الحمامة العمياء – قصة: العياشي ثابت

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

الحمام حول نافورة المدينة الكبرى بين طائر بجناحيه أو ماش على رجلين، أن واقف على كف طفل، ينقر بعض حبات القمح... إلا واحدة رأيتها لا تتحرك. تنقرها حمامة متحركة، في محاولة يائسة لإشراكها في هذا العرس المتواصل، حيث يمرح الكبار والصغار من الناس والحمام...يتجرأ عليها ذكر الحمام، فينقر هامتها نقرا مؤذيا، فتحني رأسها المسكينة، غير قادرة على الرد.. اقتربت منها، ظلت في مكانها، كان جفناها منغلقين تماما؛ ربما أصابها مرض جعلها عمياء لا تبصر... بدا عليها الهزال، فربما لم تأكل شيئا ولم تشرب الماء منذ فترة. حملتها بباطن كفي، أجلستها أمامي، فتحت منقارها، وصببت في جوفها قطرات من الماء، ابتلعت القطرات رغم أن قلبها كان يخفق بسرعة من شدة الخوف. أتبعت الماء قطعا صغيرة من فتات الخبز، كانت المسكينة تبتلعها بصعوبة، وختمت الإسعاف بقطرات ماء إضافية، أحست الحمامة ببعض الانتعاش، لكنها كانت بحاجة إلى عينيها كي تعيش...فكرت أن آخذها إلى طبيب بيطري، لكن الأمر قد يحتاج إلى رخصة من مجلس المدينة، فالحمام حمامه، والنافورة نافورته، والساحة ساحته... تذكرت أن أمي رحمة الله عليها كانت قد عالجت إحدى دجاجاتها التي أصيبت بالعمى إثر انغلاق جفنيها، ففعلت مثلها: فتحت جفنيها بإبهاميّ الإثنين، ورششت عينها الأولى بالماء، وكذلك فعلت بالعين الثانية، بدت عينا الحمامة سليمتين من الداخل، فالمشكلة كانت في الداء الذي أصاب جفنيها. كانت إحدى الزائرات ترقب ما فعلت، طلبت منها أن تناولني مرطبا إن كان لديها في محفظتها، غسلت جفني الحمامة بالمرطب، وأضفت إليه مرهما أصفر كان بمحفظة الزائرة، فبدأ جفنا الحمامة يرفان، وشيئا فشيئا، أحسست كأنها تراني، وضعتها على كفي، لكنها لم تحاول الطيران، فقد أخذ منها الوهن مأخذه... بعد لحظات، وضعتها على الأرض، فتحركت قليلا. فرحت كثيرا حين نقرت بعض الحبيبات، ثم طارت باتجاه السرب المشاكس...هممت بمغادرة المكان، فإذا برجل ادعى أنه من الأمن، طلب مني بطاقة تعريفي، ثم قال لي وهو يهرول: اتبعني إلى المخفر!

-هل أنت من عالج الحمامة العمياء؟
-أجل، ساعدتها بما أعرف...
-هل أنت طبيب بيطري
-لا
-هذه أول تهمة يا سيد مصطفى: انتحال صفة... وهل لديك ترخيص من المجلس كي تساعد الحمام؟
-لا، فقط حاولت تقديم المساعدة لحمامة عمياء
-هذه تهمة أخرى سيد مصطفى: فتح عيني الحمامة كي ترى
-وهل هذه تهمة يا سيدي؟ أتريدها أن تموت؟
-لا حق لك في التطاول على اختصاصات المجلس
-هل كان يجدر بي تركها حتى تقتلها بقية الحمام أو تهلك عطشا وجوعا؟
-لو فعلت ذلك لاتهمتك بعدم تقديم المساعدة لحيوان في خطر
-أيها الشرطي، أريد أن أسالك سؤالا
-تفضل
-هل أخبرتك بذلك تلك السيدة التي ناولتني المرطب والمرهم؟
-لا، لقد كنا نراقبك عبر الكاميرا، أنت الآن مطالب بإحضار السيدة التي ساعدتك وإلا...
-وإلا ماذا؟
وإلا سأغلق جفنيك بلصاق خاص
استيقظت مذعورا حتى هويت من فوق السرير، تلمست جفناي بأصابعي، شربت بعض الماء، واستسلمت للنوم على أمل الرجوع إلى الساحة صباح الغد كي أتفقد الحمامة التي كانت عمياء...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة