حوار الصم- نص : الطاهر كردلاس

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسأشعل ( س . م ) سيجارة من النوع الجيد .. وراح يتأمل دخانها المتصاعد .. ثم قال لصحبه وهو يحاوره ــ رغم علمه بضحالة فكر صاحبه وعدم حبه للجدل ــ : كيف تستطيع أن تجزم أن اللعنة الأبدية  أو الأزلية هي لعنة ناتجة عن سلوك بشري معوج ؟
رد صاحبه ( م . ع ) بشيء من الانتشاء ــ كمن يعلم سر الأمور ظاهرها وباطنها ــ : هذا مما لايتناطح عليه كبشان .. رغم أنني لست كبشا كما تعلم ..
رد عليه ( س. م ) بشيء من البرود ، مستفزا إياه بسؤال أعوص : لكن كيف تفسر أن اللعنات الكونية قد حدثت في علم الأزل ولما يكن على ظهر الأرض بشر ؟؟ وهل في اعتقادك أن ذلك النيزك الذي هبط من أعلى، منذ ملايين السنين الضوئية بسرعة جنونية مدمرا ما حوله، أيحمل في جوفه حقدا كريها على كائنات الأرض ــ رغم خلوها من البشر في ذلك الزمن السحيق ــ ؟
 رد صاحبه بارتباك باد على محياه ، كمن يدافع عن عقيدة راسخة في ذهنه رسوخ الجبال : ما أكثر سفسطتك !!هل أنت بهذه الوثوقية حتى تعتقد في خزعبلات ما لها من سند علمي ؟ و ليست سوى تخمينات واهية ، ما أنزل الله بها من سلطان ؟؟ فهل للنيزك  جوف حتى يحمل حقدا أو أحساسا من أي نوع ؟؟ ومن أدرانا أن النيزك موجود أصلا ؟؟ إن ثقتك العمياء في العلوم البحثة ضرب من العبودية المطلقة لأشياء نسبية لايقر لها قرار أمام ما هو مطلق ، ولايحتمل شكا أو جدالا ..
أدرك ( س. م ) بحدسه الثاقب أن حوارهما، هو حوار الصم.. ولن يصل مع صاحبه ( م . ع ) إلى قناعات منطقية ، مادام صاحبه يقتنع اقتناعا لايتزحزح ، بأفكاره ومبادئه المتوارثة ..  والتي لاتقبل الجدل والحوار،  في أمور سبر أغوارها العلم وقطع فيها أشواطا بعيدة ، ملامسا الحقيقة في كثير من الجوانب رغم نسبيتها ..
وحاول (س . م ) تغيير مجرى الحديث ... إلا أن ( م. ع ) فاجأه بتساؤل ارتبك له قليلا : ألا تدري أن ما وصل إليه الإنسان من علم ومعرفة هو سر بلائه وشقائه في هذا الوجود ؟؟ أنا لاأقصد التصنيع ولا التقنية الحديثة ، ولكنني أعني ما أوصلنا إليه العلم من قيم وأخلاقيات اجتثت الأصول والمبادئ .. وكادت تعصف بها في قرار سحيق .. لذا أنا لا أماري إذا جزمت أن اللعنة الأدبية ــ كما أسميتها أنت ــ ناتجة عن سلوك بشري معوج ...
نثر( س. م )  نفسا من سيجارته التي اشتد لهيبها حتى أحرقت  شفته السفلى قليلا .. والتهب داخله كرماد السيجارة الملتهب.. وقرر أن يفحم صاحبه بكل ما أوتي من جرأة في الجدل والسجال .. بدل أن يجعله معتزا باستنتاجاته الواهية ، التي تستند على مرجعية وثوقية تنظر إلى الإبداعات الإنسانية  كشيء تافه / لا قيمة له إلا إذا عززت هذه الإبداعات / تلك المرجعية وأبانت عن جدارتها وقطعيتها وإطلاقيتها ومعصوميتها من الزلل أو التناقض .. ولكنه قرر في قرارات نفسه أن يتراجع عن فكرته ، طالما أن صاحبه يتوهم توهمات ، هي أشبه بالحقيقة المطلقة التي لا يطالها الشك والريبة .. فليدعه سجين أناه ..  حبيس تصوراته .... فما أكثر اشباهه ونظائره ، في هذا الزمن الذي خلخل  المفاهيم العطنة البائدة / بمفاهيم أكثراستنارة  وإشراقا!!

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة