من المسائل الفلسفية التي ركزت عليها نظريات المعرفة عند المسلمين خصوصا مسألة الوجود والموجود والعدم ووحدة الوجود، في تظاهرة فكرية لم تحسم أطرها لليوم هناك أسئلة مفصلية راهنة تحتاج إلى إعادة هيكلة فكرية لما تمثله من تحديات منطقية عقلية يمكن أن نثيرها هنا لا على سبيل الاستعراض والإظهار، بل لا بد من بحث وتحديد وفرز والابتعاد عن استخدام الحيل اللفظية والبدائل المعنوية التي تزيد من حدة الاشكالية.
الأسئلة المشاكسة ستكون كالاتي:
ـ العدم هل هو نفي وجود أم استحالة تصوره؟
ـ الوجود هو عين الموجود أم أن أحدهما أكبر من الأخر؟
ـ هل للوجود علة مسببة فيما يسمى بالواجد الواجب؟
ـ معنى واجب الوجود ومن أوجب عليه ذلك؟ الوجود أم استثمار للعلة؟
ـ وحدة الوجود هل تعني أنا واجب الوجود جزء من وجوبه؟ أو وجوبه جزء من علة الموجود؟
ـ لو كان الوجود كله هو واجب الوجود وأن المظاهر الثلاث الله والعالم والإنسان هي وحدة شيئية تتبادل أدوار التشكيل الشيئي للوجود، فكيف يكون الواجب جزء من وجود الموجوب عليه.
ـ العدم إن كان صورة ذهنية محالة كيف أهتدى العقل لهذه الصورة ومن شخص وكيف شخص الدلالة وأشاع استعمالها على النحو الذي عليه الآن.
الآن بعد هذه المجموعة من الأسئلة المشاكسة لا بد من طرح بعض الأفكار كمقدمات أوليه لا علاقة لها بالأجوبة فورا ولكن ستكون مفاتيح للفهم ما يجب أن يفهم.
ـ العدم مفهوم صاغه العقل البشري وخلقه للدلالة على ماهية لا يمكن وصفها بالشيئية لا بحدودها ولا بصفاتها، فلو نسب لها حد أو وصف لا بد أن يرجع فيه إلى مرموزاته الذهنية القياسية المسبقة عن الأشياء كوجود ويستعير منها وصف، فيكون بذلك جر العدم إلى الشيئية ومنها منحه وصف وجودي وأسقط بذلك عنه المحال التصوري، فالعدم (ليس كمثله شيء) كما أنه (لا يدرك ولا يترك) وبالنتيجة لا بد من وجوده الذهني ضروريا قبال تصورنا للوجود ولكن ليس نظيرا له ولا نقيض، فالنظير هو اللا وجود والنقيض نفي الوجود.
ـ الشيئية هي حقيقة الوجود فكل موجود شيء سواء أكان ماديا أو معنويا ملحق بالمادي، واللا شيئية لا تعني نفي الوجود بل تجرده من الصفات وتحيله إلى مفهوم وجودي عام لكنه غير محدد بالأوصاف ولكنه موجود حتما (خلقتك من قبل ولم تك شيئا)،وكل الأشياء واللا أشياء مصدرها وجود واحد سابق مخزون ومكنون وواحد في الأصول الأولية، فلا شيء من عدم ولا لاشيء من عدم، ولكن يمكن أن يكون العدم قبلهما وبعدهما أو متوازيا معهما على خط التصور الذهني كما هو على خط اليقين طالما لا تقاطع بينهما ولا تعارض في الحقيقة.
ـ لا يمكن التسليم بفكرة واجب الوجود على أنه خالق الوجود فالواجب يستوجب وجود علة وجوب سابقة ودافعة ومهيمنة على واجب الوجود، وبالتالي نقع أيضا في لا تناهي العلل ولم نحل إشكالية الواجد الأول، فإذا كان التوجيب لغرض التدليل فهو مفهوم مخترع غير أصيل، وإن كان حقيقيا فالوجوب يعود ليس لواجب الوجود بل لمن أوجب الوجوب وقرره، فهل كان واجب الوجود أو موجبه في دائرة الإدراك فلا بد أن نحيطه بالحدود ويصير بذلك جزء من الوجود ونسقط عنه الغيرية، وأما إن كان محالا له وعليه أن نخضعه تصورا للشيئية فلا بد أن يكون من عالم العدم (ليس كمثله شيء) و (يدرك ولا يترك) و (محيط بكل شيء ولا يحيط به شيء وهو السابق واللاحق وفوق كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء، لا تدركه المدركات ولا تنفيه المفهومات وهو على كل شيء دال وليس كل شيء عليه إلا دليل).
نأتي أولا من نهاية الموضوع في الوجود ومن حيث فهم سبينوزا (أن الله هو الجوهر السرمدي المطلق، والوحيد الموجود بذاته، أما سائر الموجودات الأخرى فهي أعراض له، إن الله والطبيعة أو الكون شيء واحد أو وجهان لشيء واحد، فالله هو الطبيعة الطابعة، والكون هو الطبيعة المطبوعة، في حين رد هيغل العالم بأسره إلى (الفكرة أو الروح المطلق، بوصفه الوجود الحقيقي، أما الفكر والطبيعة فهما حالان من أحوال المطلق) فوحدة الوجود المثالية تقرر أن الله هو (الروح الكلي الكامن في الأرواح الجزئية)، هنا في هذه الفكرة الله شيء لأنه جوهر وله أعراض، فمن يملك الأعراض لا بد أن يملك وجود يعكس حقيقة وجودها، فلا أعراض بدون معرض، ولا شيء بدون جوهر، وبالتالي الجوهرية تعني الشيئية وإن كان جوهرية تعبيرية فلا يمنع من أن يكون وجوده تعبيريا وبذلك صار واجب الوجود جزء من الموجود، والموجد لا يمكن أن يسبق واجده ولا بد من سابق له.
السؤال هل من الممكن أن يكون العدم هو الواجد الأول؟ الإجابة الأولى ستكون العدم محال أن يكون موجودا أصلا فكيف له أن ينتج وجودا، الجواب الثاني العدم هو فقط تصور ذهني لا حقيقة له إلا فيما يخلقه ذهن الموجود وبالتالي فلولا وجود الموجود لا يمكن أن يكون لمفهوم العدم من وجود، وهذا نفي للسؤال، الجواب الثالث سيكون طالما أنه عدم فالمعدوم أصلا لا يفيد الانعقاد الفعلي وبالتالي من المحال أن يكون فاعلا، الأجوبة الثلاث لن تجيب بل تؤكد أن العدم الذي ليس كمثله شيء والذي لا يدرك ولا يترك وهو فوق كل شيء وخارج عن كل شيء وسابق لكل شيء وبعد كل شيء ممكن أن يكون هو الواجد الأول، (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت خلقي)............................
أبن عربي يقول ويرى ((ورأى أن الوجود هو عين الذات الإلهية، وأن الكثرة موجودة مشهودة، فجمع المقولتين في فعل صوفي واحد هو شهود وحدة الوجود. فالله وحده هو الوجود، والكائنات جميعها ثابتة في العدم؛ فالعدم خاصة المخلوقات، والوجود خاصة الخالق))، الوجود عين الذات الإلهية بمعنى أنا جزء من الذات الإلهية التي هي الوجود المطلق وبنفس الوقت من خاصتي العدم، فأنا النقيض ونقيضه عدم ووجود والوجود الذي هو عين الذات الإلهية يلحقه العدم بالخاصية فتكون الذات الإلهية موجودة ومنعدمه أو لها وجود ولها عدم!!!!!؟؟؟؟؟......
فأما أن تكون الذات الإلهية هي العدم الذي (ليس كمثله شيء) و (لا يدرك ولا يترك) والوجود هو المفعول الذي يتحول ويتدور وهي المتقلب بين الشيئية واللا شيئية التي يملك مفاتيحها العدم ، أو أن يكون كما قال ابن عربي في فصوص الحكم "الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا يسعها"، النتيجة الثانية أن الخالق عين مخلوقه وعين نفسه، ويكون الصانع هو نفس المصنوع وعين صنعته، فيتوجد واجب الوجود في الوجود وصار الموجد سبب للواجد الأول وتبادل معه العلية والسببية تبادلا وانشغالا، وهذا من فرط المحال العقلي ومن عبثيات اللا معقول، فالموجود المعلق على سبب سابق أو لاحق لا بد أن يكون حادثا أو نتاج حادث، والحادث لا يمكن أن يكون أزلي ولا أبدي والله الذي يرونه جوهر الوجود أو أن الوجود هو عين الذات الإلهية وكلاهما مرتبط بعلة وجود لا بد لها من حدوث أو محدث، فلا يمكن أن يكون من تعلقت حقيقته بالحدوث الممكن أو المفترض أن يكون في ذات الوقت فاعلا للحدث ومنتجا له، إذا ستكون الذات الألهية بحقيقتها هي التي تتخلى أو يفترض لها أن تتخلى عن التصور الشيئي وعن الحدوث وعن الإدراك الحسي أو المادي وأن لا يسبقه وجود ولا يخلفه موجود ولا يدخل ضمن دائرة الموجود، الذات الإلهية هي العدم بكل أبعاده الذهنية وما يعكسه العقل من قدرة على التصور ولكنه عالم أخر لا يماثل عالم الوجود ولا يحاثيه أو يشاكله لا بالصفات ولا بالأفعال.