بين الفلسفة والادب والفكر من اواصر التواصل وشباك التواشج مالايلغي نقاط التفاصل وعلامات التفرد وسمات التمايز .تمتد جذور الخصومة بين الفلسفة والادب في الفكر الغربي الى العصور القديمة .. في عهد الاغريق ، عندما ربط افلاطون المعرفة بالفلسفة فيما وسم الشعر بالانفعال والعاطفة وجعله نقيض الفلسفة وعدوها اللدود .. وفي القرن السابع عشر ومع ظهور النزعة العلمية والاكتشافات الجديدة .. بان جلياً ان الفصل بين الفلسفة والادب كان قد تجسم على يد الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي جاهر بعداوة شديدة للشعر والشعراء حتى قيل فيـه انه : (( حز عنق الشعر )) كما هاجم توماس لف بيكوك في كتابه (( عصور الشعر الاربعة)) الادب وعده نشاطاً متخلفاً لاينتمي الى روح العصر الذي تهيمن عليه المعرفة والعقل والتنوير وحاكى وجهة نظره هذه الفلاسفة النفعيون مثل جون ستيوارت مل .
وفي القرن التاسع عشر ومع انبهار الانسان بالانجازات العظيمة للثورة الصناعية وظنه انها البلسم لادواء البشريـة ومعضلاتهـا .. فقد القـى العالم الانكليزي توماس هكسلي (1825-1895) خطبة نعى فيها على الادب .. وعد من الحمق والشعوذة وجوده في عصر العلم والتنوير والعقلانية .
اما في القرن العشرين .. فقد استمرت النظرة المضادة للادب رافضة أي تطابق فلسفي مع الادب .. وقد طرح جورج بواس في محاضرة له بعنوان (( الفلسفة والشعر)) هذه النظرة بصورتها الفظة : (( تكون الافكار في الشعر عادة ممتهنة وغالباً زائفة )) .. فيما كان يرى ت.س. اليوت أنه : (( لاشكسبير ولا دانتي قاما باي تفكير حقيقي )) ! .. لانه كان يظن ان لهما احساسا مرهفاً ولكن دون فكر .. في الوقت الذي كان يعتقد فيه بان الانسان عندما يكون مفكراً فانه يكون بعيداً كل البعد عن القلب والعاطفة والوجدان ! .. وهكذا كان الفكر يطغى ويتلفع بسربال المادة .. بينما ساد شعور بوهن القلب وضعف العاطفة وسبات الخيال .. وقد تنبه الفيلسوف الالماني (( نيتشه )) .. الى خطورة ذلك – على حد اعتقاده – وعدها معضلة العصر المتمثلة في (( هيمنة الفكر على العاطفة )) .. وقد عزا ذلك في كتابه (( ولادة التراجيديا)) الى الفكر التحليلي الذي يمثله سقراط في الفلسفة ، فيما يمثله في الادب (( يديس)) .. ودعا (( نيتشه )) الى حل هذه المعضلة من خلال العودة الى ما يعتمل في انفسنا من عناصر بدائية للارتشاف من نبع العاطفة .. حتى ولو ادى ذلك الى تحطيم الفكر التحليلي .
ان هذه الموجة المتطرفة في رفض الفكر والفلسفة .. قد وجدت لها صدى عند الروائي الانكليزي د. هـ . لورنس الذي اعتبر : (( هيمنة العقل وتغلبه على العاطفة مسؤولاً عن مصائب القرن العشرين )) .
ومقابل هذين النموذجين المتضادين .. يوجد نموذج ثالث حاول جاهدا الموائمة بين الفلسفة والادب .. فقد قال ارسطو : (( ان المعرفة الادبية هي معرفة بكنة الاشياء وحقيقتها وليست مجرد انفعالات هوجاء )) .. وهي محاولة اكثر مقاربة .. تشي بمرادفة جلية بين مفهومي الفلسفة والادب .. كما نص على التلاقي الحميمي بينهما افلوطين ورأى انهما { يضفيان سمة الثبات على الروح } .. بينما جعلهما القديس اوغسطين (( يشتركان في جمال الشكل)) .. وقارن دانتي بينهما عندما رد العلم الى الفلسفة فيما ساق الادب الى ملكة الخيال .. ثم جمع بينهما : (( انما هما موجدان لغاية واحدة وهي الكشف عن وحدة الطبيعة ووحدة الاشياء )) اما الاديب الالماني (( غوته )) { 1749-1832} الذي انصرف الى الادب فكتب الشعر والرواية والمسرحية .. وكان مولعاً بالادب العربي .. متلعلعاً الى قراءته .. قد شغف حباً .. وتجلى ذلك في كتابه (( ديوان الشرق والغرب )) .. فقد كان نموذجاً طيبا للمقاربة بين الفلسفة والادب .. هذا النموذج الذي عرف ايضا في الشاعر والناقد الانكليزي ، صاموئيل كولردج (( 1772-1832)) .. الذي عرف الجمال بقوله : (( الجمال هو الانسجام في التنوع
)) ، وهو تعريف ينطبق على الفلسفة والادب .. فكل بطريقته يبحث عن المعنى – معنى الانسجام - .
يمكن النظر الى تاريخ الادب كحلقة اساسية في سلسلة تاريخ الفلسفة والفكر – فالاديب على امتداد العصور .. لم يعدم الاطلاع على المنطلقات العامة .. للاتجاهات الفلسفية السائدة او السالفة ، على الاقل .. اذ لم يكن قد انتمى فعلاً الى الفلسفة بذاتها .
في العقود الاخيرة ظهر منهج جديد سمي (( تاريخ الافكار )) .. الذي دعا اليه وطوره أ. او . لفجوي ضمن فريق من الباحثين الامريكيين .. لدراسة وتتبع الفكرة خلال جميع اشكال التفكير : في الفلسفة والعلم واللاهوت مع تركيز خاص في الادب .. عد هذا المنهج منحى نوعيا في التاريخ العام للفكر ، يستخدم الادب كوثيقة واداة ايضاح .. ويتجلى ذلك فيما يسميه (( لفجوي )) – الافكار التي ترد في الادب التأملي الجدي – (( افكار فلسفية مخففة)) في معظمها .. لعل هذه الاستخدام يعد اضاءة للتفكير الادبي .. استقي من تاريخ الفلسفة .. في الوقت الذي يتقاطع مع الغلو في العقلية عند معظم مؤرخي الافكار .. لانه يعتقد بان الفكر (( خاضع لافتراضات ولعادات عقلية لاشعورية )) .
لتأويل نص ادبي .. فان الامر يتطلب معرفة في تاريخ الفلسفة او الفكر العام .. كما ان الانشغال بدراسة تاريخ الادب او بعض الكتاب من امثال باسكال ونيتشه مثلا .. يضطرنا الى معالجة مشكلات تاريخ الفكر .. فضلا عن ان عرض الادب احياناً يحيلنا الى تاريخ الفلسفة ، فنجد لدى شكسبير اثارا متعددة لافلاطونية عصر النهضة .. فيما انتج ميلتون نظرية شخصية رفيعة في علم اللاهوت وعلم الكون ، واشجت بين عناصر مادية وافلاطونية .. وتأثرت بالفكر الشرقي .. وضجت مقالة (( حول الانسان )) لبوب بالاصداء الفلسفية .. وكان كولردج من كبار الشعراء الرومانسيين وفي الوقت ذاته فيلسوفا بارزاً .. وهناك دراسات عديدة حول اعتناق (( شيلر)) لمذهب (( كانت )) ، واتصال (( غوته )) بمذهبي افلوطين وسبينوزا .. ( وفي ايام الحركة الرمزية ظهرت في روسيا مدرسة كاملة من (( النقاد الميتافيزيقين )) الذين يفسرون الادب بحدود مواقفهم الفلسفية ) .
لكن يمكننا ان نتساءل : هل يغدو الادب احسن حالاً اذا كان فلسفياً ؟ لقد فضل اليوت (( دانتي )) على (( شكسبير)) لان فلسفة الاول بدت له اصح من فلسفة الثاني ، - رغم انه وصمهما بعدم التفكير سابقا – في حين رأى هرمان غلوكنر : ان الشعر والفلسفة كانا اكثر تباعداً لدى دانتي .. الامر الذي يملي علينا القول ان الزمالة الحقة بين الفلسفة والادب ، انما تصح حين يظهر ادباء مفكرون .. مثلما كان (( غوته )) شاعرا وفيلسوفا اصيلا في وقت واحد .
ان المشكلات الفلسفية التي تثار بوجه الانسان في كل اطوار حياته .. والتي تحيل الى مشكلات ايديولوجية ..لم يقف الاديب ازاءها الا ذلك (( الفيلسوف الشعبي عن حق وحقيق )) .. على حد تعبير (( سدني )) .. لكن ذلك لايمنع من يرى ان التكامل الوثيق بين الفلسفة والادب غرار في اغلبه ، في الوقت الذي يتم التشكيك في المحاولات التي تدور في صالحه .. لانها قامت على دراسة الايديولوجية الادبية .. والتسليم بالغايات .. بيد ان هذا التشكيك لايمكن ان ينكر وجود صلات متعددة بين الفلسفة والادب .. ولا تأثيرات مشتركة تقع عليهما نتيجة توازي معين تقويه خلفية اجتماعية مشتركة في زمن ما .
يبقى ان هناك مسألة قد تبدو مراوغة لا بل وعصية على الحسم النهائي .. الا وهي مسألة كيفية دخول الافكار في الادب .. لا بصفتها مادة خام او مجرد معلومات .. بل ( عندما تكف عن ان تكون افكاراً بالمعنى المألوف للمفهومات وتصبح رموزاً او حتى نوعاً من الخرافة ) .
ان الابداعات الادبية ذات المضمون الفلسفي ، كفاوست لغوته والاخوة كارامازوف لدوستويفسكي .. حيث تنفذ فيها دراما الافكار بمصطلحات ملموسة تمثلها الشخصيات والحوادث .. قد تعد اعمال فنية ارفع بسبب مدلولها الفلسفي .. غير ان الفن الابداعي لايحكم عليه بقيمة مادته بل بدرجة تماسكه وقوته الفنية ، .. لذلك فان (( الحقيقة الفلسفية )) كما الحقيقة النفسية او الاجتماعية ليست بذات قيمة فنية .. نعم لعلها تزيد القيمة الفنية كونها تعزز : قيم التركيب والتلاحم .. ( ان البصيرة في الامور النظرية قد تزيد في عمق نفاذ الفنان وفي اتساع مداه .. لكنها قد لاتكون كذلك فقد يتشوش الفنان من الايديولوجية الفائضة اذا ظلت بدون تمثل ) .
ومقابل هذين النموذجين المتضادين .. يوجد نموذج ثالث حاول جاهدا الموائمة بين الفلسفة والادب .. فقد قال ارسطو : (( ان المعرفة الادبية هي معرفة بكنة الاشياء وحقيقتها وليست مجرد انفعالات هوجاء )) .. وهي محاولة اكثر مقاربة .. تشي بمرادفة جلية بين مفهومي الفلسفة والادب .. كما نص على التلاقي الحميمي بينهما افلوطين ورأى انهما { يضفيان سمة الثبات على الروح } .. بينما جعلهما القديس اوغسطين (( يشتركان في جمال الشكل)) .. وقارن دانتي بينهما عندما رد العلم الى الفلسفة فيما ساق الادب الى ملكة الخيال .. ثم جمع بينهما : (( انما هما موجدان لغاية واحدة وهي الكشف عن وحدة الطبيعة ووحدة الاشياء )) اما الاديب الالماني (( غوته )) { 1749-1832} الذي انصرف الى الادب فكتب الشعر والرواية والمسرحية .. وكان مولعاً بالادب العربي .. متلعلعاً الى قراءته .. قد شغف حباً .. وتجلى ذلك في كتابه (( ديوان الشرق والغرب )) .. فقد كان نموذجاً طيبا للمقاربة بين الفلسفة والادب .. هذا النموذج الذي عرف ايضا في الشاعر والناقد الانكليزي ، صاموئيل كولردج (( 1772-1832)) .. الذي عرف الجمال بقوله : (( الجمال هو الانسجام في التنوع
)) ، وهو تعريف ينطبق على الفلسفة والادب .. فكل بطريقته يبحث عن المعنى – معنى الانسجام - .
يمكن النظر الى تاريخ الادب كحلقة اساسية في سلسلة تاريخ الفلسفة والفكر – فالاديب على امتداد العصور .. لم يعدم الاطلاع على المنطلقات العامة .. للاتجاهات الفلسفية السائدة او السالفة ، على الاقل .. اذ لم يكن قد انتمى فعلاً الى الفلسفة بذاتها .
في العقود الاخيرة ظهر منهج جديد سمي (( تاريخ الافكار )) .. الذي دعا اليه وطوره أ. او . لفجوي ضمن فريق من الباحثين الامريكيين .. لدراسة وتتبع الفكرة خلال جميع اشكال التفكير : في الفلسفة والعلم واللاهوت مع تركيز خاص في الادب .. عد هذا المنهج منحى نوعيا في التاريخ العام للفكر ، يستخدم الادب كوثيقة واداة ايضاح .. ويتجلى ذلك فيما يسميه (( لفجوي )) – الافكار التي ترد في الادب التأملي الجدي – (( افكار فلسفية مخففة)) في معظمها .. لعل هذه الاستخدام يعد اضاءة للتفكير الادبي .. استقي من تاريخ الفلسفة .. في الوقت الذي يتقاطع مع الغلو في العقلية عند معظم مؤرخي الافكار .. لانه يعتقد بان الفكر (( خاضع لافتراضات ولعادات عقلية لاشعورية )) .
لتأويل نص ادبي .. فان الامر يتطلب معرفة في تاريخ الفلسفة او الفكر العام .. كما ان الانشغال بدراسة تاريخ الادب او بعض الكتاب من امثال باسكال ونيتشه مثلا .. يضطرنا الى معالجة مشكلات تاريخ الفكر .. فضلا عن ان عرض الادب احياناً يحيلنا الى تاريخ الفلسفة ، فنجد لدى شكسبير اثارا متعددة لافلاطونية عصر النهضة .. فيما انتج ميلتون نظرية شخصية رفيعة في علم اللاهوت وعلم الكون ، واشجت بين عناصر مادية وافلاطونية .. وتأثرت بالفكر الشرقي .. وضجت مقالة (( حول الانسان )) لبوب بالاصداء الفلسفية .. وكان كولردج من كبار الشعراء الرومانسيين وفي الوقت ذاته فيلسوفا بارزاً .. وهناك دراسات عديدة حول اعتناق (( شيلر)) لمذهب (( كانت )) ، واتصال (( غوته )) بمذهبي افلوطين وسبينوزا .. ( وفي ايام الحركة الرمزية ظهرت في روسيا مدرسة كاملة من (( النقاد الميتافيزيقين )) الذين يفسرون الادب بحدود مواقفهم الفلسفية ) .
لكن يمكننا ان نتساءل : هل يغدو الادب احسن حالاً اذا كان فلسفياً ؟ لقد فضل اليوت (( دانتي )) على (( شكسبير)) لان فلسفة الاول بدت له اصح من فلسفة الثاني ، - رغم انه وصمهما بعدم التفكير سابقا – في حين رأى هرمان غلوكنر : ان الشعر والفلسفة كانا اكثر تباعداً لدى دانتي .. الامر الذي يملي علينا القول ان الزمالة الحقة بين الفلسفة والادب ، انما تصح حين يظهر ادباء مفكرون .. مثلما كان (( غوته )) شاعرا وفيلسوفا اصيلا في وقت واحد .
ان المشكلات الفلسفية التي تثار بوجه الانسان في كل اطوار حياته .. والتي تحيل الى مشكلات ايديولوجية ..لم يقف الاديب ازاءها الا ذلك (( الفيلسوف الشعبي عن حق وحقيق )) .. على حد تعبير (( سدني )) .. لكن ذلك لايمنع من يرى ان التكامل الوثيق بين الفلسفة والادب غرار في اغلبه ، في الوقت الذي يتم التشكيك في المحاولات التي تدور في صالحه .. لانها قامت على دراسة الايديولوجية الادبية .. والتسليم بالغايات .. بيد ان هذا التشكيك لايمكن ان ينكر وجود صلات متعددة بين الفلسفة والادب .. ولا تأثيرات مشتركة تقع عليهما نتيجة توازي معين تقويه خلفية اجتماعية مشتركة في زمن ما .
يبقى ان هناك مسألة قد تبدو مراوغة لا بل وعصية على الحسم النهائي .. الا وهي مسألة كيفية دخول الافكار في الادب .. لا بصفتها مادة خام او مجرد معلومات .. بل ( عندما تكف عن ان تكون افكاراً بالمعنى المألوف للمفهومات وتصبح رموزاً او حتى نوعاً من الخرافة ) .
ان الابداعات الادبية ذات المضمون الفلسفي ، كفاوست لغوته والاخوة كارامازوف لدوستويفسكي .. حيث تنفذ فيها دراما الافكار بمصطلحات ملموسة تمثلها الشخصيات والحوادث .. قد تعد اعمال فنية ارفع بسبب مدلولها الفلسفي .. غير ان الفن الابداعي لايحكم عليه بقيمة مادته بل بدرجة تماسكه وقوته الفنية ، .. لذلك فان (( الحقيقة الفلسفية )) كما الحقيقة النفسية او الاجتماعية ليست بذات قيمة فنية .. نعم لعلها تزيد القيمة الفنية كونها تعزز : قيم التركيب والتلاحم .. ( ان البصيرة في الامور النظرية قد تزيد في عمق نفاذ الفنان وفي اتساع مداه .. لكنها قد لاتكون كذلك فقد يتشوش الفنان من الايديولوجية الفائضة اذا ظلت بدون تمثل ) .