عودة البلشون – قصة : الحمري محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسوراء تلال نتأت كالورم ،ودعتنا شمس نهار قائض وقد تكفنت وسط احمرارخالطه سواد طفيف.
أسراب طائر البلشون بدت سوداء رغم بياضها،عائدة تغازل هدوء السماء دون حفيف يسمع. تشكلت مرات كرأس رمح أو كانفراج سبابة وإبهام طفل يحلم بنصر ما... فشكلت فاصلا يملأ فراغ صمتنا ، نلاحقها بنظراتنا إلى أن تغيب.
مشينا بمحاذاة سكة القطار،السكة التي هربت خيرات مدينتي وخرب كلاهما عشرات الأسر، كانت أسرة فريدة واحدة منهن. قضى والدها تحت أنقاض جبل انهار حين كانوا ينهشون جوفه.لازال هناك إلى أن يستخرج كما تستخرج الآن بقايا قرش انحسر عنه الماء ذات تشكل بعيد.
جلسنا بعد أن كادت البيوت تتوارى وراء ظلمة خفيفة،بعض الشوارد من البلشون مرت مارقة كالسهم.حدثت فريدة كيف كنا صغارا نتسلى باصطياده:"
كنا نلقي بمعي محشو بصنارة يعلق به بمجرد ابتلاعه..."
علا صفير قطار آت عبر التواء يخفيه،سبقه اهتزاز ثم مر مخلفا غيمة غبار أدمعت أعيننا.الإضاءة الداخلية للمقصورات عكست وجوها التصقت بزجاج النوافذ،بعضهم أومأ بإشارات مخجلة...
تذكرنا رحلتنا إلى العاصمة وعناء الحصول على خرائط تعين فريدة في بحث اعتبرته شاهدا لقبر لم يوجد،أهدته لروح والدها الذي لم يكتب لها أن تراه:" إلى روح والدي الذي عانقه جبل تراب".
أبعدنا شبح الذكرى حين أعادت لذهنها صورة تلك المرأة الأوروبية التي حبست جسدها في لباس ضيق ليبرز ترهله أكثر وكيف كان ذلك الشاب الذي يرافقها، يستفيض في شرح أحوال المعلمين والمتعلمين والتعليم كلما لاحت له حجرات كأضرحة تحرس مقابر مهجورة...و رده الحاد على شيخ ـ عليه أثر بداوة ـ حين راعه حجم جثت الحيوانات ومنازل فارغة شرعت أبوابها ونوافذها لنعيب غربان لمعت في السماء فعلق:
" حين شاعت الفاحشة والمنكر،ساءت أحوالنا..."
عدنا كآخر بلشونين،اخترنا أن نغير مسار العودة،فقادتنا أقدامنا إلى شوارع فسيحة،أنيقة وهادئة.امتزجت روائح أشجار مثمرة مع عبق ورود تحف جنبات بيوت احتلت مداخنها أعشاش لقالق صلبة ومتماسكة .الأشجار العملاقة،الكثيفة الأغصان، كساها البلشون كندف ثلج كثيف وتصاعد اصطكاك مناقيرها المزعج... "طخ طخ...طخ "رفرفت مذعورة دون اتجاه،كست شجرة أخرى،دوي الطلقات سمع من جديد " طخ...طخ" تأكدنا أن طائر البلشون هو هدف الطلقات... لم تنم فريدة ليلتها.
من على شرفتي،رأيت التلال التي تزداد نتوء،رأيت امتداد شريط الغبار الأبيض ،المنبعث من مداخن عملاقة،يتلاشى عميقا.ورأيت أسراب البلشون تتوجه نحو البرك الشرقية للمدينة حيث تقضي نهارها لتعود الى حيث الدوي ليلا...من على شرفتي راعني، كما راع الشيخ خواء البيوت وانتشار جثت الحيوانات،بساط ابيض يكسو شاحنة النفايات المكشوفة... عادت، لما كادت الشمس تغادرنا، أسراب البلشون كرأس رمح أو كانفراج سبابة وإبهام... وعاد صفير القطارات يمزق هدوء مدينتي بانتظام...
 
الحمري محمد / اليوسفية

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة