التي في حوزته والتي يرى فيها قيمته الذاتية المتوارية .  إن هذا التشيؤ الذي يقع فيه الإنسان يرده إلى التكنولوجية العلمية التي تميل إلى دراسة الأفراد بطريقة موضوعية علمية تبرر ماهو قائم إذ يقول في هذا السياق "إن التجريبية في ميدان العلوم الاجتماعية تتوخى توقع سلوكات الأفراد والجماعات بحيث ليس هناك فرق بين الذات وموضوع المعرفة وما يهمها ليس دراسة تكون المجتمعات البرجوازية إنما عرض أشيائه وموجوداته وأفراد المجتمع بوصفهم أشياء ووقائع وأرقام وبيانات ومعادلات " وهي تعلن دون خجل "أن كل ما يمكن ملاحظته لا يعدو أن يكون في نظرها أشياء ومحض أشياء".  إن النظرة العلمية التي تعيد إنتاج الظاهرة الإنسانية كظاهرة منظمة ودقيقة متكيفة ومندمجة يجب أن لا يحجب الصورة الخادعة لمجتمع قائم على صنمية السلعة وتسيد النزعة الاستهلاكية الذي سيغير مفهوم الإنسان من ذات تفكر إلى ذات تستهلك ، فقد انقلب العقل تنينا آدتيا تجاوز صانعه بكثير ،وهذا الصانع أصبح يعلن "أنا أستهلك فأنا موجود" ،فاستبدل كوجيتو التفكير بكوجيتو الإستهلاك .
فما معنى أن يتحول الإنسان إلى كوجيتو مستهلك ؟
*الإنسان بوصفه كوجيتو مستهلك :
إن سمة المجتمع الصناعي كما يراها ماركوز أنه مجتمع الوفرة والمقصود بالوفرة في مستوى المنتوج والسلعة فهو له فائض إنتاج من السلعة من جهة وهو أيضا مجتمع الرفاه  والرفاه ما يحقق راحة الناس وإحساسهم بالسعادة فالتقنية تزيل العناء لأن ما اعتاد الإنسان القيام به يصبح موكولا للتقنية  وللآلة  .فما يميز المجتمع الصناعي هو تحويل الإنسان نحو هدف واحد تتمثل في خلق لدى الإنسان "حاجة لا تقاوم إلى إنتاج واستهلاك ما هو زائد عن الحاجة "
 بل إن الإنسان لا يتعرف على نفسه إلا من خلال البضاعة ومدى امتلاكه للأشياء "فالناس يتعرفون على نفسهم في بضائعهم ويجدون جوهر روحهم في سياراتهم وجهازهم التليفزيوني الدقيق الاستقبال" فأي نموذج يقدمه المجتمع الصناعي في مجرد أفراد لا هم لهم سوى مزيدا من الاستهلاك  وتحولهم إلى مجرد رغبة لامتناهية في الإستهلاك . وأي وعي مشروط بمدى تلبيته للحاجيات ؟ إنه بلغة هيجل مجرد "وعي شقي" وهو بلغة ماركس"وجود مغترب".  فما معنى أن يكون الإنسان مغتربا ؟
إن                        *الإنسان المغترب:
لقد حددت الموسوعة الفلسفية العربية الاغتراب كما يلي " الاغتراب بالمعنى الحقيقي هو التنازل عن الملكية لصالح آخر ، وتعني في الطب الاضطراب العقلي الذي يجعل الإنسان غريبا عن ذاته ومجتمعه ونظرائه أما في الفلسفة  فتشير إلى غربة الإنسان عن جوهره وتنزله عن المقام الذي ينبغي أن يكون فيه ، فالاغتراب نقص وتشويه وانزياح عن الوضع الصحيح  وقد بدأت هذه المقولة مع هيقل وماركس ووجدت بعض سماتها في فلسفة هوبز وروسو " بهذا المعنى للاغتراب دلالات عدة فهو يمكن أن يكون اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو إيديولوجي ويبدو أن الاغتراب بوجوهه المتعددة يجد له مكانا في كتاب ماركوز  فانطلاقا من الفصل الثاني الذي يحمل عنوانا له " انغلاق العالم السياسي " وما يمثله مفهوم الانغلاق من دغمائية وانسداد في الأفق ، فعلى الصعيد الاجتماعي والاقتصادي يظهر الاغتراب حين يصبح "الاقتصاد وشيج الارتباط بنظام عالمي من التحالفات العسكرية والإتفقات النقدية والمعونة التقنية وخطط التنمية "وفي نفس السياق "وفي الوقت ذاته تتلاشى الفوارق بين العمال والفنيين والنقابيين وأرباب المصانع". فينعدم أي شعور بالاغتراب لأننا أمام اغتراب مضاعف  اغ
 تراب الانسان داخل هذا النظام الصناعي وعدم الوعي بالاغتراب وهو ما يعني أن الاغتراب ذاته مغترب , ويبلغ الاغتراب حدته على الصعيد السياسي " بتزايد صعوبة التمييز بين برامج الأحزاب الكبيرة التي بلغت درجة متماثلة من الرياء وهذا الاتحاد بين المعارضين يثقل بوطأته على إمكانيات التغيير الاجتماعي".
نستنتج أن التواطؤ بين المعارضة والحزب الذي يوجد على هرم السلطة أصبح واضحا سواء في مجالات النقابات أو السياسة  بحيث يصعب التمييز بين برامج الأحزاب  وأهدافها  نظرا للتماثل والتجانس وحتى "الثقافة الرفيعة " التي من المفروض  أنها تخلق أفقا من الحلم والتحرر لم يعد بإمكانها أن تقدم مثل هذا الحلم لأنها انغمست بدورها في فضاء من السلم واللامبالاة واندمجت بالنظام القائم  "فاتخذت شكل البضاعة  فموسيقى الروح هي أيضا موسيقى تجارية" إنه الاغتراب إذن على جميع الأصعدة  فهاهو التشويه يبلغ أشده بفقدان الأدب دوره المتمثل في نفي النظام لتصبح مهمته توكيد النظام القائم ،نظام الاغتراب والتصحر الوجودي  والانسحاق وحتى أمل الإنقاذ لم يعد قائما بعد أن امتلأ الوجود اغترابا  ولم يعد للمجتمع من وظيفة سوى إعادة إنتاج شروط اغترابه  , وهاهي "الدعاية والصورة التلفزية والبرامج السياسية تمارس هيمنة خفية على الإنسان إنها ميكروفيزياء  الاغتراب وحتى اللغة أصبحت يدورها امتثالية" فلغة هذا العالم هي لغة توحد وتوحيد تعكس الرقابات  ولكنها تصبح بوجه خاص هي نفسها أداة رقابة". إن هذه اللغة ذات طابع استبدادي رقابي تمنع تطور
 المعنى نظرا لأنها تخلق صورا ثابتة تفرض نفسها فيها  . ننتهي إذن إلى حالة من الاغتراب الكلي يعيشها الإنسان  في المجتمعات الصناعية تحول بينه وبين تحرره .فكيف سيؤثر وضع الإنسان الأحادي البعد والمغترب على مفهوم المواطن وعلى وضع المواطن داخل  المجتمع الصناعي ؟ هل يمكن لمفهوم المواطن وحق المواطنة أن تنقذ الإنسان من الاغتراب أم أن المواطن ذاته مغترب؟
™™/ في مفهوم المواطن وعلاقته بالإنسان ذو البعد الواحد  :
أ‌    مفهوم المواطن:
إذا كان مفهوم المواطن قديما كان حكرا على فئة قليلة من الناس احتكرت لنفسها حق السيادة على الشعب لتجعل من العامة أداة استغلال و ترفيه بينما تتركهم يعيشون كالسوائم. مستعملة في ذلك الحق الإلهي وقد استمر هذا الوضع إلى أن ظهر العصر الحديث منفتحا على حقيقة جديدة و انطلاقا من فلاسفة عصر الأنوار من أمثال روسو و لوك و مونتسكيو.. و اعتبروا أن الحقوق تعود إلى الإنسان بمجرد ولادته و هي حقوق طبيعية في المساواة و في الملكية و العدالة. و أعلنوا أن المواطنة حق للجميع و ليست وقفا على فئة و أنهم سواء في إدارة الشؤون العامة و جاء في تعميم المواطنة في أول وثيقة رسمية هي "إعلان حقوق الإنسان و المواطن" الصادرة سنة 1791 كانت غايتها وضع حد لمصادرة الإنسان في شخصه و أمواله و حريته من قبل الحاكمين و إغفال مبادئ الحرية و المساواة و الحق في التملك و قد تطور مفهوم المواطن بانتقال الدولة من الوضع البوليسي إلى دولة تقوم على الديمقراطية الاجتماعية و حق الحياة و العمل للجميع.
   بالعودة إلى المفهوم الاشتقاقي لكلمة مواطن فإن هذه الكلمة في اللغة الفرنسية يمكن تعريفها من خلال اشتقاقها اللغوي " Civitas" اللاتينية المعادلة لكلمة « Polis » اليونانية ومعناها المدينة كوحدة سياسية مستقلة فالمواطن ليس فقط ساكن المدينة ففي روما و أثينا لا يتمتع كل السكان بصفة المواطنين. غير أن ما يجب الانتباه إليه أن مفهوم المواطن يرتبط ضرورة بمفهوم الدولة. إذ لا يمكن الحديث عن المواطن خارج الدولة رغم أن الحقوق التي يتمتع بها المواطن داخل الدولة سابقة على وجودها، إنها حقوق طبيعية تخص الإنسان بوصفه إنسانا و هي حقوق مقدسة لا يمكن التنازل عنها لأنها ترتبط بجوهرية الإنسان. حتى أنه وقع الربط بين حقوق الإنسان و المواطن ذلك أن احترام حقوق الإنسان ضروري لممارسة حقوق المواطن. و عندما نلاحظ المادة الثانية لإعلان حقوق الإنسان "إن هدف كل تجمع سياسي المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية الدائمة..." إن ما تبلغه هذه المادة أن الإنسان لم يوجد من أجل الدولة كما أعتقد هيجل بل جعلت الدولة لخدمة الإنسان. و يمكن أن نتبين علاقة الدولة بالمواطن بوضوح عند روسو في الفصل السادس من كتاب العقد الاجتماعي
 متحدثا عن الدولة التي ستتأسس وفق ما يسمى "بالعقد الاجتماعي" قائلا: "وهذه الشخصية العامة، التي تتكون هكذا من اتحاد الشخصيات الأخرى كانت تحمل قديما اسم "المدينة" أو الحاضرة و تحمل الآن اسم "الجمهورية" أو "الهيئة السياسية" وهي التي يسميها أعضائها "دولة" إذا كانت سلبية غير عاملة و"هيئة السيادة" إذا كانت عاملة... وأما الشركاء فيتسمون في وجه جماعي مشترك باسم "الشعب" ويطلق على الأفراد اسم "مواطنين" على أنهم مشتركون في سلطة السيادة، و"رعايا" بصفة كونهم خاضعين لقوانين الدولة."
إن مفهوم المواطن من خلال تحديد روسو هو مواطن من جهة كونه يشترك في سلطة السيادة أو ما يطلق عليه بالحقوق،أما المقصود بالرعايا فإنها تعني الحالة التي يكون فيها المواطن خاضعا لقوانين الدولة و هو ما يعبر عنه بمسألة الواجبات.فالمواطن من هذا المنطلق هو فرد يندرج ضمن الدولة و هو مثلما له حقوق له واجبات و هو مثلما يكون حرا وسيدا يكون في نفس الوقت مطيعا للقوانين و خاضعا لها.
غير أن خضوع المواطن للقانون لا يعني أن المواطن قد سلب حريته لأن مفهوم الحرية عند روسو يقترن بالقانون "فولدت الحرية يوم ولد القانون" و بالتالي خضوع المواطن للقانون لا يعني أنه فقد خاصية الإنسانية الحقيقية فهو:"إذا منح كل واحد نفسه للمجموعة كلها فإنه لم يمنح نفسه لأحد."  لأنه في نهاية المطاف لا يخضع لسلطان أحد و هو بهذا يحافظ على حريته.
إن هذا التحديد لمفهوم المواطن يضعنا أمام ارتباط هذا المفهوم بالدولة إذ لا وجود للمواطن خارج الدولة فقد ورد في الموسوعة العربية العالمية المواطنة بأنها اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن و في قاموس علم الاجتماع المواطنة هي مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي و مجتمع سياسي و من خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء و يتولى الطرف الثاني الحماية، و تتحدد العلاقة بين الفرد و الدولة عن طريق القانون.
 إذا كان تأسس الدولة أقترن بضرورة حماية الحقوق الطبيعية و تحويلها إلى حقوق مدنية تتجلى في فكرة المواطن إذ يجعل اسبينوزا من تأسيس الدولة غاية محددة و هي تحقيق الحرية إذ يقول في هذا السياق في كتابه رسالة في اللاهوت و السياسة: "إن غاية الدولة لا تتمثل في جعل البشر يمرون من وضع الكائنات العاقلة إلى وضع السائم... إذن فغاية الدولة في الواقع هي الحرية.."
فإن هذا التحديد يمكن لنا أن يقدم حقيقة المواطن أو خصائص المواطن: فما يمكن أن تكون هذه الخصائص.

مكونات المواطنة = للمواطنة عناصر ومكونات أساسية ينبغي أن تكتمل حتى تتحقق المواطنة  وهي التالية:
الانتماء = إذ إن من لوازم المواطنة الانتماء إلى وطن و الانتماء هو شعور داخلي يجعل المواطن يعمل بحماس و إخلاص للارتقاء بوطنه و الدفاع عنه. و من مقتضيات الانتماء أن يفتخر الفرد بوطنه و أن يدافع عنه و يحرص على سلامته أما المكون الثاني لمفهوم المواطنة هي منظومة الحقوق و الواجبات:فمفهوم المواطن يتضمن حقوقا يتمتع بها جميع المواطنين و هي في نفس الوقت واجبات على الدولة و المجتمع و منها:
-       ضمان الحريات الشخصية مثل حرية التملك و حرية العمل و حرية الاعتقاد و حرية الرأي.
-       ضمان العدل و المساواة و توفير الحياة الكريمة و الخدمات الأساسية من صحة وتعليم.
في مقابل الحقوق التي يتمتع بها المواطن عليه واجبات فمثلما واجبي هو حق عند غيري فإن حقوقي هي واجبات عند غيري. و لئن ارتبط مفهوم الحق بالحرية فإن الواجب كمفهوم أخلاقي ارتبط بالإلزام و من أهم الإلزامات هو احترام حرية الآخرين و الدفاع عن الوطن و الانتخاب.
نستطيع أن نقول أن رغم تعدد الخصائص التي تحدد مفهوم المواطن فإن أهم ملامح فكرة المواطن هي فكرة الحقوق و الواجبات. و أن علاقة الدولة بالمواطن تقوم على أساس هذه العلاقة. إذ الدولة وجدت من أجل حماية حقوق الأفراد و هو ما عبر عنه فلاسفة العقد الاجتماعي عندما جعلوا الغاية من الدولة هي  ضمان الأمن و السلام مع هوبز وحفظ بقاء الأفراد أو حماية حقهم في الحياة و حماية حرياتهم و ممتلكاتهم في مقابل هذه الضمانات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، هم مطالبون بجملة من الالتزامات أو الواجبات ذلك: "أن الحرية تحتاج إلى حدود و أن إذا استطاع أحد الناس أن يضع ما تحرمه القوانين فقد الحرية، و ذلك لإمكان قيام الآخرين بمثل ما فعل."
فأهم الواجبات هي احترام القوانين واحترام حدود الحرية.فالواجب في علاقة الدولة بمواطنيها أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل كما يسمح ضمان الحرية وتجنب مخاطر الاستبداد والاغتراب السياسي حتى يكون الإنسان مواطنا حقيقيا حر التفكير ومضمون الحقوق.
هذا ما راهن عليه الفكر السياسي في عصر الأنوار وهذه الفكرة التي سعت رسمها الفلسفة السياسية للمواطن والدولة، مواطن إنسان يتمتع بكل حقوقه السياسية و المدنية والاجتماعية والاقتصادية و دولة تتبنى على أساس المشروعية و الإرادة العامة وإستمراريتها مشروطة بمدى استجابتها للإرادة العامة مستندة في ذلك إلى سلطة القانون و قوته. رغم ما يثيره الجمع بين القانون و القوة من مشكل في الدولة ذلك أن الدولة بهذا المعنى تحتاج لتطبيق القانون إلى نوع من القوة و هذه القوة هي ما يسمى بالعنف المشروع   و قد اعتبر ريكور في كتابه التاريخ و الحقيقة أنه "ظهر مع الدولة ضرب من العنف له سمات شرعية و هذا الجمع بين القانون و الدولة يمثل مشكلا."
 لكن مهما تكن الصعوبات فالمهم في هذا الجمع هو حماية المواطن و حقوقه من الاعتداءات.
فإذا كانت الدولة حريصة على تحقيق فكرة المواطنة فكيف حال المواطن في ظل الحضارة المعاصرة و الدولة الصناعية وهل استجابت فكرة المواطن في كتاب الإنسان ذو البعد الواحد للمواطن الحقيقي أم أن الإنسان ذو البعد الواحد ما هو إلا صورة مقلوبة عن المواطن؟
III- في التمييز بين المواطن و الإنسان ذو البعد الواحد:

نتبين بالعودة إلى كتاب ماركوز الإنسان ذو البعد الواحد و محاولة  إختبار صورة المواطن على ضوئها أن ملامح حضارة التصنيع و ما تميزت به من تركيز على المنفعة والمردودية والحسابية  التقنية في مقابل استبعاد القيم مثل الحرية أدى إلى تشظي صورة الإنسان و من خلفها صورة المواطن و بدأت أعراض الحضارة بما تحمله من أمراض تنتقل إلى المواطن.
فما هي ملامح حضارة التصنيع و كيف ساهمت هذه الأعراض في تفتت فكرة المواطن و أين تظهر ملامح هذا التفتت؟
أ‌    ملامح حضارة التصنيع و تشظي المواطن:
تتميز حضارة التصنيع كما أبرزها ماركوز في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد، بأنها حضارة يغلب عليها مبدأ المردودية، وأن علاقة الإنسان بالإنسان هي علاقات نفعية عقلانية مجردة تعاقدية نفعية براغماتية شرسة و تهيمن في ظل هذا التصور رؤية للإنسان بأنه ذو بعد واحد، إنسان طبيعي مادي يختزل إلى قوانين الطبيعة و يخضع إلى حتمياتها ويصبح جزء لا يتجزأ منها. و تظهر الرؤية النفعية للإنسان من خلال العملية الاستهلاكية التي تقوم بتغيير وجه العالم و الحياة الاجتماعية و تحول كل شيء إلى سلعة بحيث يصبح لكل شيء مقابل و خاضعا للتبادل النفعي. و قد تحدثنا عن هذا الجانب المتشيء والمغترب للإنسان في العنصر المتعلق بالبحث في معنى الإنسان "ذو البعد الواحد" فكل شيء في هذا المجتمع خاضع للنظام غير أن النظام بهذا المعنى هو عنصر إفساد. فهل يمكن أن نتحدث عن مواطن في ظل هذا النظام؟
لو تتبعنا السياق السياسي الذي من المفروض أن تتحقق فيه المواطنة لوجدنا أنه ملغم بالعديد من الانتهاكات فإذا كان شرط تحقق المواطن هو تمتع المواطن بأهم حقوقه مثل الحرية و الديمقراطية و احترام إنسانية الإنسان فإن خاصية المجتمع الصناعي و سياسة  البعد الواحد "يلقى تحبيذا من صناع السياسة" فتقنيات التصنيع هي تقنيات   سياسية و من هنا فإنها تدين سلفا أهداف العقل و الحرية".
فما تعمل عليه القوة السياسية داخل المجتمع ليس حماية الحرية الإنسانية بل تسعى إلى إلغائها عبر ممارستها لأنواع من الرقابة والإخضاع للنظام فالحكومة كما يقول ماركوز لها دور قوة "الرقابة"
 إذا كان المطلوب هو التعددية داخل المجتمع السياسي الديمقراطي فإن البعد الواحد قد ألغى فكرة التعددية السياسية بقضائها على برامج المعارضة. و هو ما حول: "برامج الأحزاب الكبيرة التي بلغت درجة متماثلة من الرياء."
بحيث لا يستطيع المواطنون التميز بين الأحزاب لقوة اتحادهم و تماثلهم مما يعسر إمكانية التغيير الاجتماعي و الإبقاء على نفس النظام القائم و يحصل اندماجا سياسيا. وإذا كان من حق المواطن حرية التفكير و التعبير فإن المجتمع السياسي الصناعي من خلال العقلانية التكنولوجية يطمح إلى تصفية العناصر المعارضة والمتعالية في "الثقافة الرفيعة" بما يحجب عنها القدرة على إبراز مظاهر التناحر والاختلال في الواقع الاجتماعي لأن هذه الثقافة آخذة في التلاشي لتحل محلها ثقافة استهلاكية تنتج بكثرة وتستهلك بكثرة سواء كانت موسيقى أو أدب "لأن أدب المجتمع الصناعي ليس مهمته نفي النظام القائم بل توليده." وحتى كلمات الحرية التي يلفظها الزعماء والسياسيون في حملاتهم على الشاشات مجرد كلمات دعائية لا معنى لها." وحتى اللغة أصبحت مجرد لغة آمرة و منظمة "وهي التي تحث الناس على العمل و الشراء والقبول."
إن كل هذا لا يمكن أن يعكس إلا صورة لإنسان خاضع مسلوب التفكير و الإرادة والكلام إنهم مجرد سوائم و ليس مواطنون لأن المواطن من حقه أن يعبر بحرية و يفكر و يقبل و يرفض و يتصرف بحرية غير أن المجتمع الأحادي يسلبه كل هذه الحريات بمختلف أنواعها و لن يبقى لديه من حق سوى حق القبول و الامتثال. فأين هو المواطن أمام هذا الزخم من الإملاءات والتجاوزات؟ و إذا كان شرط المواطن هو تمتعه بالديمقراطية فإن ديمقراطية النظام الصناعي : "هي التي تلغي بنفسها و بكل دعة و اطمئنان مبادئ الديمقراطية."
نستطيع أن نلخص جملة الانتهاكات السياسية كما يلي فرض الرقابة والتحكم والتلاعب عبر اللغة ووسائل الدعاية، مراقبة لصيقة على كل إنسان أو مواطن وتشجيعه فقط على القبول و منعه من حرية الاختيار والرفض والتميز وتلخيصه في منظومة الخضوع والطاعة والاستهلاك.أما السياسيون فهم في وضعية تتميز
"باستقلالهم تجاه الإرادة الشعبية الذي صار متعاظما وهذه الإرادة أبعد ما تكون عن السيادة و الاستقلال الأصليين."  فتحول الشعب إلى ضحية ألاعيب السياسيين و تزييفاتهم من خلال حضورهم المتواصل في الشاشة بحيث أن المواطن لم يعد حرا حتى في وقت فراغه "لأن أوقات الفراغ ما تزال جزءا من السياسة و السيطرة و الهيمنة."
إن المواطن قد تكيف و تضاءلت أبعاده و تقلصت حرية تفكيره و تحول عقله من عقل ناقد إلى عقل إيجابي متكيف مع الواقع القائم.إن ما يمكن الخلوص إليه أن حضارة التصنيع تتميز باللاعقلانية غير أن هذه اللاعقلانية أصبحت تتمتع بحق المواطنة و أن هذه الحضارة توجد في مأزق كبير لأنها تغافلت عما يصير به الإنسان إنسانا و هو كرامته التي ضاعت قداستها.فهذه الحضارة اتسمت بوأد القيم الإنسانية تحت ركام اقتصاد المزاحمات مقابل انتصار قيم التنافس و المردودية والنفعية والاحتكار و هو ما ساهم في نماء التدرج الخلقي و تعارض المصالح و انعدام روح المواطنة والتعاون و أمسى المجتمع ذو بعد واحد مجتمع الإنتاج من أجل الإستهلاك والتجارة من اجل إنماء الدخل لتتحول التجارة من تبادل لإرضاء الحاجات الحياتية إلى صراعات تقتضي العنف و التحايل و الخداع و التركيز على القوة العسكرية التي تطورت من أداة للدفاع عن النفس والأوطان إلى آداة لسيطرة و التهديد و فرض الرأي و البضاعة والفكر والإيديولوجية. فكيف انعكس التقدم التقني على صورة المواطن؟
 -ب- فكرة المواطن على ضوء التقدم التقني:
نخلص إذن مما سبق أن ملامح المواطن داخل المجتمع ذو البعد الواحد تميزت بتسارع خطواتها نحو هاوية اللاعقل والتشيؤ والاغتراب عن طريق عقلها الأداتي، هذا العقل الذي استفرد بحياة الإنسان الاجتماعية من خلال طبيعته السلطوية العنيفة الآمرة و حولها إلى مجرد نسق انبطاحي و أمام خواء قيمي مقابل تزايد مفرط أمام نزعة استهلاكية زائفة و حاجات زائفة و صناعة اللذة والتسلية. أمام كل هذا تشظت فكرة المواطن و أصبحت تئن تحت تأثير وسائل الدعاية و أشكال التسويق و أنماط السلوك المرتبطة بنظام إنتاج صناعي و رأسمالي.
حصرت علاقات الناس ببعضهم عن طريق عقل حسابي نفعي. فإذا كان من أبعاد المواطنة التضامنية هو تنازل المواطنون عن أنانيتهم ووضع المصلحة العامة قبل أي اعتبار حفاظا على الوطن، فإنه لم يعد ممكنا الحديث عن المواطن. إذ كيف لمجتمع يربي أفراده على حبهم لذواتهم و منافعهم و مصالحهم الخاصة و تحقيق سعادتهم على حساب شقاء الآخرين أن يصنع منهم مواطنين أحرار؟
يبدو أن فكرة المواطن في المجتمع الصناعي آخذة في التلاشي و لن يبقى من المواطن سوى الأسير.لكن هل من أمل في تحرير هذا الأسير و إرجاعه لحالة المواطن؟
يبدو أن ماركوز غير متفائل لاسيما وأن "المواطن الأسير" يحمل ثقافة الجلاد، مثقل بأصفاده، إذ أصبح الأجراء و العمال يتدثرون بقيم و حاجيات زائفة فهم مجرد أدوات خاضعة للنظام و عقولهم المستسلمة لم تعد تقدر على التغيير و الثورة لأنها  انخرطت في هذا النظام و حصل تزييف في وعيها بواسطة التماثل "فإذا كان العامل و رب العمل يشاهدان نفس البرنامج التلفزيوني و إذا كانوا جميعا يقرؤون نفس الصحيفة فإن هذا لا يدل على زوال الطبقات و إنما يشير على العكس إلى مدى مساهمة الطبقات السائدة في تحديد الحاجيات..." (1)
فإذا كان هؤلاء مشغولون بالاختيار بين تشكيلة هائلة من البضائع و الخدمات فإنها تظل مجرد حرية وهمية زائفة "إذ أن قدرة المرء على اختيار سادته بحرية لا تلغي السادة و لا العبيد." (2)
و بالتالي لا سبيل إلى تحرر هذه الطبقة بعد أن تماثلت و خضعت في دولة الرفاهة التي لم تنجز سوى افتقاد الحرية في إطار ديمقراطي.إن الحرية الوحيدة المتبقية "للمواطن الأسير" هي رضاءه التخلي عن حريته بكل ديمقراطية.فإذا كانت بداية المجتمع الصناعي قد تأسست على الحقوق و الحريات فإن مرحلة متقدمة تصبح ما به قام المجتمع لا قيمة له أمام تصاعد وتيرة الإنتاج و الإستهلاك. فهل من مخرج لمواطن فقد مواطنته؟
 إذا كان ماركوز قد فقد ثقته في الطبقة العاملة باعتبار اندماجها في النظام القائم فإنه يجعل باب الأمل مفتوحا أمام المعطلين والمهمشين في المجتمع الصناعي لإحداث تغيير؟ فهل معنى ذلك أن المواطن الحقيقي هو الإنسان المهمش باعتباره لزال قادرا على الرفض و التمرد و الثورة و قول "لا" أمام السلطة الاستبدادية؟
إن الوعي بالأخطار و بحجم الاغتراب هو الذي يمكن أن يدفع باتجاه التعبير عن المأزق و تكوين رأي عام يتوق للتحرر من الإستيلاب. حتى يتمكن المواطن من استعادة مكانته الحقيقية باعتباره إنسانا له واجبات داخل الدولة يجب احترامها و هو حقه في التعبير و النقد و التفكير وحقوقه المتعلقة بحياة كريمة و لا يتم له ذلك إلا بوضع برنامج تحريري يقطع مع صورة الإنسان ذو البعد الواحد، وذلك بالقطع مع ما هو كائن وفضح الفوضى الفكرية و الأخلاقية و السياسية والاقتصادية التي تقصي القيم سواء كانت جمالية أو أخلاقية، إذ من المفروض أن حضارة التصنيع جاءت من أجل تيسير حياة الناس و لكي تعمم الرخاء و تنشر الحرية و الديمقراطية لا أن تجوع المواطن و تستعبده و تسلبه حقوقه و تحوله إلى مجرد  بهيمة.
و أسوء ما في الأمر حلول الانغلاق في المجتمع من خلال تعميق الهوة بين أقلية في يدها الحل و العقد و اتخاذ القرار و خضوع وسائل الاتصال الجماهيري من ثقافة و فن و إعلام تحت سلطة هؤلاء.لقد فات الأوان، إذ انفلتت التقنية من قبضة الإنسان و عوضا أن يصارع بها إنه يصارعها.
لذلك لا بد من مراجعة الأوضاع و نقدها و إيجاد منظومة قيم تستطيع أنسنة الحضارة وإنقاذ المواطن من البعد الواحد حتى يتمكن من استرداد كل حقوقه التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن حقوق الإنسان من حقوق المواطن. فهل تنجح الفلسفة في إنقاذ ما هدمته التقنية عندما تعيد التفكير في مسألة المواطن؟.
هوية حضارة التصنيع وآليات اشتغالها :
لقد بدأت اللاعقلانية تتمتع بحق المواطنة. فحضارة التصنيع بما هي راهنة تعاني أزمات خانقة و مآسي خطيرة لأنها تغافلت عما يصير به الإنسان إنسانا عندما نظرت إليه كوسيلة لا كغاية وذلك من خلال الإمعان في إرباك هذا الإنسان والتجرؤ عليه بطريقة الترصد والإصرار على اغتيال ماهو إنساني فيه عبر منهج يعتمد على الآليات التالية :
-       وئد القيم الإنسانية تحت ركام اقتصاد المزاحمات.
-       انتصار أخلاق التنافس و المردودية و النفعية و الاحتكار.
-       تغذية الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد وتنميط العلاقات حسب المصالح مما يساهم في انعدام الشعور بروح المواطنة و التعاون.
-       طغيان المصالح الخاصة و ما تفرضه على الجميع من التعامل بطريقة ذرائعية وحذرة وانتهازية.
-       المجتمع ذو البعد الواحد مجتمع الإنتاج من أجل التجارة و الإستهلاك و إنماء الدخل بما يحول التجارة من تبادل لإرضاء الحاجات الحياتية إلى صراعات تقتضي العنف و التحايل و الخداع و التركيز على القوة العسكرية لضمان البقاء الاقتصادي .
فهل من مخرج؟

بعد تراجع العقلانية المطلقة كان الاعتقاد أن التكنولوجيا هي المنقذ.فبعد التفاؤل، جاء وقت الحيرة والتساؤل عن نجاعة التقنيات الجديدة التي غزت علوم الطبيعة، كما غزت علوم الإنسان.
-       وهاهي التقنية تحول الإنسان من وضع السيادة والسيطرة والعمل  إلى وضع البطالة والتهميش وتوسد قارعة الوجود. إن إنسان العولمة غارق في عزلة بلا انتماء و لا أفق، حاقد على المجتمع و الحضارة الصناعية لأنها نفته في فردانية خانقة بلا حضور لا في الحضارة الإنسانية و لا الثقافة القومية و لا داخل ذاته لا سعادة و لا اطمئنان و لا مسالمة حضارة بلاأنسنة  ولا إنسان.
-        إن المنظومات الغربية القائمة على الأجهزة المصرفية و قنوات التبادل التي تخلق حاجات جديدة على حساب الحاجات الضرورية للعيش، تحتكر السوق، و ترفع أثمان بضاعات وتخفض أخرى حسب مصالح الشركات القومية الكبرى و المتعددة الجنسيات.
و هو ما أ وصل الحضارة ذو البعد الواحد إلى طريق مسدود هاجسها الأوحد التسلح للدفاع عن المكتسبات الصناعية، فلا بد أن يحتاط كل طرف فيتسلح أكثر و يراقب عن كثب إمكانية الآخرين الاقتصادية والعسكرية. و من الدبلوماسية ما انقلبت إلى جوسسة. وحولت الطاقات الفكرية و المادية للحضارة إلى استعداد دائم  للصراع  ولم يعد من حديث سوى عن الحروب الإستباقية وما تحمله من مصير مرعب وإفناء للبشرية.إن المنحدر الخطر الذي سقطت فيه الإنسانية هو نوع من الخطيئة الثانية الذي يستدعي التكفير عنها وسائل عمل مشتركة تبدأ :
-       بلحظة الوعي بهول الأخطار كما هي. للتعبير عن هذا المأزق بشكل واضح و تكوين رأي عام يتوق للتحرر من الاغتراب والإستيلاب.
-       في مقابل تصور صعوبة إيجاد البديل المتمثل في استعادة المواطن الحقيقي مقابل المواطن الزائف و الوهمي يجب وضع برنامج يقاوم انحرافات حضارة التصنيع و حضارة الإنسان ذو البعد الواحد.
-       قطع مع ما هو كائن: لكن يجب أن لا يأخذ ذلك على أنها دعوة لمحاربة التقنية و التقدم بل لا بد أن يستهدف فضح الفوضى الفكرية و الأخلاقية التي تبعد عن القيم الإنسانية الشاملة من جراء هيمنة التكنولوجيا و المنافسة..
-      تحرير الوسائل الإعلامية والثقافية من هيمنة و رقابة رأس المال وتحويلها من ملكية لأقلية سياسية واقتصادية ذات مصالح ضيقة إلى ملكية جماهرية  ديمقراطية همها الدفاع عما يكون به الإنسان إنسانا وفضح كل أشكال التعديات والانتهاكات التي تحصل في مجتمع ما بمعنى أن تصبح الثقافة  بمختلف أشكالها أكثر إنسانية وأكثر كونية حتى تتمكن من تحطيم تنين العولمة الظالم. قد يرى البعض أنه فات الأوان بانفلات التقنية من قبضة الإنسان إذ عوض أن تكون أداة مصارعة الإنسان في الانتصار على قوى الطبيعة القاسية تحولت هي ذاتها إلى وسيلة تساهم في قتل الإنسان
. لذلك لا بد من مراجعة الأوضاع و نقدها و إيجاد منظومة قيم تستطيع أنسنة الحضارة وإنقاذ الإنسان من البعد الواحد.
المراجع:
1-      هاربرت ماركوز: "الإنسان ذو البعد الواحد". ترجمة جورج طرابيشي، منشورات دار الآداب – بيروت – الطبيعة الثالثة. 1988.
2-      علاء طاهر: مدرسة فرانكفورت من هوركايم إلى هابر ماز. منشورات مركز الإنماء القومي – بيروت – لبنان، الطبعة الأولى.
3-      محمد سبيلا: "الحداثة و ما بعد الحداثة" : دار توبقال للنشر. الدار البيضاء.
4-      حسن مصدق: "مدرسة فرانكفورت".
5-      الموسوعة العربية العالمية.
6-      ماركوز: "العقل و الثورة"، ترجمة إبراهيم زكريا، بيروت
7-      ماركوز: "إيروس وحضارة"
8-      إمام عبد الفتاح: "هوبز فيلسوف العقلانية" القاهرة 1985.
9-      كارل ماركس: "المسألة اليهودية" دار مكتبة الجيل بيروت.
10-     مونتسكيو: "روح القوانين" ترجمة عادل زعيتر. القاهرة 1953.
11-     اسبينوزا: "رسالة في اللاهوت و السياسة" ترجمة حسن حنفي: القاهرة 1971.
12-     الوثيقة العالمية : "لإعلان حقوق الإنسان".


Christian Godin : Dictionnaire de philosophie : Fayard / Editions du Temps, 2004.
Paul Ricœur : Histoire et vérité : Collection Esprit / Seuil, Paris 1955.
Hannah Arendt : Les origines du totalitarismes, t, 2 : L’impérialisme, Ed, Fayard.
Paul Ricœur : Le conflit des Interprétations, Ed, Seuil.
Jean, Jacques. Rousseau : Du contrat Social. Garnier Flammarion.
 Habermas : La technique et la science comme « idéologie, ed, Gallimard, Paris, 1973.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟