هلوسات بعد منتصف الليل – نص: عبد الاله الحلوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

كل البشر رحالة
كل البشر رحالة، فهم يرحلون من العدم إلى الوجود، ويرحلون من العالم إلى ما وراء العالم. وبين هذه الرحلة وتلك يتساءل الإنسان عن ترحاله أكان بيده وبرغبته؟ أكانت رحلته غاية أم غواية؟ وبين الرحلة الأولى والأخيرة، نعيش ما لا نهاية من الترحال المونادولوجي (الذاتي)، والزمكاني. أحيانا، يكون أهم رحيل في حياتنا عندما نرحل فقط دون أن نرحل، عندما نرحل بكل شيء وفي كل شيء، دون مراوحة مكاننا، الترحال عذابات و أشواق، أفراح اٌجلة و عاجلة، قد يكون خلاصنا هو أن نرحل فقط، ليس المهم إلى أين.
أوهام السيادة
الإنسان كائن غريب، يمنح وجوده معنى لا يفهمه، معنى السيادة والإحساس بالتفوق، يقول لنفسه: " أنا سيد كل الموجودات " يتنفس أوهام العظمة بشغف، سمى نفسه " حيوان عاقل " مدعيا أن جهازه العصبي متفوق وليس كمثله شيء، متناسيا أنه كتلة من المتناقضات الأبدية، جعلته كائنا يخاف من ضياع المعنى الذي أمن به في حياته. نعم الإنسان سيد، لكن سيد ماذا؟

قلق الغد
التفكير في المستقبل، وهم مزعج، يفوت علينا فرصة الغوص في حاضرنا، و يحرمنا من عيش يومنا المدرك بكل جوارحنا ووجداننا، وبكل ما يرمي به إلينا يومنا المعيش من أحداث وتجارب، ونحن وحدنا فقط، نقرر ما يحزننا وما يفرحنا. وهي قضية ترتبط بمفهوم الزمن ودلالاته الميتافيزيقية. فالإنسان لا يمكنه إدراك البعد الزمني إلا بعد تقسيمه مجازا إلى ثلاث لحظات، الماضي والمستقبل، بينهما حاضر يتشكل منهما. فيتحول الماضي والمستقبل الى عدم، ثم يتحول هذا العدم نفسه الى مصدر قلق عميق للإنسان. ذلك أن هذا العدم هو محدد الحاضر بكل تجلياته. لأن كل ما لا يملكه الإنسان بيده ولا يتحكم به بإرادته، يشكل مصدر خوفه وقلقه، فليس المستقبل هو الذي يخيفنا بل ما قد يخفيه عنا، إلى درجة امتزاج وجودنا كله بما قد يأتي غدا، ظنا منا أن ما ننتظره في المستقبل و هو مصدر سعادتنا الأول.
في كل مأساة
في كل مأساة يعيشها الإنسان، موت، فراق، غدر، فشل، مرض.. يتوقف الزمن - عنده - توقفا كليا وتضيق الأمكنة إلى حد الإختناق، فيتكون لدينا شعور غريب بالوحدة، والتشرذم، و الإنكسار، والتيه، والضياع ..مهما حاول الأخر مقاسمتنا مشاعرنا، ومواساتنا لن يستطيع ذلك. وحده النسيان كفيل برتق الثقوب وإزالة المندوب، وتضميد الجراح. ثم بعد زمن طويل أو قصير يبدأ إحساسنا بحركة الكون بالعودة تدريجيا، لا مبالين بالأمس. ومع كل شروق جديد تنطوي وريقات الألم بعدما علمنا درس تمجيد النسيان.
كنت طفلا
يتذكر كل إنسان ماضي طفولته، أعز الذكريات لديه ما عاشه في تلك السنوات الأولى من حياته، وتلك اللحظات المتعة لأيامه الأولى. أحلامه، وسعادته، هي ما يحاول استعادته حينما ينظر إلى صور فوتوغرافية من ذلك الماضي، أو يستحضر ذكرى جميلة. الطفولة صورة سوريالية كثيفة، كأنها لوحة فنية نعود كل حين لتتبع تفاصيلها كلما قسى علينا الحاضر بضرباته الموجعة. ذهاب طفولتنا إعلان بفوز الزمن، وتقطع سبل الذات في تيه البحث عن الكينونة، ذلك أن سؤال من أكون؟ يفترض مسبقا الحفر في الذاكرة، لعلنا نعثر على أطلال وذكريات ذلك الزمن، والنبش في رميم طفولتنا، يحرجنا ويفرحنا في ذات اللحظة، والأهم يسعفنا على التوقف لبرهة والصراخ في أعماق الذات: من نحن؟ وماذا كنا؟ ومن سنكون؟
الحياة هي أن نحيا كل في لحظات وجودنا
اختر أن تعيش من غير تكلف، ببساطة وبلا انتظارات، أن تعيش اللحظة كما هي ثم تنساها، حيث لا يهمك أن تحفظ الذكريات، لأن الذكريات السعيدة، هي ما تصنع أنت، لا ما ُيفرض عليكً. اختر أن تكون تائها، سيكون ذلك أَحَبُ إلى قلبك من الخطط القبلية التي ليست سوى إرهاصات على خوفٍ من ضياع شيء ما. أن تكون تائها معناه أن أُن تلاعب الحياة بقوانينك أنت ولا تبالي للنتائج. إن هذا ليس المنطق العبث، ولكنه منطق الرغبة والممانعة، هو منطق الحياة المتقلبة كأمواج البحر، أن تتيه هو أن تجد نقطة الارتكاز، هو أن تنحاز إلى المعنى. أن تحب كل لحظات وجودك حتى القاسية منها. قال أبو تراب النخشبي:" الحي لا يكدره شيء، ويصفو به كل شيء".
غواية السيطرة
البشر كائنات بشعة جدا، والتاريخ يعرف ذلك. ولكنه مستمتع بسحقهم بالنار والتراب، والحديد. يلعب القدر لعبته الواعية، يمسك بهم بخيوطه التي لا تُرى ، يلعب بهم ومعهم ودونهم، وصوت الدموع لا يطربه ، بل يزيد الخيوط غلظة. اللعب بالنرد يغويه، والموت جائزة الرابحين والخاسرين معا، بعض البشر أخدهم الظن مأخذ الجنون، بالتحكم في صيرورة اللعبة، لكن التاريخ لن يكترث بطفولة عقولهم الميالة إلى اللعب، يضحك منهم حتى الثمالة، يسخر من جدًيتهم بلا كلل، يمد لهم في لعبهم العبثي، لكن البؤساء السدج يتوهمون أنهم يتحكمون في قواعد اللعب. لكن لا قواعد هنا سوى قاعدة وحيدة، حين يملُ منهم، سيلفظهم لفظ البحر للجيٌف من كان منهم، ومن سيكون.
ما التأنيث عيب لاسم الشمس
الكون جوهره أنثوي، وأصل كل الكائنات أنثى. أما الذكر، ليس إلا عنصرا بيولوجيا ثانويا، دوره إكمال حلقات السلسلة الحيوية للحياة بتوالد الأنواع واستمرارها، أما بعض الأنواع لا تحتاج إلى هذا العنصر. إن التلقيح هو الدور الذي يقوم به الذكر. لكن في عالم الكائنات البشرية، يتموقع الذكر باعتباره الجنس "المنتخب"، ولم يعلم أنه أنثى في الأصل، فالصيرورة البيولوجية أنتجت جنسا جديدا ضروريا لضمان استمرارية الجنس الأصلي وتقويته جينيا. وما وجود حلمات الثديين في صدر الذكر، إلا دليل على أن أصله أنثى. العضلات والشعر الزائد ليسا من علامات الذكورة، أو لنقل جميع الكائنات جنس واحد و كل الفوارق البيولوجية الثانوية تشير إلى قوة الجنس الأول.
ما الخيال؟
أهو محض صور يبنيها العقل في لحظات انتشاء؟ وما هو العقل؟ وهل حدوسه وأفكاره تخيلات بلا نهاية؟ أليس التخيُل جوهر العقل بما أنه تفكير؟ ولكن لماذا يُتهم الخيال بالعبث كأنه مضيعة لجهد العقل؟ ما حال الإنسان المعاصر يخاف من الخيال، وكأنه نقيصة أو جرحا في المروءة العقلية؟ وهل مصدر هذا التخويف سياسة الدول المعاصرة، دولة العمل، والنجاعة، واستلاب العقل الحركي المتحرر، في مقابل تمجيد العقل الأحادي البراغماتي الذي يخدم مصالحها ؟ وإلا فما معنى محاربتها للعلوم الروحية، في الفلسفة والأدب والفن.. ؟ ألم تقل هذه العلوم الحقيقة بالخيال؟ أليس الخيال لحظة منفلتة من قبضة الواقع الصلد، وصور مرنة، به ترحل الذات إلى اللامتناهي؟ أليس شكلا من أشكال انفلات الروح، وانبعاث القلب؟ ألا تكون للقلب أسبابه التي لا يفهمها العقل، ولا يعترف بها، فيحولها إلى أبنية من الخيال نستشعر فيها السعادة وكأن الواقع لم يكن يوما؟
التفكير بالكلمات
دروب الكلام واسعة ملتوية، منقبضة ومنبسطة، سهلة وممتنعة.. من ذا الذي لا يحسن الكلام ولا يحب الكلام.. نتكلم ونقول ونخاطب ونعبر.. واللغة هنا لا تكتسب أهميتها إلا بقدر ما تسمح لنا بقول ما نريد قوله. لكن في كثير من الأحيان تهزمنا اللغة، فيتحول ما نقوله إلى نقيض ما نريد قوله، لأن الكلمات تنفلت من بين أيدينا كحبات عقد ساقطة.. عندها نحارب للملمة شتات تلكم الكلمات.. بيد أنه ليس كل من يحسن الكلام يحسن التفكير بالضرورة، ذلك أن من يتكلم كثيرا ولا يفكر، يوظف عوامل تساعده على جذب أكبر عدد من السامعين، فيلعب لعبة مسرحية صوتية محبوكة. أما من يفكر يتكلم بتؤدة كأنه يتريض، لا تعنيه لعبة الصوت والحركات، يتكلم ويصمت كأنه يحاور ذاته، ينقب ويحفر عميقا في أودية الفكر، كل الصراخ يزعجه ويتعبه، والسامعين لا يحبون هذا النوع، بل يفضلون طرب الكلام لا طرب التفكير بالكلمات.
ضد نرسيس
صورة مشوهة أمام المرآة كل صباح، وجه من هذا الذي يختفي وراء الغد، وراء الانتظار، وراء الذكريات؟ إصرار على مجابهة النسيان، صدى لفافات الزمن، وأشياء أخرى. صورة تعكس إدمان الرضى واللوم، لا علاج له إلا تكسير تلك المرآة، ثم رسم لوحة جديدة من شظايا الخوف، بدم الأعداء والغدر.. ستعيد رسم صورتك أنت أنت، لا أنت في المرايا. ستعيد رسم الكبرياء.
سمكات
في غياهب المحيطات تقيم سمكات كبيرة وليمة على جثة، وسمكات صغيرة تنتظر دورها بشغف، تلتقم ما فضل من كبارها، شاكرة كرم الأنياب والغلاصم، معلنة ولاءها للموج كلما سحب إليها جثة أو جثتين تنساب كلها إلى بطون الكبار، بمنطق القوة والتاريخ الذي يزداد قانونه رسوخا برضى الصغار، وبمباركة صغار أخرين. لكن صغارا غيرهم وطحالب.. تكالب عليهم الجوع، ففكروا، وصرخوا، لكن غلظة الممسكين بخيوط الفتات، وسكون الأعماق والموج، لن يسمحوا بأية فكرة خارج المنطق إياه، معلنين أنهم سيقطعون دابر أي محاولة لزحزحة قانونهم، إن صمت الأعماق لا يحتمل صوت تحريك السلاسل، وصوت طقطقة الأنياب وهي تطحن العظام يملأ الأفاق إلى حين.
فضائل
لاريب أن الأنانية والكبْر والبخل والجبن، شرور متلاصقة، متجاورة، مجتمعة. فالأنانيَ، بخيل، متكبر، متصنع، جبان، رعديد، متقلب القلب، حسود، سيء الظن، سريع الدًمْنة.. وكلها طباع فاشية منتشرة كثيرة، لصيقة الأنفس السقيمة، والأفئدة المتحجرة العقيمة، والأكف الخفجاء، والعقول الصماء. أما الكريم، الحليم، السمح، فجواد، معطاء، متواضع. ليًن العريكة، له من الدماثة، وصفاء النية، وسلامة الطوية، ما يقيه حرً شرَ وقرًهُ. وهي أوجهٌ للمروءة، والفضائل النفيسة، والشيم العزيزة النادرة. وقد فصلت العرب القول في هذا الباب قريضا ونثرا، في ذكر وذم مثالب ونقائض المروءة، أو مدح وعد فضائل النفس، وقد كانت لهم تصانيف كثيرة مختلفة، منها كتاب البخلاء للجاحظ، روى فيه صنوف بخل وجبن من جمع أخبارهم في زمانه. وفي إحدى قصصه يقول: " كنت عند شيخ من أهل مرو، وصبي له صغير يلعب بين يديه، فقلت له: إما عابثاً وإما مُمتحناً: أطعمني من خبزكم، قال: لا تريده هو مر، فقلت: فاسقني من مائكم، قال: لا تريده هو مالح. قلت: هات لي من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا، إلى أن أعددت أصنافاً كثيرة كل ذلك يمنعني، ويبغضه إليّ، فضحك أبوه وقال: ما ديننا؟ هذا من علمه ما تسمع؟ يعني: أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم". أما في التحليل النفسي لهذه الظاهرة، فنجد لها تفسيرا طريفا عند فرويد عندما يربط مسالة المسك والعطاء بفترة عمرية عند الإنسان وهي الفترة الشرجية، أو الإستية: عندما يستطيع الطفل اختيار وقت إخراج البراز أو كبته، ضدا على إرادة الأم التي تريد من طفلها أن يخرجه في أوقات وأماكن محددة، فيمتنع طفلها تحديا. ذلك أن هذه العملية لها تأثيرات لا واعية تنعكس في شخصية الراشد فيما بعد، كتفسير للإسراف او البخل، بأنواعه العاطفي والمادي والإنساني وحتى المعرفي. ما يدل على أن التنشئة الاجتماعية والنفسية لها انعكاسات مباشرة، فالإنسان الذي تربى في جو من الأنانية والتخويف والكبت.. يكون أقل قدرة على ضبط تصرفاته مع غيره...فيكون بخيلا على نفسه وغيره تعيسا بئيسا.
نساء ورجال وكائنات أخرى
ما المرأة؟ وما الرجل؟ ولماذا إصرار الطرفين معا على صراع نزع الإعتراف، بإسم القوة من الرجل، وبإسم الحق في المساواة من المرأة؟ ولكن هل هذا الصراع محض وهم؟ أم أن قوة الجذب الطبيعية صنعت هذا التاريخ؟ أهو تاريخ سؤال الإعتراف، السؤال العكسي؟ ما الرجل للمرأة؟ وما المرأة للرجل؟ و لماذا لا ينعكس إلى سؤال الذنب؟ ذنب من إذن هذا الصراع؟ ألا يكون السؤال الحقيقي، ما الرجل؟ وما المرأة؟ هو ما الإنسان؟ أي فوارق تنادي بهذا الفصل؟ ومن صنع هذه الازدواجية النوعية؟ إزدواجية كائن واحد؟ ألا تكون الفوارق البيولوجية سبب باقي الفوارق؟ وهل المساواة في التفكير هي رهان أحد الطرفين؟ وتثبيت الهيمنة الدينية والإجتماعية والسياسية.. وعبرها الهيمنة الوجودية، هو رهان الطرف الثاني؟ وأي منطق يستخدمه الطرف الأول للحديث عن المساواة المطلقة؟ بإسم "الحب"، ألا يتحقق الإعتراف؟ أم أن الحب، سلاح أحد الطرفين، يوظفه خلسة ومكرا، في حين أنه أحد وسائل حسن النية من الطرف الثاني؟ ألن تكون نهاية حرب القلوب، وحرب الغواية وأشياء أخرى، بتحقق الإعتراف التالي: رغم الصراع أحبك، أحتاج إليك؟
أسود وأبيض
للألوان لغة عاطفية جدا، الألوان القاتمة ليست مفضلة للإنسان الميال إلى التفاؤل والتمسك بكل أمل جديد، وهو ما يبقي القلب مستعد لتتبع كل ذرة من السعادة أينما كانت. وهذ لا شك، سببه أن القتامة والألوان الغامضة والضبابية والرمادية تؤدي إلى إنسداد النفس للحظة، يكون شعورنا فيها ممزوج بالأشياء، فنرى أن ذلك الجو الخريفي المكفهر مثلا، وكأنه سحابة تحيط بالقلب. كما أن الألوان القاتمة تذكرنا بهذا الجو الخريفي المائل للسواد، والذي هو سواد مؤقت داخلي يغشى النفس والقلب. ولكنه ما يلبت أن ينجلي، فنفس الإنسان تواقة للنور وللصباح والألوان الزاهية، البراقة، اللامعة، المشعة، التي تفتح النفس أمام كل الانبثاقات الممكنة. وحتى الرسامون الكبار، كانت ألوانهم المستعملة في فترات الحزن أو القلق، أكثر ميلا للألوان القاتمة. وهذا بكاسو Picaso الذي كان يرسم في بداياته بعض اللوحات مستعملا اللون الأزرق القاتم، الذي ربما يذكره بلون المحيط القاتم، نكاية عن الرحيل والحنين أو حتى الخوف من مجهول. لكنه سرعان ما سيعود للون الوردي في لحظات عشقه وفرحه، إذ بين فترة استعماله للون الأزرق والوردي مسافة غشاوة وقتامة. وهذا ما يؤكد فعلا ميلنا إلى محاولة الخروج من القتامة، ولكن ذلك أيضا برغبة النفس، في النظر إلى الأمور من زاوية إيجابية منيرة، بدلا من النظر إليها بسوداوية.
نام الشوق
برومثيوس (أسطورة النار): نام الشوق في حضرة النسيان، والقلق عذاب الساهرين في جوف الظلام.. وهو خسر الكثير إلا نفسه.. اليوم سيتحدى كبيرهم.. سينسف السقف بلا تردد...زوس (كبير الالهة اليونانية): لن تسامحني... ولكن سرقتها...أما كبدي، قربان العطشى إلى النور والنهار ... النار في جيبي يا ديونيزوس (أسطورة الفرح): خذها إليهم... وانتظرني لنرقص على شعلة النصر تحت نور القمر وأنغام الأقداح.
خديعة كبيرة
كيف سيطرت حفنة من الأعراق الأوروبية على خيرات العالم؟ أعراق بعينها ادعت مركزيتها وزعمت تفوقها على باقي الأعراق فاكتسبت بذلك " حقا " في السيادة على الأرض والبشر. إن تقسيم الأعراق على سلم التفوق من الأعلى الى الأسفل، خديعة كبيرة بدأت منذ 1498 إبان ما يسمى حملات الاكتشافات الجغرافية للعالم جديد خلف البحار البعيدة، ولأن تلك الأرض الجديدة لم تكن خلاء، تعرض سكانها المحليين للإبادة الممنهجة، فلكي تسلب أرضهم سلبت أرواحهم أولا، فكانوا في أعين هؤلاء الغزاة وحوشا لا بشر، عبيدا وآلات. هكذا استغل عرق بعينه ضربة حظ منحته فكرة التفوق فصدقها، وأرغم باقي الأعراق على تصدقيها بالنار والحديد.
جوهر التفلسف والتفكير
جوهر التفلسف هو " ما" وما دور الفلسفة والفيلسوف والمفكر ما لم يعملا على تغيير زوايا النظر بصفة تامة، وتقويض الأحكام غير المشيدة على أسس صلبة، والتي أصبحت حقيقة بفعل التكرار وما يتوافق عليه الحس المشترك؟ فكل تفلسف أصيل هو توليد لسؤال أصيل، وهذا لن يتحقق إلا بالصراع والمكاشفة؛ ذلك أن الفيلسوف الحق يميل الى المواجهة والنبش في رميم الوثوقيات، بسلاح الشك. أما من يدعي ذلك، يبقى مجرد مثقف يقدم الوصفات الجاهزة والحال أن الفيلسوف لا ينتظر ظهور المشكلات لأنه يولد المشكلات في العلم والسياسة والدين وغيرها.
عولميات
الهدف المعلن للعولمة الثقافية، هو خدمة البشرية عامة، بتوحيد المصير، وإزالة الحواجز الجغرافية، وإشاعة القيم الإنسانية المشتركة وحمايتها، وتوحيد الجهود لتحسين حياة الإنسان عن طريق نشر التقنية الحديثة من مراكزها، إلى أقصى أطراف الأرض، والمساعدة في حلّ مشكلات الإنسانية… يبدو أن هذه الأهداف كانت جزءا من شعارات النظام العالمي الجديد منذ تسعينات القرن الماضي. والسؤال: ماذا حصد العالم من هذا النظام؟ وماذا سيحصد؟ إن العولمة الثقافية أداة فعالة للرأسمالية والليبرالية الجديدة لتسويق منتجاتها باسم الانفتاح والعولمة. إن البضائع لم تكن لتباع في تلك الأسواق، إذا لم تسبقها عمليات معقدة من " التدجين " والتهجين " وغسل الأدمغة " بوسائل جديدة تتجاوز الوسائل الإشهارية العادية، وما وسائط التواصل الاجتماعي الجديدة إلا عنوان مرحلة متقدمة من مراحل العولمة الثقافية في أفق تشكيل مفهوم "الإنسان المستهلِك" قيمته القصوى في ما يملك من قدرة على "التضبُع" أقصد "التبضُع".
فلسفة الثقافة
لا يمكن فصل الدلالات الفلسفية لمفهوم الثقافة، عن دلالات الفلسفة نفسها، بما أنها شكل من الأشكال العليا للثقافة البشرية في تجلياتها العقلية. والبحث الفلسفي في الثقافة، هو في حد ذاته بحث في شروط المعرفة البشرية، كأن سؤال ما الثقافة؟ ليس إلا تكرار فلسفي لسؤال ما الانسان؟ بما أن الثقافة شيء إنساني خاص إذن، فالفلسفة تبحث في هذه الشروط التي تجعل الثقافة شيئا إنسانيا خاصا.
مشروع من أجل سلام دائم
وضع امانويل كانط Kant (فيلسوف ألماني) مصطلح Völkerbund (سلام) كمصطلح يشير إلى التعاون العالمي، وقد نشر كانط هذا الكتيب " مشروع من أجل سلام دائم" سنة 1795 أعلن فيه أن إنشاء حلف بين الشعوب، هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على شر الحروب، من خلال القضاء على فكرة دوام الاستعداد للحرب القادمة بين الدول. فالحرب نتيجة مباشرة لنمو القوة المادية للإنسان، والرغبة في تحصين هذه القوى وتنميتها، يدفعه إلى الصراع المستمر. فكرة الحرب قائمة منذ القديم. لقد لعبت الثورة الفرنسية 1789 - وما نتج عنها حينئذ من تغيرات سياسية واجتماعية وتقويض للسلط الاستبدادية والحكم المطلق - دورا كبيرا في توجيه أفكار كانط نحو تكوين نظرة تفاؤلية، وربما نجاح تلك الثورة هو ما دعاه إلى أن يرى في تنظيم الشعوب تنظيما داخليا على أساس جمهوري، تمهيدا ضروريا لإنشاء جمهورية عالمية شاملة يسودها السلام الدائم، وهذا ما شكل الأساس الفلسفي، لما يسمى اليوم منظمة الأمم المتحدة، وريثة منظمة عصبة الأمم، التي أسست بعد الحرب العالمية الأولى، كفكرة للحفاظ على السلم العالمي برعاية القوى المنتصرة، وقد كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 أولى نتائج هذه الفكرة، حيث تم ترسيخ مبدأ السلام والأمن، باعتباره حق أساسي من حقوق الإنسان.
المثقف والفيلسوف
يرتبط دور المثقف بدور الفيلسوف، إذا ما نظرنا إلى الهدف الأساسي للعمليات التي يسعى إليها كل واحد منهما، إن الفيلسوف، مثقف من حيث معرفته لذاته وللعلم، وسعيه لتوليد المشكلات، وإبراز المفارقات، عن طريق السؤال. وذلك بهدف محاولة تحطيم القوالب الجامدة، والأنماط الثابتة، والتعميمات الاختزالية. لكن في أحيان كثيرة، نكتشف أن المثقف بالمعنى العام ليس بضرورة فيلسوف، بل يقوض عمل الفيلسوف، لأنه يعمل من أجل إيجاد أجوبة كافية للأسئلة التي ولدها الفيلسوف، فالمثقف يبحث لكي ينظر إليه اليوم كمصدر للحلول. عكس الفيلسوف الذي ينظر إليه كناقد ومشاغب فكرى، لا يرضى بالجاهز، ولا يركن إليه. من هنا ينظر المثقف إلى الفيلسوف من وجهة نظر تتطابق مع تلك التي تتبناها السلطة، غير أن الفيلسوف ينظر إلى المثقف على أنه فاعل ومتلقي لتلك الأسئلة الكبرى، وأيضا مانعا لها أحيانا.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة