إيقاع الخروج – قصة : اشرف الخريبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسكنت كلما اقتربت من نقر أصابعي فوق الباب يزيد ارتباكي وقلقي. حرصت أن يكون الدق خفيفا وأقل من لسع البرد في ظهري.
قلت: سأحكي كثيرا..
لملمت طرفي السويتر وأقفلت السوستة إلى أعلي قمة في رقبتي..
 كدت أفر إليها لحظات كثيرة بعد هربي من كل سنوات عمري الماضي.
 أعود إليك حد الأحلام والدهشة والتفاصيل الذكية الصامتة أو هروب من حالة الجمر والتوهج في سراديب عتيقة . أترصد فحيح اللحظات وأخبو مع تراكم وعيي بالسعادة المطلقة، وأجيج الانتظار الذي يأخذ شكل الانتحار أحيانا.انفتح الباب وزام.
مساء الخير.
جاهدة كانت تحاول إخراجي من إعياء الذاكرة، أهرب من تقمصي لحالة الرجل البارد .ومن قبض الانتظار في صحراء التذكر
ملامحي تغيرت عن أيام زمان ،شعر ذقني الكثيف نابتا دون نظام وهي تضم أطراف القميص الحرير، تعصر التشابه الممكن.أنتقل للخواء وأخفض نطري للأرض
الأستاذ محمد موجود ؟
التقت عيناها الباهتتان بطواحين صمت، وهي تمر بعيونها من أطراف شعري المنكوش حتى ساقين ذابلتين، دهر يمر بلا كلمة واحدة سوي سؤال عن الاسم. أردت لو أحكي لها، أحكي نفس الحكاية عن المظلومين. وحدي تخطيت عتب الباب ووجهت وجهي ناحيتها وهي تشير باتجاه الصالون، بحذر جلست، شددت قدمين باردتين لطرف الكنبة الفخمة الكبيرة.
 كان المكان شبه دافئا، ومغلقا كان نظيفا ولامعا
وساعات طويلة أبكي بلا وجع ويلتبس الحب بالموت في زمني وألهو\أحب كيفما أحب كي أظل في تلك المساحة القاهرة \ الفزعة  بين مداعبة الريح والروح التي تهرب مني ،تتركني للصمت والنزيف الهادر كموج البحر. أتقهقر للوراء في نفس ذلك اليوم. أرتد بدائيا يعيش في مجاهل الصحراء، أبحث عن ملاذ لراحتي وراحلتي، أري كل شيء منتبها في ذاكرتي واقفا كالصخر. أري صورتي وحزني وجسدي الخاوي وتضيع أذني في متاهة ما أري . تختلط أصوات علي ألوان علي كلمات في الذاكرة البليدة.استغرقت وقتا في إثارة الود القديم متفاديا كل ما أزعجني. فقط كنت سعيدا باسترجاع بعض اللحظات. حين جاء مرتديا الروب الثقيل وفي فمه السيجار، هممت واقفا، سلم عليً بطرف يده ورسم فوق فمه ابتسامة باهتة، كان الهواء بالخارج باردا وأنا أحاول القبض علي أصابعه الغليظة. كنت أنوي أن أحكي كثيرا عنها .. تلك التي ملأتني بدفء. وراحت بعد وقت قصير. الوحيدة القادرة علي استبقاء قلقي في صدرها. تعهدتني بابتلاع الأرصفة والزحام والتفاصيل والحيرة . أهدتني الصمت والعصافير الملونة ثم مضت ..
- أجلس .
ارتخيت ببطيء شديد فوق كنبة حارقة وواسعة.أرغمتني علي وضع الابتسامة لخجلي في محاولة لشرح حالتي دون كلام كثير
- أخبارك ؟
انمحت أداة الاستفهام وبقي السؤال مرعبا؟
 لم تعجبني الصيغة المكررة. تململت من مكاني وعدت واعتدلت زاحفا للإمام هيأت نفسي أن أحكي أية حكاية . وضع ساقا فوق الأخرى، ووجهي يميل منحرفا عن الابتسامة التي صنعتها أيامي  حين أعود كليل ملتهب للخواء وفترات القشعريرة.تجرفني الأيام الخاوية فوق بلاط عار، تكتمني رائحة البول وفساد الهذيان عرفت جانبا للمظلومين لا ينمحي وأخر مشع للظالمين لا ينمحي أيضا، وراء أبواب من حديد صحوت قابضا علي شجاعتي وهو يسأل عن أولادي. أدهشتني قمة اليقظة. كان فمي مرا ولساني أعورا لا يقوي علي النطق وحكاية قديمة أردت أن أقول، كان كلاما قديما يتناكح مع الصمت ويتركني.كان بارد كالشتاء فخما كثور كبير.وكنت الوحيد الباقي مما مضي\ باق دون بيت أو فراش
قالت : نجلس في الحديقة حتى الصباح .
أنا وأنت وزهور ساهرة وقصة تكتبها لي وحدي.كنت لا أعي شكل التفاف القلب، افترضت الفرح والحلم ،الشتاء الجميل وقبض الذاكرة
قالت : نذهب لمكان بعيد جدا، نداعب الشارع والرصيف. نركب قطارا حتى أسوان ليلة واحدة ثم نعود ونركبه في الرجوع وفي العودة  لماذا نسأل عن أسباب التيقظ .لأني أحبك ألف عام دفعة واحدة .. هل تعرف .. ثم مضت،صمتت كل هذه المدة الطويلة،والحارات تطن طنين النحلة في الخلية ويظل الكائن الذي يسكنني كعفريت من الجان،أتابع الألوان والضوء والظلال \المطر والأرصفة والزحام،يمر ما يمر أمام عيني وساعات طويلة أبكي بلا وجع وتهرب روحي من أحضان جسدي الخاوي تتركني وحدي دون انتظار وأظل غير متصل وغير منفصل في تيه.لا علاقة لي بكل مامر من ساعات طويلة، استعنت بالغيبوبة لسقوط كل شيء، قلت سأحكي كثيرا.دخلت تحمل صينية الشاي،لم تسألني ولم أشأ أن أسألها.تذكرت البرد والكلاب الضالة والمخبرين حركت لساني وابتلعت ريقي.صعدت التفاحة الآدمية لأعلي ثم انخفضت بصعوبة،كان وجهه بليدا،وكان وجهي ساخنا وجسدي باردا.نظر إلي بعينين باردتين.
وقال : الشاي برد !!
صممت أن أرفض الشاي، كان يوما خرافيا بلا شمس ولا قمر ولا شجر ولا جدران ولا حزن ولا فرح غير هروب وشرود وتشرد محصور في الظلال وجسد يتساءل عن حصار الروح \ وروح تسأل عن حصار الجسد \ جسد برونزي \ نحاسي كإلة النفخ، كالتيه، كالصحراء ..عينان مثبتتان بلا قاع ولا مجري للعيون وأظل شاردا  ساعات طويلة أبكي بلا وجع أري كل شيء نابتا في الذاكرة . صممت أن أرفض الشاي
  نسيت الحيرة واللون والمساحة وحبات المطر. تدحرجت من أمامه ومن أمامها/ مشيت في شارع في بيت عتيق مرتجفا أفر لحنان غريب  كان صفير الهواء أكثر شوقا من مساحات صوته المزحوم بالسعال
     اشرف الخريبي
روائي وناقد مصري عربي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.   
                   

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة