الهجـــر- توماس ستيفانوفيكس – ت: ادريس الجبروني المصمودي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسالليلة الأولى التي أقضيها وحدي، لا أكاد أصدق أنها ذهبت هكذا، بهذه البساطة، أظن أنها لم تحمل معها أي شيء، غير ما هو ضروري ولازم : بعض الملابس ومواد التجميل وأوراق تعريفها، لازلت أتخيل المشهد كاملا : بدت متكبرة، بعيدة كأنها أميرة أسيوية سلبوا منها كل ما تملك، لاشك أنها، بعد قليل ستعترض طريقها مشاكل. اهتمت فقط بمشط شعرها، وملاءمة الحذاء الذي تلبسه للقميص. تريد أن تنزل الدرج لآخر مرة دون أن يراها أحد، كأنها تقوم بأداء دور "ماريا إستوردو" وهي في طريقها إلى منصة المشتقة : متكلفة الرصانة والوقار، محترمة ومكرمة، سائدة ...
تركت من ورائها ثماني سنوات من الحياة الزوجية، بالأمس وبفتور وبلا مبالاة باردة رفضت بنصف جملة ما كان منذ يومين يساوي عندها الكون كله : تركت لي الأطفال، وذهبت كي لا تعود أبدا.
إنها تستحق الإعجاب على موقفها المفاجئ والأصيل، وتلك السهولة في رمي كل شيء إلى جانب، هجرت كل شيء حتى أتمتع أنا وحدي بما كسبناه معا، وحتى لا يتمتع غيري برؤية الأطفال يكبرون ويضحكون، وأجلس بجانبهم مشغول البال عندما يمرضون، وعلي أن أحمل ذكريات فراش الحياة الزوجية، وألبوم الصور الفوتوغرافية، والحديقة التي تنام فيها نباتات الخزامى التي غرستها بنفسها، وقريبا ستنبت زهورها.
تركت لي كل شيء، وكأنها حملت معها كل الأشياء، أسمع خطاها الثابتة وهي تمر عبر الغرفة، المدخل الصغير وصعقة الباب من ورائها، غادرت الدار وبقيت خالية. أن الأثاث بقي في مكانه، اللوحة ذات الزهور الصفر، إحدى اللوحات الأولى التي رسمها صديق العائلة المحبوب "ألدو" لم تتحرك من مكانها ولو مليمترا واحدا –أما الأشياء- البساط الذي تبادلنا الحب فوقه يوما مرتجفين في غيبوبة وجنون، والكرسي الذي غلفناه بثوب رمادي غليظ والذي قرأت لها وأنا جالس عليه أول قصة كتبتها وأنا أنتظر حكمها بقلب نابض، و"بيلافونت" الذي صاحبنا ليالي عديدة "جين" في رقصنا – هذه الأشياء فقدت الروح، إن كانت لها روح فقد حملتها معها.



تلك الدار الكبيرة، ذات الطوابق الأربعة، القليلة الصخب، اللامعة بالضوء والحياة، يسودها الآن سكون الموت، كأنني مت أنا شخصيا. عشت معها، كانت لنا مناقشات، لم نكن نتفاهم في أمور كثيرة، وأوصلنا الغضب والقلق والانتقام إلى الخيانة المتبادلة، إن السعادة الحقيقية فقط يمكن فهمها وإدراكها كمغامرة مشتركة، عرفت نساء كثيرات ولم أعرف السعادة الحقيقية إلا معها، منحتها كل شيء كان عندي، وما حلمت به وها هو أنا، ماذا عساه أن يكون منحها أو وعدها به الآخر حتى تغادر الدار بنباتات الخزامى، وصور أطفالها، وأسطوانات "بيلافونت"؟ كيف يمكن لامرأة أحببتها كثيرا، أن تذهب هكذا ببساطة دون أن تفكر إنها تركت من ورائها رجلا، من دونها لن يعرف كيف يبدأ حياته ؟.

توماس ستيفانوفيكس
الأوروغواي

عن المجموعة القصصية
-Tomas Stefanovics

-El Divorcio – Montevideo, 1981

Editorial Geminis

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة